فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (67)}.
أخرج ابن أبي الدنيا في كتاب من عاش بعد الموت عن ابن عباس قال: كانت مدينتان في بني إسرائيل؛ إحداهما حصينة ولها أبواب، والأخرى خربة. فكان أهل المدينة الحصينة إذا أمسوا أغلقوا أبوابها، فإذا أصبحوا قاموا على سور المدينة فنظروا هل حدث فيما حولها حادث، فأصبحوا يومًا فإذا شيخ قتيل مطروح بأصل مدينتهم، فأقبل أهل المدينة الخربة فقالوا: قتلتم صاحبنا وابن أخ له شاب يبكي عليه ويقول: قتلتم عمي. قالوا: والله ما فتحنا مدينتنا منذ أغلقناها، وما لدينا من دم صاحبكم هذا! فأتوا موسى، فأوحى الله إلى موسى {إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة} إلى قوله: {فذبحوها وما كادوا يفعلون}.
قال: وكان في بني إسرائيل غلام شاب يبيع في حانوت له، وكان له أب شيخ كبير، فأقبل رجل من بلد آخر يطلب سلعة له عنده فأعطاه بها ثمنًا، فانطلق معه ليفتح حانوته فيعطيه الذي طلب والمفتاح مع أبيه، فإذا أبوه نائم في ظل الحانوت فقال: أيقظه. قال ابنه: إنه نائم وأنا أكره أن أروّعه من نومته. فانصرفا فأعطاه ضعف ما أعطاه على أن يوقظه فأبى، فذهب طالب السلعة. فاستيقظ الشيخ فقال له ابنه: يا أبت والله لقد جاء هاهنا رجل يطلب سلعة كذا، فأعطى بها من الثمن كذا وكذا، فكرهت أن أروعك من نومك فلامه الشيخ، فعوّضه الله من بره بوالده أن نتجت من بقر تلك البقرة التي يطلبها بنو إسرائيل، فأتوه فقالوا له: بعناها فقال: لا. قالوا: إذن نأخذ منك. فأتوا موسى فقال: اذهبوا فأرضوه من سلعته. قالوا: حكمك؟ قال: حكمي أن تضعوا البقرة في كفة الميزان وتضعوا ذهبًا صامتًا في الكفة الأخرى، فإذا مال الذهب أخذته ففعلوا، وأقبلوا بالبقرة حتى انتهوا بها إلى قبر الشيخ، واجتمع أهل المدينتين فذبحوها، فضرب ببضعة من لحمها القبر، فقام الشيخ ينفض رأسه يقول: قتلني ابن أخي طال عليه عمري وأراد أخذ مالي ومات.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن عبيدة السلماني قال: كان رجل من بني إسرائيل عقيمًا لا يولد له، وكان له مال كثير، وكان ابن أخيه وارثه، فقتله ثم احتمله ليلًا فوضعه على باب رجل منهم، ثم أصبح يدعيه عليهم حتى تسلحوا وركب بعضهم إلى بعض، فقال ذوو الرأي منهم: علام يقتل بعضكم بعضًا وهذا رسول الله فيكم؟ فأتوا موسى فذكروا ذلك له فقال: {إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا هزوًا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين} قال: فلو لم يعترضوا لاجزأت عنهم أدنى بقرة ولكنهم شددوا فشدد عليهم، حتى انتهوا إلى البقرة التي أمروا بذبحها، فوجدوها عند رجل ليس له بقرة غيرها فقال: والله لا أنقصها من ملء جلدها ذهبًا، فذبحوها فضربوه ببعضها فقام، فقالوا: من قتلك؟ فقال: هذا لابن أخيه ثم مال ميتًا، فلم يعط من ماله شيئًا ولم يورث قاتل بعد.
وأخرج عبد الرزاق عن عبيدة قال: أوّل ما قضي أنه لا يرث القاتل في صاحب بني إسرائيل.
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن سيرين قال: أوّل ما منع القاتل الميراث لكان صاحب البقرة.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: إن شيخًا من بني إسرائيل على عهد موسى كان مكثرًا من المال، وكان بنو أخيه فقراء لا مال لهم، وكان الشيخ لا ولد له، وكان بنو أخيه ورثته فقالوا: ليت عمنا قد مات فورثنا ماله، وأنه لما تطاول عليهم أن لا يموت أتاهم الشيطان فقال: هل لكم إلى أن تقتلوا عمكم وتغرموا أهل المدينة التي لستم بها ديته، وذلك أنهما كانتا مدينتين كانوا في إحداهما، وكان القتيل إذ قتل فطرح بين المدينتين قيس ما بين القتيل والقريتين فأيتهما كانت أقرب إليه غرمت الدية، وأنهم لما سوّل لهم الشيطان ذلك عمدوا إليه فقتلوه، ثم طرحوه على باب المدينة التي ليسوا بها، فلما أصبح أهل المدينة جاء بنو أخي الشيخ فقالوا: عمنا قتل على باب مدينتكم، فوالله لتغرمنَّ لنا ديته. قال: أهل المدينة نقسم بالله ما قتلنا، ولا علمنا قاتلًا، ولا فتحنا باب مدينتنا منذ أغلق حتى أصبحنا، فعمدوا إلى موسى، فجاءه جبريل فقال: قل لهم {إن الله يأمركم أن تذبجوا بقرة} فتضربوه ببعضها.
وأخرج سفيان بن عيينة عن عكرمة قال: كان لبني إسرائيل مسجد له اثنا عشر بابًا، لكل سبط منهم باب يدخلون منه ويخرجون، فوجد قتيل على باب سبط من الأسباط قتل على باب سبط وجر إلى باب سبط آخر، فاختصم فيه أهل السبطين. فقال هؤلاء: أنتم قتلتم هذا، وقال الآخرون: بل أنتم قتلتموه، ثم جررتموه إلينا. فاختصموا إلى موسى فقال: {إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة} الآية.
{قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك} قال: فذهبوا يطلبونها فكأنها تعذرت عليهم، فرجعوا إلى موسى فقالوا {ادع لنا ربك يبين لنا ما هي} {وإنا إن شاء الله لمهتدون} ولولا أنهم قالوا إن شاء الله ما وجدوها {قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول} ألا وإنما كانت البقرة يومئذ بثلاثة دنانير، ولو أنهم أخذوا أدنى بقرهم فذبحوها كفتهم ولكنهم شددوا فشدد الله عليهم.
فذهبوا يطلبونها فيجدون هذه الصفة عند رجل فقالوا: تبيعنا هذه البقرة؟ قال: أبيعها. قالوا: بكم تبيعها؟ قال: بمائة دينار. فقالوا: إنها بقرة بثلاثة دنانير! فابوا أن يأخذوها، فرجعوا إلى موسى فقالوا: وجدناها عند رجل فقال لا أنقصكم عن مائة دينار، وإنها بقرة بثلاثة دنانير.
قال: هو أعلم هو صاحبها، إن شاء باع وإن شاء لم يبع، فرجعوا إلى الرجل فقالوا: قد أخذناها بمائة دينار. فقال: لا أنقصها عن مائتي دينار. فقالوا، سبحان الله...! قد بعتنا بمائة دينار ورضيت فقد أخذناها. قال: ليس أنقصها من مائتي دينار. فتركوها ورجعوا إلى موسى فقالوا له: قد أعطاناها بمائة دينار، فلما رجعنا إليه قال: لا أنقصها من مائتي دينار. قال: هو أعلم إن شاء باعها وإن شاء لم يبعها، فعادوا إليه فقالوا: قد أخذناها بمائتي دينار. فقال: لا أنقصها من أربعمائة دينار. قالوا: قد كنت أعطيتناها بمائتي دينار فقد أخذناها! فقال: ليس أنقصها من أربعمائة دينار، فتركوها وعادوا إلى موسى فقالوا: قد أعطيناه مائتي دينار، فأبى أن يأخذها وقال: لا أنقصها من أربعمائة دينار. فقال: هو أعلم هو صاحبها إن شاء باع وإن شاء لم يبع، فرجعوا إليه فقالوا: قد أخذناها بأربعمائة دينار فقال: لا أنقصها من ثمانمائة دينار. فلم يزالوا يعودون إلى موسى ويعودون عليه، فكلما عادوا إليه أضعف عليه الثمن حتى قال: ليس أبيعها إلا بملء مسكها، فأخذوها فذبحوها فقال: اضربوه ببعضها، فضربوه بفخذها فعاش. فقال: قتلني فلان.
فإذا هو رجل كان له عم، وكان لعمه مال كثير، وكان له ابنة فقال: أقتل عمي هذا وأرث ماله وأتزوج ابنته، فقتل عمه فلم يرث شيئًا ولم يورث قاتل منذ ذلك شيئًا، قال موسى: إن لهذه البقرة لشأنا ادعوا إليَّ صاحبها، فدعوه فقال: أخبرني عن هذه البقرة وعن شأنها؟ قال: نعم. كنت رجلًا أبيع في السوق وأشتري، فسامني رجل بضاعة عندي فبعته إياها، وكنت قد أشرفت منها على فضل كبير، فذهبت لآتيه بما قد بعته، فوجدت المفتاح تحت رأس والدتي، فكرهت أن أوقظها من نومها، ورجعت إلى الرجل فقلت: ليس بيني وبينك بيع، فذهب ثم رجعت فنتجت لي هذه البقرة، فألقى الله عليها مني محبة فلم يكن عندي شيء أحب إليَّ منها، فقيل له إنما أصبت هذا ببرّ والدتك. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
قوله جلّ ذكره: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُوا بَقَرَةً}.
كان الواجب عليهم استقبال الأمر بالاعتناق ولكنهم تعللوا ببقاء الأشكال توهمًا بأن يكون لهم... تُفضِي بالإخلاد إلى الاعتدال عن عهدة الإلزام فتضاعفت عليهم المشقة وحل بهم ما حَذِرُوه من الافتضاح. اهـ.

.من فوائد ابن كثير في الآية:

قال عليه الرحمة:
{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (67)}.
يقول تعالى واذكروا يا بني إسرائيل نعمتي عليكم في خرق العادة لكم في شأن البقرة، وبيان القاتل من هو بسببها وإحياء الله المقتول، ونصه على من قتله منهم.
مسألة الإبل تنحر والغنم تذبح.
واختلفوا في البقر فقيل: تذبح، وقيل: تنحر، والذبح أولى لنص القرآن ولقرب منحرها من مذبحها. قال ابن المنذر: ولا أعلم خلافا صحيحًا بين ما ينحر أو نحر ما يذبح، غير أن مالكا كره ذلك. وقد يكره الإنسان ما لا يحرم، وقال أبو عبد الله: أعلم أن نزول قصة البقرة على موسى، عليه السلام، في أمر القتيل قبل نزول القسامة في التوراة.
بسط القصة كما قال ابن أبي حاتم:
حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح، حدثنا يزيد بن هارون، أنبأنا هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن عبيدة السلماني، قال: كان رجل من بني إسرائيل عقيمًا لا يولد له، وكان له مال كثير، وكان ابن أخيه وارثه، فقتله ثم احتمله ليلا فوضعه على باب رجل منهم، ثم أصبح يدعيه عليهم حتى تسلحوا، وركب بعضهم إلى بعض، فقال ذوو الرأي منهم والنهى: علام يقتل بعضكم بعضًا وهذا رسول الله فيكم؟ فأتوا موسى، عليه السلام، فذكروا ذلك له، فقال: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} قال: فلو لم يعترضوا البقر لأجزأت عنهم أدنى بقرة، ولكنهم شددوا فشدد عليهم، حتى انتهوا إلى البقرة التي أمروا بذبحها فوجدوها عند رجل ليس له بقرة غيرها، فقال: والله لا أنقصها من ملء جلدها ذهبا، فأخذوها بملء جلدها ذهبًا فذبحوها، فضربوه ببعضها فقام فقالوا: من قتلك؟ فقال: هذا، لابن أخيه. ثم مال ميتًا، فلم يعط من ماله شيئًا، فلم يورث قاتل بعد.
ورواه ابن جرير من حديث أيوب، عن محمد بن سيرين، عن عبيدة بنحو من ذلك والله أعلم.
ورواه عبد بن حميد في تفسيره: أنبأنا يزيد بن هارون، به.
ورواه آدم بن أبي إياس في تفسيره، عن أبي جعفر- هو الرازي- عن هشام بن حسان، به. وقال آدم بن أبي إياس في تفسيره: أنبأنا أبو جعفر الرازي، عن الربيع، عن أبي العالية، في قول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} قال: كان رجل من بني إسرائيل، وكان غنيًا، ولم يكن له ولد، وكان له قريب وكان وارثه، فقتله ليرثه، ثم ألقاه على مجمع الطريق، وأتى موسى، عليه السلام، فقال له: إن قريبي قتل وإني إلى أمر عظيم، وإني لا أجد أحدًا يبين لي من قتله غيرك يا نبي الله. قال: فنادى موسى في الناس، فقال: أنشد الله من كان عنده من هذا علم إلا بينه لنا، قال: فلم يكن عندهم علم، فأقبل القاتل على موسى عليه السلام، فقال له: أنت نبي الله فاسأل لنا ربك أن يبين لنا، فسأل ربه فأوحى الله إليه: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} فعجبوا من ذلك، فقالوا: {أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا فَارِضٌ} يعني: لا هرمة {وَلا بِكْرٌ} يعني: ولا صغيرة {عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ} أي: نصف بين البكر والهرمة {قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا} أي: صاف لونها {تَسُرُّ النَّاظِرِينَ} أي: تعجب الناظرين {قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ} أي: لم يذللها العمل {تُثِيرُ الأرْضَ} يعني: وليست بذلول تثير الأرض {وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ} يقول: ولا تعمل في الحرث {مُسَلَّمَةٌ} يعني: مسلمة من العيوب {لا شِيَةَ فِيهَا} يقول: لا بياض فيها {قَالُوا الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} قال: ولو أن القوم حين أمروا أن يذبحوا بقرة، استعرضوا بقرة من البقر فذبحوها، لكانت إياها، ولكنهم شددوا على أنفسهم فشدد عليهم، ولولا أن القوم استثنوا فقالوا: {وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ} لما هدوا إليها أبدًا. فبلغنا أنهم لم يجدوا البقرة التي نعتت لهم إلا عند عجوز عندها يتامى، وهي القيمة عليهم، فلما علمت أنه لا يزكو لهم غيرها، أضعفت عليهم الثمن. فأتوا موسى فأخبروه أنهم لم يجدوا هذا النعت إلا عند فلانة، وأنها سألتهم أضعاف ثمنها. فقال لهم موسى: إن الله قد كان خفف عليكم فشددتم على أنفسكم فأعطوها رضاها وحكمها. ففعلوا، واشتروها فذبحوها، فأمرهم موسى، عليه السلام، أن يأخذوا عظمًا منها فيضربوا به القتيل، ففعلوا، فرجع إليه روحه، فسمى لهم قاتله، ثم عاد ميتًا كما كان، فأخذ قاتله- وهو الذي كان أتى موسى فشكا إليه مقتله- فقتله الله على أسوأ عمله.
وقال محمد بن جرير: حدثني ابن سعد حدثني أبي، حدثني عمي، حدثني أبي، عن أبيه عن جده عن ابن عباس، في قوله في شأن البقرة: وذلك أن شيخًا من بني إسرائيل على عهد موسى، عليه السلام، كان مكثرًا من المال، وكان بنو أخيه فقراء لا مال لهم، وكان الشيخ لا ولد له وبنو أخيه ورثته فقالوا: ليت عمنا قد مات فورثنا ماله، وإنه لما تطاول عليهم ألا يموت عمهم، أتاهم الشيطان فقال لهم: هل لكم إلى أن تقتلوا عمكم، فترثوا ماله، وَتُغْرِمُوا أهل المدينة التي لستم بها ديته، وذلك أنهما كانتا مدينتين، كانوا في إحداهما وكان القتيل إذا قتل فطرح بين المدينتين قيس ما بين القتيل والقريتين فأيهما كانت أقرب إليه غرمت الدية، وأنهم لما سول لهم الشيطان ذلك، وتطاول عليهم ألا يموت عمهم عمدوا إليه فقتلوه، ثم عمدوا فطرحوه على باب المدينة التي ليسوا فيها. فلما أصبح أهل المدينة جاء بنو أخي الشيخ، فقالوا: عمنا قتل على باب مدينتكم، فوالله لتغرمن لنا دية عمنا. قال أهل المدينة: نقسم بالله ما قتلنا ولا علمنا قاتلا ولا فتحنا باب مدينتنا منذ أغلق حتى أصبحنا. وإنهم عمدوا إلى موسى، عليه السلام، فلما أتوه قال بنو أخي الشيخ: عمنا وجدناه مقتولا على باب مدينتهم. وقال أهل المدينة: نقسم بالله ما قتلناه ولا فتحنا باب المدينة من حين أغلقناه حتى أصبحنا، وإنه جبريل جاء بأمر السميع العليم إلى موسى، عليه السلام، فقال: قل لهم: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} فتضربوه ببعضها.
وقال السدي: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} قال: كان رجل من بني إسرائيل مكثرًا من المال وكانت له ابنة، وكان له ابن أخ محتاج، فخطب إليه ابن أخيه ابنته، فأبى أن يزوجه، فغضب الفتى، وقال: والله لأقتلن عمي، ولآخذن ماله، ولأنكحن ابنته، ولآكلن ديته. فأتاه الفتى وقد قدم تجار في بعض أسباط بني إسرائيل، فقال: يا عم انطلق معي فخذ لي من تجارة هؤلاء القوم، لعلي أن أصيب منها فإنهم إذا رأوك معي أعطوني. فخرج العم مع الفتى ليلا فلما بلغ الشيخ ذلك السبط قتله الفتى، ثم رجع إلى أهله. فلما أصبح جاء كأنه يطلب عمه، كأنه لا يدري أين هو، فلم يجده. فانطلق نحوه، فإذا هو بذلك السبط مجتمعين عليه، فأخذهم وقال: قتلتم عمي، فأدوا إليّ ديته فجعل يبكي ويحثو التراب على رأسه، وينادي: واعماه. فرفعهم إلى موسى، فقضى عليهم بالدية، فقالوا له: يا رسول الله، ادع الله لنا حتى يبين لنا من صاحبه، فيؤخذ صاحب الجريمة فوالله إن ديته علينا لهينة، ولكنا نستحيي أن نعير به فذلك حين يقول الله تعالى: {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} فقال لهم موسى، عليه السلام: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} قالوا: نسألك عن القتيل وعمن قتله، وتقول: اذبحوا بقرة. أتهزأ بنا! {قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ}.
وكان رجل في بني إسرائيل، من أبر الناس بأبيه، وإن رجلا مر به معه لؤلؤ يبيعه، وكان أبوه نائمًا تحت رأسه المفتاح، فقال له الرجل: تشتري مني هذا اللؤلؤ بسبعين ألفًا؟ فقال له الفتى: كما أنت حتى يستيقظ أبي فآخذه منك بثمانين ألفًا. فقال الآخر: أيقظ أباك وهو لك بستين ألفًا، فجعل التاجر يحط له حتى بلغ ثلاثين ألفًا، وزاد الآخر على أن ينتظر أباه حتى يستيقظ حتى بلغ مائة ألف، فلما أكثر عليه قال: والله لا أشتريه منك بشيء أبدًا، وأبى أن يوقظ أباه، فعوضه الله من ذلك اللؤلؤ أن جعل له تلك البقرة، فمرت به بنو إسرائيل يطلبون البقرة وأبصروا البقرة عنده، فسألوه أن يبيعهم إياها بقرة ببقرة، فأبى، فأعطوه ثنتين فأبى، فزادوه حتى بلغوا عشرا، فأبى، فقالوا: والله لا نتركك حتى نأخذها منك. فانطلقوا به إلى موسى، عليه السلام، فقالوا: يا نبي الله، إنا وجدناها عند هذا فأبى أن يعطيناها وقد أعطيناه ثمنًا فقال له موسى: أعطهم بقرتك. فقال: يا رسول الله، أنا أحق بمالي. فقال: صدقت. وقال للقوم: أرضوا صاحبكم، فأعطوه وزنها ذهبًا، فأبى، فأضعفوا له مثل ما أعطوه وزنها، حتى أعطوه وزنها عشر مرات ذهبًا، فباعهم إياها وأخذ ثمنها، فذبحوها. قال: اضربوه ببعضها، فضربوه بالبضعة التي بين الكتفين، فعاش، فسألوه: من قتلك؟ فقال لهم: ابن أخي، قال: أقْتُلُهُ، فآخذُ مالَه، وأنكح ابنتَه. فأخذوا الغلام فقتلوه.
وقال سنيد: حدثنا حجاج، هو ابن محمد، عن ابن جريج، عن مجاهد، وحجاج، عن أبي معشر، عن محمد بن كعب القرظي ومحمد بن قيس- دخل حديث بعضهم في حديث بعض- قالوا: إن سبطًا من بني إسرائيل لما رأوا كثرة شرور الناس، بنوا مدينة فاعتزلوا شرور الناس، فكانوا إذا أمسوا لم يتركوا أحدًا منهم خارجًا إلا أدخلوه، وإذا افتتحوا قام رئيسهم فنظر وأشرف، فإذا لم ير شيئًا فتح المدينة، فكانوا مع الناس حتى يمسوا. قال: وكان رجل من بني إسرائيل له مال كثير، ولم يكن له وارث غير أخيه، فطال عليه حياته فقتله ليرثه، ثم حمله فوضعه على باب المدينة، ثم كمن في مكان هو وأصحابه. قال: فأشرف رئيس المدينة على باب المدينة فنظر، فلم ير شيئًا ففتح الباب، فلما رأى القتيل رد الباب، فناداه أخو المقتول وأصحابه: هيهات! قتلتموه ثم تردون الباب. وكان موسى لما رأى القتل كثيرًا في أصحابه بني إسرائيل، كان إذا رأى القتيل بين ظهراني القوم أخذهم، فكاد يكون بين أخى المقتول وبين أهل المدينة قتال، حتى لبس الفريقان السلاح، ثم كف بعضهم عن بعض، فأتوا موسى فذكروا له شأنهم. قالوا: يا رسول الله، إن هؤلاء قتلوا قتيلا ثم ردوا الباب، وقال أهل المدينة: يا رسول الله قد عرفت اعتزالنا الشرور وبنينا مدينة، كما رأيت، نعتزل شرور الناس، والله ما قتلنا ولا علمنا قاتلا. فأوحى الله تعالى إليه أن يذبحوا بقرة فقال لهم موسى:
{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً}.
وهذه السياقات كلها عن عبيدة وأبي العالية والسدي وغيرهم، فيها اختلاف ما، والظاهر أنها مأخوذة من كتب بني إسرائيل وهي مما يجوز نقلها ولكن لا نصدق ولا نكذب فلهذا لا نعتمد عليها إلا ما وافق الحق عندنا، والله أعلم. اهـ. باختصار يسير.