فصل: قال ابن عطية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عطية:

{وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ}
روي أن مبتاع يوسف- وهو الوارد من إخوته أو التاجر من الوراد، حسبما تقدم من الخلاف- ورد به مصر، البلد المعروف، ولذلك لا ينصرف، فعرضه في السوق، وكان أجمل الناس، فوقعت فيه مزايدة حتى بلغ ثمنًا عظيمًا- فقيل: وزنه من ذهب ومن فضة ومن حرير فاشتراه العزيز، وكان حاجب الملك وخازنه، واسم الملك الريان بن الوليد، وقيل مصعب بن الريان، وهو أحد الفراعنة، وقيل: هو فرعون موسى، عمر إلى زمانه.
قال القاضي أبو محمد: وهذا ضعيف، وذلك أن ظهور يوسف عليه السلام لم يكن في مدة كافر يخدمه يوسف؛ واسم العزيز المذكور: قطفير، قاله ابن عباس، وقيل: أطفير، وقيل: قنطور؛ واسم امرأته: راعيل، قاله ابن إسحاق، وقيل ربيحة، وقيل: زليخا، وظاهر أمر العزيز أنه كان كافرًا، ويدل على ذلك كون الصنم في بيته- حسبما نذكره في البرهان الذي رأى يوسف- وقال مجاهد: كان العزيز مسلمًا.
والمثوى مكان الإقامة، والإكرام إنما هو لذي المثوى، ففي الكلام استعارة وقوله: {عسى أن ينفعنا}، أي بأن يعيننا في أبواب دنيانا وغير ذلك من وجوه النفع، وقوله: {أو نتخذه ولدًا} أي نتبناه، وكان فيما يقال لا ولد له.
ثم قال تعالى: {وكذلك}، أي كما وصفنا: {مكنا ليوسف في الأرض ولنعلمه} فعلنا ذلك. و: {الأحاديث}: الرؤيا في النوم- قاله مجاهد- وقيل: أحاديث الأمم والأنبياء.
والضمير في: {أمره} يحتمل أن يعود على يوسف، قال الطبري، ويحتمل أن يعود على الله عز وجل، قاله ابن جبير، فيكون إخبارًا منبهًا على قدرة الله عز وجل ليس في شأن يوسف خاصة بل عامًا في كل أمر. وكذلك الاحتمال في قول الشاعر: الطويل:
رأيت أبا بكر- وربك- غالب ** على أمره يبغي الخلافة بالتمر

وأكثر الناس الذين نفي عنهم العلم هم الكفرة، وفيهم الذين زهدوا في يوسف وغيرهم ممن جهل أمره، وروي عن عبد الله بن مسعود أنه قال: أصح الناس فراسة ثلاثة: العزيز حين قال لامرأته: {أكرمي مثواه}، وابنة شعيب حين قالت: {استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين} وأبو بكر حين استخلف عمر بن الخطاب.
قال القاضي أبو محمد: وفراسة العزيز إنما كانت في نفس نجابة يوسف لا أنه تفرس الذي كان كما في المثالين الآخرين، فإن ما تفرس خرج بعينه.
والأشد: استكمال القوة وتناهي البأس، أولهما البلوغ وقد عبر عنه مالك وربيعة ببنية الإنسان، وهما أشدان: وذكره منذر بن سعيد، والثاني: الذي يستعمله العرب وقيل: هو من ثماني عشرة سنة إلى ستين سنة.
قال القاضي أبو محمد: وهذا قول ضعيف. وقيل: الأشد: بلوغ الأربعين، وقيل: بل ستة وثلاثون. وقيل: ثلاثة وثلاثون.
قال القاضي أبو محمد: وهذا هو أظهر الأقوال-فيما نحسبه- وهو الأسبوع الخامس، وقيل: عشرون سنة، وهذا ضعيف. وقال الطبري: الأشد لا واحد له من لفظه، وقال سيبويه: الأشد جمع شدة نحو نعمة وأنعم، وقال الكسائي: أشد جمع شد نحو قد وأقد، وشد النهار: معظمه وحيث تستكمل نهاريته.
وقوله: {حكمًا} يحتمل أن يريد الحكمة والنبوءة، وهذا على الأشد الأعلى، ويحتمل الحكمة والعلم دون النبوءة، وهذا أشبه إن كانت قصة المراودة بعد هذا. و: {علمًا} يريد تأويل الأحاديث وغير ذلك. ويحتمل أن يريد بقوله: {حكمًا} أي سلطانًا في الدنيا وحكمًا بين الناس بالحق. وتدخل النبوة وتأويل الأحاديث وغير ذلك في قوله: {وعلمًا}.
{وكذلك نجزي المحسنين} ألفاظ فيها وعد للنبي صلى الله عليه وسلم، فلا يهولنك فعل الكفرة بك وعتوهم عليك فالله تعالى يصنع للمحسنين أجمل صنع. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَقَالَ الذي اشتراه مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ}
قيل: الاشتراء هنا بمعنى الاستبدال؛ إذ لم يكن ذلك عقدًا، مثل: {أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى} [البقرة: 16].
وقيل: إنهم ظنوه في ظاهر الحال اشتراء، فجرى هذا اللفظ على ظاهر الظن.
قال الضّحاك: هذا الذي اشتراه ملك مصر، ولقبه العزيز.
السُّهيلي: واسمه قطفير.
وقال ابن إسحق: إطفير بن رويحب اشتراه لامرأته راعيل؛ ذكره الماورديّ.
وقيل: كان اسمها زَلِيخَاء.
وكان الله ألقى محبة يوسف على قلب العزيز، فأوصى به أهله؛ ذكره القُشيريّ.
وقد ذكر القولين في اسمها الثّعلبيّ وغيره.
وقال ابن عباس: إنما اشتراه قطفير وزير ملك مصر، وهو الريان بن الوليد.
وقيل: الوليد بن الريان، وهو رجل من العمالقة.
وقيل: هو فرعون موسى؛ لقول موسى: {وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بالبينات} [غافر: 34] وأنه عاش أربعمائة سنة.
وقيل: فرعون موسى من أولاد فرعون يوسف، على ما يأتي في غافر بيانه.
وكان هذا العزيز الذي اشترى يوسف على خزائن الملك؛ واشترى يوسف من مالك بن دُعْر بعشرين دينارًا، وزاده حلة ونعلين.
وقيل: اشتراه من أهل الرّفقة.
وقيل: تزايدوا في ثمنه فبلغ أضعاف وزنه مِسْكًا وعنبرًا وحريرًا وورِقًا وذهبًا ولآلئ وجواهر لا يعلم قيمتها إلا الله؛ فابتاعه قطفير من مالك بهذا الثمن؛ قاله وهب بن منبّه.
وقال وهب أيضًا وغيره: ولما اشترى مالك بن دُعْر يوسف من إخوته كتب بينهم وبينه كتابًا: هذا ما اشترى مالك بن دعر من بني يعقوب، وهم فلان وفلان مملوكًا لهم بعشرين درهمًا، وقد شرطوا له أنه آبق، وأنه لا ينقلب به إلا مقيدًا مسلسلًا، وأعطاهم على ذلك عهد الله.
قال: فودّعهم يوسف عند ذلك، وجعل يقول: حفظكم الله وإن ضيعتموني، نصركم الله وإن خذلتموني، رحِمكم الله وإن لم ترحموني؛ قالوا: فألقت الأغنام ما في بطونها دمًا عَبِيطًا لشدّة هذا التوديع، وحملوه على قتب بغير غطاء ولا وطاء، مقيدًا مكبّلًا مسلسلًا، فمرّ على مقبرة آل كنعان فرأى قبر أمّه وقد كان وكل به أسود يحرسه فغفل الأسود فألقى يوسف نفسه على قبر أمّه فجعل يتمرّغ ويعتنق القبر ويضطرب ويقول: يا أماه! ارفعي رأسك تري ولدك مكبلًا مقيدًا مسلسلًا مغلولًا؛ فرّقوا بيني وبين والدي، فاسألي الله أن يجمع بيننا في مستقرّ رحمته إنه أرحم الراحمين، فتفقده الأسود على البعير فلم يره، فقفا أثره، فإذا هو ببياض على قبر، فتأمله فإذا هو إياه، فركضه برجله في التراب ومرغه وضربه ضربًا وجيعًا؛ فقال له: لا تفعل! والله ما هربت ولا أبِقت وإنما مررت بقبر أمي فأحببت أن أودّعها، ولن أرجع إلى ما تكرهون؛ فقال الأسود: والله إنك لعبد سوء، تدعو أباك مرة وأمك أخرى! فهلا كان هذا عند مواليك؛ فرفع يديه إلى السماء وقال: اللهم إن كانت لي عندك خطيئة أخلقت بها وجهي فأسألك بحق آبائي إبراهيم وإسحق ويعقوب أن تغفر لي وترحمني؛ فضجّت الملائكة في السماء، ونزل جبريل فقال له: يا يوسف! غُضّ صوتك فلقد أبكيت ملائكة السماء! أفتريد أن أقلب الأرض فأجعل عاليها سافلها؟ قال: تثبت يا جبريل، فإن الله حليم لا يعجل؛ فضرب الأرض بجناحه فأظلمت، وارتفع الغبار، وكسفت الشمس، وبقيت القافلة لا يعرف بعضها بعضًا؛ فقال رئيس القافلة: من أحدث منكم حدثًا؟ فإني أسافر منذ كيت وكيت ما أصابني قطّ مثل هذا فقال الأسود: أنا لطمت ذلك الغلام العبرانيّ فرفع يده إلى السماء وتكلم بكلام لا أعرفه، ولا أشك أنه دعا علينا؛ فقال له: ما أردت إلا هلاكنا ايتنا به، فأتاه به، فقال له: يا غلام! لقد لطمك فجاءنا ما رأيت؛ فإن كنت تقتص فاقتص ممن شئت، وإن كنت تعفو فهو الظنّ بك؛ قال: قد عفوت رجاء أن يعفو الله عني؛ فانجلت الغبرة، وظهرت الشمس، وأضاء مشارق الأرض ومغاربها، وجعل التاجر يزوره بالغداة والعشي ويكرمه، حتى وصل إلى مصر فاغتسل في نيلها وأذهب الله عنه كآبة السفر، وردّ عليه جماله، ودخل به البلد نهارًا فسطع نوره على الجدران، وأوقفوه للبيع فاشتراه قطفير وزير الملك؛ قاله ابن عباس على ما تقدّم.
وقيل: إن هذا الملك لم يمت حتى آمن واتبع يوسف على دينه، ثم مات الملك ويوسف يومئذ على خزائن الأرض؛ فملك بعده قابوس وكان كافرًا، فدعاه يوسف إلى الإسلام فأبى.
{أَكْرِمِي مَثْوَاهُ} أي منزله ومقامه بطيب المطعم واللباس الحسن؛ وهو مأخوذ من ثوى بالمكان أي أقام به؛ وقد تقدّم في آل عمران وغيره. {عسى أَن يَنفَعَنَا} أي يكفينا بعض المهمات إذا بلغ.
{أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا} قال ابن عباس: كان حَصُورًا لا يولد له، وكذا قال ابن إسحق: كان قطفير لا يأتي النساء ولا يولد له.
فإن قيل: كيف قال: {أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا} وهو ملكه، والوَلدَية مع العبدية تتناقض؟ قيل له: يعتقه ثم يتخذه ولدًا بالتّبنّي؛ وكان التّبني في الأمم معلومًا عندهم، وكذلك كان في أوّل الإسلام، على ما يأتي بيانه في الأحزاب إن شاء الله تعالى.
وقال عبد الله بن مسعود: أحسن الناس فراسة ثلاثة؛ العزيز حين تفرّس في يوسف فقال: {عسى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا}، وبنت شعيب حين قالت لأبيها في موسى: {استأجره إِنَّ خَيْرَ مَنِ استأجرت القوي الأمين} [القصص: 26]، وأبو بكر حين استخلف عمر.
قال ابن العربي: عجبًا للمفسرين في اتفاقهم على جلب هذا الخبرا والفراسة هي علم غريب على ما يأتي بيانه في سورة الحجر وليس كذلك فيما نقلوه؛ لأن الصدّيق إنما ولّى عمر بالتجربة في الأعمال، والمواظبة على الصحبة وطولها، والاطلاع على ما شاهد منه من العلم والمنّة، وليس ذلك من طريق الفراسة؛ وأما بنت شعيب فكانت معها العلامة البينة على ما يأتي بيانه في القَصَص، وأما أمر العزيز فيمكن أن يجعل فراسة؛ لأنه لم يكن معه علامة ظاهرة. والله أعلم.
قوله تعالى: {وكذلك مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأرض} الكاف في موضع نصب؛ أي وكما أنقذناه من إخوته ومن الجبّ فكذلك مكنا له؛ أي عطفنا عليه قلب الملك الذي اشتراه حتى تمكن من الأمر والنهي في البلد الذي الملِك مستول عليه.
{وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأحاديث} أي فعلنا ذلك تصديقًا لقول يعقوب: {وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأحاديث} [يوسف: 6].
وقيل: المعنى مكناه لنوحي إليه بكلام منا، ونعلمه تأويله وتفسيره، وتأويل الرؤيا، وتم الكلام.
{والله غَالِبٌ على أَمْرِهِ} الهاء راجعة إلى الله تعالى؛ أي لا يغلب الله شيء، بل هو الغالب على أمر نفسه فيما يريده أن يقول له: كُنْ فَيَكُونُ.
وقيل: ترجع إلى يوسف؛ أي الله غالب على أمر يوسف يدبّره ويحوطه ولا يكِله إلى غيره، حتى لا يصل إليه كيْدُ كائد.
{ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ} أي لا يطلعون على غيبهِ.
وقيل: المراد بالأكثر الجميع؛ لأن أحدًا لا يعلم الغيب.
وقيل: هو مجرى على ظاهره؛ إذ قد يُطلِع من يريد على بعض غيبه.
وقيل: المعنى: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} أن الله غالب على أمره، وهم المشركون ومن لا يؤمن بالقَدَر.
وقالت الحكماء في هذه الآية: {والله غَالِبٌ على أَمْرِهِ} حيث أمره يعقوب ألاّ يقصّ رؤياه على إخوته فغلب أمر الله حتى قَصّ، ثم أراد إخوته قتله فغلب أمر الله حتى صار ملِكًا وسجدوا بين يديه، ثم أراد الإخوة أن يخلو لهم وجه أبيهم فغلب أمر الله حتى ضاق عليهم قلب أبيهم، وافتكره بعد سبعين سنة أو ثمانين سنة، فقال: {يا أسفى عَلَى يُوسُفَ} [يوسف: 84] ثم تدبّروا أن يكونوا من بعده قومًا صالحين، أي تائبين فغلب أمر الله حتى نسوا الذنب وأصروّا عليه حتى أقرّوا بين يدي يوسف في آخر الأمر بعد سبعين سنة، وقالوا لأبيهم: {إنَّا كُنَّا خَاطِئِين} ثم أرادوا أن يخدعوا أباهم بالبكاء والقميص (فغلب أمر الله) فلم ينخدع، وقال: {بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا} ثم احتالوا في أن تزول محبته من قلب أبيهم فغلب أمر الله فازدادت المحبة والشوق في قلبه، ثم دَبَّرت امرأة العزيز أنها إن ابتدرته بالكلام غلبته، فغلب أمر الله حتى قال العزيز: {واستغفري لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الخاطئين} [يوسف: 29]، ثم دَبَّر يوسف أن يتخلّص من السجن بذكر الساقي فغلب أمر الله فنسي الساقي، ولبِث يوسف في السجن بِضع سنين.
قوله تعالى: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ} {أَشُدَّهُ} عند سيبويه جمع، واحده شِدّة. وقال الكسائي: واحده شَدٌّ؛ كما قال الشاعر:
عَهْدِي به شَدَّ النَّهارِ كأنَّمَا ** خُضِبَ اللَّبانُ ورأسُه بالعِظْلِمِ

وزعم أبو عبيد أنه لا واحد له من لفظه عند العرب؛ ومعناه استكمال القوّة ثم يكون النقصان بعد.
وقال مجاهد وقَتادة: الأَشُدّ ثلاث وثلاثون سنة.
وقال ربيعة وزيد بن أسلم ومالك بن أنس: الأَشُدّ بلوغ الحُلُم؛ وقد مضى ما للعلماء في هذا في النساء والأنعام مستوفى. {آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا} قيل: جعلناه المستولي على الحُكْم، فكان يحكم في سلطان الملك؛ أي وآتيناه عِلمًا بالحُكْم. وقال مجاهد: العقل والفهم والنبوة. وقيل: الحُكْم النبوّة، والعِلم عِلم الدين؛ وقيل: علم الرؤيا؛ ومن قال: أوتي النبوّة صبِيًا قال: لما بلغ أشدّه زدناه فهمًا وعلمًا.
{وكذلك نَجْزِي المحسنين} يعني المؤمنين.
وقيل: الصابرين على النوائب كما صبر يوسف؛ قاله الضحاك.
وقال الطبريّ: هذا وإن كان مخرجه ظاهرًا على كل محسِن فالمراد به محمد صلى الله عليه وسلم؛ يقول الله تعالى: كما فعلت هذا بيوسف بعد أن قاسى ما قاسى ثم أعطيته ما أعطيته، كذلك أنجيك من مشركي قومك الذين يقصدونك بالعداوة، وأمكّن لك في الأرض. اهـ.

.قال الخازن:

قوله تعالى: {وقال الذي اشتراه من مصر} يعني قطفير من أهل مصر: {لأمرأته} وكان اسمها راعيل وقيل زليخا: {أكرمي مثواه} يعني أكرمي منزله ومقامه عندك والمثوى موضع الإقامة وقيل أكرميه في المطعم والملبس والمقام: {عسى أن ينفعنا} يعني إن أردنا بيعه بعناه بربح أو يكفينا بعض أمورنا ومصالحنا إذا قوي وبلغ: {أو نتخذه ولدًا} يعني نتبناه وكان حصورًا ليس له ولد، قال ابن مسعود: أفرس الناس ثلاثة العزيز في يوسف حيث قال لامرأته أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدًا وابنة شعيب في موسى حيث قالت لأبيها استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين وأبو بكر في عمر استخلفه بعده: {وكذلك مكَّنّا ليوسف في الأرض} يعني كما مننا على يوسف بأن أنقذناه من القتل وأخرجناه من الجب كذلك مكناه في الأرض يعني أرض مصر فجعلناه على خزائنها: {ولنعلمه من تأويل الأحاديث} أي مكنا له في الأرض لكي نعلمه من تأويل الأحاديث يعني عبارة الرؤيا وتفسيرها: {والله غالب على أمره} قيل الكناية في أمره راجعة إلى الله تعالى ومعناه والله غالب على أمره يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد لا دافع لأمره ولا راد لقضائه ولا يغلبه شيء وقيل هي راجعة إلى يوسف ومعناه أن الله مستولٍ على أمر يوسف بالتدبير والإحاطة لا يكله إلى أحد سواه حتى يبلغ منتهى ما علمه فيه: {ولكن أكثر الناس لا يعلمون} يعني ما هو صانع بيوسف وما يريد منه.
{ولما بلغ أشده} يعني منتهى شبابه وشدته وقوته، وقال مجاهد: ثلاثة وثلاثون سنة، وقال الضحاك: عشرون سنة وقال السدي: ثلاثون سنة، وقال الكلبي: الأشد ما بين ثمان عشرة إلى ثلاثين سنة وسئل مالك عن الأشد فقال: هو الحلم: {آتيناه حكمًا وعلمًا} يعني آتينا يوسف بعد بلوغ الأشد نبوة وفقهًا في الدين وقيل حكمًا يعني أصابة في القول وعلمًا بتأويل الرؤيا وقيل الفرق بين الحكيم والعالم أن العالم هو الذي يعلم الأشياء بحقائقها والحكيم هو الذي يعمل بما يوجبه العلم وقيل الحكمة حبس النفس عن هواها وصونها عما لا ينبغي والعلم هو العلم النظري: {وكذلك} يعني وكما أنعمنا على يوسف بهذه النعم كلها كذلك: {نجزي المحسنين} قال ابن عباس: يعني المؤمنين وعنه أيضًا المهتدين، وقال الضحاك: يعني الصابرين على النوائب كما صبر يوسف. اهـ.