فصل: قال القاسمي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



واستنزال يوسف عليه السلام عن رأيه في استعصائه عليها وعدم موتاته لها على مرادها بإلقاء الرعب في قلبه من مكرها طمعًا في مواقعته لها مكرهًا عند يأسها عن ذلك مختارًا كما قالت: {لَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا ءامُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وليكونا مِنَ الصاغرين} [يوسف: 32] ثم إنها جعلت صدور الإرادة المذكورة عن يوسف عليه السلام أمرًا محققًا مفروغًا عنه غنيًا عن الأخبار بوقوعه وإن ما هي عليه من الأفاعيل لأجل تحقيق جزائرها، ولم تصرح بالاسم بل أتت بلفظ عام تهويلًا للأمر ومبالغة في التخويف كأن ذلك قانون مطرد في حق كل أحد كائنًا من كان، وذكرت نفسها بعنوان أهلية العزيز إعظامًا للخطب وإغراءًا له على تحقيق ما يتوخاه بحكم الغضب والحمية كذا قرره غيره واحد.
وذكر الإمام في تفسيره ما فيه نوع مخالف لذلك حيث قال: إن في الآية لطائف: أحدها: أن حبها الشديد ليوسف عليه السلام حملها على رعاية دقيقتين في هذا الموضوع وذلك لأنها بدأت بذكر السجن وأخرت ذكر العذاب لأن المحب لا يسعى في إسلام المحبوب، وأيضًا إنها لم تذكر أن يوسف عليه السلام يجب أن يقابل بأحد هذين الأمرين بل ذكرت ذلك ذكرًا كليًا صونًا للمحبوب عن الذكر بالشر والألم، وأيضًا قالت: {إِلا أَن يُسْجَنَ} والمراد منه أن يسجن يومًا.
أو أقل على سبيل التخفيف، فأما الحبس الدائم فإنه لا يعبر عنه بهذه العبارة بل يقال: يجب أن يجعل من المسجونين، ألا ترى أن فرعون كيف قال حين هدد موسى عليه السلام: {لَئِنِ اتخذت إلها غَيْرِى لاجْعَلَنَّكَ مِنَ المسجونين} [الشعراء: 29].
وثانيها: أنها لما شاهدت من يوسف عليه السلام أنه استعصم منها مع أنه كان في عنفوان الشباب وكمال القوة ونهاية الشهوة عظم اعتقادها في طهارته ونزاهته فاستحيت أن تقول: إن يوسف قصدني بسوء وما وجدت من نفسها أن ترميه بهذا الكذب على سبيل التصريح بل اكتفت بهذا التعريض، وليت الحشوية كانوا يكتفون بمثل ما اكتفت به، ولكنهم لم يفعلوه ووصفوه بعد قريب من أربعة آلاف سنة بما وصفوه من القبيح وحاشاه.
وثالثها: أن يوسف عليه السلام أراد أن يضربها ويدفعها عن نفسه وكان ذلك بالنسبة إليها جاريًا مجرى السوء فقولها: {مَا جَزَاء} الخ جار مجرى التعريض فلعلها بقلبها كانت تقريد إقدامه على دفعها ومنعها، وفي ظاهر الأمر كانت توهم أنه قصدني بما لا ينبغي انتهى المراد منه، وفيه من الانظار ما فيه.
وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما {أو عذابًا أليمًا} بالنصب على المصدرية كما قال الكسائي: أي أو يعذب عذابًا أليمًا إلا أنه حذف ذلك لظهوره، وهذه القراءة أوفق بقوله تعالى: {أَن يُسْجَنَ} ولم يظهر لي في سر اختلاف التعبير على القراءة المشهورة ما يعول عليه، والله تعالى أعلم بأسرار كتابه فتدبر. اهـ.

.قال القاسمي:

{وَاسُتَبَقَا الْبَابَ} متصل بقوله: {وَلَقَد هَمَّتْ بِهِ} الخ، وقوله: {كَذَلِكَ} الخ، اعتراف جيء به بين المعطوفين تقريرًا لنزاهته. والمعنى: ولقد همت به، وأبى هو، واستبقا الباب، أي: قصد كلٌّ سْبقَ الآخر إلى الباب؛ فيوسف عليه السلام ليخرج، وهي لتمنعه من الخروج، ووحد (الباب) هنا مع جمعه أولًا؛ لأن المراد بالباب البراني الذي منه المخلص.
{وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ} أي: اجتذبته من خلفه فانقد، أي: انشق قميصه.
{وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} أي: صادفا بعلها ثمة قادمًا.
{قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيم} تبرئة لساحتها، وإغراء عليه. اهـ.

.قال ابن عاشور:

قوله تعالى: {وَاسْتَبَقَا الْبَابَ}
والاستباق: افتعال من السبْق.
وتقدم آنفًا، وهو هنا إشارة إلى تكلفهما السبق، أي أن كل واحد منهما يحاول أن يكون هو السابق إلى الباب.
وانتصب: {الباب} على نزع الخافض.
وأصله: واستبقا إلى الباب، مثل: {واختار موسى قومَه سبعين رجلًا} [سورة الأعراف: 155]، أي من قومه، أو على تضمين استبقا معنى ابتدرا.
والتعريف في (الباب) تعريف الجنس إذ كانت عدة أبواب مغلقة.
وذلك أن يوسف عليه السّلام فرّ من مراودتها إلى الباب يريد فتحه والخروج وهي تريد أن تسبقه إلى الباب لتمنعه من فتحه.
وجملة: {وقدّت قميصه} في موضع الحال.
و{قدت} أي قطعت، أي قطعت منه قدًا، وذلك قبل الاستباق لا محالة.
لأنه لو كان تمزيق القميص في حال الاستباق لم تكن فيه قرينة على صدق يوسف عليه السّلام أنها راودته، إذ لا يدل التمزيق في حال الاستباق على أكثر من أن يوسف عليه السّلام سبقها مسرعًا إلى الباب، فدل على أنها أمسكته من قميصه حين أعرض عنها تريد إكراهه على ما راودته فجذب نفسه فتخرق القميص من شدة الجذبة.
وكان قطع القميص من دبر لأنه كان موليًا عنها معْرضًا فأمسكته منه لرده عن إعراضه.
وقد أبدع إيجاز الآية في جمع هذه المعاني تحت جملة: {استبقا الباب وقَدت قميصه}.
وصادف أن ألفيا سيدها، أي زوجها، وهو العزيز، عند الباب الخارجي يريد الدخول إلى البيت من الباب الخارجي.
وإطلاق السيد على الزوج قيل: إن القرآن حكى به عادة القبط حينئذٍ، كانوا يدعون الزوج سيدًا.
والظاهر أنه لم يكن ذلك مستعملًا في عادة العرب، فالتعبير به هنا من دقائق التاريخ مثل قوله الآتي: {ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك} [سورة يوسف: 76].
ولعل الزواج في مصر في ذلك العهد كان بطريق الملك غالبًا.
وقد علم من الكلام أن يوسف عليه السّلام فتح الأبواب التي غَلّقتها زليخا بابًا بابًا حتى بلغ الخارجي، كل ذلك في حال استبَاقهما، وهو إيجاز.
والإلفاء: وجدان شيء على حالة خاصة من غير سعي لوجدانه، فالأكثر أن يكون مفاجئًا، أو حاصلًا عن جهل بأول حصول، كقوله تعالى: {قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا} [سورة البقرة: 170].
وجملة {قالت ما جزاء} الخ مستأنفة بيانيًا، لأن السامع يسأل: ماذا حدث عند مفاجأة سيدها وهما في تلك الحالة.
وابتدرته بالكلام إمعانًا في البهتان بحيث لم تتلعثم، تخيل له أنها على الحق، وأفرغت الكلام في قالب كلي ليأخذ صيغة القانون، وليكون قاعدة لا يعرف المقصود منها فلا يسع المخاطب إلا الإقرار لها.
ولعلها كانت تخشى أن تكون محبة العزيز ليوسف عليه السّلام مانعة له من عقابه، فأفرغت كلامها في قالب كلي.
وكانت تريد بذلك أن لا يشعر زوجها بأنها تهوى غير سيدها، وأن تخيف يوسف عليه السّلام من كيدها لئلا يمتنع منها مرة أخرى.
ورددت يوسف عليه السّلام بين صنفين من العقاب، وهما: السجن، أي الحبس.
وكان الحبس عقابًا قديمًا في ذلك العصر، واستمر إلى زمن موسى عليه السّلام، فقد قال فرعون لموسى عليه السّلام: {لئن اتخذت إلهًا غيري لأجعلنك من المسجونين} [سورة الشعراء: 29].
وأما العذاب فهو أنواع، وهو عقاب أقدمُ في اصطلاح البشر.
ومنه الضرب والإيلام بالنار وبقطع الأعضاء.
وسيأتي ذكر السجن في هذه السورة مرارًا. اهـ.

.قال الشعراوي:

{وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ}
وعرفنا أن كلاهما حاول الوصول إلى الباب قبل الآخر؛ وتسابقا في هذا الاستباق، ونلحظ أن الحق سبحانه يذكر هنا بابًا واحدًا؛ وكانت امرأة العزيز قد غلَّقَتْ من قبل أكثر من باب.
لكن قول الحق سبحانه: {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَا الباب} [يوسف: 25].
يدلنا على أنها لحقتْ بيوسف عند الباب الأخير؛ وهي قد استبقتْ مع يوسف إلى الأبواب كلها حتى الباب الأخير؛ لأنها تريد أن تغلق الباب لتسد أمامه المنفذ الأخير، وهذا الاستباق يختلف باختلاف الفاعل فهي تريده عن نفسه، وهو يريد الفرار من الموقف، ثم قدَّتْ قميصه من دُبر.
هذا دليل على أنه قد سبقها إلى الباب؛ فشدَّته من قميصه من الخلف، وتمزَّق القميص في يدها، وقد محَّص الشاهد الذي هو من أهلها تلك المسألة ليستنبط من الأحداث حقيقة ما حدث.
وقوله تعالى: {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَا الباب} [يوسف: 25].
أي: حدثت لهما المفاجأة، وهي ظهور عزيز مصر أمامهما؛ وصار المشهد ثلاثيًا: امرأة العزيز؛ ويوسف؛ وزوجها.
وهنا ألقت المرأة الاتهام على يوسف عليه السلام في شكل سؤال تبريري للهروب من تبعية الطلب، وإلقاء التهم على يوسف: {قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سواءا} [يوسف: 25].
ثم حددت العقاب: {إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [يوسف: 25].
ويأتي الحق سبحانه بقول يوسف عليه السلام: {قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ} [يوسف: 26].
وهنا وجد عزيز مصر نفسه بين قوليْنِ مختلفين؛ قولها هي باتهام يوسف؛ وقوله هو باتهامها، ولابد أن يأتي بمَن يفصِل بين القولين، وأن يكون له دِقَّة استقبال وفَهْم الأحداث. اهـ.

.قال المراغي في الآيات السابقة:

{وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ قالَ مَعاذَ اللَّهِ}

.تفسير المفردات:

راودته على الأمر مراودة: طلبت منه فعله مع المخادعة، فالمراود يتلطف في طلبه تلطف المخادع ويحرص عليه، وقال الراغب: المراودة أن تنازع غيرك في الإرادة فتريد منه غير ما يريد كما قال إخوة يوسف: {سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ} أي نحتال عليه ونخدعه عن إرادته ليرسل بنيامين معنا، وهيت لك بفتح الهاء وكسرها مع فتح التاء وضمها أي أي هلم أقبل وبادر، وقد روى أنها لغة عرب حوران، واختيرت لأنها أخص ما يؤدى المراد مع النزاهة الكاملة، ومعاذ اللّه: أي أعوذ وأتحصن باللّه من أن أكون من الجاهلين الفاسقين، وهمت به: أي همت لتبطش به لعصيانه أمرها، وهمّ بها ليقهرها في الدفع عما أرادته ويرد عنفها بمثله، وبرهان ربه: إما النبوة التي تلى الحكم والعلم اللذين آتاه اللّه إياهما بعد بلوغ الأشد، وإما مراقبة اللّه تعالى ورؤية ربه متجليا له ناظرا إليه كما جاء في الحديث في تفسير الإحسان: «أن تعبد اللّه كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك».
والمخلصون: هم الذين اجتباهم اللّه واختارهم لطاعته، واستبقا الباب: أي تسابقا إلى الباب وقصد كل منهما سبق الآخر إليه، فهو ليخرج وهى لتمنعه من الخروج، وقدّت قميصه من دبر: أي قطعته طولا من خلف، وألفيا: أي وجدا.

.المعنى الجملي:

بعد أن ذكر سبحانه وصية العزيز لامرأته بإكرام مثواه، وعلل ذلك بحسن الرجاء فيه ثم بين عنايته سبحانه به وتمهيد سبل كماله بتمكينه في الأرض- ذكر هنا مراودة امرأته له ونظرها إليه بغير العين التي نظر بها زوجها إليه وأرادت منه غير ما أراده هو وما أراد اللّه من فوقهما وأعدت العدة لذلك فغلقت الأبواب فهرب منها إلى باب المخدع فقدّت قميصه من خلف ووجدا زوجها بالباب الخارجي فبادرت إلى اتهامه بالسوء إلى أن استبانت براءته.

.الإيضاح:

{وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ} أي وخادعت امرأة العزيز يوسف عن نفسه ورواغته، ليريد منها ما تريد هي منه مخالفا لإرادته وإرادة ربه، واللّه غالب على أمره، قال في الكشاف: كأن المعنى خادعته عن نفسه، أي فعلت ما يفعل المخادع لصاحبه عن شئ لا يريد إخراجه من يده وهو يحتال أن يأخذه منه، وهى عبارة عن التمحل في مواقعته إياها. اهـ.
{وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ} أي وأحكمت إغلاق باب المخدع الذي كانا فيه وباب البهو الذي يكون أمام الغرف في بيوت العظماء وباب الدار الخارجي وربما كان هناك غيرها.
{وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ} أي وقالت هلمّ أقبل، وزيدت كلمة: {لَكَ} لبيان المخاطب كما يقولون: سقيا لك ورعيا لك، وهذا الأسلوب هو الغاية في الاحتشام في التعبير، وقد يكون هناك ما زادته من إغراء وتهييج مما تقتضيه الحال. وما نقل من الإسرائيليات عنها وعنه من الوقاحة فكذب، فمثل هذا لا يعلم إلا من اللّه أو من الرواية الصحيحة عنها أو عنه، ولا يستطيع أحد أن يدّعى ذلك.
{قالَ مَعاذَ اللَّهِ} أي أعوذ باللّه عز وجل وألتجئ إليه مما تريدين منى فهو يعيذنى أن أكون من الجاهلين كما سيأتى من قوله: {وإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ}.
{إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ} أي إنه سيدى المالك لرقبتى، قد أحسن معاملتى في إقامتى عندك وأوصاك بإكرام مثواى، فلا أجزيه بالإحسان إساءة وأخونه في أهله، ثم علل ما صنع بقوله: {إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} أي إنه تعالى لا يفلح الظالمين لأنفسهم والظالمين للناس بخيانة وتعدّ على الأعراض لا في الدنيا ببلوغ الإمامة والرياسة ولا في الآخرة بالوصول إلى رضوان اللّه تعالى ودخول جنات النعيم.
وفي هذا إيماء إلى الاعتزاز به، والأمانة لسيده، والتعريض بخيانة امرأته، واحتقارها بما أضرم نار الغيظ في صدرها.
{وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ} أي ولقد همت بأن تبطش به، إذ عصى أمرها وخالف مرادها وهى سيدته وهو عبدها، وقد استذلت له بدعوته إلى نفسها بعد أن احتالت عليه بمراودته عن نفسه، وكلما ألحّت عليه ازداد عتوّا واستكبارا، معتزا عليها بالديانة والأمانة، والترفع عن الخيانة، وحفظ شرف سيده وهو سيدها، ولا علاج لهذا إلا تذليله بالانتقام، وهذا ما شرعت في تنفيذه أو كادت بأن همت بالتنكيل به.
{وَهَمَّ بِها} لدفع صيالها عنه وقهرها بالبعد عما أرادته.
{لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ} أي ولكنه رأى من ربه في سريرة نفسه ما جعله يمتنع من مصاولتها واللجوء إلى الفرار منها.
والخلاصة- إن الفارق بين همها وهمه، أنها أرادت الانتقام منه شفاء لغيظها إذ فشلت فيما تريد، وأهينت بعتوه واستكباره وإبائه لما أرادت، وأراد هو الاستعداد الدفاع عن نفسه، وهمّ بها حين رأى أمارة وثوبها عليه، فكان موقفهما موقف المواثبة والاستعداد للمضاربة، ولكنه رأى من برهان ربه وعصمته ما لم تر مثله إذ ألهمه أن الفرار من هذا الموقف هو الخير الذي به تتم حكمته فيما أعده له، فاستبقا باب الدار وكان من أمرهما ما يأتى بيانه فيما بعد، هذا خلاصة رأى نقله ابن جرير وأيده الفخر الرازي وأبو بكر الباقلاني.
ويرى غيرهم من المفسرين أن المعنى أنها همت بفعل الفاحشة ولم يكن لها معارض ولا ممانع، وهمّ هو بمثل ذلك، ولولا أن رأى برهان ربه لاقترفها.