فصل: قال القاسمي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال القاسمي:

{وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ}
(الهم) يكون بمعنى القصد والإرادة، ويكون فوق الإرادة ودون العزم، إذا أريد به اجتماع النفس على الأمر والإزماع عليه، وبالعزم: القصد إلى إمضائه، فهو أول العزيمة. وهذا معنى قولهم: الهم همان: همٌّ ثابت معه عزم وعقد ورضا، وهو مذموم مؤاخذ به. وهمٌّ بمعنى خاطر، وحديث نفس، من غير تصميم، وهو غير مؤاخذ به. لأنه خطور المناهي في الصدور، وتصورها في الأذهان، لا مؤاخذة بها ما لم توجد في الأعيان.
روى الشيخان وأهل السنن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها، ما لم تتكلم به، أو تعمل به». ورواه الطبراني عن عِمْرَان بن حصين رضي الله عنهما.
فمعنى قوله تعالى: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ} أي: بمخالطته، أي: قصدتها وعزمت عليها عزمًا جازمًا، لا يلويها عنه صارف، بعد ما باشرت مبادئها من المراودة، وتغليق الأبواب، ودعوته إلى الإسراع إليها بقولها: {هَيْتَ لَكَ} مما اضطره إلى الهرب إلى الباب.
ومعنى قوله: {وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} أي: لولا رؤيته برهان ربه لهمَّ بها، كما همت به، لتوفر الدواعي. ولكنه رأى من تأييد الله له بالبرهان ما صرف عنه السوء والفحشاء.
قال أبو حيان: ونظيره (قارفت الإثم لولا الله عصمك). ولا نقول: إن جواب {لولا} يتقدم عليها، وإن لم يقم دليل على امتناعه، بل صريح أدوات الشرط العاملة مختلف فيها، حتى ذهب الكوفيون وأعلام البصريين إلى جواز تقدمه، بل نقول: هو محذوف لدلالة ما قبله عليه. لأن المحذوف في الشرط يقدر من الجنس ما قبله. انتهى.
فالآية حينئذ ناطقة بأنه لم يهمّ أصلًا. وقيل: جواب {لولا} لغشيها ونحوه. فمعنى (الهم) حينئذ ما قاله الإمام الرازي: من أنه خطور الشيء بالبال، أو ميل الطبع. كالصائم في الصيف. يرى الماء البارد، فتحمله نفسه على الميل إليه، وطلب شربه، ولكن يمنعه دينه عنه. وكالمرأة الفائقة حسنًا وجمالًا، تتهيأ للشاب النامي القوي، فتقع بين الشهوة والعفة، وبين النفس والعقل، مجاذبة ومنازعة. (فالهم) هنا عبارة عن جواذب الطبيعة، ورؤية البرهان جواذب الحكمة، وهذا لا يدل على حصول الذنب، بل كلما كانت هذه الحال أشد كانت القوة على لوازم العبودية أكمل. انتهى.
وكذا قال أبو السعود: إن همه بها بمعنى ميله إليها، بمقتضى الطبيعة البشرية، وشهوة الشباب وقرمه، ميلًا جبليًا، لا يكاد يدخل تحت التكليف، لا أنه قصدها قصدًا اختياريًا، ألا يرى إلى ما سبق من استعصامه المنبئ عن كمال كراهيته له، ونفرته عنه، وحكمه بعدم إفلاح الظالمين، وهل هو إلا تسجيل باستحالة صدور الهم منه عليه السلام تسجيلًا محكمًا؟ وإنما عبر عنه بالهم؛ لمجرد وقوعه في صحبة همها في الذكر، بطريق المشاكلة، لا لشبهه به كما قيل. ولقد أشير إلى تباينهما، حيث لم يُلزا في قرن واحد من التعبير، بأن قيل: ولقد هما بالمخالطة، أو هم كل منهما بالآخر. وصُدِّر الأول بما يقرر وجوده من التوكيد القسمي، وعقب الثاني بما يعفو أثره من قوله عز وجل: {لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} أي: حجته الباهرة، الدالة على كمال قبح الزنى، وسوء سبيله. والمراد برؤيته لها كمال إيقانه، ومشاهدته لها مشاهدة واصلة إلى مرتبة عين اليقين. وكأنه عليه السلام قد شاهد الزنى بموجب ذلك البرهان النير، على ما هو عليه في حد ذاته أقبح ما يكون، وأوجب ما يجب أن يحذر منه، ولذلك فعل ما فعل من الاستعصام، والحكم بعدم إفلاح من يرتكبه.
وجواب {لولا} محذوف، يدل عليه الكلام. أي: لولا مشاهدة برهان ربه في شأن الزنى لجرى على موجب ميله الجبلي، ولكن حيث كان مشاهدًا له من قبل؛ استمر على ما هو عليه من قضية البرهان. وفائدة هذه الشرطية بيان أن امتناعه عليه السلام، لم يكن لعدم مساعدة من جهة الطبيعة، بل لمحض العفة والنزاهة، مع وفور الدواعي الداخلية، وترتيب المقدمات الخارجية، الموجبة لظهور الأحكام الطبيعية. انتهى.
فاتضح أن لا شبهة فيها على عصمة يوسف عليه السلام، فإن الأنبياء ليسوا بمعصومين من حديث النفس، وخواطر الشهوة الجبلية، ولكنهم معصومون من طاعتها، والانقياد إليها. ولو لم توجد عندهم دواع جبلية لكانوا إما ملائكة أو عالمًا آخر، ولَمَا كانوا مأجورين على ترك المناهي؛ لأنهم يكونون مقهورين على تركها طبعًا. والعنين لا يؤجر ويثاب على ترك الزنى؛ لأن الأجر لا يكون إلا على عمل، والترك بغير داعية ليس عملًا، وأما الترك مع الداعية، فهو كف النفس عما تتشوف إليه فهو عمل نفسي.
وحقيقة عصمة الأنبياء هي نزاهتهم، وبعدهم عن ارتكاب الفواحش والمنكرات التي بعثوا لتزكية الناس منها؛ لئلا يكونوا قدوة سيئة، مفسدين للأخلاق والآداب، وحجة للسفهاء على انتهاك حرمات الشرائع. وليس معناها أنهم آلهة منزهون عن جميع ما يقتضيه الطبع البشري.
هذا وقد ألصق هنا بعض المفسرين الولعين بسرد الروايات، ما تلقفوه من أهل الكتب، ومن المتصولحين، من تلك الأقاصيص المختلقة على يوسف عليه السلام، في همه، التي أنزه تأليفي عن نقلها بردها. وكلها- كما قال العلامة أبو السعود- خرافات وأباطيل، تمجها الآذان، وتردها العقول والأذهان، ويل لمن لا كها ولفقها، أو سمعها وصدقها. وسبقه الزمخشري، فجود الكلام في ردها، فلينظر، فإنه مما يسر الواقف عليه.
و{السوء}: المنكر والفجور والمكروه. {والفحشاء}: ما تناهى قبحه.
قال أبو السعود: وفي قوله تعالى: {لِنَصْرفَ عَنْهُ} الخ آية بينة وحجة قاطعة على أنه عليه الصلاة والسلام لم يقع منه هم بالمعصية، ولا توجه إليها قط، وإلا لقيل: لنصرفه عن السوء والفحشاء. وإنما توجه إليه ذلك من خارج، فصرفه الله تعالى بما فيه من موجبات العفة والعصمة. فتأمل.
و{المخلصين} قرئ بكسر اللام، بمعنى الذين أخلصوا دينهم لله، وبالفتح أي: الذين أخلصهم الله لطاعته بأن عصمهم.
قال الشهاب: قيل: إن كل من له دخل في هذه القصة شهد ببراءته عليه السلام. فشهد الله تعالى بقوله: {لِنَصرفِ} الخ، وشهد هو على نفسه بقول: {هِيَ رَاوَدَتْنِي} ونحوه، وشهدت امرأة العزيز بقولها: {وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ} وسيدها بقوله: {إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ} وإبليس بقوله: {لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} فتضمن إخباره بأنه لم يُغوه. ومع هذا كله لم يبرئه أهل القصص. انتهى. عفا الله عنهم. اهـ.

.قال المظهري:

{وَلَقَدْ هَمَّتْ}
زليخا بِهِ أي بيوسف يعنى قصدت أن يواقعها وَهَمَّ يوسف بِها أي مال طبعه إليها واشتهاها مع كفه نفسه عنها كما يدل عليه قوله: {مَعاذَ اللَّهِ} إلخ وليس المراد القصد الاختياري وذلك الميلان الطبعي وشهوة النفس مما لا يدخل تحت التكليف- بل الحقيق بالمدح والاجر الجزيل فان السبب لا فضلية البشر على الملائكة كف النفس عن الفعل عند قيام هذا الهمّ- قال الشيخ أبو منصور الماتريدى همّ يوسف بها همّ خطرة ولا صنع للعبد فيما يخطر بالقلب ولا مؤاخذة عليه- ولو كان همّه كهمنا لما مدحه اللّه تعالى بأنّه {مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ} وقال بعض أهل الحقائق الهمّ همان همّ ثابت وهو ما إذا كان معه عزم وعقد ورضى مثل همّ امراة العزيز فالعبد مأخوذ به- وهمّ عارض مثل الخطرة وحديث النفس من غير اختيار ولا عزم مثل همّ يوسف عليه السلام والعبد غير ماخوذ به ما لم يتكلم أو يعمل قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: «قال اللّه تعالى إذا تحدث عبدى بان يعمل حسنة فانا اكتبها له حسنة ما لم يعملها- فإذا عملها فانا اكتبها له بعشرة أمثالها- وإذا تحدث بان يعمل سيئة فانا اغفرها ما لم يعملها فإذا عملها فانا اكتبها له بمثلها». رواه البغوي من حديث أبى هريرة وفى الصحيحين وجامع الترمذي عنه بلفظ إذا همّ عبدى بحسنة ولم يعملها كتبتها له حسنة- فان عملها كتبتها عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف- وإذا هم بسيئة ولم يعملها لم اكتبها عليه فان عملها كتبتها سيئة واحدة- وجاز ان يكون معنى هم بها شارف على الهم- وما قيل في تفسير قوله تعالى همّ بها انه حل الهميان وجلس منها مقعد الرجل من المرأة وما قيل انه حل سراويله وجعل يعالج ثيابه- وأسند هذا القول إلى سعيد بن جبير وغيره من المتقدمين يأبى عنه سياق كلام اللّه تعالى فانه تعالى قال: {لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ} لان السوء هو الصغيرة وما ذكر فهو من الصغائر ألبتة- ولو كان كذلك لذكرت توبته واستغفاره (كما ذكر لام ونوح وذى النون وداود عليهم السلام مع كون كل ما صدر منهم عليهم السلام من غير قصد منهم بالمعصية- كما ذكر كل ذلك في موضعه) ولم يذكر بل ذكر تبرية نفسه حيث قال: {هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي}- وقال: {ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ} وقال: {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}- وقال اللّه تعالى: {إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ}، {لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ} جواب لولا محذوف تقديره لجامعها- وقيل جواب لولا مقدم عليه تقديره لولا أن رّاى برهان ربّه لهمّ بها- لكنه راى البرهان فلم يهم وأنكره النحاة لأن لولا في حكم أدوات الشرط فلا يتقدم عليها جوابها- وجاز ان يكون همّ بها المذكور قبلها دليلا على جوابها يعنى لهمّ بها- ومعنى الهم المذكور على هذا شارف الهم- فهو كقوله قتلته لو لم أخف اللّه- تقديره شارفت على قتله لو لم أخف اللّه لقتلته- واختلفوا في ذلك البرهان فقال جعفر بن محمّد الصادق رضي اللّه عنهما البرهان النبوة الّتي أودع اللّه في صدره حالت بينه وبين ما يسخط اللّه عز وجل- وهذا أصوب الأقوال عندى- وقال قتادة واكثر المفسرين انه راى صورة يعقوب وهو يقول له يا يوسف تعمل عمل السفهاء وأنت مكتوب في الأنبياء- وقال الحسن وسعيد بن جبير ومجاهد وعكرمة والضحاك انفرج له سقف البيت فراى يعقوب عليه السلام عاضّا على إصبعه- وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس مثل يعقوب فضرب بيده في صدره فخرجت شهوته من أنامله- وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم وأبو الشيخ عن محمّد بن سيرين قال مثل له يعقوب عاضّا على إصبعه يقول يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن ابراهيم خليل الرّحمن اسمك في الأنبياء وتعمل عمل السفهاء- وقال السدى نودى يا يوسف تواقعها انما مثلك ما لم تواقعها مثل الطير في جو السماء لا يطاق- ومثلك إذا واقعتها مثله إذا مات ووقع في الأرض لا يستطيع ان يدفع عن نفسه شيئا- ومثلك ما لم تواقعها مثل الثور الصعب الّذي لا يطاق- ومثلك ان واقعتها مثل الثور يموت فيدخل النمل في اصل قرنية لا يستطيع ان يدفع عن نفسه- وأخرج ابن جرير عن القاسم بن أبى نزة قال نودى يا ابن يعقوب لا تكونن كالطير له ريش فإذا زنى فغدا ليس له ريش فلم يعرض للنداء- فرفع رأسه فراى وجه يعقوب عاضّا على إصبعه- فقام مرعوبا استحياء من أبيه- وفى رواية عن مجاهد عن ابن عباس انه انحط جبرئيل عاضّا على إصبعه يقول يا يوسف تعمل عمل السفهاء وأنت مكتوب عند اللّه في الأنبياء- وروى انه مسحه بجناحه فخرجت شهوته من أنامله- وقال محمّد بن كعب القرظي رفع يوسف عليه السلام راسه إلى سقف البيت حين همّ فرأى كتابا في حائط البيت لا {تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلًا}.
وروى عطية عن ابن عباس رضي اللّه عنهما في البرهان انه راى مثال الملك- وعن على بن الحسين رضي اللّه عنهما قال كان في البيت صنم فقامت المرأة وسترته بثوب- فقال لها يوسف لم فعلت هذا قالت استحييت منه ان يرانى على المعصية فقال أتستحيين ممّن لا يسمع ولا يبصر ولا يفقه فانا أحق ان استحيى من ربى وهرب {كَذلِكَ} أي الأمر مثل ذلك أو فعلنا كذلك {لِنَصْرِفَ عَنْهُ} أي عن يوسف السُّوءَ أي المعصية الصغيرة وَالْفَحْشاءَ أي الكبيرة يعنى الزنى: {إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24)} قرأ نافع والكوفيون بفتح اللام حيث وقع معرفا باللام يعنى مختارين للنبوة أخلصهم اللّه تعالى لنفسه والباقون بكسر اللام أي مخلصين لله الطاعة والعبادة-. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ}
والهم: العزم على الفعل.
وتقدم عند قوله تعالى: {وهمّوا بما لم ينالوا} في سورة براءة (74).
وأكد همّها بـ: {قد} ولام القسم ليفيد أنها عزمت عزمًا محققًا.
وجملة: {ولقد همت به} مستأنفة استئنافًا ابتدائيًا.
والمقصود: أنها كانت جادة فيما راودته لا مختبرة.
والمقصود من ذكر هَمّها به التمهيد إلى ذكر انتفاء همه بها لبيان الفرق بين حاليهما في الدين فإنه معصوم.
وجملة: {وهَمّ بها لولا أن رأى برهان ربه} معطوفة على جملة: {ولقد همت به} كلها.
وليست معطوفة على جملة: {همت} التي هي جواب القسم المدلول عليه باللام، لأنه لما أردفت جملة: {وهمّ بها} بجملة شرط: {لولا} المتمحض لكونه من أحوال يوسف عليه السّلام وحْده لا من أحوال امرأة العزيز تعين أنه لا علاقة بين الجملتين، فتعين أن الثانية مستقلة لاختصاص شرطها بحال المسند إليه فيها.
فالتقدير: ولولا أن رأى برهان ربه لَهَمّ بها، فقدم الجواب على شرطه للاهتمام به.
ولم يقرن الجواب باللاّم التي يكثر اقتران جواب: {لولا} بها لأنه ليس لازمًا ولأنه لمّا قُدم على: {لولا} كُره قرنه باللام قبل ذكر حرف الشرط، فيحسن الوقف على قوله: {ولقد همت به} ليظهر معنى الابتداء بجملة: {وهَمّ بها} واضحًا.
وبذلك يظهر أن يوسف عليه السّلام لم يخالطه همّ بامرأة العزيز لأن الله عصمه من الهمّ بالمعصية بما أراه من البرهان.
قال أبو حاتم: كنت أقرأ غريب القرآن على أبي عبيدة فلما أتيت على قوله: {ولقد همّت به وهمّ بها} الآية قال أبو عبيدة: هذا على التقديم والتأخير، أي تقديم الجواب وتأخير الشرط، كأنه قال: ولقد همّت به ولولا أن رأى برهان ربه لَهَمّ بها.
وطعن في هذا التأويل الطبري بأن جواب: {لولا} لا يتقدم عليها.
ويدفع هذا الطعن أن أبا عبيدة لما قال ذلك علمنا أنه لا يرى منع تقديم جواب: {لولا}، على أنه قد يجعل المذكور قبل: {لولا} دليلًا للجواب والجواب محذوفًا لدلالة ما قبل: {لولا} عليه.
ولا مفرّ من ذلك على كل تقدير فإن: {لولا} وشرطها تقييد لقوله: {وهمّ بها} على جميع التأويلات، فما يقدّر من الجواب يقدّر على جميع التأويلات.
وقال جماعة: هَمّ يوسف بأن يجيبها لما دعته إليه ثم ارعوى وانكفّ على ذلك لما رأى برهان ربه.
قاله ابن عباس، وقتادة، وابن أبي مليكة، وثعْلب.
وبيان هذا أنه انصرف عمّا همّ به بحفظ الله أو بعصمته، والهمّ بالسيئة مع الكف عن إيقاعها ليس بكبيرة فلا ينافي عصمة الأنبياء من الكبائر قبل النبوءة على قول من رأى عصمتهم منها قبل النبوءة، وهو قول الجمهور، وفيه خلاف، ولذلك جوز ابن عباس ذلك على يوسف.
وقال جماعة: هَمّ يوسف وأخذ في التهيّؤ لذلك فرأى برهانًا صرفه عن ذلك فأقلع عن ذلك.
وهذا قول السديّ، ورواية عن ابن عباس.