فصل: قال السمرقندي في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقيل: كان حكمًا حكمه زوجها فحكم بينهما، وكان الشاهد من أهلها ليكون أوجب للحجة عليها، وأوثق لبراءة يوسف، وأنفى للتهمة.
ويحتمل أن يكون معهما في الدار بحيث لا يشعر به، فبصر بما جرى بينهما، فأغضبه الله ليوسف، وشهد بالحق.
ويبعد قول مجاهد وابن حبيب أنّ الشاهد هو القميص المقدود لقوله: شاهد من أهلها، ولا يوصف القميص بكونه شاهدًا من أهل المرأة.
وسمى الرجل شاهدًا من حيث دل على الشاهد، وهو تخريق القميص.
وقال الزمخشري: سمى قوله شهادة لأنه أدى تأديتها في ثبت قول يوسف وبطل قولها، وإن كان قميصه محكي إما بقال مضمرة على مذهب البصريين، وإما بشهد، لأنّ الشهادة قول من الأقوال على مذهب الكوفيين.
وكان هنا دخلت عليها أداة الشرط، وتقدم خلاف المبرد والجمهور فيها، هل هي باقية على مضيها ولم تقلها أداة الشرط؟ أو المعنى: أن يتبين كونه.
فأداة الشرط في الحقيقة إنما دخلت على هذا المقدر.
وجواب الشرط فصدقت وفكذبت، وهو على إضمار قد أي: فقد صدقت، وفقد كذبت.
ولو كان فعلًا جامدًا أو دعاء لم يحتج إلى تقدير قد.
وقرأ الجمهور: {من قبل}، {ومن دبر} بضم الباء فيهما والتنوين.
وقرأ الحسن وأبو عمر، وفي رواية: بتسكينها وبالتنوين، وهي لغة الحجاز وأسد.
وقرأ ابن يعمر، وابن أبي إسحاق، والعطاردي، وأبو الزناد، ونوح القارئ، والجارود بن أبي سبرة بخلاف عنه: {من قبل} {ومن دبر} بثلاث ضمات.
وقرأ ابن يعمر، وابن أبي إسحاق، والجارود أيضًا في رواية عنهم: بإسكان الباء مع بنائهما على الضم، جعلوها غاية نحو: من قبل.
ومعنى الغاية أن يصير المضاف غاية نفسه بعدما كان المضاف إليه غايته، والأصل إعرابهما لأنهما إسمان متمكنان، وليسا بظرفين.
وقال أبو حاتم: وهذا رديء في العربية، وإنما يقع هذا البناء في الظروف.
وقال الزمخشري: والمعنى من قبل القميص ومن دبره، وأما التنكير فمعناه من جهة يقال لها: قبل، ومن جهة يقال لها: دبر.
وعن ابن أبي إسحاق: أنه قرأ {من قبل} و{من دبر} بالفتح، كان جعلهما علمين للجهتين، فمنعهما الصرف للعلمية والتأنيث.
وقال أيضًا: فإن قلت: إن دل قد قميصه من دبر على أنها كاذبة وأنها هي التي تبعته واجتذبت ثوبه إليها فقدّته، فمن أين دل قدّه من قبل على أنها صادقة، وأنه كان تابعها؟ قلت: من وجهين: أحدهما: أنه إذا كان تابعها وهي دافعة عن نفسها فقدت قميصه من قدامه بالدفع.
والثاني: أن يسرع خلفها ليلحقها، فيتعثر في قدام قميصه فيشقه انتهى.
وقوله: وهو من الكاذبين، وهو من الصادقين، جملتان مؤكدتان لأنّ من قوله: فصدقت، يعلم كذبه.
ومن قوله: فكذبت، يعلم صدقه.
وفي بناء قد للمفعول ستر على من قده، ولما كان الشاهد من أهلها راعي جهة المرأة فبدأ بتعليق صدقها على تبين كون القميص قد من قبل، ولما كانت كل جملة مستقلة بنفسها أبرز إسم كان بلفظ المظهر، ولم يضمر ليدل على الاستقلال، ولكون التصريح به أوضح.
وهو نظير قوله: «من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعص الله ورسوله فقد غوى» فلما رأى العزيز، وقيل: الشاهد قميصه قد من دبر قال: إنه أي إن قولك: ما جزاء إلى آخره قاله الزجاج، أو أن هذا الأمر وهو طمعها في يوسف ذكره الماوردي والزمخشري، أو إلى تمزيق القميص قاله: مقاتل والخطاب في من كيدكن لها ولجواريها، أولها وللنساء.
ووصف كيد النساء بالعظم، وإن كان قد يوجد في الرجال، لأنهن ألطف كيدًا بما جبلن عليه وبما تفرغن له، واكتسب بعضهن من بعض، وهن أنفذ حيلة.
وقال تعالى: {ومن الشر النفاثات في العقد} وأما اللواتي في القصور فمعهن من ذلك ما لا يوجد لغيرهن، لكونهن أكثر تفرغًا من غيرهن، وأكثر تأنسًا بأمثالهن.
يوسف أعرض عن هذا أي: عن هذا الأمر واكتمه، ولا تتحدث به.
وفي ندائه باسمه تقريب له وتلطيف، ثم أقبل عليها وقال: واستغفري لذنبك، والظاهر أنّ المتكلم بهذا هو العزيز.
وقال ابن عباس: ناداه الشاهد وهو الرجل الذي كان مع العزيز وقال: استغفري لذنبك، أي لزوجك وسيدك انتهى.
ثم ذكر سبب الاستغفار وهو قوله: لذنبك، ثم أكد ذلك بقوله: إنك كنت من الخاطئين، ولم يقل من الخاطئات، لأن الخاطئين أعم، لأنه ينطلق على الذكور والإناث بالتغليب.
يقال: خطئ إذا أذنب متعمدًا.
قال الزمخشري: وما كان العزيز إلا حليمًا، روي أنه كان قليل الغيرة انتهى.
وتربة إقليم قطفير اقتضت هذا، وأين هذا مما جرى لبعض ملوكنا أنه كان مع ندمائه المختصين به في مجلس أنس وجارية تغنيهم من وراء ستر، فاستعاد بعض خلصائه بيتين من الجارية كانت قد غنت بهما، فما لبث أن جيء برأس الجارية مقطوعًا في طست وقال له الملك: استعد البيتين من هذا الرأس، فسقط في يد ذلك المستعيد، ومرض مدة حياة ذلك الملك. اهـ.

.قال السمرقندي في الآيات السابقة:

قوله تعالى: {الر تِلْكَ}
وذلك أن اليهود والنصارى، قالوا لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: سلوا صاحبكم عن انتقال يعقوب، وأولاده من كنعان إلى مصر، ومبدأ أمرهم، فنزل: {الر} يقول: أنا الله أرى، وأسمع سؤالهم إياك يا محمد، عن هذه القصة.
ويقال معناه: أنا الله أرى صنيع إخوة يوسف، ومعاملتهم معه.
ويقال: أنا الله أرى ما يرى الخلق، وما لا يرى: {تِلْكَ ءايات الكتاب} يعني: حججه وبراهينه.
ويقال: هذه الآيات، التي وعدتكم في التوراة، أن أنزلها على محمد صلى الله عليه وسلم.
وعدهم بأن ينزل عليه كتابًا، في كثير من أوائل سوره حروف الهجاء.
{المبين} يعني: مبين حلاله وحرامه.
ويقال: بَيَّنَ فيه خبر يوسف وإخوته.
وروى معمر، عن قتادة، قال: بَيَّنَ الله رشده وهداه.
قوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْانًا عَرَبِيّا} يقول: إنا أنزلنا جبريل ليقرأ على محمد صلى الله عليه وسلم القرآن، بلسان العرب،: {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} يعني: لعلكم تفهمون ما فيه.
ثم قال تعالى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ القصص} وذلك أن المسلمين، قالوا لسلمان: أخبرنا عن التوراة، فإن فيها العجائب.
فأنزل الله تعالى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ القصص} في هذا القرآن، ويقال: لا يصح هذا، لأن سلمان أسلم بالمدينة، وهذه السورة مكية.
ولكن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم تمنوا نزول سورة، لا يكون فيها أمر ونهي وأحكام، فنزلت هذه السورة.
ويقال:
كانت اليهود تفاخروا بأن لهم قصة يوسف مذكورة في التوراة، فنزلت هذه السورة أفصح من لغة اليهود، لذهاب افتخارهم على المسلمين.
فقال: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ القصص} سماه الله في ابتدائه أحسن القصص، وفي آخره عبرة، فقال: {لَقَدْ كَانَ في قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لاوْلِى الألباب مَا كَانَ حَدِيثًا يفترى ولكن تَصْدِيقَ الذي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَئ وَهُدًى وَرَحْمَةً لْقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [يوسف: 111].
ويقال: ينزل عليك جبريل بأحكم الخبر،: {بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} يقول: بالذي أوحينا إليك.
ويقال: بوحينا إليك: {هذا القرءان وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ} يعني: وقد كنت من قبل أن ينزل عليك القرآن،: {لَمِنَ الغافلين} عن خبر يوسف، لم تعلمه.
قوله تعالى: {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأبِيهِ يا أبت} قرأ ابن عامر: {يا أبتَ} بنصب التاء، في جميع القرآن، لأن أصلها يا أبتاه.
وقرأ الباقون بالكسر، لأجل الإضافة.
{لأبِيهِ يا أبت إِنّى رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا والشمس والقمر رَأَيْتُهُمْ لِى سَاجِدِينَ} يعني: رأيت في المنام كأن أحد عشر كوكبًا، نزل من السماء والشمس والقمر نزلا من السماء يسجدون لي.
وروي عن عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة، قال: الكواكب إخوته، والشمس والقمر أبواه.
وقال معمر: قال بعض أهل العلم: أبوه وخالته.
وفي رواية الكلبي: رؤياه كانت ليلة القدر، في ليلة الجمعة.
قال تعالى: {قَالَ يَاءادَمُ بَنِى لاَ تَقْصُصْ رُءيَاكَ على إِخْوَتِكَ} فلمّا قصّها على أبيه، انتهره وزجره، وقال ليوسف في السر: إذا رأيت رؤيا بعد هذا، فلا تقصها على إخوتك: {فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا} يعني: يعملوا بك عملًا، ويحتالوا بك حيلة في هلاكك فإن قيل قوله: {رَأَيْتَهُمْ} هذا اللفظ يستعمل في العقلاء، وفي غير العقلاء، يقال: رأيتها ورأيتهن، فكيف قال ههنا: رأيتهم؟ قيل له: لأنه حكى عنها الفعل الذي يكون من العقلاء، وهي السجدة.
فذكر باللفظ الذي يوصف به العقلاء.
{إِنَّ الشيطان للإنسان عَدُوٌّ مُّبِينٌ} ظاهر العداوة.
قرأ أبو جعفر القاريء المدني،: {أَحَدَ عَشَرَ} بجزم العين، وقراءة العامة: {أَحَدَ عَشَرَ} بالنصب.
قال أبو عبيدة: هكذا تقرؤها، لأنها أعرف اللغتين، والناس عليه.
ثم قال: {وكذلك يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ} يقول: يصطفيك ويختارك بالنبوة.
قال: بالحسن، والجمال، والمحبة في القلوب.
{وَيُعَلّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الاحاديث} يعني: من تعبير الرؤيا.
ويقال: يعني: هي الكتب المنزلة.
ويقال: عواقب الأمور، يعني: يفهمك حتى تكون عالمًا بعواقبها: {وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ} يعني: يثبتك على الإسلام، ويقال: بالنبوة والإسلام: {وعلى ءالِ يَعْقُوبَ} يعني: إخوة يوسف: {كَمَا أَتَمَّهَا على أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إبراهيم وإسحاق} وأكرمهما بالنبوة، وثبتهما على الإسلام.
قال الزجاج وقد فسّر له يعقوب الرؤيا، فالتأويل أنه لما قال يوسف: {إِنّى رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا} تأول لأحد عشر نفسًا لهم فضل وأنهم يستضاء بهم، لأن الكواكب لا شيء أضوء منها، وتأول الشمس والقمر أبويه، فالقمر الأب، والشمس الأم، والكواكب إخوته، فتأول ليوسف أنه يكون نبيًا، وأن إخوته يكونون أنبياء، لأنه أعلمه أن الله تعالى يتم نعمته عليه، وعلى إخوته، كما أتمها على أبويه إبراهيم وإسحاق.
ويقال: {كَمَا أَتَمَّهَا على أَبَوَيْكَ} حين رأى إبراهيم في المنام ذبح ابنه، فأمره الله تعالى أن يفديه.
وروي عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: أنه كان يجعل الجد أبًا، ثم يقرأ هذه الآية: {كَمَا أَتَمَّهَا على أَبَوَيْكَ} ثم قال: {إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} يعني: عليم بما صنع به إخوته، حكيم بما حكم من إتمام النعمة عليه.
قوله تعالى: {لَّقَدْ كَانَ في يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ ءايات لّلسَّائِلِينَ} قرأ ابن كثير: {آية} بلفظ الوحدان، وهكذا قرأ مجاهد. يعني: فيه علامة لنبوة محمد صلى الله عليه وسلم وقرأ الباقون: {آيات} بلفظ الجماعة، وهذا موافق لمصحف الإمام عثمان.
حكى أبو عبيدة: أنه رأى في مصحف الإمام هكذا، ومعنى الآية: أن في خبر يوسف، وإخوته عبرة وموعظة لمن سأل عن أمرهم.
قال ابن عباس: وذلك أن حبرًا من أحبار اليهود، دخل على النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم، وكان قارئًا للتوراة، فوافق رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ سورة يوسف كما أنزلت في التوراة، فقال له الحبر: يا محمد، من علمكها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الله علمنيها.
فرجع الحبر إلى اليهود، فقال لهم: أتعلمون، والله إن محمدًا يقرأ سورة يوسف كما أنزلت في التوراة؟ فانطلق بنفرٍ منهم حتى جاؤوا، ودخلوا عليه، فجعلوا يستمعون إلى قراءته، ويتعجبون، فقالوا: يا محمد، من علمكها؟ قال: الله علمنيها، فنزلت: {لَّقَدْ كَانَ في يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ ءايات لّلسَّائِلِينَ}.
وكان بدء أمرهم أن يعقوب عليه السلام كان مع خاله، وكان لخاله ابنتان إحداهما لايا، ويقال: لاواه، وهي أكبرهما، والأخرى راحيل وهي أصغرهما، فخطب يعقوب إلى خاله بأن يزوجه إحداهما، فقال له خاله: هل لك مال؟ قال: لا ولكن أعمل لك.
قال: صداقها أن ترعى لي سبع سنين.
وفي بعض الروايات، قال: أن تخدمني سبع سنين.
فقال يعقوب: أخدمك سبع سنين، على أن تزوجني راحيل، وهي شرطي، قال: ذلك بيني وبينك، فرعى له يعقوب سبع سنين، فلما قضى الأجل زفت إليه الكبرى، وهي لايا.
قال يعقوب: إنك خدعتني، وإنما أردت راحيل، فقال له خاله: إنا لا ننكح الصغيرة قبل الكبيرة، فهلمَّ فاعمل لي سبع سنين أخرى، أزوجك أختها، وكان الناس يجمعون بين الأختين، إلى أن بعث الله موسى عليه السلام.
فرعى له سبع سنين، فزوجه راحيل، فجمع بينهما، وكان خاله حين جهزها دفع إلى كل واحدة منهما أمة تخدمها، فوهبتا الأمتين ليعقوب.
فولدت لايا أربعة بنين، وولدت راحيل اثنين، وولدت كل واحدة من الأمتين ثلاثة بنين، فجملة بنيه اثنا عشر سوى البنات.
قال الفقيه أبو الليث: سمعت أهل التوراة يقولون إن أسماء أولاد يعقوب مبينة في التوراة: روبيل، وشمعون، ويهوذا، ولاوي، فهؤلاء من امرأته لايا.
ويوسف، وبنيامين، من امرأته الأخرى راحيل.
والستة الباقون من الأمتين: خورية، وبالعربية يساخر، وزبلون وبالعربية زبالون، ودون، ونفتال، وحوذ وبالعربية حاذ، وروى بعضهم: خاذ بالخاء، وأوشر.
فأراد يعقوب أن يخرج إلى بيت المقدس، ولم يكن له نفقة، وكان ليوسف خال له أصنام من ذهب، فقالت لايا ليوسف: اذهب واسرق من أصنامه، فلعلنا نستنفق به.
فذهب يوسف فأخذها، وكان يوسف أعطف على أبيه، وكان أحب أولاده إليه.
فحسده إخوته مما رأوا من حب أبيه له.