فصل: قال الشوكاني في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فإذا اراد الله سبحانه ان يصرف عبدا عن شر مثلا ارسل إليه ملكا ينازعه في مقتضى طبعه ويغير مجرى ارادته مثلا عن الشر إلى الخير أو اراد ان يضل عبدا لاستحقاقه ذلك سلط عليه ابليس فحوله من الخير إلى الشر وان كان ذلك لا بمقدار يوجب الاجبار والاضطرار.
وهذا مدفوع بما نشاهده من انفسنا في اعمال الخير والشر مشاهدة عيان انه ليس هناك سبب آخر يغايرنا وينازعنا فيغلب علينا غير انفسنا التي تعمل اعمالها عن شعور بها وارادة مترتبة عليه قائمين بها فالذي يثبته السمع والعقل وراء نفوسنا من الأسباب كالملك والشيطان سبب طولى لا عرضى وهو ظاهر.
مضافا إلى ان المعارف القرآنية من التوحيد وما يرجع إليه يدفع هذا القول من أصله وقد تقدم شطر وافر من ذلك في تضاعيف الأبحاث السالفة.
(بحث روائي) في المعاني باسناده عن أبى حمزة الثمالى عن السجاد عليه السلام في حديث تقدم صدره في البحث الروائي السابق.
قال عليه السلام: وكان يوسف من اجمل اهل زمانه فلما راهق يوسف راودته امرأة الملك عن نفسه فقال معاذ الله انا اهل بيت لا يزنون فغلقت الابواب عليها وعليه وقالت لا تخف والقت نفسها عليه فافلت منها هاربا إلى الباب ففتحه فلحقته فجذبت قميصه من خلفه فاخرجته منه فأفلت يوسف منها في ثيابه فألفيا سيدها لدى الباب قالت ما جزاء من اراد باهلك سوءا إلا أن يسجن أو عذاب اليم.
قال فهم الملك بيوسف ليعذبه فقال له يوسف- ما اردت باهلك سوءا- بل هي راودتني عن نفسي- فسل هذا الصبى اينا راود صاحبه عن نفسه؟ قال كان عندها من اهلها صبى زائر لها- فانطق الله الصبى لفصل القضاء- فقال ايها الملك انظر إلى قميص يوسف فان كان مقدودا من قدامه فهو الذي راودها وان كان مقدودا من خلفه فهى التي راودته.
فلما سمع الملك كلام الصبى وما اقتصه- افزعه ذلك فزعا شديدا فجئ بالقميص فنظر إليه فلما رآه مقدودا من خلفه قال لها انه من كيدكن ان كيدكن عظيم وقال ليوسف اعرض عن هذا ولا يسمعه منك احد واكتمه.
قال فلم يكتمه يوسف واذاعه في المدينة حتى قلن نسوة منهن امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه فبلغها ذلك فارسلت اليهن وهيات لهن طعاما ومجلسا ثم اتتهن باترنج وآتت كل واحدة منهن سكينا ثم قالت ليوسف اخرج عليهن فلما رأينه اكبرنه وقطعن ايديهن وقلن ما قلن يعنى النساء فقالت لهن هذا الذي لمتننى فيه تعنى في حبه وخرجن النسوة من تحتها- فارسلت كل واحدة منهن إلى يوسف سرا من صاحبتها تسأله الزيارة فأبى عليهن وقال الا تصرف عنى كيدهن اصب اليهن واكن من الجاهلين وصرف الله عنه كيدهن.
فلما شاع أمر يوسف وامرأة العزيز والنسوة في مصر بدا للملك بعد ما سمع قول الصبى ليسجنن يوسف فسجنه في السجن ودخل السجن مع يوسف فتيان وكان من قصتهما وقصة يوسف ما قصه الله في الكتاب قال أبو حمزة ثم انقطع حديث على بن الحسين عليه السلام.
اقول وروى ما في معناه العياشي في تفسيره عن أبى حمزة عنه عليه السلام باختلاف يسير وقوله عليه السلام: {قال معاذ الله انا اهل بيت لا يزنون} تفسير بقرينة المحاذاة لقوله في الآية: {انه ربى احسن مثواى} الخ وهو يؤيد ما قدمناه في بيان الآية ان الضمير إلى الله سبحانه لا إلى عزيز مصر كما ذهب إليه اكثر المفسرين فافهم ذلك.
وقوله فأبى عليهن وقال: {الا تصرف عنى} الخ ظاهر في انه عليه السلام لم ياخذ قوله رب السجن احب إلى مما يدعونني إليه جزءا من الدعاء فيوافق ما قدمناه في بيان الآية انه ليس بدعاء.
وفي العيون باسناده عن حمدان عن على بن محمد بن الجهم قال: حضرت مجلس المأمون وعنده الرضا على بن موسى فقال له المأمون يا ابن رسول الله- أليس من قولك: ان الأنبياء معصومون قال بلى وذكر الحديث إلى ان قال فيه: (قال:) فاخبرني عن قول الله تعالى: {ولقد همت به وهم بها لولا ان رأى برهان ربه} فقال الرضا عليه السلام لقد همت به ولولا أن راى برهان ربه لهم بها لكنه كان معصوما والمعصوم لا يهم بذنب ولا ياتيه.
ولقد حدثنى أبى عن ابيه الصادق عليه السلام انه قال همت بان تفعل وهم بان لا يفعل فقال المأمون لله درك يا ابا الحسن.
اقول: تقدم ان ابن الجهم هذا لا يخلو عن شيء لكن صدر الحديث اعني جواب الرضا عليه السلام يوافق ما قدمناه في بيان الآية واما ما نقله عن جده الصادق عليه السلام انها همت بان تفعل وهم بان لا يفعل فلعل المراد به ما ذكره الرضا عليه السلام من الجواب لقبوله الانطباق عليه ولعل المراد به همه بقتلها كما يؤيده الحديث الاتى فينطبق على بعض الاحتمالات المتقدمة في بيان الآية.
وفيه باسناده عن أبى الصلت الهروي قال: لما جمع المأمون لعلي بن موسى الرضا عليه السلام اهل المقالات من اهل الإسلام ومن الديانات من اليهود والنصارى والمجوس والصابئين وسائر اهل المقالات فلم يقم احد الا وقد الزمه حجته كأنه القم حجرا.
قام إليه على بن محمد بن الجهم فقال يا ابن رسول الله أتقول بعصمة الأنبياء؟ فقال نعم فقال له فما تقول في قوله عز وجل في يوسف: {ولقد همت به وهم بها}؟ فقال له اما قوله تعالى في يوسف: {ولقد همت به وهم بها} فانها همت بالمعصية وهم يوسف بقتلها ان اجبرته لعظيم ما تداخله فصرف الله عنه قتلها والفاحشة وهو قوله عز وجل: {كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء} والسوء القتل والفحشاء الزنا.
وفي الدر المنثور اخرج أبو نعيم في الحلية عن على بن أبى طالب في قوله: {ولقد همت به وهم بها} قال طمعت فيه وطمع فيها وكان من الطمع ان هم بحل التكة فقامت إلى صنم مكلل بالدر والياقوت في ناحية البيت فسترته بثوب ابيض بينها وبينه فقال أي شيء تصنعين؟ فقالت استحيى من الهى ان يرانى على هذه الصورة فقال يوسف عليه السلام تستحين من صنم لا ياكل ولا يشرب ولا استحيى انا من الهى الذي هو قائم على كل نفس بما كسبت؟ ثم قال لا تنالينها منى ابدا وهو البرهان الذي راى.
اقول والرواية من الموضوعات كيف؟ وكلامه وكلام سائر ائمة اهل البيت عليه السلام مشحون بذكر عصمة الأنبياء ومذهبهم في ذلك مشهور.
على ان سترها الصنم وانتقاله من ذلك إلى ما ذكره لها من الحجة لا يعد من رؤية البرهان وقد ورد هذا المعنى في عدة روايات من طرق اهل البيت عليه السلام لكنها آحاد لا تعويل عليها نعم لا يبعدان تقوم المراة إلى ستر صنم كان هناك فتنزع نفس يوسف عليه السلام إلى مشاهدة آية التوحيد عند ذلك فيرتفع الحجاب بينه وبين ساحة الكبرياء فيرى ما يصرفه عن كل سوء وفحشاء كما كان له ذلك من قبل وقد قال تعالى في حقه: انه من عبادنا المخلصين فان صح شيء من هذه الروايات فليكن هذا معناه.
وفيه اخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال: عثر يوسف عليه السلام ثلاث عثرات حين هم بها فسجن وحين قال: {اذكرني عند ربك} فلبث في السجن بضع سنين فأنساه الشيطان ذكر ربه وحين قال: {إنكم لسارقون} قالوا ان يسرق فقد سرق اخ له من قبل.
اقول والرواية تخالف صريح كلامه تعالى حيث يذكر ان الله اجتباه واخلصه لنفسه وان الشيطان لا سبيل له إلى من اخلصه الله لنفسه وكيف يستقيم لمن هم على افحش معصية وانساه الشيطان ذكر ربه ثم كذب في مقاله فعاقبه الله بالسجن ثم بلبثه فيه بضع سنين وجبه بالسرقة ان يعده الله صديقا من عباده المخلصين والمحسنين ويذكر انه آتاه الحكم والعلم واجتباه واتم عليه نعمته وعلى هذا السبيل روايات جمة رواها في الدر المنثور وقد تقدم نقل شطر منها عند بيان الآيات ولا تعويل على شيء منها.
وفيه اخرج احمد وابن جرير والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس عن النبي-صلى الله عليه وآله وسلم- قال: تكلم اربعة وهم صغار ابن ماشطه بنت فرعون وشاهد يوسف وصاحب جريح وعيسى بن مريم.
وفي تفسير القمى قال وفي رواية أبى الجارود عن أبى جعفر عليه السلام: في قوله: {قد شغفها حبا} يقول قد حجبها حبه عن الناس فلا تعقل غيره والحجاب هو الشغاف والشغاف هو حجاب القلب.
وفيه في حديث جمعها النسوة وتقطيعهن ايديهن قال: «: فما امسى يوسف عليه السلام في ذلك اليوم- حتى بعثت إليه كل امرأه رأته تدعوه إلى نفسها فضجر يوسف في ذلك اليوم فقال: {رب السجن احب إلى مما يدعونني إليه والا تصرف عنى كيدهن اصب اليهن واكن من الجاهلين فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن}». الحديث. اهـ.

.قال الشوكاني في الآيات السابقة:

{وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}
يقال: {نُسوة} بضم النون، وهي قراءة الأعمش، والمفضل والسُّلَمىّ، ويقال: {نسوة} بكسر النون، وهي قراءة الباقين، والمراد جماعة من النساء، ويجوز التذكير في الفعل المسند إليهنّ كما يجوز التأنيث.
قيل: وهي امرأة ساقي العزيز وامرأة خبازه، وامرأة صاحب دوابه، وامرأة صاحب سجنه، وامرأة حاجبه.
والفتى في كلام العرب: الشاب، والفتاة: الشابة، والمراد به هنا: غلامها، يقال: فتاي وفتاتي أي: غلامي وجاريتي، وجملة: {قَدْ شَغَفَهَا حُبّا} في محل رفع على أنها خبر ثانٍ للمبتدأ، أو في محل نصب على الحال، ومعنى: {شغفها حبًا}: غلبها حبه، وقيل: دخل حبه في شغافها.
قال أبو عبيدة: وشغاف القلب غلافه وهو جلدة عليه.
وقيل: هو وسط القلب، وعلى هذا يكون المعنى: دخل حبه إلى شغافها فغلب عليه، وأنشد الأصمعي قول الراجز:
يتبعها وهي له شغاف

وقرأ جعفر بن محمد، وابن محيصن، والحسن {شعفها} بالعين المهملة.
قال ابن الأعرابي: معناه أجرى حبه عليها.
وقرأ غيرهم بالمعجمة.
قال الجوهري: شغفه الحبّ: أحرق قلبه.
وقال أبو زيد: أمرضه.
قال النحاس: معناه عند أكثر أهل اللغة: قد ذهب بها كل مذهب؛ لأن شغاف الجبال: أعاليها، وقد شغف بذلك شغفًا بإسكان الغين المعجمة: إذا ولع به، وأنشد أبو عبيدة بيت امرئ القيس:
أتقتلني وقد شغفت فؤادها ** كما شغف المهنوءَة الرجل الطالي

قال: فشبهت لوعة الحب بذلك.
وقرأ الحسن: {قد شغفها} بضم الغين.
قال النحاس: وحكي قد شغفها بكسر الغين، ولا يعرف ذلك في كلام العرب إلاّ شغفها بفتح الغين.
ويقال: إن الشغاف الجلدة اللاصقة بالكبد التي لا ترى، وهي الجلدة البيضاء، فكأنه لصق حبه بقلبها كلصوق الجلدة بالكبد، وجملة: {إِنَّا لَنَرَاهَا في ضلال مُّبِينٍ} مقرّرة لمضمون ما قبلها.
والمعنى: إنا لنراها، أي: نعلمها في فعلها هذا، وهو المراودة لفتاها في ضلال عن طريق الرشد والصواب المبين: واضح لا يلتبس على من نظر فيه.
{فَلَمَّا سَمِعَتْ} امرأة العزيز: {بِمَكْرِهِنَّ} أي: بغيبتهنّ إياها، سميت الغيبة مكرًا لاشتراكهما في الإخفاء، وقيل: أردن أن يتوسلن بذلك إلى رؤية يوسف، فلهذا سمي قولهنّ مكرًا.
وقيل: إنها أسرّت عليهنّ فأفشين سرّها فسمي ذلك مكرًا،: {أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ} أي: تدعوهنّ إليها لينظرن إلى يوسف حتى يقعن فيما وقعت فيه: {وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ متكأ} أي: هيأت لهن مجالس يتكئن عليها، وأعتدت من الاعتداد، وهو كل ما جعلته عدّة لشيء.
وقرأ مجاهد وسعيد بن جبير: {متكأ} مخففًا غير مهموز، والمتك: هو الأترج بلغة القبط، ومنه قول الشاعر:
نشرب الإثم بالصواع جهارًا ** وترى المتك بيننا مستعارا

وقيل: إن ذلك هو لغة أزد شنوءة.
وقيل: حكي ذلك عن الأخفش.
وقال الفراء: إنه ماء الورد.
وقرأ الجمهور: {متكأ} بالهمز والتشديد، وأصح ما قيل فيه: إنه المجلس، وقيل: هو الطعام، وقيل: المتكأ: كل ما اتكئ عليه عند طعام أو شراب أو حديث.
وحكى القتيبي أنه يقال: اتكأنا عند فلان، أي: أكلنا، ومنه قول الشاعر:
فظللنا بنعمةٍ واتكأنا ** وشربنا الحلال من قلله

ويؤيد هذا قوله: {وآتت كل واحدة منهن سكينًا} فإن ذلك إنما يكون لشيء يأكلنه بعد أن يقطعنه، والسكين تذكر وتؤنث، قاله الكسائي والفراء.
قال الجوهري: والغالب عليه التذكير، والمراد من إعطائها لكل واحدة سكينًا: أن يقطعن ما يحتاج إلى التقطيع من الأطعمة، ويمكن أنها أرادت بذلك ما سيقع منهنّ من تقطيع أيديهنّ وقالت ليوسف: {اخرج عَلَيْهِنَّ} أي: في تلك الحالة التي هنّ عليها من الاتكاء والأكل وتقطيع ما يحتاج إلى التقطيع من الطعام.
قوله: {فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ} أي: عظمنه، وقيل: أمذين، ومنه قول الشاعر:
إذا ما رأين الفحل من فوق قلة ** صهلن وأكبرن المنيّ المقطرا

وقيل: حضن.
قال الأزهري: {أكبرن} بمعنى حضن، والهاء للسكت، يقال: أكبرت المرأة أي: دخلت في الكبر بالحيض، وقع منهنّ ذلك دهشًا وفزعًا لما شاهدنه من جماله الفائق، وحسنه الرائق، ومن ذلك قول الشاعر:
نأتي النساء على أطهارهنّ ولا ** نأتي النساء إذا أكبرن إكبارا

وأنكر ذلك أبو عبيدة وغيره، قالوا: ليس ذلك في كلام العرب.
قال الزجاج: يقال: أكبرنه ولا يقال: حضنه، فليس الإكبار بمعنى الحيض.
وأجاب الأزهري فقال: يجوز أن تكون هاء الوقف لا هاء الكناية.
وقد زيف هذا بأن هاء الوقف تسقط في الوصل.
وقال ابن الأنباري: إن الهاء كناية عن مصدر الفعل أي: أكبرن إكبارًا بمعنى حضن حيضًا: {وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} أي: جرحنها، وليس المراد به القطع الذي تبين منه اليد، بل المراد به: الخدش والحزّ، وذلك معروف في اللغة كما قال النحاس، يقال: قطع يد صاحبه إذا خدشها.
وقيل: المراد بأيديهنّ هنا: أناملهنّ، وقيل: أكمامهنّ.
والمعنى: أنه لما خرج يوسف عليهنّ أعظمنه ودهشن، وراعهنّ حسنه حتى اضطربت أيديهنّ فوقع القطع عليها، وهنّ في شغل عن ذلك، بما دهمهنّ، مما تطيش عنده الأحلام، وتضطرب له الأبدان، وتزول به العقول {وقلن حاشا لله} كذا قرأ أبو عمرو بن العلاء بإثبات الألف في حاشا.