فصل: قال الشعراوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الشعراوي:

{يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ}
وكلمة صاحب معناها ملازم؛ والجامع بين يوسف والسجينين هو السجن، ونحن نقول فلان صاحب الدراسة أو صاحب حج، الشيء الذي يربط بين اثنين أو أكثر، إما أن تنسبه للمكان، أو تنسبه إلى الظرف الذي جمع بين تلك المجموعة من الصحبة.
وطرح يوسف السؤال: {ءَأَرْبَابٌ مُّتَّفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ الله الواحد القهار} [يوسف: 39] وحين تطرح سؤالًا عبر مقابل لك، فأنت تعلم مُقدَّمًا أنه يفهم أن أربابًا متفرقون ليسوا خيرًا من إله واحد، وكأن يوسف قد وَثِق من أن إجابتهما لن تكون إلا بقولهم بل عبادة إله واحد خير.
وهو لم يكُنْ ليسأل إلاَّ إذا عرف أنهما سيُديرانِ كل الأجوبة؛ فلا يجدان جوابًا إلا الجواب الذي أراده. فهما قد عبدا آلهة متعددة؛ وكان المفروض في مقاييس الأشياء أن تُغنِيكم تلك الآلهة عن اللجوء لمن يعبد الإله الواحد.
إذن: في قُوَى البشر نجد التعدد يُثْرِي ويُضخِّم العمل، لكن في الألوهية نجد الشرك يُضعِف العمل.
ولذلك نجد الصوفي يقول: اعمل لوجه واحد يكفيك كل الأوجه. ولذلك قال يوسف عليه السلام لصاحبي السجن: {ءَأَرْبَابٌ مُّتَّفَرِّقُونَ خَيْرٌ...} [يوسف: 39].
ولو كان تفرُّقهم تفرُّقَ ذواتٍ لكانوا بلا كمال يستحقون من أجله العبادة، ولو كان تفرُّقهم تفرُّقَ تَكرار لما كان لهذا التكرار لزوم، ولو كان تفرُّقهم تفرُّق اختصاصات، فهذا يعني أن لكل منهم نقطةَ قوة ونقاطَ ضعف؛ وتفرُّقهم هذا دليل نقص.
ولذلك رحمنا الحق نحن المؤمنين به لنعبد إلهًا واحدًا، فقال: {ضَرَبَ الله مَثَلًا رَّجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الحمد للَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} [الزمر: 29].
وقد حاول يوسف عليه السلام أن يهديهم إلى عباد الإله الواحد، وقال لهم من بعد ذلك ما جاء به الحق سبحانه: {مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ...}.
ونلحظ أن يوسف عليه السلام لم يتكلم حتى الآن مع السجينين عن مطلوبهما منه، وهو تأويل الرُّؤيَتَيْنِ، وهو لو تكلم في المطلوب منه أولًا؛ لانصرف ذِهْن وانتباه كُلٍّ من السجينين إلى قضاء حاجتهما منه؛ ولن يلتفتا بعد ذلك إلى ما يدعو إليه؛ ولأن الذي يدعو إليه هو الأمر الأبْقى، وهو الأمر العام الذي يتعلق بكل حركة من حركات الحياة.
وبذلك كان يوسف عليه السلام يؤثر السجينين؛ فقد أراد أن يلفتهما إلى الأمر الجوهري قبل أن يتحدث عن الجزئية الصغيرة التي يسألانِ فيها؛ وأراد أن يُصحِّح نصرة الاثنين إلى المنهج العام الذي يدير به الإنسان كل تفاصيل الحياة وجزئياتها؛ وفي هذا إيثار لا أثرة.
وهنا قال الحق سبحانه على لسان يوسف عليه السلام: {مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمْ...} [يوسف: 40].
أي: أن ما تعبدونه من آلهة مُتعدِّدة هو مُجرَّد عبادة لأسماء بلا معنى ولا وجود؛ أسماء ورثتموها عن آبائكم أو أنشأتموها أنتم، فكفرتُمْ بإنشاء أسماء لآلهة غير موجودة، كما كفر آباؤكم كُفْر نسيان التكليف أو إنكار التكليف.
وتُوضع الأسماء عادةً للدلالة على المُسمَّى؛ فإذا نطقنا الاسم تجيء صورة المسمى إلى الذِّهْن؛ ولذلك نسمي المولود بعد ولادته باسم يُميِّزه عن بقية إخوته؛ بحيث إذا أُطلِق الاسم انصرف إلى الذات المشخصة.
وإذا أُطلق اسم واحد على متعددين؛ فلابد أن يوضح واضع الاسم ما يميز كل ذات عن الأخرى.
والمَثل من الريف المصري؛ حين يتفاءل أب باسم محمد؛ فيسمِّي كل أولاده بهذا الاسم، ولكنه يُميِّز بينهم بأن يقول: محمد الكبير ومحمد الأوسط ومحمد الصغير. أما إذا وُضِع اسم لمُسمَّى غير موجود؛ فهذا أمر غير مقبول أو معقول، وهم قد وضعوا أسماء لآلهة غير موجودة؛ فصارت هناك أسماء على غير مُسمَّى.
ويأتي هؤلاء يوم القيامة؛ لِيُسألوا لحظة الحساب: {ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تُشْرِكُونَ مِن دُونِ الله قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا بَل لَّمْ نَكُنْ نَّدْعُواْ مِن قَبْلُ شَيْئًا كَذَلِكَ يُضِلُّ الله الكافرين} [غافر: 73-74].
وهكذا يعترف هؤلاء بأنه لم تَكُنْ هناك آلهة؛ بل كان هنا أسماء بلا مُسمَّيات.
ولذلك يقول الحق سبحانه هنا: {مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمْ} [يوسف: 40]. وكأن يوسف يتساءل: ءَإذا كانت لكم حاجة تطلبونها من السماء، هل ستسألون الاسم الذي لا مُسمَّى له؟
وهل يسعفكم الاسم بدون مُسمَّى؟
ويوسف عليه السلام يعلم أن المعبود لا يمكن أن يكون اسمًا بلا مُسمَّى، وهو يعلم أن المعبود الحق له اسم يبلغه لرسله، ويُنزِل معهم المنهج الذي يوجز في افعل ولا تفعل.
وهم قد سموا أسماء لا مُسمَّى لها، ولا يستطيع غير الموجود أن يُنزِل منهجًا، أو يُجيب مضطرًا.
ولذلك يتابع القرآن ما جاء على لسان يوسف عليه السلام في وَصْف تلك الأسماء التي بلا مُسمَّيات، فيقول: {مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَّا أَنزَلَ الله بِهَا مِن سُلْطَانٍ} [يوسف: 40].
أي: ما أنزل الله بها من حجة.
وتتابع الآية الكريمة ما جاء على لسان يوسف: {إِنِ الحكم إِلاَّ للَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تعبدوا إِلاَّ إِيَّاهُ...} [يوسف: 40].
أي: إنني والكلام ليوسف إن قلتُ شيئًا فلأنِّي ناقلٌ للحكم عن الله، لا عن ذاتي؛ ولا من عندي؛ ولا عن هواي؛ لأنه هو سبحانه الذي أمر ألا تعبدوا إلا إياه، أي: لا تطيعوا أمرًا أو نهيًا إلا ما أنزله الله في منهجه الهادي للحق والخير.
ويُذيِّل الحق سبحانه الآية الكريمة: {ذلك الدين القيم ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ} [يوسف: 40].
أي: أن هذا هو الدين المستقيم دون سواه، ولكن أكثر الناس لا يعلمون، بمعنى: أن الرسل قد بلَّغتهم بالمنهج، ولكنهم لم يُوظِّفوا هذا العلم في أعمالهم. اهـ.

.قال الشوكاني في الآيات السابقة:

{ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآَيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ}
معنى: {بَدَا لَهُمْ} ظهر لهم، والضمير للعزيز وأصحابه الذين يدبرون الأمر معه ويشيرون عليه، وأما فاعل: {بَدَا لَهُمْ} فقال سيبويه: هو: {ليسجننه} أي: ظهر لهم أن يسجنوه.
قال المبرد: وهذا غلط؛ لأن الفاعل لا يكون جملة، ولكن الفاعل ما دلّ عليه: {بدا} وهو المصدر كما قال الشاعر:
وحق لمن أبو موسى أبوه ** يوفقه الذي نصب الجبالا

أي وحقّ الحقّ، فحذف الفاعل لدلالة الفعل عليه.
وقيل: الفاعل المحذوف هو أي: وظهر لهم رأي لم يكونوا يعرفونه من قبل، وهذا الفاعل حذف لدلالته: {ليسجننه} عليه، واللام في ليسجننه جواب قسم محذوف على تقدير القول، أي: ظهر لهم من بعد ما رأوا الآيات قائلين: والله ليسجننه، وقرئ: {لتسجننه} بالمثناة الفوقية على الخطاب، إما للعزيز ومن معه، أو له وحده على طريق التعظيم، والآيات: قيل: هي القميص وشهادة الشاهد وقطع الأيدي، وقيل: هي البركات التي فتحها الله عليهم بعد وصول يوسف إليهم ولم يجد ذلك فيهم بل كانت امرأته هي الغالبة على رأيه، الفاعلة لما يطابق هواها في يوسف، وإنفاذ ما تقدّم منها من الوعيد له بقولها: {وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا ءامُرُهُ بِهِ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مّن الصاغرين} قيل: وسبب ظهور هذا الرأي لهم في سجن يوسف أنهم أرادوا ستر القالة، وكتم ما شاع في الناس من قصة امرأة العزيز معه.
وقيل: إن العزيز قصد بسجنه الحيلولة بينه وبين امرأته، لما علم أنها قد صارت بمكان من حبه لا تبالي معه بحمل نفسها عليه على أيّ صفة كانت، ومعنى قوله: {حتى حِينٍ} إلى مدّة غير معلومة كما قاله أكثر المفسرين.
وقيل: إلى انقطاع ما شاع في المدينة.
وقال سعيد بن جبير: إلى سبع سنين، وقيل: إلى خمس، وقيل: إلى ستة أشهر، وقد تقدّم في البقرة الكلام على تفسير الحين.
وحتى بمعنى إلى.
قوله: {وَدَخَلَ مَعَهُ السجن فَتَيَانَ} في الكلام حذف متقدّم عليه، والتقدير: وبدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين فسجنوه،: {ودخل معه السجن فتيان}، ومع للمصاحبة، وفتيان تثنية فتى، وذلك يدّل على أنهما عبدان له، ويحتمل أن يكون الفتى اسمًا للخادم وإن لم يكن مملوكًا، وقد قيل: إن أحدهما خباز الملك، والآخر ساقيه، وقد كانا وضعا للملك سما لما ضمن لهما أهل مصر مالًا في مقابلة ذلك، ثم إن الساقي رجع عن ذلك وقال للملك: لا تأكل الطعام فإنه مسموم، وقال الخباز: لا تشرب فإن الشراب مسموم، فقال الملك للساقي: اشرب فشرب فلم يضرّه، وقال للخباز كل فأبى، فجرّب الطعام على حيوان فهلك مكانه فحبسهما، وكان دخولهما السجن مع دخول يوسف، وقيل: قبله، وقيل: بعده.
قال ابن جرير: إنهما سألا يوسف عن علمه فقال: إني أعبر الرؤيا، فسألاه عن رؤياهما كما قص الله سبحانه: {قَالَ أَحَدُهُمَا إِنّى أَرَانِى أَعْصِرُ خَمْرًا} أي: رأيتني، والتعبير بالمضارع لاستحضار الصورة.
والمعنى: إني أراني أعصر عنبًا، فسماه باسم ما يئول إليه لكونه المقصود من العصر.
وفي قراءة ابن مسعود: {أعصر عنبًا}.
قال الأصمعي: أخبرني المعتمر بن سليمان أنه لقي أعرابيًا ومعه عنب، فقال له: ما معك؟ فقال خمر.
وقيل: معنى: {أعصر خمرًا} أي: عنب خمر، فهو على حذف المضاف، وهذا الذي رأى هذه الرؤيا هو الساقي، وهذه الجملة مستأنفة بتقدير سؤال، وكذلك الجملة التي بعدها وهي: {وَقَالَ الآخر إِنّى أَرَانِى أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِى خُبْزًا} ثم وصف الخبز هذا بقوله: {تَأْكُلُ الطير مِنْهُ} وهذا الرائي لهذه الرؤيا هو الخباز، ثم قالا ليوسف جميعًا بعد أن قصا رؤياهما عليه: {نَبّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ} أي: بتأويل ما قصصناه عليك من مجموع المرئيين، أو بتأويل المذكور لك من كلامنا؛ وقيل: إن كل واحد منهما قال له ذلك عقب قصّ رؤياه عليه، فيكون الضمير راجعًا إلى ما رآه كل واحد.
منهما؛ وقيل: إن الضمير في بتأويله موضوع موضع اسم الإشارة، والتقدير بتأويل ذلك: {إِنَّا نَرَاكَ مِنَ المحسنين} أي: من الذين يحسنون عبارة الرؤيا، وكذا قال الفراء: إن معنى: {من المحسنين} من العالمين الذين أحسنوا العلم، وقال ابن إسحاق: من المحسنين إلينا إن فسرت ذلك، أو من المحسنين إلى أهل السجن، فقد روي أنه كان ذلك.
وجملة: {قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيَكُمَا} مستأنفة جواب سؤال مقدّر، ومعنى ذلك أنه يعلم شيئًا من الغيب، وأنه لا يأتيهما إلى السجن طعام إلاّ أخبرهما بماهيته قبل أن يأتيهما، وهذا ليس من جواب سؤالهما تعبير ما قصاه عليه، بل جعله عليه السلام مقدّمة قبل تعبيره لرؤياهما بيانًا لعلوّ مرتبته في العلم، وأنه ليس من المعبرين الذين يعبرون الرؤيا عن ظنّ وتخمين، فهو كقول عيسى عليه السلام: {وَأُنَبّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ} [آل عمران: 49] وإنما قال يوسف عليه السلام لهما بهذا ليحصل الانقياد منهما له فيما يدعوهما إليه بعد ذلك من الإيمان بالله والخروج من الكفر، ومعنى: {ترزقانه} يجري عليهما من جهة الملك أو غيره، والجملة صفة لطعام، أو يرزقكما الله سبحانه، والاستثناء بقوله: {إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ} مفرّغ من أعمّ الأحوال: أي: لا يأتيكما طعام في حال من الأحوال إلا حال ما نبأتكما أي: بينت لكما ماهيته وكيفيته قبل أن يأتيكما، وسماه تأويلًا بطريق المشاكلة؛ لأن الكلام في تأويل الرؤيا، أو المعنى: إلا نبأتكما بما يؤول إليه الكلام من مطابقة ما أخبركما به للواقع.
والإشارة بقوله: {ذلكما} إلى التأويل، والخطاب للسائلين له عن تعبير رؤياهما: {مِمَّا عَلَّمَنِى رَبّى} بما أوحاه إليّ وألهمني إياه: لا من قبيل الكهانة والتنجيم ونحو ذلك مما يكثر فيه الخطأ، ثم بين لهما أن ذلك الذي ناله من هذه الرتبة العلية والعلوم الجمة هو بسبب ترك الملة التي لا يؤمن أهلها بالله ولا بالآخرة واتباعه لملة الأنبياء من آبائه فقال: {إِنّى تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بالله} وهو كلام مستأنف يتضمن التعليل لما قبله، والمراد بالترك: هو عدم التلبس بذلك من الأصل، لا أنه قد كان تلبس به، ثم تركه كما يدلّ عليه قوله: {مَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بالله} ثم وصف هؤلاء القوم بما يدلّ على تصلبهم في الكفر وتهالكهم عليه.
فقال: {وَهُمْ بالاخرة هُمْ} أي: هم مختصون بذلك دون غيرهم لإفراطهم في الكفر بالله.
وقوله: {واتبعت} معطوف على: {تركت}، وسماهم آباء جميعًا؛ لأن الأجداد آباء، وقدّم الجدّ الأعلى، ثم الجدّ الأقرب، ثم الأب لكون إبراهيم هو أصل هذه الملة التي كان عليها أولاده، ثم تلقاها عنه إسحاق، ثم يعقوب، وهذا منه عليه السلام لترغيب صاحبيه في الإيمان بالله: {مَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بالله} أي: ما صحّ لنا ذلك فضلًا عن وقوعه، والضمير في: {لنا} له وللأنبياء المذكورين، والإشارة بقوله: {ذلك} إلى الإيمان المفهوم من قوله: ما كان لنا أن نشرك بالله، و: {مِن فَضْلِ الله عَلَيْنَا} خبر اسم الإشارة أي: ناشئ من تفضلات الله علينا ولطفه بنا بما يجعله لنا من النبوّة المتضمنة للعصمة عن معاصيه، ومن فضل الله على الناس كافة ببعثة الأنبياء إليهم وهدايتهم إلى ربهم، وتبيين طرائق الحق لهم: {ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَشْكُرُونَ} الله سبحانه على نعمه التي أنعم بها عليهم، فيؤمنون به ويوحدونه، ويعملون بما شرعه لهم.
قوله: {ياصاحبى السجن ءأَرْبَابٌ مُّتَّفَرّقُونَ خَيْرٌ أَمِ الله الواحد القهار} جعلهما مصاحبين للسجن لطول مقامهما فيه، وقيل: المراد يا صاحبي في السجن؛ لأن السجن ليس بمصحوب فيه، وأن ذلك من باب يا سارق الليلة، وعلى الأوّل يكون من باب قوله: {أصحاب الجنة أصحاب النار} [الأعراف: 42]: {أصحاب النار} [المائدة: 29] والاستفهام للإنكار مع التقريع والتوبيخ.