فصل: قال الثعلبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال الله تعالى: {وكذلك مَكَّنَّا لِيُوسُفَ في الأرض} يعني: في أرض مصر، وهي أربعين فرسخًا في أربعين فرسخًا: {وَلِنُعَلّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الاحاديث} يعني: كي يلهمه تعبير الرؤيا، وغير ذلك من العلوم،: {والله غَالِبٌ على أَمْرِهِ} إذا أمر بشيء، لا يقدر أحد أن يرد أمر الله تعالى، إذا أراد بأحد من خلقه.
ويقال: {والله تَعَالَى غَالِبٌ على أَمْرِهِ}، يعني: وليته فيتم أمر يوسف، الذي هو كائن: {ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ} يعني: أهل مصر.
ويقال: يعني: أهل مكة لا يعلمون أن الله تعالى غالب على أمره.
قوله تعالى: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ} يعني: تمت قوة نفسه، وعقله.
ويقال: بلغ مبلغ الرجال.
ويقال: الأشد بلوغ ثلاثين سنة.
وقال الضحاك: يعني: بلغ ثلاثًا وثلاثين سنة.
ويقال الأشد: ما بين ثماني عشرة سنة، إلى ثمان وثلاثين سنة: {اتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا} أي: أكرمناه بالنبوة، والعلم، والفهم، والفقه، فجعلناه حكيمًا، وعليمًا،: {وَكَذَلِكَ نَجْزِى المحسنين} يعني: هكذا نكافئ من أحسن.
ويقال: هكذا نجزي المخلصين في العمل، بالفهم والعلم.
قوله تعالى: {وَرَاوَدَتْهُ التي هُوَ في بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ} يعني: راودته عما أرادت عليه، مما تريد النساء من الرجال، فعلم بذكره ذكر الفاحشة، ومعناه: طلبت إليه أن يمكنها من نفسه، يعني: امرأة العزيز واسمها زليخا: {وَغَلَّقَتِ الابواب} عليها، وعلى يوسف، وجعلت تغره وتمازحه، ويوسف يعظها بالله، ويزجرها.
ويروى عن ابن عباس، أنه قال: كان يوسف إذا تبسم، رأيت النور في ضواحكه، وإذا تكلم، رأيت شعاع النور في كلامه، يذهب من بين يديه، ولا يستطيع آدمي أن ينعت نعته.
فقالت له: يا يوسف ما أحسن عينيك قال: هما أول شيء يسيلان إلى الأرض من جسدي.
ثم قالت: يا يوسف ما أحسن ديباج وجهك قال: هو للتراب يأكله.
ثم قالت: يا يوسف ما أحسن شعرك قال: هو أول ما ينتشر من جسدي.
{وَقَالَتِ}: يا يوسف،: {هَيْتَ لَكَ}.
قرأ حمزة، والكسائي، وعاصم،: {هَيْتَ} بنصب الهاء والتاء، يعني: أقبل، ويقال: هلم إليّ، والعرب تقول: هيت فلان لفلان، إذا دعاه وصاح به، وهكذا قرأ ابن مسعود وابن عباس والحسن، وقرأ ابن عامر في رواية هشام: {هِئْتُ} بكسر الهاء والهمز وضم التاء، بمعنى تهيأت لك، وقرأ ابن كثير: {وَقَالَتْ هَيْتَ} لك بنصب الهاء وضم التاء، ومعناه أنا لك، وأنا فداؤك، وقرأ نافع وابن عامر في إحدى الروايتين: {هَيْتَ} بكسر الهاء ونصب التاء، بغير همز.
{قَالَ مَعَاذَ الله} يعني: قال يوسف: أعوذ بالله أن أعصيه وأخونه.
{إِنَّهُ رَبّى أَحْسَنَ مَثْوَاىَّ} يعني: إن سيدي الذي اشتراني أحسن إكرامي، فلم أكن لأفعل بامرأته ذلك.
{إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظالمون} يعني: لا ينجو الزناة من عذاب الله تعالى، وفي هذه الآية دليل أن معرفة الإحسان واجب، لأن يوسف امتنع عنها لأجل شيئين لأجل المعصية والظلم، ولأجل إحسان الزوج إليه.
قوله تعالى: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا} روى حماد بن سلمة، عن الكلبي أنه قال: كان من همها أنها دعته إلى نفسها واضجعت وهَمَّ بها بالموعظة والتخويف من الله تعالى، وقيل إنه حلَّ سراويله، وجلس بين رجليها: {لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبّهِ} يقول: مثل له يعقوب في الحائط عاضًا على شفتيه، فاستحيى، فتنحى بنفسه، وقال وهب بن منبه: لم تزل تخدعه حتى همَّ بها، ودخل معها في فراشها، فنودي من السماء.
مهلًا يا يوسفُ فإنك لو وقعت في الخطيئة محي اسمك عن ديوان النبوة.
وروى ابن أبي مليكة عن ابن عباس أنه سئل عن قوله: {لَقَدِ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا} ما بلغ من همه؟ قال: أطلق هميانه فنودي يا يوسف لا تكن كالطائر له ريش فزنى، فسقط ريشه.
ويقال: كان همها هم إرادة وشهوة، وهمه همّ اضطرار وغلبة.
وقال بعضهم: كان همه حديث النفس والفكر، وحديث النفس والفكر مرفوعان.
وقال بعضهم: {هُمْ بِهَا} يعني: يضربها.
وقال بعضهم: يعني: هم بالفرار عنها.
وقال بعضهم: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ} تم الكلام، ثم: {وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبّهِ} يعني: لما رأى البرهان لم يهم بها، فقد قيل هذه الأقاويل، والله أعلم.
وقد روي في الخبر أنه ليس من نبي إلا وقد أخطأ أو همَّ بخطيئة غير يحيى بن زكريا، ولكنهم كانوا معصومين من الفواحش.
قوله تعالى: {لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبّهِ} روى سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال: مثل له يعقوب، فضرب بيده على صدره، فخرجت شهوته من أنامله.
وقال محمد بن كعب: {لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبّهِ} قال: لولا أن قرأ القرآن من تحريم الزنى، وذلك أنه استقبل بكتاب لله تعالى: {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزنى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} [الإسراء: 32].
قال الله تعالى: {كذلك لِنَصْرِفَ عَنْهُ السوء والفحشاء} يقول: هكذا صرفت السوء والفحشاء عن يوسف بالبرهان، حين استعاذ إليّ بقوله: معاذ الله.
ثم قال: {إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المخلصين} بالتوحيد والطاعة.
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر: {المخلصين} بكسر اللام، ومعناه ما ذكرناه.
وقرأ الباقون: {المخلصين} بالنصب، يعني: المعصومين من الذنوب والفواحش، ويقال: أخلصه الله تعالى بالنبوة والرسالة والإسلام.
قوله تعالى: {واستبقا الباب} يعني: تبادرا إلى الباب، يعني: يوسف وزليخا.
أما يوسف، فاستبق ليخرج من الباب، وأما زليخا فاستبقت لتغلق الباب على يوسف، فأدركته قبل أن يخرج، فتعلقت به قبل أن يخرج من الباب.
{وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ} يعني: مزقت قميصه من خلفه.
{وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا} يعني: صادفَ، ووجدا سيدها: {لدى الباب} يعني: زوجها عند الباب.
{قَالَتْ} زليخا لزوجها: {مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءا} يعني: قالت لزوجها: {مَا جَزَاء}، يعني: ما عقاب: {مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءا} يعني: قصد بها الزنى: {إِلا أَن يُسْجَنَ} يعني: يحبس في السجن.
{أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} يعني: يضرب ضربًا وجيعًا، وذلك أن الزوج قال لهما ما شأنكما؟ قالت له زليخا: كنت نائمة في الفراش عريانة، فجاء هذا الغلام العبراني، وكشف ثيابي، وراودني عن نفسي، فدفعته عن نفسي، فانشق قميصه.
{قَالَ} يوسف: بل: {هِىَ رَاوَدَتْنِى عَن نَّفْسِى} يعني: دعتني إلى نفسها: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مّنْ أَهْلِهَا} قال مجاهد: قميصه شاهد أنه قَدْ قُدَّ من دبر فظهر أن الذنب لها بتلك العلامة.
وروي عن ابن عباس أنه قال: كان صبي في المهد لم يتكلم بعد فتكلم، وقال: {إِن كَانَ قَدْ قَمِيصَهُ مِن قَبْلُ} الآية.
وقال قتادة: كان رجلًا حكيمًا من أهلها.
ويقال: كان رجلًا من خواصِّ الملك.
وروي عن عكرمة أنه قيل له إنه صبي قال: لا، ولكنه رجل حكيم.
وقال الحسن: كان رجلًا له رأي، فقال برأيه.
وروى أبو صالح عن ابن عباس أنه قال: كان زوجها على الباب مع ابن عم لها يقال له ممليخا، وكان رجلًا حكيمًا، فقال: قد سمعنا الاشتداد والجلبة من وراء الباب، ولا ندري أيكما قدام صاحبه؟ إن كان قد شقّ القميص من قدامه فأنت صادقة فيما قلت، وإن كان مشقوقًا من خلفه فهو صادق، فنظروا إلى قميصه، فإذا هو مشقوق من خلفه، فذلك قوله تعالى: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ} يعني: زليخا: {وَهُوَ} يعني: يوسف: {مِنَ الكاذبين}.
{وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ}، يعني: زليخا: {وَهُوَ} يعني: يوسف: {مِنَ الصادقين} وذلك أن الرجل لا يأتيها إلا مقبلًا.
{فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ} يعني: مقدودًا من دبر: {قَالَ} ابن العم: {إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ} يعني: صنيعكن، ويقال قال الزوج: {إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ} يعني: صنيعكن عظيم يخلص إلى البريء والسقيم والصالح والطالح.
وفي هذه الآية دليل أن القضاء بشهادة الحال جائز وقال بعض الحكماء: سمى الله كيد الشيطان ضعيفًا، وسمى كيد النساء عظيمًا لأن كيد الشيطان بالوسوسة والخيال، وكيد النساء بالمواجهة والعيان.
ثم أقبل على يوسف فقال: {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا} يعني: يا يوسف أعرض عن هذا القول، ولا تذكره، واكتم هذا الحديث.
ثم أقبل عليها فقال: {واستغفرى لِذَنبِكِ} يعني: توبي وارجعي عن ذنبك، ويقال ابن عمها هو الذي قال لها: واستغفري لذنبك، يعني: اعتذري إلى زوجك من ذنبك.
{إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الخاطئين} يعني: من المذنبين.
وفشا ذلك الخبر في مصر وتحدثت النساء فيما بينهن. اهـ.

.قال الثعلبي:

{الر تِلْكَ آيَاتُ الكتاب المبين} يعني البيّن حلاله وحرامه وحدوده وأحكامه وهداه وبركته، قال معاذ بن جبل: بيّن فيه الحروف التي سقطت من ألسن الأعاجم وهي ستة أحرف.
{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ} يعني الكتاب: {قُرْآنًا عَرَبِيًّا} بلغتكم يا معشر العرب: {لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} لكي تعلموا معانيه وتقيموا ما فيه: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ} أي نقرأ، وأصل القصص تتبع الشيء، ومنه قوله تعالى: {وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ} [القصص: 11] فالقاص يتتبع الآثار ويخبر بها.
{أَحْسَنَ القصص} يعني قصة يوسف: {بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} و: {ما} المصدر أي بإيحائنا إليك هذا القرآن: {وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ} من قبل وحينا: {لَمِنَ الغافلين} قال سعد بن أبي وقاص: أُنزل القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلاه عليهم زمانًا، وكأنهم ملّوا فقالوا: لو قصصت علينا، فأنزل الله تعالى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ القصص} الآية، فقالوا: يا رسول الله لو ذكرتنا وحدثتنا فأنزل الله تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمنوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ الله} [الحديد: 16] الآية، فقال الله تعالى على هذه الآية: أحسن القصص.
واختلف الحكماء فيها لم سميت أحسن القصص من بين الأقاصيص؟ فقيل: سماها أحسن القصص لأنه ليست قصة في القرآن تتضمن من العبر والحكم والنكت ما تتضمن هذه القصة، وقيل: سمّاها أحسن لامتداد الأوقات فيما بين مبتداها إلى منتهاها، قال ابن عباس: كان بين رؤيا يوسف ومصير أبيه وأخوته إليه أربعون سنة، وعليه أكثر المفسرين، وقال الحسن البصري: كان بينهما ثمانون سنة.
وقيل: سماها أحسن القصص لحسن مجاورة يوسف إخوته، وصبره على أذاهم، وإغضائه عند الإلتقاء بهم عن ذكر ما تعاطوه، وكرمه في العفو عنهم وقيل: لأن فيها ذكر الأنبياء والصالحين والملائكة والشياطين والأنس والجن والأنعام والطير، وسير الملوك والمماليك، والتجار والعلماء والجهال، والرجال والنساء، وحيلهن ومكرهن، وفيها أيضًا ذكر التوحيد والعفة والسير وتعبير الرؤيا السياسة وتدبير المعاش، وجعلت أحسن القصص لما فيها من المعاني الجزيلة والفوائد الجليلة التي تصلح للدين والدنيا، وقيل: لأن فيها ذكر الحبيب المحبوب. وقيل: أحسن القصص هاهنا بمعنى أعجب.
{إِذْ قَالَ يُوسُفُ} قراءة العامة يوسف بضم السين، وقرأ طلحة بن مصرف بكسر السين، واختلفوا فيه فقال أكثرهم: هو اسم عبريّ فلذلك لا يجري، وقال بعضهم: هو اسم عربي.
سمعت أبا القاسم الحبيبي، قال: سمعت أبي يقول: سمعت أبا الحسن الأقطع، وكان حكيمًا، وسئل عن يوسف، فقال: الأسف: الحزن، والأسيف: العبد واجتمعا في يوسف فلذلك سمي يوسف.
{لأَبِيهِ} يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم (عليهم السلام). روى أبو سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الكريم بن الكريم بن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام».
{يا أبت} قرأ أبو جعفر وابن عامر بفتح التاء في جميع القرآن على تقدير يا أبتاه، وقرأ الباقون بالكسر، لأنه أصله يا أبه على هاء الوقف والجر.
{إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا} نصب الكوكب على التمييز،: {والشمس والقمر رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} ولم يقل: رأيتها لي ساجدة، والهاء والميم والياء والنون من كنايات ما يعقل؛ لأن السجود فعل ما يعقل فعبّر عنها بكنايتها كقوله: {يا أيها النمل ادخلوا مَسَاكِنَكُمْ} [النمل: 18] الآية.
روى السدّي عن عبد الرحمن بن ساريا، عن جابر، قال: سأل النبيَّ صلى الله عليه وسلم رجلٌ من اليهود يقال له بستان، فقال: يا محمد أخبرني عن الكواكب التي رآها يوسف ساجدة له ما أسماؤها، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «هل أنت مؤمن إن أخبرتُ بأسمائها؟» قال: نعم، فقال: «حرثان والطارق والذيال وذو النقاب وقابس ووثاب وعمودان والمصبح والفليق والضروح وذو الفرغ، رآها يوسف والشمس والقمر نزلن من السماء فسجدن له فقال اليهودي: إي والله إنها لأسماؤها».
قال ابن عباس: الشمس والقمر أبواه والكواكب إخوته الأحد عشر. وقال قتادة: الشمس أبوه والقمر خالته، وذلك أن أمه راحيل كانت قد ماتت، قال وهب: وكان يوسف رأى وهوابن سبع سنين، أن احدى عشرة عصًا طوالا كانت مركوزة في الأرض كهيئة الدائرة وإذا عصا صغيرة ثبتت عليها حتى اقتلعتها وغلبتها فوصف ذلك لأبيه، فقال له: إياك أن تذكر هذا لإخوتك، ثم رأى وهو ابن اثني عشرة سنة أنّ أحد عشر كوكبًا والشمس والقمر سجدن له فقصّها على أبيه فقال له: {لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ على إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا} فيبغوا لك الغوايل ويحتالوا في إهلاكك، لأنهم يعلمون تأويلها فيحسدونك: {إِنَّ الشيطان لِلإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ}.
واختلف النحاة في وجه دخول اللام في قوله لك، فقال بعضهم: معناه فيكيدوك واللام صلة، كقوله: {لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ} [الأعراف: 154] وقال آخرون: هو مثل قولهم: نصحتك ونصحت لك، وشكرتك وشكرت لك، وحمدتك وحمدت لك، وقصدتك وقصدت لك.
{وكذلك يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ} كقوله: يصطفيك ويختارك ليوسف: {وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأحاديث} تعبير الرؤيا وسمي تأويلا لأنه يؤوّل أمره إلى ما رأى في منامه: {وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وعلى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا على أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ} بالخلة وإنجائه من النار قال عكرمة: بأن نجّاه من الذبح وفداه بذبح عظيم. وقال الباقون: بإخراج يعقوب، والأسباط من صلبه.
{إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} ولهذا قيل: العرق نزّاع والأصل لا يخطئ، فلمّا بلغت هذه الرؤيا إخوة يوسف حسدوه، قال ابن زيد: كانوا أنبياء، وقالوا: ما رضي أن يسجد له إخوته حتى يسجد له أبواه، فبغوه بالعداوة.