فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقرأ الباقون بحذفها.
وقرأ الحسن {حاش لله} بإسكان الشين.
وروي عنه أنه قرأ {حاش الإله}.
وقرأ ابن مسعود وأبي {حاشا لله}.
قال الزجاج: وأصل الكلمة من الحاشية بمعنى الناحية، تقول كنت في حاشية فلان: أي في ناحيته، فقولك حاشا لزيد من هذا أي: تباعد منه.
وقال أبو عليّ: هو من المحاشاة: وقيل: إن حاش حرف، وحاشا فعل، وكلام أهل النحو في هذه الكلمة معروف، ومعناها هنا التنزيه، كما تقول: أسى القوم حاشا زيدًا، فمعنى: {حاشا لله}: براءة لله وتنزيه له.
قوله: {مَا هذا بَشَرًا} إعمال {ما} عمل ليس هي لغة أهل الحجاز، وبها نزل القرآن كهذه الآية، وكقوله سبحانه: {مَّا هُنَّ أمهاتهم} [المجادلة: 2].
وأما بنو تميم فلا يعملونها عمل ليس.
وقال الكوفيون: أصله ما هذا ببشر، فلما حذفت الباء انتصب.
قال أحمد بن يحيى ثعلب: إذا قلت ما زيد بمنطلق، فموضع الباء موضع نصب، وهكذا سائر حروف الخفض.
وأما الخليل، وسيبويه، وجمهور النحويين فقد أعملوها عمل ليس، وبه قال البصريون والبحث مقرّر في كتب النحو بشواهده وحججه، وإنما نفين عنه البشرية؛ لأنه قد برز في صورة قد لبست من الجمال البديع ما لم يعهد على أحد من البشر، ولا أبصر المبصرون ما يقاربه في جميع الصور البشرية، ثم لما نفين عنه البشرية لهذه العلة أثبتن له الملكية وإن كن لا يعرفن الملائكة لكنه قد تقرّر في الطباع أنهم على شكل فوق شكل البشر في الذات والصفات، وأنهم فائقون في كل شيء، كما تقرّر أن الشياطين على العكس من ذلك، ومن هذا قول الشاعر:
فلست لإنسيٍّ ولكن لملاكٍ ** تنزل من جوّ السماء يُصوب

وقرأ الحسن {ما هذا بشراء}، على أن الباء حرف جرّ، والشين مكسورة: أي ما هذا بعبد يشترى، وهذه قراءة ضعيفة لا تناسب ما بعدها من قوله: {إِنْ هذا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ}.
واعلم أنه لا يلزم من قول النسوة هذا أن الملائكة صورهم أحسن من صور بني آدم، فإنهنّ لم يقلنه لدليل، بل حكمن على الغيب بمجرد الاعتقاد المرتكز في طباعهن وذلك ممنوع، فإن الله سبحانه يقول: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان في أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين: 4].
وظاهر هذا أنه لم يكن شيء مثله من أنواع المخلوقات في حسن تقويمه وكمال صورته.
فما قاله صاحب الكشاف في هذا المقام هو من جملة تعصباته لما رسخ في عقله من أقوال المعتزلة، على أن هذه المسألة أعني: مسألة المفاضلة بين الملائكة والبشر ليست من مسائل الدين في ورد ولا صدر، فما أغنى عباد الله عنها وأحوجهم إلى غيرها من مسائل التكليف.
{قَالَتْ فذلكن الذي لُمْتُنَّنِى فِيهِ} الإشارة إلى يوسف، والخطاب للنسوة أي: عيرتنني فيه.
قالت لهنّ هذا لما رأت افتتانهنّ بيوسف إظهارًا لعذر نفسها، ومعنى: {فيه} أي: في حبه.
وقيل: الإشارة إلى الحب، والضمير له أيضًا، والمعنى: فذلك الحب الذي لمتنني فيه هو ذلك الحب، والأول أولى.
ورجحه ابن جرير.
وأصل اللوم: الوصف بالقبيح.
ثم لما أظهرت عذر نفسها عند النسوة بما شاهدته مما وقعن فيه عند ظهوره لهنّ ضاق صدرها عن كتم ما تجده في قلبها من حبه، فأقرّت بذلك وصرّحت بما وقع منها من المراودة له، فقالت: {وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فاستعصم} أي: استعف وامتنع مما أريده طالبًا لعصمة نفسه عن ذلك، ثم توعدته إن لم يفعل ما تريده كاشفة لجلباب الحياء، هاتكة لستر العفاف، فقالت: {وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا ءامُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مّن الصاغرين} أي: لئن لم يفعل ما قد أمرته به فيما تقدّم ذكره عند أن غلقت الأبواب، وقالت: هيت لك: {ليسجنن} أي: يعتقل في السجن: {وليكونن من الصاغرين} الأذلاء لما يناله من الإهانة، ويسلب عنه من النعمة والعزّة في زعمها، قرئ: {ليكوننّ} بالتثقيل والتخفيف، قيل: والتخفيف أولى لأن النون كتبت في المصحف ألفًا على حكم الوقف.
وذلك لا يكون إلاّ في الخفيفة، وأما: {ليسجنن} فبالتثقيل لا غير.
فلما سمع يوسف مقالها هذا، وعرف أنها عزمة منها مع ما قد علمه من نفاذ قولها عند زوجها العزيز قال مناجيًا لربه سبحانه: {رَبّ السجن} أي: يا ربّ السجن الذي أوعدتني هذه به: {أَحَبُّ إِلَىَّ مِمَّا يَدْعُونَنِى إِلَيْهِ} من مؤاتاتها والوقوع في المعصية العظيمة التي تذهب بخير الدنيا والآخرة.
قال الزجاج: أي دخول السجن، فحذف المضاف.
وحكى أبو حاتم أن عثمان بن عفان رضي الله عنه قرأ {السجن} بفتح السين، وقرأ كذلك ابن أبي إسحاق وعبد الرحمن الأعرج، ويعقوب، وهو مصدر سجنه سجنًا، وإسناد الدعوة إليهنّ جميعًا، لأن النسوة رغبنه في مطاوعتها وخوّفنه من مخالفتها، ثم جرى على هذا في نسبة الكيد إليهن جميعًا؛ فقال: {وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنّى كَيْدَهُنَّ} أما الكيد من امرأة العزيز فما قد قصه الله سبحانه في هذه السورة، وأما كيد سائر النسوة فهو ما تقدّم من الترغيب له في المطاوعة والتخويف من المخالفة.
وقيل: إنها كانت كل واحدة تخلو به وحدها وتقول له: يا يوسف اقض لي حاجتي فأنا خير لك من امرأة العزيز، وقيل: إنه خاطب امرأة العزيز بما يصلح لخطاب جماعة النساء تعظيمًا لها، أو عدولًا عن التصريح إلى التعريض.
والكيد: الاحتيال.
وجزم: {أَصْبُ إِلَيْهِنَّ} على أنه جواب الشرط أي: أمل إليهنّ، من صبا يصبو: إذا مال واشتاق، ومنه قول الشاعر:
إلى هند صبا قلبي ** وهند حبها يصبي

{وَأَكُن مّنَ الجاهلين} معطوف على: {أصب} أي: أكن ممن يجهل ما يحرم ارتكابه ويقدم عليه، أو ممن يعمل عمل الجهال.
قوله: {فاستجاب لَهُ رَبُّهُ} لما قال: {وإلاّ تصرف عني كيدهنّ} كان ذلك منه تعرضًا للدعاء، وكأنه قال: اللهمّ اصرف عني كيدهنّ، فالاستجابة من الله تعالى له هي بهذا الاعتبار؛ لأنه لم يتقدّم دعاء صريح منه عليه السلام، والمعنى: أنه لطف به وعصمه عن الوقوع في المعصية؛ لأنه إذا صرف عنه كيدهنّ لم يقع شيء مما رمنه منه، ووجه إسناد الكيد قد تقدّم، وجملة: {إِنَّهُ هُوَ السميع العليم} تعليل لما قبلها من صرف كيد النسوة عنه أي: إنه هو السميع لدعوات الداعين له، العليم بأحوال الملتجئين إليه.
وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس في قوله: {قَدْ شَغَفَهَا} غلبها.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه: {قَدْ شَغَفَهَا} قال: قتلها حب يوسف.
الشغف: الحبّ القاتل، والشعف: حبّ دون ذلك، والشغاف: حجاب القلب.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عنه أيضًا: {قَدْ شَغَفَهَا} قال: قد علقها.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ} قال: بحديثهنّ.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سفيان: {فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ} قال: بعملهن، وكل مكر في القرآن فهو عمل.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ في قوله: {وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ متكأ} قال: هيأت لهن مجلسًا، وكان سنتهم إذا وضعوا المائدة أعطوا كل إنسان سكينًا يأكل بها: {فَلَمَّا رَأَيْنَهُ} قال: فلما خرج عليهن يوسف: {أَكْبَرْنَهُ} قال: أعظمنه ونظرن إليه، وأقبلن يحززن أيديهنّ بالسكاكين وهنّ يحسبن أنهن يقطعن الطعام.
وأخرج ابن جرير، وابن مردويه عن ابن عباس: {وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ متكأ} قال: أعطتهنّ أترنجا، وأعطت كل واحدة منهنّ سكينًا، فلما رأين يوسف أكبرنه، وجعلن يقطعن أيديهنّ وهن يحسبن أنهنّ يقطعن الأترنج.
وأخرج مسدد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، وابن مردويه عنه: المتكأ: الأترنج، وكان يقرأها خفيفة.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد: {متكأ} قال: طعامًا.
وأخرج أبو عبيد، وابن المنذر عنه قال: هو الأترنج.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال: هو كل شيء يقطع بالسكين.
وأخرج ابن جرير، وأبو الشيخ عن الضحاك مثله.
وأخرج أبو الشيخ من طريق عبد العزيز بن الوزير بن الكميت بن زيد قال: حدّثني أبي، عن جدّي يقول في قوله: {فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ} قال: أمنين.
وأنشد:
ولما رأته الخيل من رأس شاهق ** صهلن وأمنين المنى المدفقا

وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق عبد الصمد بن عليّ بن عبد الله بن عباس، عن أبيه، عن جده ابن عباس في قوله: {فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ} قال: لما خرج عليهنّ يوسف حضن من الفرح، وذكر قول الشاعر الذي قدّمنا ذكره:
نأتي النساء لدى أطهارهنّ ولا ** نأتي النساء إذ أكبرنَ إكبارًا

وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {أَكْبَرْنَهُ} قال: أعظمنه: {وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} قال: حزّا بالسكين حتى ألقينها: {وَقُلْنَ حاشا لِلَّهِ} قال: معاذ الله.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: {إِنْ هذا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ} قال: قلن ملك من الملائكة من حسنه.
وأخرج أبو الشيخ عن منبه، عن أبيه قال: مات من النسوة التي قطعن أيديهنّ تسع عشرة امرأة كمدًا.
وأخرج أحمد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والحاكم عن أنس، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «أعطي يوسف وأمه شطر الحسن»، وقد وردت روايات عن جماعة من السلف في وصف حسن يوسف، والمبالغة في ذلك، ففي بعضها أنه أعطي نصف الحسن، وفي بعضها ثلثه، وفي بعضها ثلثيه.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن ابن عباس: {فاستعصم} قال: امتنع.
وأخرج ابن جرير، وأبو الشيخ عن قتادة: {فاستعصم} قال: فاستعصى.
وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن ابن زيد في قوله: {وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنّى كَيْدَهُنَّ} قال: إن لا تكن منك أنت القوي والمنعة لا تكن مني ولا عندي.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ: {أَصْبُ إِلَيْهِنَّ} قال: أتبعهنّ.
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال: أطاوعهنّ. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آَمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَنْ مِنَ الصَّاغِرِينَ (32)} أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {فاستعصم} قال: امتنع.
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {فاستعصم} قال: فاستعصى.
{قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ (33)}.
أخرج سنيد في تفسيره وابن أبي حاتم، عن ابن عيينة رضي الله عنه قال: إنما يوفق من الدعاء للمقدر، أما ترى يوسف عليه السلام قال: {رب السجن أحب إلي}؟.. قال: لما قال اذكرني عند ربك، أتاه جبريل عليه السلام فكشف له عن الصخرة فقال: ما ترى؟ قال: أرى نملة تقضم. قال: يقول ربك انا لم أنس هذه، أنساك؟ أنا حبستك. أنت قلت: {رب السجن أحب إلي}.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ، عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله: {وإلا تصرف عني كيدهن} قال: إن لا يكن منك أنت القوى والمنعة، لا تكن مني ولا عندي.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {أحب إليهن} يقول: اتبعهن.
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما: {أصب إليهن} قال: أطاوعهن.
وأخرج أبو الشيخ، عن عمرو بن مرة. رضي الله عنه قال: من أتى ذنبًا عمدًا أو خطأ، فهو جاهل حين يأتيه. ألا ترى إلى قول يوسف عليه الصلاة والسلام: {أصب إليهن وأكن من الجاهلين}؟ قال: فقد عرف يوسف أن الزنا حرام، وإن أتاه كان جاهلًا.
{فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (34)} أخرج ابن المنذر عن بكر بن عبيد الله رضي الله عنه قال: دخلت امرأة العزيز على يوسف عليه السلام، فلما رأته عرفته وقالت: الحمد لله الذي صير العبيد بطاعته ملوكًا، وجعل الملوك بمعصيته عبيدًا. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ}
قوله تعالى: {فذلكن}: مبتدأ والموصول خبره، أشارت إليه إشارة البعيد وإن كان حاضرًا تعظيمًا له ورفعًا منه لتُظْهِرَ عُذْرَها في شَغَفها.
وجَوَّز ابنُ عطية أن يكونَ {ذلك} إشارةً إلى حُبِّ يوسف، والضميرُ في {فيه} عائدٌ على الحبِّ فيكون {ذلك} إشارة إلى غائب على بابه. قلت: يعني بالغائب البعيدَ، وإلا فالإِشارةُ لا تكون إلا لحاضر مطلقًا.
قوله: {مَا آمُرُهُ} في {ما} وجهان، أحدُهما: أنها مصدرية. والثاني: أنها موصولةٌ، وهي مفعولٌ بها بقوله: {يفعلْ} والهاءُ في {آمُرُه} تحتمل وجهين، أحدُهما: العَوْد على {ما} الموصولة إذا جعلناها بمعنى الذي. والثاني: العَوْد على يوسف. ولم يُجَوِّزْ الزمخشري عَوْدَها على يوسف إلا إذا جُعِلت {ما} مصدرية فإنه قال: فإن قلت: الضمير في {آمُره} راجعٌ إلى الموصول أم إلى يوسف؟ قلت: بل إلى الموصول والمعنى: ما آمُرُ به فحذف الجارَّ كما في قوله:
أَمَرْتُكَ الخيرَ..

ويجوز أن تُجْعَلَ {ما} مصدريةً فيعود على يوسف، ومعناه: ولَئِنْ لم يفعلْ أمري إياه، أي: مُوْجِبَ أمري ومقتضاه. قلت: وعلى هذا فالمفعولُ الأولُ محذوفٌ تقديره: ما آمُره به وهو ضميرُ يوسف.
والسين في {استعصم} فيها وجهان، أحدهما: أنها ليست على بابها مِن الطلب، بل استفعل هنا بمعنى افتعل، فاستعصم واعتصم واحد. وقال الزمخشري: الاستعصامُ بناءُ مبالغةٍ يدلُّ على الامتناع البليغ والتحفُّظِ الشديدِ، كأنه في عِصْمةٍ وهو يجتهدُ في الاستزادةِ منها، ونحو: استمسك واستوسع الفَتْقُ، استجمع الرأيَ، واستفحل الخطبُ، فردَّ السين إلى بابها من الطلب وهو معنىً حسنٌ، ولذلك قال ابن عطية: طلب العِصْمة واستمسك بها وعصاني.