فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من فوائد ابن عرفة في الآية:

قال رحمه الله:
قوله تعالى: {قَالُواْ ادع لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنَ لَّنَا مَا هِيَ}.
قال الطيبي: إنما يسأل ب {ما} عن جنس الشيء أو نوعه فكأنهم اعتقدوا أنها خارجة عن جنس البقرة إذ لم يعهد في البقرة إحياء الموتى.
قال ابن عرفة: هو مثل قول المنطقيين: الجنس هو المقول على كثيرين مختلفين بالحقيقة، في جواب ما هو؟ والنّوع المقول على كثيرين متفقين في الحقيقة في جواب ما هو؟ وكقول ابن مالك في أول المصباح: إن السؤال بما هو؟ يكون عن حقيقة الشيء.
وأورد الفخر هنا سؤالا قال: إن السؤال ب {ما} إنما هو عن الحقيقة فكيف سألوا عن الصفة؟
قال ابن عرفة: وجوابه ظاهر على مذهبه لأنه قال في تأليفه في المنطق كالآيات البينات والمحصول وغيرهما: إن الأمر اللازم العرضي حكمه كحكم الذاتي مثلا الألوان فصحّ السؤال هنا بما هي؟ لأن الصفة هناك كالذاتي وأما عندنا فنقول السؤال عن الذات بصفتها، أو السؤال عن حقيقة تلك الصفة فهو سؤال عن الحقيقة.
قوله تعالى: {فافعلوا مَا تُؤْمَرُونَ}.
قال ابن عرفة: اختلف الأصوليون في لفظ الأمر هل هو أبلغ من صيغة افعل أو لا؟
فقيل: أنّ أمرتك بالقيام أبلغ من قم، لأن صيغة افعل، قد تكون للإباحة كما في قوله جل ذكره {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فاصطادوا} وللوجوب بخلاف الأمر، فإن لفظ أمرتك لا يكون للإباحة.
وقيل: إن قم أبلغ، واستدلوا بهذه الآية.
فلولا أنه أبلغ لما احتيج إلى قوله: {فافعلوا مَا تُؤْمَرُونَ} وإلا كان يلزم عليه تأكيد الأقوى بالأضعف؟ والجواب بأن القرينة هنا أفادت أن صيغة افعل للوجوب، فهو من تأكيد الأقوى بالقوي.
واحتجّ بها بعض الأصوليين على صحة تأخير البيان عن وقت الحاجة.
وقال الآخرون: بل هو تأخير إلى وقت الحاجة.
أو يجاب بقول ابن عباس رضي الله عنه إنهم إنما أمروا بذبح بقرة على الإطلاق، فلو بادروا وذبحوا من غير سؤال لحصل لهم الغرض، ولكن شددوا فشدد الله عليهم. اهـ.

.من فوائد الألوسي في الآية:

قال رحمه الله:
{قَالُواْ ادع لَنَا رَبَّكَ يُبَيّنَ لَّنَا مَا هِيَ} أي سل لأجلنا ربك الذي عوّدك ما عوّدك يظهر لنا ما حالها وصفتها، فالسؤال في الحقيقة عن الصفة، لأن الماهية ومسمى الاسم معلومان ولا ثالث لهما لتستعمل {مَا} فيه، أما إذا أريد بقرة معينة فظاهر لأنه استفسار لبيان المجمل وإلا فلمكان التعجب وتوهم أن مثل هذه البقرة لا تكون إلا معينة، والجواب على الأول: بيان.
وعلى الثاني: نسخ وتشديد، وهكذا الحال فيما سيأتي من السؤال والجواب.
وكان مقتضى الظاهر على الأول: أي لأنها للسؤال عن المميز وصفا كان أو ذاتيًا.
وعلى الثاني: كيف؟ لأنها موضوعة للسؤال عن الحال، و{مَا} وإن سئل بها عن الوصف لكنه على سبيل الندور، وهو إما مجاز أو اشتراك كما صرح به في (المفتاح) والغالب السؤال بها عن الجنس، فإن أجريت هنا على الاستعمال الغالب نزل مجعول الصفة لكونه على صفة لم يوجد عليها جنسه وهو إحياء الميت بضرب بعضه منزلة مجهول الحقيقة فيكون سؤالا عن الجنس تنزيلًا، وعن الصفة حقيقة.
وإن أجريت على النادر لم يحتج إلى التنزيل المذكور، والقول إنه يمكن أن يجعل {مَا هِيَ} على حذف مضاف أي ما حالها؟ فيكون سؤالًا عن نوع حال تفرع عليه هذه الخاصية على بعده خال عن اللطافة اللائقة بشأن الكتاب العزيز.
و{مَا} استفهامية خبر مقدم لهي والجملة في موضع نصب بيبين لأنه معلق عنها، وجاز فيه ذلك لشبهه بأفعال القلوب، والمعنى: يبين لنا جواب هذا السؤال.
{قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ} الفارض اسم للمسنة التي انقطعت ولادتها من الكبر، والفعل فرضت بفتح الراء وضمها ويقال لكل ما قدم وطال أمره فارض ومنه قوله:
يا رب ذي ضعن على فارض

له قروء كقروء الحائض وكأن المسنة سميت فارضا لأنها فرضت سنها أي قطعتها وبلغت آخرها، والبكر اسم للصغيرة، وزاد بعضهم التي لم تلد من الصغر وقال ابن قتيبة: هي التي ولدت ولدًا واحدًا، والبكر من النساء التي لم يمسها الرجال، وقيل: هي التي لم تحمل، والبكر من الأولاد الأول، ومن الحاجات الأولى والبكر بفتح الباء الفتيّ من الإبل، والأنثى بكرة وأصله من التقدم في الزمان، ومنه البكرة والباكورة والاسمان صفة بقرة ولم يؤت بالتاء لأنهما اسمان لما ذكر، واعترضت {لا} بين الصفة والموصوف وكررت لوجوب تكريرها مع الخبر والنعت والحال إلا في الضرورة خلافًا للمبرد وابن كيسان كقوله:
قهرت العدا لا مستعينا بعصبة ** ولكن بأنواع الخدائع والمكر

ومن جعل ذلك من الوصف بالجمل فقدر مبتدأ أي لا هي فارض ولا بكر فقد أبعد، إذ الأصل الوصف بالمفرد، والأصل أيضًا أن لا حذف، وذكر يقول للإشارة إلى أنه من عند الله تعالى لا من عند نفسه.
{عَوَانٌ بَيْنَ ذلك} أي متوسطة السن، وقيل: هي التي ولدت بطنًا أو بطنين، وقيل: مرة بعد مرة ويجمع على فعل كقوله:
طوال مثل أعناق الهوادي ** نواعم بين أبكار وعون

ويجوز ضم عين الكلمة في الشعر، وفائدة هذا بعد {لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ} نفي أن تكون عجلًا أو جنينًا، وأراد من ذلك ما ذكر من الوصفين السابقين وبهذا صح الإفراد وإضافة بين إليه فإنه لا يضاف إلا إلى متعدد وكون الكلام مما حذف منه المعطوف لدلالة المعنى عليه والتقدير عوان بين ذلك وهذا أي الفارض والبكر فيكون نظير قوله:
فما كان بين الخير لو جاء سالما ** أبو حجر إلا ليال قلائل

حيث أراد بين الخير وباعثه تكلف مستغنى عنه بما ذكر.
واختار السجاوندي أن المراد في وسط زمان الصلاح للعوان واعتداله تقول: سافرت إلى الروم وطفت بين ذلك، فالمشار إليه عوان وارتضاه بعض المحققين مدعيًا أو أولى لئلا يفوت معنى بين ذلك لأن أهل اللغة قالوا: بقرة عوان {لا فارض ولا بكر} وعلى الشائع ربما يحتاج الأمر إلى تجريد كما لا يخفى، ثم إن عود الضمائر المذكورة في السؤال والجواب وإجراء تلك الصفات على بقرة يدل على أن المراد بها معينة لأن الأول: يدل على أن الكلام في البقرة المأمور بذبحها، والثاني: يفيد أن المقصد تعيينها وإزالة إبهامها بتلك الصفات كما هو شأن الصفة لا أنها تكاليف متغايرة بخلاف ما إذا ذكر تلك الصفات بدون الإجراء، وقيل: إنها لا فارض ولا بكر فإنه يحتمل أن يكون المقصود منه تبديل الحكم السابق، والقول: بأنهم لما تعجبوا من بقرة ميتة يضرب ببعضها ميت فيحيا ظنوها معينة خارجة عما عليه الجنس فسألوا عن حالها وصفتها فوقعت الضمائر لمعينة باعتقادهم فعينت تشديدًا عليهم وإن لم يكن المراد منها أول الأمر معينة ليس بشيء لأنه حينئذ لم تكن الضمائر عائدة إلى ما أمروا بذبحها بل ما اعتقدوها، والظاهر خلافه واللازم على هذا تأخير البيان عن وقت الخطاب وليس بممتنع والممتنع تأخيره عن وقت الحاجة إلا عند من يجوز التكليف بالمحال وليس بلازم إذ لا دليل على أن الأمر هنا للفور حتى يتوهم ذلك ومن الناس من أنكروا ذلك وادعوا أن المراد بها بقرة من نوع البقر بلا تعيين وكان يحصل الامتثال لو ذبحوا أي بقرة كانت إلا أنها انقلبت مخصوصة بسؤالهم وإليه ذهب جماعة من أهل التفسير وتمسكوا بظاهر اللفظ فإنه مطلق فيترك على إطلاقه مع ما أخرجه ابن جرير بسند صحيح عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما موقوفًا لو ذبحوا أي بقرة أرادوا لأجزأتهم ولكن شددوا على أنفسهم فشدد الله تعالى عليهم، وأخرجه سعيد بن منصور في سننه عن عكرمة مرفوعًا مرسلًا وبأنه لو كانت معينة لما عنفهم على التمادي وزجرهم عن المراجعة إلى السؤال، واللازم حينئذ النسخ قبل الفعل بناءًا على مذهب من يقول الزيادة على الكتاب نسخ كجماهير الحنفية القائلين بأن الأمر المطلق يتضمن التخيير وهو حكم شرعي والتقييد يرفعه وهو جائز بل واقع كما في حديث فرض الصلاة ليلة المعراج، والممتنع النسخ قبل التمكن من الاعتقاد بالاتفاق لأنه بداء وقبل التمكن من الفعل عند المعتزلة وليس بلازم على ما قيل على أنه قيل: يمكن أن يقال: ليس ذلك بنسخ لأن البقرة المطلقة متناولة للبقرة المخصوصة وذبح البقرة المخصوصة ذبح للبقرة مطلقًا فهو امتثال للأمر الأولي فلا يكون نسخًا، واعترض على كون التخيير حكمًا شرعيًا الخ بالمنع مستندًا بأن الأمر المطلق إنما يدل على إيجاب ماهية من حيث هي بلا شرط لكن لما تتحقق إلا في ضمن فرد معين جاء التخيير عقلًا من غير دلالة النص عليه وإيجاب الشيء لا يقتضي إيجاب مقدمته العقلية إذ المراد بالوجوب الوجوب الشرعي، ومن الجائز أن يعاقب المكلف على ترك ما يشمله مقدمة عقلية ولا يعاقب على ترك المقدمة، ونسب هذا الاعتراض لمولانا القاضي في منهياته وفيه تأمل وذكر بعض المحققين أن تحقيق هذا المقام أنه إن كان المراد بالبقرة المأمور بذبحها مطلق البقرة أي بقرة كانت فالنسخ جائز لأن شرط النسخ التمكن من الاعتقاد وهو حاصل بلا ريب، وإن كان البقرة المعينة فلا يجوز النسخ لعدم التمكن من الاعتقاد حينئذ لأنه إنما حصل بعد الاستفسار فاختلاف العلماء في جواز النسخ وعدمه في هذا المقام من باب النزاع اللفظي فتدبر.
{فافعلوا مَا تُؤْمَرونَ} أي من ذبح البقرة ولا تكرروا السؤال ولا تتعنتوا، وهذه الجملة يحتمل أن تكون من قول الله تعالى لهم، ويحتمل أن تكون من قول موسى عليه السلام حرضهم على امتثال ما أمروا به شفقة منه عليهم، و{مَا} موصولة والعائد محذوف أي ما تؤمرونه بمعنى ما تؤمرون به، وقد شاع حذف الجار في هذا الفعل حتى لحق بالمتعدي إلى مفعولين فالمحذوف من أول الأمر هو المنصوب، وأجاز بعضهم أن تكون {مَا} مصدرية أي فافعلوا أمركم ويكون المصدر بمعنى المفعول كما في قوله تعالى: {والله خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: 6 9] على أحد الوجهين، وفيه بعد لأن ذلك في الحاصل بالسبك قليل وإنما كثر في صيغة المصدر. اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ (68)}.
وكان سؤالهم يبين نقص درجة الإيمان عندهم.. لم يقولوا ادع لنا ربنا.. بل قالوا إدع لنا ربك، وكأنه رب موسى وحده.. ولقد تكررت هذه الطريقة في كلام بني إسرائيل عدة مرات.. حتى إنهم قالوا كما يروي لنا القرآن الكريم: {فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة: 24].
ولقد استمر الحوار بينهم وبين موسى فترة طويلة.. يوجهون السؤال لموسى فيدعو الله فيأتيه الجواب من الله تبارك وتعالى.. فبدلا من أن ينفذوا الأمر وتنتهي المسألة يوجهون سؤالا آخر.. فيدعو موسى ربه فيأتيه الجواب، ويؤدي الجواب إلى سؤال في غير محله منهم.. ثم يقطع الحق سبحانه وتعالى عليهم أسباب الجدل.. بأن يعطيهم أوصافا لبقرة لا تنطبق إلا على بقرة واحدة فقط.. فكأنهم شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم.
نأتي إلى أسئلة بني إسرائيل.. يقول الحق سبحانه وتعالى: {قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ}.. سؤال لا معنى له ولا محل.. لأن الله تبارك وتعالى قال لهم إنها بقرة.. ولم يقل مثلا إنها حيوان على إطلاقه فلم يكن هناك محل للسؤال.. فجاء الحق تبارك وتعالى يقول لهم: {إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ}.. الفارض في اللغة هو الواسع والمراد به بقرة غير مسنة.. ولكن ما العلاقة بين سن البقرة وبين الواسع؟ البقرة تتعرض للحمل كثيرا وأساسا هي للبن وللإنجاب.. ومادامت قد تعرضت للحمل كثيرا يكون مكان اللبن فيها في اتساع.. أي أن بطنها يزداد اتساعا مع كل حمل جديد.. وعندما يكون بطن البقرة واسعًا يعرف أنها مسنة وولدت كثيرا وصارت فارضا.
وكلمة {بكر} لها معانٍ متعددة منها أنه لم يطأها فحل.. ومنها أنها بكر ولدت مرة واحدة.. ومنها أنها ولدت مرارا ولكن لم يظهر ذلك عليها لأنها صغيرة السن.
وقوله تعالى: {عَوَانٌ بَيْنَ ذالِكَ}.. يعني وسط بين هذه الأوصاف كلها.. الحق بعد ذلك يقرعهم فيقول: {فَافْعَلُواْ مَا تُؤْمَرونَ}.. يعني كفاكم مجادلة ونفذوا أمر الله واذبحوا البقرة.. ولكنهم لم يسكنوا أنهم يريدون أن يحاوروا.. ولذلك غيروا صيغة السؤال. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

.قال ابن عادل:

قوله: {قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ} ف {يبيّن} مجزوز على جواب الأمر كقوله: {فادع لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا} [البقرة: 61].
قوله: {مَا هِيَ}، {ما} استفهامية في محلّ رفع بالابتداء، تقديره: أي شيء هي؟ وما الاستفهامية يطلب بها شرح الاسم تارة، نحو: ما العَنْقَاء؟ وماهية المسمى أخرى، نحو: ما الحركة؟.
وقال السكاكي: يسأل ب {ما} عن الجنس، تقول: ما عندك أي: أيّ أجناس الأشياء عندك؟ وجوابه كتاب ونحوه، أو عن الوصف، تقول: ما زيد؟ وجوابه: كريم، وهذا هو المراد في الآية.
و{هي} ضمير مرفوع منفصل في محلّ رفع خبرًا ل {ما} والجلمة في محلّ نصب ب {يبيّن}؛ لأنه معلّق عن الجلمة بعده، وجاز ذلك، لأنه شبيه بأفعال القلوب.
قوله: {لاّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ} {لا} نافية و{فارض} صفة ل {بقرة}.
واعترض ب {لا} بين الصفة والموصوف، نحو: مررت برجل لا طويل ولا قصير.
وأجاز أبو البقاء: أن يكون خبر المبتدأ محذوف، أي: لا هي فَارِضٌ.
وقوله: {ولا بِكْر} مثل ما تقدّم.
وتكررت {لا} لأنها متى وقعت قبل خبر، أو نعت، أَو حال وجب تكريرها تقول: زيد لا قائم ولا قاعد، ومررت به لا ضحاكًا ولا باكيًا.
ولا يجوز عدم التكرار إلا في ضرورة خلاقًا للمبرّد وابن كَيْسَان؛ فمن ذلك: الطويل::
وَاَنْتَ امْرُؤٌ مِنَّا خُلِقْتَ لِغَيْرنا ** حَيَاتُكَ لاَ نَفْعُ ومَوْتُكَ فَاجِعُ

وقوله: الطويل::
قَهَرْتُ الْعِدَا لاَ مُسْتَعِينًا بِعُصْبَةٍ ** وَلَكِنْ بَأَنْواعِ الْخَدائِعِ وَالمَكْرِ

فلم يكرهها في الخبر، ولا في الحال.
والفارض: المُسِنّة الهَرِمَة، قال الزمخشريُّ: كأنها سميْت بذلك؛ لأنها فَرَضَتْ سِنَّها، أي: قَطَعَتْهَا وبلغت آخرها؛ قال: الطويل::
لَعَمْرِي لَقَدْ أَعْطَيْتَ ضَيْفَكَ فَارِضًا ** تُسَاقُ إِلَيْهِ مَا تَقُومُ عَلَى رِجْلِ

ويقال لكل ما قَدُمَ: فارض؛ قال الرجز::
شَيَّبَ أَصْدَاعِيْ فَرَأْسِي أَبْيَضُ ** مَحَامِلٌ فِيهَا رِجَالٌ فُرَّضُ

أي: كبار قدماء.
وقال آخر: الرجز::
يَارُبَّ ذِي ضِغْنٍ عَلَيَّ فَارِضِ ** لَهُ قُرُوءٌ كَقُروءِ الْحَائِضِ

وقال الرَّاغب: سميت فارضًا، لأنها تقطعه الأرض، والْفَرْضُ في الأصل القطع، وقيل: لأنها تحمل الأعمال الشاقة.
وقيل: لأن فريضة البقر تَبِيعٌ ومُسِنَّةٌ، قال: فعلى هذا تكون الفارض اسًا إسلاميًّا.
وقيل: الفَارِضُ: التي ولدت بطونًا كثيرة فيتسّع جوفها لذلك؛ لأن معنى الفارض في اللغة الواسع، نقله القرطبي عن بعض المتأخرين.
ويقال: فَرَضَتْ تَفْرِضُ بالفتح فُرُوضًا.
وقيل: فَرُضَتْ بالضم أيضًا.
وقال المفضَّل بن سَلَمَةَ: الفارض: المُسِنَّة.
والبِكْر: ما لم تحمل.
وقيل: ما ولَدَتْ بطنًا واحدًا، وذلك الولد بِكْرٌ أيضاَ.
قال: الرجز::
يَا بِكْرَ بَكْرَين وَيَا خِلْبَ الْكَبِدْ ** أَصْبَحْتَ مِنِّي كِذِرَاع مِنْ عَضُدْ

والبِكْر من الحيوان: من لم يطرقه فحل، والبَكْر بالفتح الْفَتِيُّ من الإِبل، والبَكَارة بالفتح المصدر.
وقال المفضَّل بن سلمة: البِكْر: الشابة.
قال القفال رحمه الله تعالى اشتقاق البكر يدل على الأول، ومنه الباكورة لأول الثمرة، ومنه: بُكْرَة النهار، ويقال: بكرت عليه البارحة، إذا جاء في أول الليل.
والأظهر أنها هي التي لم تلد؛ لأن المعروف من اسم البكر من إناث بني آدم: ما لم يَنْزُ عليها الفحل.
قوله: {عَوَانٌ} صفة ل {بقرة}، ويجوز أن يكون خبر المبتدأ محذوف أي: هي عَوانٌ كما تقدم في {لاَّ فَارِضٌ} [البقرة: 68] والعوان: النَّصَف، وهو التوسُّط بين الشيئين، وذلك أقوى ما يكون وأحسنه؛ قال: الوافر::
نَوَاعِمُ بَيْنَ أَبْكَارٍ وَعُون

وقال الشاعر يصف فرسًا: الطويل::
كُمَيْتٍ بَهِيمٍ اللَّونِ لَيْسَ بِفَارضٍ ** وَلاَ بِعَوانٍ ذَاتِ لَوْنٍ مُخَصَّفِ

فرس أخصف إذا ارتفعَ الْبَلَق من بطنه إلى جنبه، ويقال للنخلة الطويلة: عوان، وهي فيما زعموا لغة عَانِيَة، حكاه القرطبي.
وقيل: هي التي ولدت مرة بعد أخرى منه الحرب العوان أي التي جاءت بعد حرب أخرى؛ قال زهير: الطويل::
إِذَا لَحِقَتْ حَرْبٌ عَوَانٌ مُضِرَّةٌ ** ضَرُوسٌ تُهِمرُّ النَّاسَ أَنْيَابُهَا عُصْلُ

والعُوْن بسكون الواو الجمع، وقد يضم ضرورة كقوله: السريع::
في الأَكُفِّ اللاَّمِعَاتِ سُوُرْ

بضم الواو.
ونظيره في الصحيح قَذَال وقُذُل وحِمَار وحُمُر.
قوله: {بين ذلك} صفة ل {عوان} فهي في محلّ رفع، ويتعلق بمحذوف، أي: كائن بين ذلك، و{بين} إنما تضاف لشيئين فصاعدًا، وجاز أن تضاف هنا إلى مفرد؛ لأنه يشار به إلى المُثَنَّى والمجموع؛ كقوله: الرمل::
إِنَّ لِلْخَيْرِ وَلِلشَّرِّ مَدًى ** وَكِلاَ ذَلِكَ وَجْهٌ وَقَبَلْ

كأنه قيل: بين ما ذكر من الفارض البكر.