فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{مُتَّكَأً} أصح ما قيل فيه ما رواه عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: مجلسًا، وأما قول جماعة من أهل التفسير إنه الطعام فيجوز على تقدير: طعام متكأ، مثل: {واسأل القرية} [يوسف: 82]؛ ودلّ على هذا الحذف {وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا} لأن حضور النساء معهن سكاكين إنما هو لطعام يُقطع بالسكاكين؛ كذا قال في كتاب إعراب القرآن له.
وقال في كتاب معاني القرآن (له): وروى مَعْمَر عن قَتَادة قال: المتكأ الطعام.
وقيل: المتكأ كل ما اتكئ عليه عند طعام أو شراب أو حديث؛ وهذا هو المعروف عند أهل اللغة، إلا أن الروايات قد صحت بذلك.
وحكى القُتبيّ أنه يقال: اتكأنا عند فلان أي أكلنا، والأصل في متكأ موتكأ، ومثله مُتَّزن ومُتَّعد؛ لأنه من وزنت ووعدت ووكأت، ويقال: اتكأ يَتَّكئ اتكاء.
{كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّينًا} مفعولان؛ وحكى الكسائي والفراء أن السِّكين يذكر ويؤنث، وأنشد الفراء:
فَعَيّثَ فِي السَّنَامِ غَدَاةَ قُرٍّ ** بسكِّينٍ مُوَثَّقةَ النِّصَاب

الجوهريّ: والغالب عليه التذكير، وقال:
يُرى ناصحًا فيما بَدَا فإذا خَلاَ ** فذلك سكِّينٌ على الحَلْقِ حَاذِقُ

الأصمعي: لا يعرف في السكين إلا التذكير.
قوله تعالى: {وَقَالَتِ اخرج عَلَيْهِنَّ} بضم التاء لالتقاء الساكنين؛ لأن الكسرة تَثْقل إذا كان بعدها ضمة، وكسرت التاء على الأصل.
قيل: إنها قالت لهن: لا تقطعن ولا تأكلن حتى أعلمكن، ثم قالت لخادمها: إذا قلت لك ادع لي إيلا فادع يوسف؛ وإيل: صنم كانوا يعبدونه، وكان يوسف عليه السلام يعمل في الطين، وقد شدّ مِئزره، وحسَرَ عن ذراعيه؛ فقالت للخادم: ادع لي إيلًا؛ أي ادع لي الربّ؛ وإيل بالعبرانية الربّ؛ قال: فتعجب النسوة وقلن: كيف يجيء! فصعدت الخادم فدعت يوسف، فلما انحدر قالت لهن: اقطعن ما معكن.
{فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} بالمُدَى حتى بلغت السكاكين إلى العظم؛ قاله وهب بن مُنَبِّه.
سعيد بن جُبير: لم يخرج عليهن حتى زينته، فخرج عليهن فجأة فدهشن فيه، وتحيّرن لحسن وجهه وزينته وما عليه، فجعلن يقطعن أيديهن، ويحسبن أنهن يقطعن الأتْرجّ؛ واختلف في معنى: {أَكْبَرْنَهُ} فروى جُوَيبر عن الضّحاك عن ابن عباس: أعظمنه وهِبْنه؛ وعنه أيضًا أَمْنَين وَأَمْذَين من الدَّهش؛ وقال الشاعر:
إذا ما رأين الفحلَ من فوق قَارةٍ ** صَهَلْنَ وأَكْبَرْنَ المنيَّ المدفقَا

وقال ابن سمعان عن عدة من أصحابه: إنهم قالوا أمذين عشقًا؛ وهب بن مُنبّه: عشقنه حتى مات منهن عشرة في ذلك المجلس دَهَشا وحيرة ووَجْدًا بيوسف.
وقيل: معناه حضْن من الدَّهش؛ قَاله قتادة ومقاتل والسُّديّ؛ قال الشاعر:
نأتي النساءَ على أطهارهنّ ولا ** نأتي النّساءَ إذا أَكْبَرَن إِكْبَارَا

وأنكر ذلك أبو عبيدة وغيره وقالوا: ليس ذلك في كلام العرب، ولكنه يجوز أن يكنّ حضن من شدّة إعظامهن له، وقد تفزع المرأة فتسقط ولدها أو تحيض.
قال الزجاج: يقال أكبرنه، ولا يقال حِضْنه، فليس الإكبار بمعنى الحيض؛ وأجاب الأزهري فقال: يجوز أَكْبرت بمعنى حاضت؛ لأن المرأة إذا حاضت في الابتداء خرجت من حَيِّز الصغر إلى الكبر؛ قال: والهاء في {أَكْبَرَنْهُ} يجوز أن تكون هاء الوقف لا هاء الكناية؛ وهذا مزيَّف، لأن هاء الوقف تسقط في الوصل، وأمثل منه قول ابن الأنباري: إن الهاء كناية عن مصدر الفعل، أي أكبرن إكبارًا، بمعنى حِضْن حَيْضًا.
وعلى قول ابن عباس الأول تعود الهاء إلى يوسف؛ أي أعظمن يوسف وأجْلَلْنه.
قوله تعالى: {وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} قال مجاهد: قطّعنها حتى ألقينها.
وقيل: خَدشْنها.
وروى ابن أبي نجيح (عن مجاهد) قال: حَزًّا بالسكّين، قال النحاس: يريد مجاهد أنه ليس قطعًا تَبِينِ منه اليد، إنما هو خَدْش وحزّ، وذلك معروف في اللغة أن يقال إذا خدش الإنسان يد صاحبه قطع يده.
وقال عِكرمة: {أَيْدِيهُنّ} أكمامهنّ، وفيه بُعْد.
وقيل: أناملهنّ؛ أي ما وجدن ألَمًا في القطع والجرح، أي لشغل قلوبهن بيوسف، والتقطيع يشير إلى الكثرة، فيمكن أن ترجع الكثرة إلى واحدة جرحت يدها في مواضع، ويمكن أن يرجع إلى عددهنّ.
قوله تعالى: {وَقُلْنَ حَاشَ للَّهِ} أي معاذ الله.
وروى الأصمعيّ عن نافع أنه قرأ كما قرأ أبو عمرو بن العلاء.
{وَقُلْنَ حَاشَا لِلَّهِ} بإثبات الألف وهو الأصل، ومن حذفها جعل اللام في {لله} عوضًا منها.
وفيها أربع لغات؛ يقال: حَاشَاكَ وحَاشَا لَكَ وحاشَ لَكَ وحَشَا لَكَ.
ويقال: حَاشَا زيدٍ وحاشا زيدًا؛ قال النحاس: وسمعت علي بن سليمان يقول سمعت محمد بن يزيد يقول: النصب أولى؛ لأنه قد صحّ أنها فعلٌ لقولهم حاش لزيد، والحرف لا يحذف منه؛ وقد قال النابغة:
وَلاَ أحاشِي من الأقوام من أَحَدِ

وقال بعضهم: حاشَ حرف، وأُحاشي فعل.
ويدلّ على كون حاشا فعلًا وقوع حرف الجر بعدها.
وحكى أبو زيد عن أعرابيّ: اللهم اغفر لي ولمن يَسمع، حاشَا الشيطانَ وأبا الأصبغ؛ فنصب بها.
وقرأ الحسن {وَقُلْنَ حَاشْ لِلَّهِ} بإسكان الشين، وعنه أيضًا {حاش الإله}.
ابن مسعود وأُبَيّ: {حَاشَ اللَّهِ} بغير لام، ومنه قول الشاعر:
حاشا أبي ثَوْبَانَ إنّ بهِ ** ضَنًّا عنِ الْمَلْحَاةِ والشَّتْمِ

قال الزجاج: وأصل الكلمة من الحاشية، والحَشَا بمعنى الناحية، تقول: كنت في حَشَا فلانٍ أي في ناحيته؛ فقولك: حاشا لزيدٍ أي تَنحَّى زيدٌ من هذا وتباعد عنه، والاستثناء إخراج وتنحية عن جملة المذكورين.
وقال أبو علي: هو فاعل من المحاشاة؛ أي حاشا يوسف وصار في حاشية وناحية مما قُرِف به، أو من أن يكون بشرًا؛ فحاشا وحاش في الاستثناء حرف جرّ عند سيبويه، وعلى ما قال المبرّد وأبو عليّ فعل.
قوله تعالى: {مَا هذا بَشَرًا} قال الخليل وسيبويه: {ما} بمنزلة ليس؛ تقول: ليس زيد قائمًا، و{ما هذا بشرًا} و: {مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ} [المجادلة: 2] وقال الكوفيون: لما حذفت الباء نصبت؛ وشرح هذا فيما قاله أحمد بن يحيى أنك إذا قلت: ما زيد بمنطلق، فموضع الباء موضع نصب، وهكذا سائر حروف الخفض؛ فلما حذفت الباء نصبت لتدلّ على محلها، قال: وهذا قول الفرّاء، قال: ولم تعمل {ما} شيئًا؛ فألزمهم البصريون أن يقولوا: زيد القمرَ؛ لأن المعنى كالقمر! فردّ أحمد بن يحيى بأن قال: الباء أدخل في حروف الخفض من الكاف؛ لأن الكاف تكون اسما.
قال النحاس: لا يصح إلا قول البصريين؛ وهذا القول يتناقض؛ لأن الفرّاء أجاز نصًّا ما بمنطلق زيدٌ، وأنشد:
أَمَا واللَّهِ أَنْ لو كنتَ حُرًّا ** وما بالحُرِّ أنتَ ولا العَتِيق

ومنع نصًّا النصب؛ ولا نعلم بين النحويين اختلافًا أنه جائز: ما فيك براغب زيدٌ، وما إليك بقاصدٍ عمرٌو، ثم يحذفون الباء ويرفعون.
وحكى البصريون والكوفيون ما زيدٌ منطلقٌ بالرفع، وحكى البصريون أنها لغةُ تميم، وأنشدوا:
أَتيمًا تَجعلون إليّ نِدًّا ** وما تَيْمٌ لِذِي حَسَبٍ نَدِيدٌ

النِّد والنَّديد والنَّدِيدةُ المِثْل والنَّظير.
وحكى الكسائي أنها لغة تِهامة ونَجْد.
وزعم الفراء أن الرفع أقوى الوجهين: قال أبو إسحاق: وهذا غلط؛ كتاب الله عز وجلّ ولغة رسول الله صلى الله عليه وسلم أقوى وأولى.
قلت: وفي مصحف حَفْصة رضي الله عنها {مَا هَذَا بِبَشَرٍ} ذكره الغَزْنويّ.
قال القُشَيْريّ أبو نصر: وذكرت النّسوة أن (صورة) يوسف أحسن من صورة البشر، بل هو في صورة مَلَك؛ وقال الله تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان في أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين: 4] والجمع بين الآيتين أن قولهن: {حَاشَ لِلَّهِ} تبرئة ليوسف عمَّا رمته به امرأة العزيز من المراودة، أي بعد يوسف عن هذا؛ وقولهنّ: {لله} أي لخوفه، أي براءة لله من هذا؛ أي قد نجا يوسف من ذلك، فليس هذا من الصورة في شيء؛ والمعنى: أنه في التبرئة عن المعاصي كالملائكة؛ فعلى هذا لا تناقض.
وقيل: المراد تنزيهه عن مشابهة البشر في الصورة، لفرط جماله.
وقوله: {لله} تأكيد لهذا المعنى؛ فعلى هذا المعنى قالت النسوة ذلك ظنًا منهن أن صورة المَلَك أحسن، وما بلغهنّ قوله تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان في أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين: 4] فإنه من كتابنا.
وقد ظنّ بعض الضَّعفة أن هذا القول لو كان ظنًا باطلًا منهنّ لوجب على الله أن يردّ عليهنّ، ويبيّن كذبهنّ، وهذا باطل؛ إذ لا وجوب على الله تعالى، وليس كل ما يخبر به الله سبحانه من كفر الكافرين وكذب الكاذبين يجب عليه أن يقرن به الردّ عليه؛ وأيضًا أهل العرف قد يقولون في القبيح كأنه شيطان، وفي الحسَن كأنه مَلَك؛ أي لم ير مثله، لأن الناس لا يرون الملائكة؛ فهو بناء على ظنّ في أن صورة الملَك أحسن، أو على الإخبار بطهارة أخلاقه وبعده عن التّهَم.
{إِنْ هذا إِلاَّ مَلَكٌ} أي ما هذا إلا مَلَك؛ وقال الشاعر:
فلستَ لأِنْسِيٍّ ولكن لِمَلأَكٍ ** تَنزَّلَ من جَوِّ السماءِ يَصُوبُ

وروي عن الحسن: {مَا هَذَا بِشِرًى} بكسر الباء والشين، أي ما هذا عبدًا مُشترًى، أي ما ينبغي لمثل هذا أن يباع، فوضع المصدر موضع اسم المفعول، كما قال: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ البحر} أي مصيده، وشبهه كثير.
ويجوز أن يكون المعنى: ما هذا بثمن، أي مثله لا يثمن ولا يقوّم؛ فيراد بالشراء على هذا الثمن المشترى به: كقولك: ما هذا بألفٍ إذا نفيت قول القائل: هذا بألف.
فالباء على هذا متعلقة بمحذوف هو الخبر، كأنه قال: ما هذا مقدرًا بشراء.
وقراءة العامة أشبه؛ لأن بعده {إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَك كَرِيمٌ} مبالغة في تفضيله في جنس الملائكة تعظيمًا لشأنه، ولأن مثل {بِشرًى} يكتب في المصحف بالياء. اهـ.

.قال الخازن:

قوله: {وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه} يعني وقال جماعة من النساء وكنَّ خمسًا وقيل كن أربعًا وذلك لما شاع خبر يوسف والمرأة في مدينة مصر وقيل هي مدينة عين الشمس وتحدثت النساء فيما بينهن بذلك وهن امرأة حاجب الملك وامرأة صاحب دوابه وامرأة خبازه وامرأة ساقيه وامرأة صابح سجنه وقيل نسوة من أشراف مصر امرأة العزيز يعني زليخا تراود فتاها عن نفسه يعني تراود عبدها الكنعاني عن نفسه لأنها تطلب منه الفاحشة وهو يمتنع منها والفتى الشاب الحديث السن: {قد شغفها حبًا} يعني قد علقها حبًا والشغاف جلدة محيطة بالقلب يقال لها غلاف القلب والمعنى أنه حبه دخل الجلدة حتى أصاب القلب وقيل إن حبه قد أحاط بقلبها كإحاطة الشغاف بالقلب قال الكلبي حجب حبه قلبها حتى لا تعقل شيئًا سواه: {إنا لنراها في ضلال مبين} يعني في خطأ بيّن ظاهر حيث تركت ما يجب على أمثالها من العفاف والستر وأحبت فتاها.
{فلما سمعت بمكرهن} يعني فلما سمعت زليخا بقولهن وما تحدثن به إنما سمى قولهن ذلك مكرًا لأنهن طلبن بذلك رؤية يوسف وكان وصف لهن حسنه وجماله فقصدن أن يرينه وقيل إن امرأة العزيز أفشت إليهن سرها واستكتمتهن فأفشين ذلك عليها فلذلك سماه مكرًا: {أرسلت إليهن} يعني أنها لما سمعت بأنهن يلمنها على محبتها ليوسف أرادت أن تقيم عذرها عندهن قال وهب اتخذت مائدة يعني صنعت لهن وليمة وضيافة ودعت أربعين امرأة من أشراف مدينتها فيهن هؤلاء اللاتي عيرنها: {وأعتدت لهن متكأً} يعني ووضعت لهن نمارق ومساند يتكئن عليها، وقال ابن عباس وابن جبير والحسن وقتادة ومجاهد: متكئًا يعني طعامًا وإنما سمي الطعام متكئًا لأن كل من دعوته ليطعم عندك فقد أعددت له وسائد يجلس ويتكئ عليها فسمي الطعام متكأً على الاستعارة ويقال: اتكأنا عند فلان أي طعمنا عنده المتكأ ما يتكأ عليه عند الطعام والشراب والحديث ولذلك جاء النهي عنه في الحديث وهو قوله صلى الله عليه وسلم: «لا آكل متكئًا» وقيل المتكأ الأترج وقيل هو كل شيء يقطع بالسكين أو يحز بها ويقال إن المرأة زينت البيت بألوان الفاكهة والأطعمة ووضعت الوسائد ودعت النسوة اللاتي عيرنها بحب يوسف: {وآتت كل واحدة منهن سكينًا} يعني وأعطت كل واحدة من النساء سكينًا لتأكل بها وكان من عادتهم أن يأكلن اللحم والفواكه بالسكين: {وقالت اخرج عليهن} يعني وقالت زليخا ليوسف اخرج على النسوة وكان يخاف من مخالفتها فخرج عليهن يوسف وكانت قد زينته واختبأته في مكان آخر: {فلما رأينه} يعني النسوة: {أكبرنه} يعني أعظمنه ودهشن عند رؤيته وكان يوسف قد أعطي شطر الحسن، وقال عكرمة: كان فضل يوسف على الناس في الحسن كفضل القمر ليلة البدر على سائر النجوم وروى أبو سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رأيت ليلة أسري بي إلى السماء يوسف كالقمر ليلة البدر» ذكره البغوي بغير سند، وقال إسحاق بن أبي فروة: كان يوسف إذا سار في أزقة مصر تلألأ وجهه على الجدران ويقال إنه ورث حسن آدم يوم خلقه الله قبل أن يخرج من الجنة وقال أبو العالية هالهن أمره وبهتن إليه وفي رواية عن ابن عباس قال أكبرنه أي حضن ونحوه، عن مجاهد والضحاك قال: حضن من الفرج وأنكر أكثر أهل اللغة هذا القول.
قال الزجاج: هذه اللفظة ليست معروفة في اللغة والهاء في أكبرنه تمنع من هذا لأنه لا يجوز أن يقال النساء قد حضنه لأن حضن لا يتعدى إلى مفعول قال الأزهري إن صحت هذه اللفظة فلها مخرج وذلك أن المرأة إذا حاضت أول ما تحيض فقد خرجت من حد الصغار إلى حد الكبار فيقال لها أكبرت أي حاضت على هذا المعنى فإن صحت الرواية عن ابن عباس، سلمنا له وجعلنا الهاء في قوله أكبرنه هاء الوقف لا هاء الكناية، وقيل: إن المرأة إذا خافت أو فزعت فربما أسقطت ولدها وتحيض فإن كان ثم حيض فربما كان من فزعهن وما هالهن من أمر يوسف حين رأينه قال الإمام فخر الدين الرازي: وعندي أنه يحتمل وجهًا آخر وهو أنهن إنما أكبرنه لأنهن رأين عليه نور النبوة وسيما الرسالة آثار الخضوع والإخبات وشاهدن فيه مهابة وهيبة ملكية وهي عدم الالتفات إلى المطعوم والمنكوح وعدم الاعتداد بهن وكان ذلك الجمال العظيم مقرونًا بتلك الهيبة والهيئة فتعجبن من تلك الحالة فلا جرم أكبرنه وأعظمنه ووقع الرعب والمهابة في قلوبهن قال وحمل الآية على هذا الوجه أولى: {وقطعن أيديهن} يعني: وجعلن يقطعن أيديهن بالسكاكين التي معهن وهون يحسبن أنهن يقطعن الأترج ولم يجدن الألم لدهشتهن وشغل قلوبهم بيوسف قال مجاهد فما أحسسن إلا بالدم، وقال قتادة: أين أيديهن حتى ألقينها والأصح أنه كان قطعًا من غير إبانة، قال وهب: مات جماعة منهن: {وقلن} يعني النسوة: {حاش لله ما هذا بشرًا} أي معاذ الله أن يكون هذا بشرًا: {إن هذا إلا ملك كريم} يعني على الله والمقصود من هذا إثبات الحسن العظيم المفرط ليوسف لأنه قد ركز في النفوس أن لا شيء أحسن من الملك فلذلك وصفته بكونه ملكًا وقيل لما كان الملك مطهرًا من بواعث الشهوة وجميع الآفات والحوادث التي تحصل للبشر وصفن يوسف بذلك. اهـ.