فصل: كلام في أن الكذب لا يفلح:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ولما حصل الغرض بالسكوت عن جواب لما جرى سبحانه في ذيل القصة فقال: {واوحينا إليه} إلخ.
قوله تعالى: {واوحينا إليه لتنبئنهم بامرهم هذا وهم لا يشعرون} الضمير ليوسف وظاهر الوحى انه من وحى النبوة والمراد بامرهم هذا القاؤهم اياه في غيابة الجب وكذا الظاهر ان جملة وهم لا يشعرون حال من الايحاء المدلول عليه بقوله واوحينا الخ ومتعلق لا يشعرون هو الأمر أي لا يشعرون بحقيقة امرهم هذا أو الايحاء أي وهم لا يشعرون بما اوحينا إليه.
والمعنى والله اعلم واوحينا الى يوسف اقسم لتخبرنهم بحقيقة امرهم هذا وتاويل ما فعلوا بك فانهم يرونه نفيا لشخصك وانساء لاسمك واطفاء لنورك وتذليلا لك وحطا لقدرك وهو في الحقيقة تقريب لك إلى اريكة العزة وعرش المملكة واحياء لذكرك واتمام لنورك ورفع لقدرك وهم لا يشعرون بهذه الحقيقة وستنبؤهم بذلك وهو قوله لهم وقد اتكى على اريكة العزة وهم قيام امامه يسترحمونه بقولهم: {يا ايها العزيز مسنا واهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل وتصدق علينا ان الله يجزى المتصدقين} إذ قال: {هل علمتم ما فعلتم بيوسف واخيه إذ انتم جاهلون إلى ان قال انا يوسف وهذا اخى قد من الله علينا} إلخ.
انظر إلى موضع قوله هل علمتم فانه اشارة إلى ان هذا الذي تشاهدونه اليوم من الحال هو حقيقة ما فعلتم بيوسف وقوله: {إذ انتم جاهلون} فانه يحاذي من هذه الآية التي نحن فيها قوله: {وهم لا يشعرون}.
وقيل في معنى الآية وجوه اخر: منها انك ستخبر اخوتك بما فعلوا بك في وقت لا يعرفونك وهو الذي اخبرهم به في مصر وهم لا يعرفونه ثم عرفهم نفسه.
ومنها ان المراد بانبائه اياهم مجازاتهم بسوء ما فعلوا كمن يتوعد من اساء إليه فيقول: لانبئنك ولا عرفنك.
ومنها قول بعضهم كما روى عن ابن عباس ان المراد بانبائه اياهم بامرهم ما جرى له مع اخوته بمصر حيث رآهم فعرفهم وهم له منكرون فأخذ جاما فنقره فظن فقال ان هذا الجام يخبرني انكم كان لكم اخ من ابيكم القيتموه في الجب وبعتموه بثمن بخس.
وهذه وجوه لا تخلو من سخافة والوجه ما قدمناه وقد كثر ورود هذه اللفظة في كلامه تعالى في معنى بيان حقيقة العمل كقوله تعالى: {إلى الله مرجعكم جميعا فينبؤكم بما كنتم تعملون} المائدة: 105 وقوله: {وسوف ينبؤهم الله بما كانوا يصنعون} المائدة: 14
وقوله: {يوم يبعثهم الله جميعا فينبؤهم بما عملوا} المجادلة: 6 إلى غير ذلك من الآيات وهى كثيرة.
ومنها قول بعضهم ان المعنى واوحينا إليه ستخبرهم بما فعلوا بك وهم لا يشعرون بهذا الوحى وهذا الوجه غير بعيد لكن الشأن في بيان نكتة لتقييد الكلام بهذا القيد ولا حاجة إليه ظاهرا.
ومنها قول بعضهم ان معنى الآية لتخبرنهم برقى حياتك وعزتك وملكك بامرهم هذا إذ يظهرك الله عليهم ويذلهم لك ويجعل رؤياك حقا وهم لا يشعرون يومئذ بما آتاك الله.
وعمدة الفرق بين هذا القول وما قدمناه من الوجه ان في هذا القول صرف الانباء عن الانباء الكلامي إلى الانباء بالحال الخارجي والوضع العينى ولا موجب له بعد ما حكاه سبحانه عنه قوله: {هل علمتم ما فعلتم بيوسف} إلخ.
قوله تعالى: {وجاؤا اباهم عشاء يبكون} العشاء آخر النهار وقيل من صلاة المغرب إلى العتمة وانما كانوا يبكون ليلبسوا الأمر على ابيهم فيصدقهم فيما يقولون ولا يكذبهم.
قوله تعالى: {قالوا يا ابانا انا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فاكله الذئب} إلى آخر الآية قال الراغب في المفردات أصل السبق التقدم في السير نحو والسابقات سبقا والاستباق التسابق وقال انا ذهبنا نستبق واستبقا الباب انتهى وقال الزمخشري في الكشاف نستبق أي نتسابق والافتعال والتفاعل يشتركان كالانتضال والتناضل والارتماء والترامى وغير ذلك والمعنى نتسابق في العدو أو في الرمى انتهى.
وقال صاحب المنار في تفسيره: {انا ذهبنا نستبق} أي ذهبنا من مكان اجتماعنا إلى السباق يتكلف كل منا ان يسبق غيره فالاستباق تكلف السبق وهو الغرض من المسابقة والتسابق بصيغتي المشاركة التي يقصد بها الغلب وقد يقصد لذاته أو لغرض آخر في السبق ومنه: {فاستبقوا الخيرات} فهذا يقصد به السبق لذاته لا للغلب وقوله الاتى في هذه السورة واستبقا الباب كان يقصد به يوسف الخروج من الدار هربا من حيث تقصد امرأة العزيز باتباعه ارجاعه وصيغة المشاركة لا تؤدى هذا المعنى ولم يفطن الزمخشري علامة اللغة ومن تبعه لهذا الفرق الدقيق انتهى.
اقول والذى مثل به من قوله تعالى: {فاستبقوا الخيرات} من موارد الغلب فان من المندوب شرعا ان لا يؤثر الإنسان غيره على نفسه في الخيرات والمثوبات والقربات وان يتقدم على من دونه في حيازة البركات فينطبق الاستباق حينئذ قهرا على التسابق وكذا قوله تعالى: {واستبقا الباب} فان المراد به قطعا ان كلا منهما كان يريد ان يسبق الاخر إلى الباب هذا ليفتحه وهذه لتمنعه من الفتح وهو معنى التسابق فالحق ان معنيي الاستباق والتسابق متحدان صدقا على المورد وفي الصحاح سابقته فسبقته سبقا واستبقنا في العدو أي تسابقنا انتهى وفي لسان العرب سابقته فسبقته واستبقنا في العدو أي تسابقنا انتهى.
ولعل الوجه في تصادق استبق وتسابق ان نفس السبق معنى اضافي في نفسه وزنة افتعل تفيد تأكد معنى فعل وامعان الفاعل في فعله واخذه حلية لنفسه كما يشاهد في مثل كسب واكتسب وحمل واحتمل وصبر واصطبر وقرب واقترب وخفي واختفى وجهدو اجتهد ونظائرها وطرو هذه الخصوصية على معنى السبق على ما به من الاضافة يفيد جهد الفاعل ان يخص السبق لنفسه ولا يتم الا مع تسابق في المورد.
وقوله: {بمؤمن لنا} أي بمصدق لقولنا والإيمان يتعدى باللام كما يتعدى بالباء قال تعالى: {فآمن له لوط} العنكبوت: 26.
والمعنى انهم حينما جاؤا اباهم عشاء يبكون قالوا لابيهم يا ابانا انا معشر الاخوة ذهبنا إلى البيداء نتسابق في عدو أو رمى ولعله كان في عدو فان ذلك ابلغ في ابعادهم من رحلهم ومتاعهم وكان عنده يوسف على ما ذكروا وتركنا يوسف عند رحلنا ومتاعنا فاكله الذئب ومن خيبتنا ومسكنتنا انك لست بمصدق لنا فيما نقوله ونخبر به ولو كنا صادقين فيه.
وقولهم: {وما انت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين} كلام ياتي بمثله المعتذر إذا انقطع عن الأسباب وانسدت عليه طرق الحيلة للدلالة على ان كلامه غير موجه عند من يعتذر إليه وعذره غير مسموع هو يعلم بذلك لكنه مع ذلك مضطر ان يخبر بالحق ويكشف عن الصدق وان كان غير مصدق فيه فهو كناية عن الصدق في المقال.
قوله تعالى: {وجاؤا على قميصه بدم كذب} الكذب بالفتح فالكسر مصدر اريد به الفاعل للمبالغة أي بدم كاذب بين الكذب.
وفي الآية اشعار بان القميص وعليه دم وقد نكر الدم للدلالة على هو ان دلالته وضعفها على ما وصفوه كان على صفة تكشف عن كذبهم في مقالهم فان من افترسته السباع واكلته لم تترك له قميصا سالما غير ممزق وهذا شان الكذب لا يخلو الحديث الكاذب ولا الاحدوثة الكاذبة من تناف بين اجزائه وتناقض بين اطرافه أو شواهد من اوضاع واحوال خارجية تحف به وتنادى بالصدق وتكشف القناع عن قبيح سريرته وباطنه وان حسنت صورته.

.كلام في أن الكذب لا يفلح:

من المجرب ان الكذب لا يدوم على اعتباره وان الكاذب لا يلبث دون ان ياتي بما يكذبه أو يظهر ما يكشف القناع عن بطلان ما اخبر به أو ادعاه والوجه فيه ان الكون يجرى على نظام يرتبط به بعض اجزائه ببعض بنسب واضافات غير متغيرة ولا متبدلة فلكل حادث من الحوادث الخارجية الواقعة لوازم وملزومات متناسبة لا ينفك بعضها من بعض ولها جميعا فيما بينها احكام وآثار يتصل بعضها ببعض ولو اختل واحد منها لاختل الجميع وسلامة الواحد تدل على سلامة السلسلة وهذا قانون كلى غير قابل لورود الاستثناء عليه.
فلو انتقل مثلا جسم من مكان إلى مكان آخر في زمان كان من لوازمه ان يفارق المكان الأول ويبتعد منه ويغيب عنه وعن كل ما يلازمه ويتصل به ويخلو عنه المكان الأول ويشغل به الثاني وان يقطع ما بينهما من الفصل إلى غير ذلك من اللوازم ولو اختل واحد منها كأن يكون في الزمان المفروض شاغلا للمكان الأول اختلت جميع اللوازم المحتفة به.
وليس في وسع الإنسان ولا أي سبب مفروض إذا ستر شيئا من الحقائق الكونية بنوع من التلبيس ان يستر جميع اللوازمات والملزومات المرتبطة به أو ان يخرجها عن محالها الواقعية أو يحرفها عن مجراها الكونية فان القى سترا على واحدة منها ظهرت الاخرى والا فالثالثة وهكذا.
ومن هنا كانت الدولة للحق وان كانت للباطل جولة وكانت القيمة للصدق وان تعلقت الرغبة احيانا بالكذب قال تعالى: {ان الله لا يهدى من هو كاذب كفار} الزمر: 3 وقال: {ان الله لا يهدى من هو مسرف كذاب} المؤمن: 28.
وقال: {ان الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون} [النحل: 116] وقال: {بل كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في أمر مريج} [ق: 5] وذلك انهم لماعدوا الحق كذبا بنوا على الباطل واعتمدوا عليه في حياتهم فوقعوا في نظام مختل يناقض بعض اجزائه بعضا ويدفع طرف منه طرفا.
قوله تعالى: {قال بل سولت لكم انفسكم امرا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون} هذا جواب يعقوب وقد فوجئ بنعى ابنه وحبيبه يوسف دخلوا عليه وليس معهم يوسف وهم يبكون يخبرونه ان يوسف قد اكله الذئب وهذا قميصه الملطخ بالدم وقد كان يعلم بمبلغ حسدهم له وهم قد انتزعوه من يده بالحاح واصرار وجاؤا بقميصه وعليه دم كذب ينادى بكذبهم فيما قالوه واخبروا به.
فاضرب عن قولهم: {انا ذهبنا نستبق} الخ بقوله: {بل سولت لكم انفسكم امرا} والتسويل الوسوسة أي ليس الأمر على ما تخبرون بل وسوست لكم انفسكم فيه امرا وابهم الأمر ولم يعينه ثم اخبر انه صابر في ذلك من غير ان يؤاخذهم وينتقم منهم لنفسه انتقاما وانما يكظم ما هجم نفسه كظما.
فقوله: {بل سولت لكم انفسكم امرا} تكذيب لما اخبروا به من أمر يوسف وبيان انه على علم من ان فقد يوسف لا يستند إلى ما ذكروه من افتراس السبع وانما يستند إلى مكر مكروه وتسويل من انفسهم لهم والكلام بمنزلة التوطئة لما ذكره بعد من قوله: {فصبر جميل} إلى آخر الآية.
وقوله: {فصبر جميل} مدح للصبر وهو من قبيل وضع السبب موضع المسبب والتقدير ساصبر على ما اصابني فان الصبر جميل وتنكير الصبر وحذف صفته وابهامها للاشارة إلى فخامة امره وعظم شانه أو مرارة طعمه وصعوبة تحمله.
وقد فرع قوله: {فصبر جميل} على ما تقدم للاشعار بان الأسباب التي احاطت به وافرغت عليه هذه المصيبة هي بحيث لا يسع له معها إلا أن يسلك سبيل الصبر وذلك انه عليه السلام فقد احب الناس إليه يوسف وهو ذا يذكر له انه صار اكلة للذئب وهذا قميصه ملطخا بالدم وهو يرى انهم كاذبون فيما يخبرونه به ويرى ان لهم صنعا في افتقاده ومكرا في امره ولا طريق له إلى التحقيق فيما جرى على يوسف والتجسس مما آل إليه امره واين هو؟ وما حاله؟ فانما اعوانه على امثال هذه النوائب واعضاده لدفع ما يقصده من المكاره انما هم ابناؤه وهم عصبة اولوا قوة وشدة فإذا كانوا هم الأسباب لنزول النائبة ووقوع المصيبة فبمن يقع فيهم؟ وبماذا يدفعهم عن نفسه؟ فلا يسعه الا الصبر.
غير ان الصبر ليس هو ان يتحمل الإنسان ما حمله من الرزية وينقاد لمن يقصده بالسوء انقيادا مطلقا كالارض الميتة التي تطؤها الاقدام وتلعب بها الايدى فان الله سبحانه طبع الإنسان على دفع المكروه عن نفسه وجهزه بما يقدم به على النوائب والرزايا ما استطاع ولا فضيلة في ابطال هذه الغريزة الإلهية بل الصبر هو الاستقامة في القلب وحفظ النظام النفساني الذي به يستقيم أمر الحياة الإنسانية من الاختلال وضبط الجمعية الداخلية من التفرق والتلاشى ونسيان التدبير واختباط الفكر وفساد الراى فالصابرون هم القائمون في النوائب على ساق لا تزيلهم هجمات المكاره وغيرهم المنهزمون عند اول هجمة ثم لا يلوون على شئ.
ومن هنا يعلم ان الصبر نعم السبيل على مقاومة النائبة وكسر سورتها الا انه ليس تمام السبب في اعادة العافية وارجاع السلامة فهو كالحصن يتحصن به الإنسان لدفع العدو المهاجم واما عود نعمة الأمن والسلامة وحرية الحياة فربما احتاج إلى سبب آخر يجر إليه الفوز والظفر وهذا السبب في ملة التوحيد هو الله عز سلطانه فعلى الإنسان الموحد إذا نابته نائبة ونزلت عليه مصيبة ان يتحصن اولا بالصبر حتى لا يختل ما في داخله من النظام العبودي ولا يتلاشى معسكر قواه ومشاعره ثم يتوكل على ربه الذي هو فوق كل سبب راجيا ان يدفع عنه الشر ويوجه امره إلى غاية صلاح حاله والله سبحانه غالب على امره وقد تقدم شيء من هذا البحث في تفسير قوله تعالى: {واستعينوا بالصبر والصلاة} البقرة: 45 في الجزء الأول من الكتاب.
ولهذا كله لما قال يعقوب عليه السلام: {فصبر جميل} عقبه بقوله: {والله المستعان على ما تصفون} فتمم كلمة الصبر بكلمة التوكل نظير ما اتى به في قوله في الايات المستقبلة: {فصبر جميل عسى الله ان يأتيني بهم جميعا انه هو العليم الحكيم} الآية: 83 من السورة.
فقوله: {والله المستعان على ما تصفون} وهو من اعجب الكلام بيان لتوكله على ربه يقول انى اعلم ان لكم في الأمر مكرا وان يوسف لم ياكله ذئب لكنى لا اركن في كشف كذبكم والحصول على يوسف بالاسباب الظاهرة التي لا تغنى طائلا بغير اذن من الله ولا اتشحط بينها بل اضبط استقامة نفسي بالصبر واوكل ربى ان يظهر على ما تصفون ان يوسف قد قضى نحبه وصار اكلة لذئب.
فظهر ان قوله: {والله المستعان على ما تصفون} دعاء في موقف التوكل ومعناه اللهم انى توكلت عليك في امرى هذا فكن عونا لى على ما يصفه بنى هؤلاء والكلمة مبنية على توحيد الفعل فانها مسوقة سوق الحصر ومعناها ان الله سبحانه هو المستعان لا مستعان لى غيره فانه عليه السلام كان يرى ان لا حكم حقا الا حكم الله كما قال فيما سيأتي من كلامه: {ان الحكم الا لله عليك توكلت} ولتكميل هذا التوحيد بما هو اعلى منه لم يذكر نفسه فلم يقل ساصبر ولم يقل والله استعين على ما تصفون بل ترك نفسه وذكر اسم ربه وان الأمر منوط بحكمه الحق وهو من كمال توحيده وهو مستغرق في وجده واسفه وحزنه ليوسف غير انه ما كان يحب يوسف ولا يتوله فيه ولا يجد لفقده الا لله وفي الله.
قوله تعالى: {وجاءت سيارة فارسلوا واردهم فادلى دلوه قال يا بشرى هذا غلام واسروه بضاعة والله عليم بما يعملون} قال الراغب الورود أصله قصد الماء ثم يستعمل في غيره انتهى وقال دلوت الدلو إذا ارسلتها وادليتها إذا اخرجتها انتهى وقيل بالعكس وقال الاسرار خلاف الاعلان انتهى.
وقوله: {قال يا بشرى هذا غلام} ايراده بالفصل مع انه متفرع وقوعا على ادلاء الدلو للدلالة على انه كان امرا غير مترقب الوقوع فان الذي يترقب وقوعه عن الادلاء هو خروج الماء دون الحصول على غلام فكان مفاجئا لهم ولذا قال: {يا بشرى} ونداء البشرى كنداء الاسف والويل ونظائرهما للدلالة على حضوره وجلاء ظهوره. وقوله: {والله عليم بما يعملون} مفاده ذم عملهم والابانة عن كونه معصية محفوظة عليهم سيؤاخذون بها ويمكن ان يكون المراد به ان ذلك انما كان بعلم من الله اراد بذلك ان يبلغ يوسف مبلغه الذي قدر له فانه لو لم يخرج من الجب ولم يسر بضاعة لم يدخل بيت العزيز بمصر فلم يؤت ما اوتيه من الملك والعزة.