فصل: قال أبو حيان في الآيات:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ولسائل أن يقول: كيف ينتفع به الرجل؛ وهو عزيز مصر، والكُلُّ في خدمته؟
ونقول: إن النفع المقصود هنا هو النفْع الموصول بعاطفة مَنْ ينفع؛ وهو غير نفع الموظفين العاملين تحت قيادة وإمرة عزيز مصر، فعندما ينشأ يوسف كابن للرجل وزَوْجه؛ وكإنسان تربَّى في بيت الرجل؛ هنا ستختلف المسألة، ويكون النفع مُحَمَّلًا بالعاطفة التي قال عنها الرجل: {أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا} [يوسف: 21].
وقد عَلِمنا من السِّيَر أنهما لم يُرزَقا بأولاد.
ويقول الحق سبحانه في نفس الآية: {وكذلك مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأرض وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأحاديث والله غَالِبٌ على أَمْرِهِ ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ} [يوسف: 21].
وقد بدأ التمكين في الأرض من لحظة دخوله إلى بيت عزيز مصر ليحيا حياة طيبة؛ وليعلمه الله تأويل الحديث؛ بأن يهبه القدرة على تفسير الرُّؤى والأحلام؛ وليغلب الله على أمره.
ولو نظر إخوته إلى ما آل إليه يوسف عليه السلام فسيعرفون أن مرادهم قد خاب؛ وأن مراد الله قد غلب؛ بإكرام يوسف؛ وهم لو علموا ذلك لَضَنَّوا عليه بالإلقاء في الجُبِّ، وهذا شأن الظالمين جميعًا.
ولذلك نقول: إن الظالم لو عَلِم ما أعدَّه الله للمظلوم لَضَنَّ عليه بالظلم.
وساعة يقول الحق سبحانه: {والله غَالِبٌ على أَمْرِهِ...} [يوسف: 21].
فهذا قول نافذ؛ لأنه وحده القادر على أن يقول للشيء كُنْ فيكون؛ ولا يوجد إله غيره ليرد على مراده.
ولذلك قلنا قديمًا: إن الله سبحانه وتعالى قد شهد لنفسه أنه لا إله إلا هو؛ وهو يملك الرصيد المطلق المؤكد بأنه لا إله غيره؛ فهو وحده الذي له المُلْك، وهو وحده القادر على كل شيء.
ولكن خيبة بعض من الخلق الذين يتوهمون أنهم قادرون على أن يُخطِّطوا ويمكروا؛ متناسين أو ناسين أن فوقهم قَيُّوم؛ لا تأخذه سنة ولا نوم، ولو انتبه هؤلاء لَعلِمُوا أن الله يُملِّك بحق مَنْ يُظلم فوق إلى ظَلمه.
ورأينا في حياتنا وتاريخنا ظالمين اجتمعوا على ظُلْم الناس؛ وكان مصيرهم أسوأ من الخيال؛ وأشد هَوْلًا من مصيرهم لو تحكم فيهم مَنْ ظلموهم.
ويقول الحق سبحانه بعد ذلك: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ...}.
والبلوغ هو الوصول إلى الغاية، وقوله تعالى: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ} [يوسف: 22] أي: وصل إلى غايته في النُّضْج والاستواء؛ ومن كلمة: {بلغ} أخذ مصطلح البلوغ؛ فتكليف الإنسان يبدأ فَوْرَ أن يبلغ أشده؛ ويصير في قدرة أن ينجب إنسانًا مثله.
وحين يبلغ إنسانٌ مثل يوسف أشده، وهو قد عاش في بيت ممتليء بالخيرات؛ فهذا البلوغ إنْ لم يكُنْ محروسًا بالحكمة والعلم؛ ستتولد فيه رعونة؛ ولهذا فقد حرسه الحق بالحكمة والعلم.
والحُكْم هو الفيصل بين قضيتين متعاندتين متعارضتين؛ حق وباطل؛ وما دام قد أعطاه الله الحُكْم، فهو قادر على أن يفصل بين الصواب والخطأ.
وقد أعطاه الله العلم الذي يستطيع أن ينقله إلى الغير، والذي سيكون منه تأويل الرؤى، وغير ذلك من العلم الذي سوف يظهر حين يولى على خزانة مصر.
إذن: فهنا بلغ يوسف أشده وحرسه الحق بالحكمة والعلم. ويُذيِّل الحق سبحانه هذه الآية بقوله: {وكذلك نَجْزِي المحسنين} [يوسف: 22].
وكل إنسان يُحسِن الإقامة لِمَا هو فيه؛ يعطيه الله ثمرة هذا الحُسْن، والمثل: حين لا يتأبى فقير على قَدَرِ الله أن جعله فقيرًا، ويحاول أن يُحسن ويُتقِن ما يعمل، فيوضح الله بحُسْن الجزاء: أنت قبلت قدري، وأحسنت عملك؛ فخُذْ الجزاء الطيب. وهذا حال عظماء الدنيا كلهم.
وهكذا نجد قول الحق سبحانه: {وكذلك نَجْزِي المحسنين} [يوسف: 22].
لا ينطبق على يوسف وحده؛ بل على كل مَنْ يحسن استقبال قَدَرِ الله؛ لأنه سبحانه ساعة يأتي بحُكْم من الأحكام؛ وبعد ذلك يعمِّم الحكم؛ فهذا يعني أن هذا الحكم ليس خاصًا بل هو عام.
وإذا كان الحق سبحانه يورد هذا في مناسبة بعينها، فإنه يقرر بعدها أن كل مُحْسِن يعطيه الله الحُكْم والعلم.
وقول الحق سبحانه: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ..} [يوسف: 22].
يوحي لنا أن يوسف عليه السلام كان قد بلغ مرحلة الفتوة، وهنا بدأت متاعبه في القَصْر، ففي طفولته نظرتْ إليه امرأة العزيز كطفل جميل؛ فلم يكُنْ يملك ملامح الرجولة التي تهيج أنوثتها.
أما بعد البلوغ فنجد حالها قد تغيَّر، فقد بدأت تدرك مفاتنه؛ وأخذ خيالها يسرح فيما هو أكثر من الإدراك، وهو التهاب الوجدان بالعاطفة المشبوبة، وما بعد الإدراك والوجدان يأتي النزوع.
ولو كانت محجوبة عنه؛ لما حدثت الغواية بالإدراك والوجدان.
وهذا يعطينا عِلَّة غَضِّ البصر عن المثيرات الجنسية؛ لأنك إنْ لم تغضّ البصر أدرَكتَ، وإن أدركتَ وجدتَ، وإن وجدتَ نزعتَ إلى الزواج أو التعفف بالكبْت في النفس، وتعيش اضطراب القلق والتوتر، وإن لم تتعفف عربدتَ في أعراض الناس.
وكذلك أمرنا الحق سبحانه ألا تُبدِي النساء زينتهن إلا لأناس حددهم الحق سبحانه في قوله تعالى: {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ على جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بني إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التابعين غَيْرِ أُوْلِي الإربة مِنَ الرجال أَوِ الطفل الذين لَمْ يَظْهَرُواْ على عَوْرَاتِ النساء..} [النور: 31].
أي: الذي بلغ من العمر والشيخوخة حدًا لا يجعله يفكر في الرغبة في النساء.
وكانت نظرة امرأة العزيز إلى يوسف عليه السلام وهو في فتوته، بعد أن بلغ أَشُدَّه نظرةً مختلفة، يوضحها الله تعالى في قوله: {وَرَاوَدَتْهُ التي هُوَ بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ...}. اهـ.

.قال أبو حيان في الآيات:

{وجاءت سيارة}
قيل: كانوا من مدين قاصدين إلى مصر، وقيل: في الكلام حذف تقديره: وأقام يوسف في الجب ثلاثة أيام، وكان أخوه يهوذا يأتيه بالطعام خفية من إخوته.
وقيل: جاءت السيارة في اليوم الثاني من طرحه في الجب.
وقيل: كان التسبيح غذاءه في الجب.
قيل: وكانت السيارة تائهة تسير من أرض إلى أرض، وقيل: سيارة في الطريق أخطؤوه فنزلوا قريبًا من الجب، وكان في قفرة بعيدة من العمران لم تكن إلا للرعاة، وفيهم مالك بن دعر الخزاعي فأرسلوه ليطلب لهم الماء.
والوارد الذي يرد الماء ليستقي للقوم، وإضافة الوارد للضمير كإضافته في قوله: ألقيت كاسبهم.
ليست إضافة إلى المفعول، بل المعنى الذي يرد عليهم والذي يكسب لهم.
والظاهر أن الوارد واحد.
وقال ابن عطية: والوارد هنا يمكن أن يقع على الواحد وعلى جماعة انتهى.
وحمل على معنى السيارة في قوله: فأرسلوا، ولو حمل على اللفظ لكان الترتيب فأرسلت واردها.
فأدلى دلوه أي: أرسلها ليستقي الماء قال: يا بشراي.
في الكلام حذف تقديره: فتعلق يوسف بحبل الدلو، فلما بصر به المدلي قال: يا بشراي.
وتعلقه بالحبل يدل على صغره، إذ لو كان ابن ثمانية عشر أو سبعة عشر لم يحمله الحبل غالبًا، ولفظه غلام ترجح ذلك، إذ يطلق عليه ما بين الحولين إلى البلوغ حقيقة، وقد يطلق على الرجل الكامل لقول ليلى الأخيلية في الحجاج بو يوسف:
غلام إذا هز القناة سقاها

وقوله: {يا بشراي} هو على سبيل السرور والفرح بيوسف، هذ رأى أحسن ما خلق. وأبعد السدّي في زعمه أنّ بشرى اسم رجل، وأضاف البشرى إلى نفسه فكأنه قال تعالى: فهذا من آونتك.
وقرأ {يا بشرى} بغير إضافة الكوفيون، وروى ورش عن نافع: {يا بشراي} بسكون ياء الإضافة، وهو جمع بين ساكنين على غير حدة وتقدم تقرير مثله في: {ومحياي} وقرأ أبو الطفيل، والحسن، وابن أبي إسحاق، والجحدري: {يا بشرى} بقلب الألف ياء وإدغامها في ياء الإضافة، وهي لغة لهذيل ولناس غيرهم تقدم الكلام عليها في البقرة، في: {فمن تبع هداي} قيل: ذهب به الوارد، فلما دنا من أصحابه صاح بذلك، فبشرهم به وأسروه.
الظاهر أنّ الضمير للسيارة التي الوارد منهم أي: أخفوه من الرفقة، أو كتموا أمره من وجدانهم له في الجب وقالوا: دفعه إلينا أهل الماء لنبيعه لهم بمصر.
وقال ابن عباس: الضمير في وأسروه وشروه لإخوة يوسف، وأنهم قالوا للرفقة: هذا غلام قد أبق لنا فاشتروه منا، وسكت يوسف مخافة أن يقتلوه، وذلك أنه روي أن بعضهم رجع إلى الجب ليتحققوا أمر يوسف ويقفوا على الحقيقة من فقده، فلما علموا أن الوارد قد أخذوه، جاؤوهم وقالوا تلك المقالة.
وانتصب بضاعة على الحال أي: متجرًا لهم ومكسبًا.
والله عليم بما يعملون أي: لم تخف عليه أسرارهم، وهو وعيد لهم حيث استبضغوا ما ليس لهم، أو والله عليم بعمل أخوة يوسف بأبيهم وأخيهم من سوء الصنع، وفي ذلك أعظم تذكار بما فعلوا بيوسف.
قيل: أوحى الله إليه في الجب أن لا يطلع أباه ولا غيره على حاله، لحكمة أراد مضاءها، وظهر بعد ذلك ما جرى له من جعله على خزائن الأرض، وإحواج أخواته إليه، ورفع أبويه على العرش، وما جرى مجرى ذلك مما كان مكنونًا في القدر.
{وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ (20)}
شرى بمعنى باع، وبمعنى اشترى قال يزيد بن مفرع الحميري:
وشريت بردًا ليتني ** من بعد برد كنت هامه

أي بعت بردًا، وبرد غلامه.
وقال الآخر:
ولو أن هذا الموت يقبل فدية ** شريت أبا زيد بما ملكت يدي

أي اشتريت أبا زيد.
والظاهر أن الضمير في وشروه عائد على السيارة، أي: وباعوا يوسف.
ومن قال: إن الضمير في وأسروه عائد على إخوة يوسف جعله عائدًا عليهم أي: باعوا أخاهم يوسف بثمن بخس. وبخس مصدر وصف به بمعنى مبخوس.
وقال مقاتل: زيف ناقص العيار. وقال عكرمة: والشعبي: قليل. وهو معنى لزمخشري: ناقص عن القيمة نقصًا ظاهرًا. وقال ابن قتيبة: البخس الخسيس الذي بخس به البائع.
وقال قتادة: بخس ظلم، لأنهم ظلموه في بيعه.
وقال ابن عباس وقتادة أيضًا في آخرين: بخس حرام.
وقال ابن عطاء: إنما جعله بخسًا لأنه عوض نفس شريفة لا تقابل بعوض وإن جل انتهى.
وذلك أن الذين باعوه إن كانوا الواردة فإنهم لم يعطوا به ثمنًا، فما أخذوا فيه ربح كله وإن كانوا إخوته، فالمقصود خلو وجه أبيهم منه لا ثمنه.
ودراهم بدل من ثمن، فلم يبيعوه بدنانير.
ومعدودة إشارة إلى القلة، وكانت عادتهم أنهم لا يزنون إلا ما بلغ أوقية وهي أربعون درهمًا، لأنّ الكثيرة يعسر فيها العد، بخلاف القليلة.
قال عكرمة في رواية عن ابن عباس وابن إسحاق: أربعون درهمًا.
وقيل: ثلاثون درهمًا، ونعلام وحلة.
وقال السدي: كانت اثنين وعشرين درهمًا، كذا نقله الزمخشري عنه، ونقله ابن عطية عن مجاهد: أخذها إخوته درهمين درهمين، وصاحب التحرير عنه، وعن ابن عباس.
وقال ابن مسعود وابن عباس في رواية، وعكرمة في رواية، ونوف الشامي، ووهب، والشعبي، وعطية، والسدي، ومقاتل في آخرين: عشرون درهمًا.
وعن ابن عباس أيضًا: عشرون، وحلة، ونعلان.
وقيل: ثمانية عشر درهمًا اشتروا بها أخفافًا ونعالًا.
وقيل: عشرة دراهم، والظاهر عود الضمير في فيه إلى يوسف أي: لم يعلموا مكانه من الله تعالى قاله: الضحاك، وابن جريج.
وقيل: يعود على الثمن، وزهدهم فيه لرداءة الثمن، أو لقصد إبعاد يوسف لا الثمن.
وهذا إذا كان الضمير في وشروه وكانوا عائدًا على إخوة يوسف، فأما إذا كان عائدًا على السيارة فزهدهم فيه لكونهم ارتابوا فيه، أو لوصف إخوته له بالخيانة والإباق، أو لعلمهم أنه حر.
وقال الزمخشري: من الزاهدين، ممن يرغب عما في يده فيبيعه بما طف من الثمن، لأنهم التقطوه، والملتقط للشيء متهاون به لا يبالي بما باعه، ولأنه يخاف أن يعرض له مستحق فينزعه من يده فيبيعه من أول مساوم بأوكس الثمن.
ويجوز أن يكون معنى وشروه اشتروه، يعني الرفقة من أخوته.
وكانوا فيه من الزاهدين لأنهم اعتقدوا فيه أنه آبق، فخافوا أن يخاطروا بمالهم فيه.
ويروى أنّ أخوته اتبعوهم يقولون: استوثقوا منه لا يأبق انتهى.
وفيه تقدم نظيره في: {إني لكما لمن الناصحين} وأنه خرج تعلق الجار إما باعني مضمره، أو بمحذوف يدل عليه من الزاهدين.
أي: وكانوا زاهدين فيه من الزاهدين، أو بالزاهدين لأنه يتسامح في الجار والظرف.
فجوز فيهما ما لا يجوز في غيرهما.
وقال الذي اشتراه من مصر: ذكروا أقوالًا متعارضة فيمن اشتراه، وفي الثمن الذي اشتراه به، ولا يتوقف تفسير كتاب الله على تلك الأقوال المتعارضة.
فقيل: اشتراه رجل من العماليق وقد آمن بيوسف، ومات في حياة يوسف.
قيل: وهو إذ ذاك الملك بمصر، واسمه الريان بن الوليد بن بروان بن أراشه بن فاران بن عمرو بن عملاق بن لاوذ بن سام بن نوح، فملك بعده قابوس بن مصعب بن تمر بن السلواس بن فاران بن عمرو المذكور في نسب الريان، فدعاه يوسف إلى الإيمان فأبى، فاشتراه العزيز وهو ابن سبع عشرة سنة، وأقام في منزله ثلاث عشرة سنة، واستوزره الريان بن الوليد وهو ابن ثلاثين سنة، وآتاه الله الحكمة والعلم وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة، وتوفي وهو ابن مائة وعشرين سنة.
وقيل: كان الملك في أيامه فرعون موسى عاش أربعمائة سنة، بدليل قوله: {ولقد جاءكم موسى من قبل بالبينات} وقيل: فرعون موسى من أولاد فرعون يوسف، وقيل: عرض في السوق وكان أجمل الناس، فوقعت فيه مزايدة حتى بلغ ثمنًا عظيمًا.
فقيل: وزنه من ذهب ومن فضة ومن حرير، فاشتراه العزيز وهو كان صاحب الملك وخازنه، واسم الملك الريان بن الوليد.
وقيل: مصعب بن الريان، وهو أحد الفراعنة، واسم العزيز قطفير، قاله ابن عباس، وقيل: اطفير، وقيل: قنطور، واسم امرأته راعيل، وقيل: زليخا.
قال ابن عطية: وظاهر أمر العزيز أنه كان كافرًا، ويدل على ذلك كون الصنم في بيته حسبما يذكر.
وقال مجاهد: كان مسلمًا، واسم امرأة العزيز راعيل بنت رعاييل.
وقال السدي: العزيز هو الملك، واسم امرأته زليخا بنت تمليخا، ومثواه مكان إقامته وهو كناية عن الإحسان إليه في مأكل ومشرب وملبس.
ولام لامرأته تتعلق بقال فهي للتبليغ، نحو قلت لك: لا باشتراه عسى أن ينفعنا، لعله إذا تدرب وراض الأمور وعرف مجاريها نستعين به على بعض ما نحن بصدده، فينفعنا بكفايته، أو نتبناه ونقيمه مقام الولد، وكان قطفير عقيمًا لا يولد له، فتفرس فيه الرشد فقال ذلك.
وكذلك أي: مثل ذلك التمكين من قلب العزيز حتى عطف عليه، وأمر امرأته بإكرام مثواه.
مكنا ليوسف في الأرض أي: أرض مصر يتصرف فيها بأمره ونهيه، أي: حكمناه فيها.
ولام ولنعلمه متعلقة بمحذوف، إما قبله لتملكه ولنعلمه، وإما بعده أي ولنعلمه من تأويل الأحاديث كان ذلك الإنجاء والتمكين، أو الواو مقحمة أي: مكنا ليوسف في الأرض لنعلمه وكل مقول.
والأحاديث: الرّؤيا، قاله مجاهد.
وقيل: أحاديث الأنبياء والأمم.
والضمير في على أمره الظاهر عوده على الله قاله ابن جبير، لا يمنع عما يشاء ولا ينازع فيما يريد، ويقضي.
أو على يوسف قاله الطبري، أي: يديره ولا يكله إلى غيره.
قد أراد إخوته به ما أرادوا، ولم يكن إلا ما أراد الله ودبره، وأكثر الناس المنفى عنهم العلم هم الكفار قاله ابن عطية.
وقال الزمخشري: لا يعملون أن الأمر بيد الله، وقيل: المراد بالأكثر الجميع أي: لا يطلعون على غيبه.
وقيل: المراد بأكثر الناس أهل مصر، وقيل: أهل مكة.
والأشد عند سيبويه جمع واحد شدة، وأشد كنعمة وأنعم.
وقال الكسائي: شد وأشد نحو صك وأصك، وقال الشاعر:
عهدي به شد النهار كأنما ** خضب البنان ورأسه بالعظلم

وزعم أبو عبيدة أنه لا واحد له من لفظه عند العرب والأشد بلوغ الحلم قاله: الشعبي، وربيعة، وزيد بن أسلم، أو سبعة عشر عامًا إلى نحو الأربعين قاله الزجاج، أو ثمانية عشر إلى ستين أو ثمانية عشر قاله عكرمة، ورواه أبو صالح عن ابن عباس، أو عشرون قاله الضحاك، أو إحدى وعشرون سنة أو ثلاثون أو ثلاثة وثلاثون قاله مجاهد وقتادة.
ورواه ابن جبير عن ابن عباس، أو ثمان وثلاثون حكاه ابن قتيبة، أو أربعون قاله الحسن.
وسئل الفاضل النحوي مهذب الدين محمد بن علي بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه الخيمي عن الأشد فقال: هو خمس وثلاثون، وتمامه أربعون.
وقيل: أقصاه اثنان وستون.
والحلم الحكم، والعلم النبوّة.
وقيل: الحكم بين الناس، والعلم: الفقه في الدين.
وهذا أشبه لمجيء قصة المراودة بعد هذه القصة، وكذلك أي: مثل ذلك الجزاء لمن صبر ورضي بالمقادير نجزي المحسنين.
وفيه تنبيه على أن يوسف كان محسنًا في عنفوان شبابه فآتاه الله الحكم والعلم جزاء على إحسانه.
وعن الحسن: من أحسن عبادة الله في شبيبته آتاه الله الحكمة في اكتهاله.
وقال ابن عباس: المحسنين المهتدين، وقال الضحاك: الصابرين على النوائب. اهـ.