فصل: الإسرائيليات في سبب لبث يوسف في السجن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فصيرت قميصه عندها حتى دخل سيدها البيت، فقالت: له مثل هذه الأقاويل: دخل عليّ هذا العبد العبراني الذي جلبته علينا يريد يفضحني، فلما رفعت صوتي فصحت ترك قميصه في يدي وهرب فخرج إلى السوق؛ فلما سمع سيده كلام امرأته استشاط غيظًا، فأمر به سيده فقذف في الحبس الذي كان أسرى الملك فيه محبوسين فمكث هناك في السجن، وكان الرب يبصره، ورزقه المحبة والرحمة، وألقى له في قلب السجان رحمة، فولى يوسف جميع المسجونين الذين في الحبس، وكل فعل كانوا يفعلونه هناك كان عن أمره، ولم يكن رئيس السجن يضرب على يديه في شيء، لأن الرب كان بعونه معه، وكل شيء كان يفعله ينجحه الرب.
فلما كان بعد هذه الأمور، أذنب صاحب شراب ملك مصر والخباز- وفي نسخة موضع الخباز: ورئيس الطباخين- بين يدي سيدهما ملك مصر، فغضب فرعون على خادميه: على رئيس أصحاب الشراب ورئيس الخبازين- وفي نسخة: الطباخين- فأمر بحبسهما في سجن صاحب الشرط في الحبس الذي كان فيه يوسف، فسلط صاحب السجن يوسف عليهما فخدمهما، فلبثا في السجن أيامًا، فرأيا رؤيا جميعًا، كل واحد منهما رئيا بكل في ليلة واحدة، وكل واحد منهما أحب تعبير حلمه،: الساقي وخباز- وفي نسخة: وطباخ- ملك مصر، فدخل عليهما يوسف بالغداة، فرآهما عابسين مكتئبين فسألهما وقال: ما بالكما يومكما هذا عابسي مكتئبين؟ فقالا له: إنا رأينا رؤيا وليس لها معبر، فقال لهما يوسف: إن علم التعبير عند الله، قصا عليّ.
فقص رئيس أصحاب الشراب على يوسف وقال له: إني رأيت في الرؤيا كأن حبلة بين يدي، في الحبلة ثلاثة قضبان، فبينا هي كذلك إذ فرعت ونبت ورقها، وأينعت عناقيدها، فصارت عنبًا، وكأن كأس فرعون في يدي، فتناولت من العنب، فعصرته في كأس فرعون، وناولت الكأس فرعون، فقال له يوسف عليه السلام: هذا تفسير رؤياك: الثلاثة قضبان هي ثلاثة أيام، ومن بعد ثلاثة أيام يذكرك فرعون فيردك على عملك، وتناول فرعون الكأس في يده على العادة الأولى التي لم تزل تسقيه، فاذكرني حينئذ إذا أنعم عليك، وأنعم عليّ بالنعمة والقسط، فاذكرني بين يدي فرعون، وأخرجني من هذا الحبس، لأني إنما سرقت من أرض العبرانين سرقة، وحصلت في الحبس هاهنا أيضًا بلا جرم جاء مني.
فرأى رئيس الخبازين- وفي نسخة: الطباخين- أنه قد فسر تفسيرًا حسنًا فقال يوسف: رأيت أنا أيضًا في منامي كأن ثلاثة أطباق فيها خبز درمك على رأسي، وفي الطبق الأعلى من كل مآكل فرعون مما يصنعه الخباز- وفي نسخة: عمل طباخ حاذق- وكان السباع والطير تأكلها من الطبق من فوق رأسي؛ فأجاب يوسف وقال له: هذا تفسير رؤياك: ثلاثة أطباق هي ثلاثة أيام، وبعد ثلاثة أيام يأمر فرعون بضرب عنقك وصلبك على خشبة، ويأكل الطير لحمك.
فلما كان اليوم الثالث- وهو يوم ولاد فرعون- اتخذ فرعون وليمة، فجمع عبيده وافتقد رئيس أصحاب الشراب ورئيس الخبازين- وفي نسخة: الطباخين- فأمر برد رئيس أصحاب الشراب على موضعه، وسقى فرعون الكأس كعادته، وأمر بصلب رئيس الخبازين كالذي فسر لهما يوسف عليهما الصلاة والسلام، فلم يذكر رئيس أصحاب الشراب يوسف عليه الصلاة والسلام ونسيه. اهـ.

.الإسرائيليات في سبب لبث يوسف في السجن:

قال الدكتور محمد أبو شهبة:
ومن الإسرائيليات ما يذكره بعض المفسرين في مدة سجن يوسف عليه السلام وفي سبب لبثه في السجن بضع سنين، وذلك عند تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِين} [يوسف: الآية 42].
فقد ذكر ابن جرير، والثعلبي، والبغوي، وغيرهم أقوالا كثيرة في هذا، فقد قال وهب بن منبه: أصاب أيوب البلاء سبع سنين، وترك يوسف في السجن سبع سنين، وعذب بختنصر فحول في السباع سبع سنين.
وقال مالك بن دينار: لما قال يوسف للساقي: اذكرني عند ربك. قيل له: يا يوسف اتخذت من دوني وكيلا، لأطيلن حبسك، فبكى يوسف، وقال: يا رب، أنسى قلبي كثرة البلوى فقلت كلمة، ولن أعود.
وقال الحسن البصري: دخل جبريل عليه السلام على يوسف في السجن فلما رآه يوسف عرفه، فقال له: يا أخا المنذرين، إني أراك بين الخاطئين؟! فقال له جبريل: يا طاهر يا ابن الطاهرين يقرأ عليك السلام رب العالمين، ويقول لك: أما استحيت مني أن استشفعت بالآدميين؟! فوعزتي وجلالي لألبثنك في السجن بضع سنين، فقال يوسف: وهو في ذلك عني راضٍ؟ قال: نعم، قال: إذًا لا أبالي.
وقال كعب الأحبار: قال جبريل ليوسف: إن الله تعالى يقول: من خلقك؟ قال: الله عز وجل. قال: فمن حبَّبَك إلى أبيك؟ قال: الله، قال: فمن نجاك من كرب البئر؟ قال: الله، قال: فمن علمك تأويل الرؤيا؟ قال: الله، قال: فمن صرف عنك السوء، والفحشاء؟ قال: الله، قال: فكيف استشفعت بآدمي مثلك؟1، فلما انقضت سبع سنين قال الكلبي: وهذه السبع سوى الخمسة التي قبل ذلك جاء الفرج من الله، فرأى الملك ما رأى من الرؤيا العجيبة، وعجز الملأ عن تفسيرها، تذكر الساقي يوسف وصدق تعبيره للرؤى، فذهب إلى يوسف، فعبرها له خير تعبير، فكان ذلك سبب نجاته من السجن، وقول امرأة العزيز: {الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِين}.
وأغلب الظن عندي: أن هذا من الإسرائيليات، فقد صورت سجن يوسف على أنه عقوبة من الله لأجل الكلمة التي قالها، مع أنه عليه السلام لم يقل هجرا، ولا منكرا، فالأخذ في أسباب النجاة العادية، وفي أسباب إظهار البراءة والحق، لا ينافي قط التوكل على الله تعالى، والبلاء للأنبياء ليس عقوبة، وإنما هو لرفع درجاتهم، وليكونوا أسوة وقدوة لغيرهم، في باب الابتلاء، وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أشد الناس بلاء الأنبياء، فالأمثل، فالأمثل».
وقد روى ابن جرير هاهنا حديثا مرفوعا فقال: حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا عمرو بن محمد، عن إبراهيم بن يزيد، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عباس مرفوعًا، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لو لم يقل-يعني يوسف- الكلمة التي قالها ما لبث في السجن طول ما لبث، حيث يبتغي الفرج من عند غير الله».
ولو أن هذا الحديث كان صحيحا أو حسنا: لكان للمتمسكين بمثل هذه الإسرائيليات التي أظهرت سيدنا يوسف بمظهر الرجل المذنب المدان وجهة، ولكن الحديث شديد الضعف، لا يجوز الاحتجاج به أبدا.
قال الإمام الحافظ الناقد: ابن كثير: وهذا الحديث ضعيف جدا؛ لأن سفيان بن وكيع الراوي عنه ابن جرير ضعيف، وإبراهيم بن يزيد أضعف منه أيضا، وقد روى عن الحسن وقتادة مرسلا عن كل منهما، وهذه المرسلات هاهنا لا تقبل، ولو قبل المرسل من حيث هو في غير هذا الموطن، والله أعلم وقد تكلف بعض المفسرين للإجابة عما يدل عليه هذا الحديث، وحاله كما سمعت بل تكلف بعضهم، فجعل الضمير في: {فأنساه} ليوسف وهو غير صحيح، والذي يجب أن نعتقده أن يوسف عليه الصلاة والسلام مكث في السجن كما قال الله تعالى: {بضع سنين}.
والبضع: من الثلاث إلى التسع، أو إلى العشر من غير تحديد للمدة، فجائز أن تكون سبعا، وجائز أن تكون تسعا، وجائز أن تكون خمسا، ما دام ليس هناك نقل صحيح عن المعصوم صلى الله عليه وسلم وكذلك: نعتقد أنه لم يكن عقوبة على كلمة وإنما هو بلاء ورفعة درجة ثم كيف يتفق هذا الحديث الضعيف هو وما روي عن النبي في الصحيحين عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «... ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف لأجبت الداعي» وفي لفظ للإمام أحمد: «لو كنت أنا لأسرعت الإجابة، وما ابتغيت العذر». اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا}
اعلم أنه عليه السلام لما قرر أمر التوحيد والنبوة عاد إلى الجواب عن السؤال الذي ذكراه، والمعنى ظاهر، وذلك لأن الساقي لما قص رؤياه على يوسف، وقد ذكرنا كيف قص عليه قال له يوسف: ما أحسن ما رأيت أما حسن العنبة فهو حسن حالك، وأما الأغصان الثلاثة فثلاثة أيام يوجه إليك الملك عند انقضائهن فيردك إلى عملك فتصير كما كنت بل أحسن، وقال للخباز: لما قص عليه بئسما رأيت السلال الثلاث ثلاثة أيام يوجه إليك الملك عند انقضائهن فيصلبك وتأكل الطير من رأسك، ثم نقل في التفسير أنهما قالا ما رأينا شيئًا فقال: {قُضِىَ الأمر الذي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ} واختلف فيما لأجله قالا ما رأينا شيئًا فقيل إنهما وضعا هذا الكلام ليختبرا علمه بالتعبير مع أنهما ما رأيا شيئًا وقيل: إنهما لما كرها ذلك الجواب قالا ما رأينا شيئًا.
فإن قيل: هذا الجواب الذي ذكره يوسف عليه السلام ذكره بناء على الوحي من قبل الله تعالى أو بناء على علم التعبير، والأول باطل لأن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما نقل أنه إنما ذكره على سبيل التعبير، وأيضًا قال تعالى: {وَقَالَ لِلَّذِى ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مّنْهُمَا} [يوسف: 42] ولو كان ذلك التعبير مبنيًا على الوحي لكان الحاصل منه القطع واليقين لا الظن والتخمين، والثاني: أيضًا باطل لأن علم التعبير مبني على الظن والحسبان.
الجواب: لا يبعد أن يقال: إنهما لما سألاه عن ذلك المنام صدقا فيه أو كذبا فإن الله تعالى أوحى إليه أن عاقبة كل واحد منهما تكون على الوجه المخصوص، فلما نزل الوحي بذلك الغيب عند ذلك السؤال وقع في الظن أنه ذكره على سبيل التعبير، ولا يبعد أيضًا أن يقال: إنه بنى ذلك الجواب على علم التعبير، وقوله: {قُضِىَ الأمر الذي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ} ما عنى به أن الذي ذكره واقع لا محالة بل عنى به أنه حكمه في تعبير ما سألاه عنه ذلك الذي ذكره.
{وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ}
فيه مسائل:
المسألة الأولى:
اختلفوا في أن الموصوف بالظن هو يوسف عليه السلام أو الناجي فعلى الأول كان المعنى وقال الرجل الذي ظن يوسف عليه السلام كونه ناجيًا، وعلى هذا القول وجهان: الأول: أن تحمل هذا الظن على العلم واليقين، وهذا إذا قلنا بأنه عليه السلام إنما ذكر ذلك التعبير بناء على الوحي.
قال هذا القائل وورود لفظ الظن بمعنى اليقين كثير في القرآن.
قال تعالى: {الذين يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُلاَقُواْ رَّبُّهُمْ} [البقرة: 46] وقال: {إِنّى ظَنَنتُ أَنّى ملاق حِسَابِيَهْ} [الحاقة: 20] والثاني: أن تحمل هذا الظن على حقيقة الظن، وهذا إذا قلنا إنه عليه السلام ذكر ذلك التعبير لا بناء على الوحي، بل على الأصول المذكورة في ذلك العلم، وهي لا تفيد إلا الظن والحسبان.
والقول الثاني: أن هذا الظن صفة الناجي، فإن الرجلين السائلين ما كانا مؤمنين بنبوة يوسف ورسالته، ولكنهما كانا حسني الاعتقاد فيه، فكان قوله لا يفيد في حقهما إلا مجرد الظن.
المسألة الثانية:
قال يوسف عليه السلام لذلك الرجل الذي حكم بأنه يخرج من الحبس ويرجع إلى خدمة الملك: {اذكرنى عِندَ رَبّكَ} أي عند الملك.
والمعنى: اذكر عنده أنه مظلوم من جهة إخوته لما أخرجوه وباعوه، ثم إنه مظلوم في هذه الواقعة التي لأجلها حبس، فهذا هو المراد من الذكر.
ثم قال تعالى: {فَأَنْسَاهُ الشيطان ذِكْرَ رَبّهِ} وفيه قولان: الأول: أنه راجع إلى يوسف، والمعنى أن الشيطان أنسى يوسف أن يذكر ربه، وعلى هذا القول ففيه وجهان: أحدهما: أن تمسكه بغير الله كان مستدركًا عليه، وتقريره من وجوه: الأول: أن مصلحته كانت في أن لا يرجع في تلك الواقعة إلى أحد من المخلوقين وأن لا يعرض حاجته على أحد سوى الله، وأن يقتدي بجده إبراهيم عليه السلام، فإنه حين وضع في المنجنيق ليرمى إلى النار جاءه جبريل عليه السلام وقال: هل من حاجة، فقال أما إليك فلا، فلما رجع يوسف إلى المخلوق لا جرم وصف الله ذلك بأن الشيطان أنساه ذلك التفويض، وذلك التوحيد، ودعاه إلى عرض الحاجة إلى المخلوقين، ثم لما وصفه بذلك ذكر أنه بقي لذلك السبب في السجن بضع سنين، والمعنى أنه لما عدل عن الانقطاع إلى ربه إلى هذا المخلوق عوقب بأن لبث في السجن بضع سنين، وحاصل الأمر أن رجوع يوسف إلى المخلوق صار سببًا لأمرين: أحدهما: أنه صار سببًا لاستيلاء الشيطان عليه حتى أنساه ذكر ربه، الثاني: أنه صار سببًا لبقاء المحنة عليه مدة طويلة.
الوجه الثاني: أن يوسف عليه السلام قال في إبطال عبادة الأوثان: {أَأرْبَابٌ مُّتَّفَرّقُونَ خَيْرٌ أَمِ الله الواحد القهار} [يوسف: 39] ثم إنه هاهنا أثبت ربًا غيره حيث قال: {اذكرنى عِندَ رَبّكَ} ومعاذ الله أن يقال إنه حكم عليه بكونه ربًا بمعنى كونه إلهًا، بل حكم عليه بالربوبية كما يقال: رب الدار، ورب الثوب على أن إطلاق لفظ الرب عليه بحسب الظاهر يناقض نفي الأرباب.
الوجه الثالث: أنه قال في تلك الآية ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء، وذلك نفي للشرك على الإطلاق، وتفويض الأمور بالكلية إلى الله تعالى، فههنا الرجوع إلى غير الله تعالى كالمناقض لذلك التوحيد.
واعلم أن الاستعانة بالناس في دفع الظلم جائزة في الشريعة، إلا أن حسنات الأبرار سيئات المقربين فهذا وإن كان جائزًا لعامة الخلق إلا أن الأولى بالصديقين أن يقطعوا نظرهم عن الأسباب بالكلية وأن لا يشتغلوا إلا بمسبب الأسباب.
الوجه الثاني: في تأويل الآية أن يقال: هب أنه تمسك بغير الله وطلب من ذلك الساقي أن يشرح حاله عند ذلك الملك، إلا أنه كان من الواجب عليه أن لا يخلي ذلك الكلام من ذكر الله مثل أن يقول إن شاء الله أو قدر الله فلما أخلاه عن هذا الذكر وقع هذا الاستدراك.
القول الثاني: أن يقال إن قوله: {فَأَنْسَاهُ الشيطان ذِكْرَ رَبّهِ} راجع إلى الناجي والمعنى: أن الشيطان أنسى ذلك الفتى أن يذكر يوسف للملك حتى طال الأمر: {فَلَبِثَ في السجن بِضْعَ سِنِينَ} بهذا السبب، ومن الناس من قال القول الأول أولى لما روي عنه عليه السلام قال: «رحم الله يوسف لو لم يقل اذكرني عند ربك ما لبث في السجن» وعن قتادة أن يوسف عليه السلام عوقب بسبب رجوعه إلى غير الله، وعن إبراهيم التيمي أنه لما انتهى إلى باب السجن قال له صاحبه: ما حاجتك قال: أن تذكرني عند رب سوى الرب الذي قال يوسف، وعن مالك لما قال يوسف للساقي اذكرني عند ربك قيل: يا يوسف اتخذت من دوني وكيلًا لأطيلن حبسك فبكى يوسف وقال: طول البلاء أنساني ذكر المولى فقلت هذه الكلمة فويل لإخوتي.
قال مصنف الكتاب فخر الدين الرازي رحمه الله، والذي جربته من أول عمري إلى آخره أن الإنسان كلما عول في أمر من الأمور على غير الله صار ذلك سببًا إلى البلاء والمحنة، والشدة والرزية، وإذا عول العبد على الله ولم يرجع إلى أحد من الخلق ذلك المطلوب على أحسن الوجوه فهذه التجربة قد استمرت لي من أول عمري إلى هذا الوقت الذي بلغت فيه إلى السابع والخمسين، فعند هذا استقر قلبي على أنه لا مصلحة للإنسان في التعويل على شيء سوى فضل الله تعالى وإحسانه ومن الناس من رجح القول الثاني لأن صرف وسوسة الشيطان إلى ذلك الرجل أولى من صرفها إلى يوسف الصديق، ولأن الاستعانة بالعباد في التخلص من الظلم جائزة.