فصل: قال صاحب الميزان في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقد قال يوسف لمَنْ قال: {إني أراني أَعْصِرُ خَمْرًا} [يوسف: 36].
أنه سوف ينال العفو ما أظهرته الرؤيا التي قالها، وأما الآخر فسيأكل من رأسه الطير. أي: سيُصلب كما أوحتْ بذلك رموز الرُّؤيا.
ونلحظ أن يوسف عليه السلام قد انشغل بالحكم الذي أوضحته الرؤييان عن الاثنين صاحبي الرؤييين.
وهذا دليل على أن القاضي يجب أن يكون ذهنه مُنصبًّا على الحكم؛ لا على المحكوم عليه، فقد سمع يوسف منهما؛ وهو لا يعرف مَنْ سينال البراءة، ومَنْ الذي سوف يُعاقب.
فنزع يوسف ذاته من الأمر، ولم يسمح لنفسه بدخول الهوى إلى قلبه؛ لأن الهوى يُلوِّن الحكم، ولا أحد بقادر على أن يسيطر على عاطفته، ولابد للقاضي لحظة أن يصدر حكمًا أن يتجرد تمامًا من الهوى والذاتيات.
ويُعلِّمنا الحق سبحانه ذلك حين أنزل لنا في قرآنه قصة سيدنا داود عليه السلام: {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الخصم إِذْ تَسَوَّرُواْ المحراب إِذْ دَخَلُواْ على دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُواْ لاَ تَخَفْ خَصْمَانِ بغى بَعْضُنَا على بَعْضٍ فاحكم بَيْنَنَا بالحق وَلاَ تُشْطِطْ واهدنا إلى سَوَاءِ الصراط إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِي نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الخطاب قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إلى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الخلطاء ليبغي بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ إِلاَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فاستغفر رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} [ص: 21-24].
وكان من ذكر عدد نِعَاج أخيه أنه إنما أراد أن يستميل داود عليه السلام لِصفِّه؛ وكان يريد أن يُصوِّر الظلم الذي وقع عليه، وحكم داود بأن مَنْ أخذ النعجة ليضمها لنعاجه هو الذي ظلم؛ وشعر داود أنه لم يُوفَّق في الحكم؛ لأنه ذكر في حيثية الحكم نعاج الذي أراد أن يأخذ نعجة أخيه.
فالأخذ وحده كان هو المبرر عند داود لإدانة الذي أراد الاستيلاء على ما ليس من حقه؛ ولذلك اعتبر أن هذا الأمر كله فتنة لم يُوفَّق فيها، واستغفر الله بالركوع والتوبة.
وقد كان يوسف عليه السلام حكيمًا حين قال تأويل الرُّؤيا متجردًا من الذاتية، وأنهى التأويل بالقول: {قُضِيَ الأمر الذي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ} [يوسف: 41].
أي: أنه لا مجال للرجوع أو العدول عن حدوث ذلك الذي وصل إليه من تأويل؛ فقد جاء التأويل وفقًا لما علَّمه الله له.
وهناك الكثير من الروايات عما تحمَّله يوسف من صعاب قبل الجُبِّ وقبل السجن، وقيل: إن عمته ابنة إسحق، وهي أكبر أولاده؛ قد استقبلته بعد أن ماتت أمه لترعاه فتعلقت به؛ ولم تحب أحدًا قَدْر محبتها له.
وتاقت نفس يعقوب إلى ولده؛ فذهب إليها وقال لها: سلِّمي إليَّ يوسف. لكنها قالت: والله ما أقدر أن يغيب عني ساعة، ولن أتركه.
فلما خرج يعقوب عليه السلام من عندها، عمدتْ إلى شيء من ميراث إبراهيم عليه السلام يتوارثه اكبر الأبناء، ووضعته تحت ملابس يوسف.
وكان العُرفُ الجاري أنه إذا سرق أحد شيئًا وتَمَّ ضبطه؛ تحول من حرٍّ إلى عبد، وحين كاد يعقوب أن يخرج مع ابنه يوسف عائدًا إلى بيته؛ أعلنت العمة فقدان الشيء الذي أعطاه لها والدها إسحق؛ وفتشوا يوسف فوجدوا الشيء المفقود.
فقالت عمته: والله إنه لَسَلْم أي عبد وكان العرف أن مَنْ يسرق شيئًا يتحول إلى عبد عند صاحب الشيء.
وهكذا بقي يوسف مع عمته محرومًا من أبيه لفترة، ولم يستطع الأب استرداده إلا بعد أن ماتت العمَّة.
ثم جاءت حادثة الجُبِّ، ومن بعدها محاولة امرأة العزيز لِغُوايته، ورغم تيقُّن العزيز من براءته إلا أنه أُودِع السجن؛ ويقول الرواة: إن يوسف عليه السلام قد عُرف في السجن بالجود، والأمانة، وصدق الحديث، وحُسْن السمت، وكثرة العبادة، ومعرفة التعبير أي تأويل الرؤيا والإحسان إلى أهل السجن. ولما دخل هذان الفَتيانِ معه السجن؛ تآلفا به وأحبَّاه حُبًّا شديدًا وقالا له: والله لقد أحببناك حبًا زائدًا. قال: بارك الله فيكما؛ إنه ما من أحد أحبَّني إلا دخل عليَّ من محبته ضررٌ، أحبتني عمَّتي فدخل الضرر بسببها، وأحبَّني أبي فأوذيتُ بسببه، وأحبَّتني امرأة العزيز فكذلك. أي: أنه دخل السجن وصار معهما دون ذنب جَنَاه. قال السجينان: إنا لا نستطيع غير ذلك.
ويقول الحق سبحانه بعد ذلك ما قاله يوسف لمن ظَنَّ أنه سينجو من السجن: {وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ...}. والمقصود هنا هو السجين الذي رأى حُلْمًا يعصر فيه العنب، فهو الذي فسر له يوسف رؤياه بأنه سينجو؛ ويواصل مهمته في صناعة الخمر لسيده.
وقوله سبحانه: {وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ..} [يوسف: 42].
يعني أن الأمر بالنجاة لم يتيقن بعد، ولم يصبح علمًا.
وقد أوصاه يوسف عليه السلام: {اذكرني عِندَ رَبِّكَ...} [يوسف: 42].
والذكر هو حضور شيء بالبال؛ وكان له بالبال صِلَة استقبال، مثل أي قضية عرفتَها من قبل ثم تركتَها، ونسيتَهَا لفترة، ثم تذكرتَها من جديد.
وهكذا نعلم أن للإنسان استقبالات للإدراكات، وهي لا تظل في بُؤْرة الشعور كل الوقت؛ لأن الذهن لا يستطيع أن يكون مشغولًا إلا بشيء واحد، فإن جاء شيء آخر فهو يزحزح الأمر الأول إلى حافة الشعور، ليستقر الأمر الجديد في بؤرة الشعور.
والمثل الذي أضربه دائمًا هو إلقاء حجر في الماء، فيصنع الحجر دوائر تكبر ويتتابع اتساع أقطارها، وهكذا بؤرة الشعور، حين تستقبل أمرًا أو خاطرًا جديدًا.
فالخاطر الجديد يُبعد كل الخواطر الأخرى من المركز إلى الحاشية، ثم يأتي ما يُذكِّرك بما في حاشية الشعور؛ ليعود لك الخاطر أو الأمر الذي كنت قد نسيتَه وتتذكره بكل تفاصيله؛ لأن ذاكرة الإنسان تعمل على مُسْتويين؛ فهي تحفظ المعلومات؛ وتسترجع المعلومات أيضًا.
وقد قال يوسف لمن ظن أنه نَاجٍ: {اذكرني عِندَ رَبِّكَ..} [يوسف: 42].
أي: اذكر ما وجدته عندي من خير أمام سيدك.
وقال بعض المفسرين: إن يوسف عليه السلام حين نطق هذا القول؛ شاء له الله أن يمكث في السجن بضع سنين؛ فما كان ينبغي له كرسول أن يُوسِّط الغير في مسألة ذِكْره بالخير عند سيد ذلك السجين.
فيوسف كرسول إنما يتلقى عن الله بواسطة الوحي؛ وهو قد قال لذلك السجين وزميله: {لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيَكُمَا ذلكما مِمَّا عَلَّمَنِي ربي} [يوسف: 37].
وهذا يعني أنه يستقبل عن الله مباشرة، وكان عليه أن يظل موصولًا بالمصدر الذي يفيض عليه.
ويتابع الحق سبحانه: {فَأَنْسَاهُ الشيطان ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السجن بِضْعَ سِنِينَ} [يوسف: 42].
ونسيان ذكر الله فيه نوع من العقوبة، أو يحمل شيئًا من التأديب ليوسف، وهكذا نرى أن الشيطان نفسه إنما يُعِين الحق على مُرَاداته من خَلْقه.
وهذا ما يشرح لنا بقاء يوسف في السجن بضع سنين؛ ونعرف أن البِضْع من السنين يعني من ثلاث سنوات إلى عَشْر سنوات، وبعض العلماء حَدَّده بسبع سنين. اهـ.

.قال صاحب الميزان في الآيات السابقة:

{ثم بدا لهم من بعد ما راوا الآيات ليسجننه حتى حين}
(بيان) تتضمن الآيات شطرا من قصته عليه السلام وهو دخوله السجن ومكثه فيه بضع سنين وهو مقدمة تقربه التام عند الملك ونيله عزة مصر وفيه دعوته في السجن إلى دين التوحيد وقد جاء ببيان عجيب واظهاره لاول مرة انه من اسرة إبراهيم واسحاق ويعقوب.
قوله تعالى: {ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين} البداء هو ظهور رأى بعد ما لم يكن يقال؟ بدا لى في أمر كذا اي ظهر لى فيه راى جديد والضمير في قوله لهم إلى العزيز وامراته ومن يتلوهما من اهل الاختصاص واعوان الملك والعزة.
والمراد بالآيات الشواهد والادلة الدالة على براءة يوسف عليه السلام وطهارة ذيله مما اتهموه به كشهادة الصبى وقد القميص من خلفه واستباقهما الباب معا ولعل منها تقطيع النسوة ايديهن برؤيته واستعصامه عن مراودتهن اياه عن نفسه واعتراف امراة العزيز لهن انها راودته عن نفسه فاستعصم.
وقوله ليسجننه اللام فيه للقسم أي اقسموا وعزموا ليسجننه البتة وهو تفسير للرأى الذي بدا لهم ويتعلق به قوله حتى حين ولا يخلو من معنى الانتظار بالنظر إلى قطع حين عن الاضافة والمعنى على هذا ليسجننه حتى ينقطع حديث المراودة الشائع في المدينة وينساه الناس.
ومعنى الآية ثم ظهر للعزيز ومن يتلوه من امرأته وسائر مشاوريه رأي جديد في يوسف من بعد ما راوا هذه الآيات الدالة على براءته وعصمته وهو ان يسجنوه حينا من الزمان حتى ينسى حديث المراودة الذي يجلب لهم العار والشين واقسموا على ذلك.
ويظهر بذلك انهم انما عزموا على ذلك لمصلحة بيت العزيز وصونا لاسرته عن هوان التهمة والعار ولعل من غرضهم ان يتحفظوا على امن المدينة العام ولا يخلوا الناس وخاصة النساء ان يفتتنوا به فان هذا الحسن الذي أو له امراة العزيز والسيدات من شرفاء المدينة وفعل بهم ما فعل من طبعه ان لا يلبث دون ان يقيم في المدينة بلوى.
لكن الذي يظهر من قوله في السجن لرسول الملك: {ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتى قطعن ايديهن} إلى آخر ما قال ثم قول الملك لهن ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه وقولهن حاش لله ما علمنا عليه من سوء ثم قول امرأة العزيز الآن حصحص الحق انا راودته عن نفسه وانه لمن الصادقين كل ذلك يدل على ان المراة البست الأمر بعد على زوجها وارابته في براءة يوسف عليه السلام فاعتقد خلاف ما دلت عليه الآيات أو شك في ذلك ولم يكن ذلك الا عن سلطة تامة منها عليه وتمكن كامل من قلبه ورأيه.
وعلى هذا فقد كان سجنه بتوسل أو بامر منها لتدفع بذلك تهمة الناس عن نفسها وتؤدب يوسف لعله ينقاد لها ويرجع إلى طاعتها فيما كانت تأمره به كما هددته به بمحضر من النسوة بقولها: {ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونن من الصاغرين}.
قوله تعالى: {ودخل معه السجن فتيان} إلى آخر الآية الفتى العبد وسياق الايات يدل على انهما كانا عبدين من عبيد الملك وقد وردت به الروايات كما سيأتي ان شاء الله تعالى.
وقوله: {قال احدهما انى ارانى اعصر خمرا} فصل قوله قال احدهما للدلالة على الفصل بين حكاية الرؤيا وبين الدخول كما يشعر به ما في السياق من قوله ارانى وخطابه له بصاحب السجن.
وقوله ارانى لحكاية الحال الماضية كما قيل وقوله اعصر خمرا أي اعصر عنبا كما يعصر ليتخذ خمرا فقد سمى العنب خمرا باعتبار ما يؤول إليه.
والمعنى اصبح احدهما وقال ليوسف عليه السلام انى رايت فيما يرى النائم انى اعصر عنبا للخمر.
وقوله: {وقال الاخر انى ارانى احمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه} أي تنهشه وهى رؤيا أخرى ذكرها صاحبه وقوله: {نبئنا بتأويله انا نراك من المحسنين} أي قالا نبئنا بتأويله فاكتفى عن ذكر الفعل بقوله قال وقال وهذا من لطائف تفنن القرآن والضمير في قوله بتأويله راجع إلى ما يراه المدلول عليه بالسياق وفي قوله: {انا نراك من المحسنين} تعليل لسؤالهما التأويل ونراك أي نعتقدك من المحسنين لما نشاهد فيك من سيماهم وانما اقبلا عليه في تأويل رؤياهما لاحسانه لما يعتقد عامة الناس ان المحسنين الابرار ذووا قلوب طاهرة ونفوس زاكية فهم ينتقلون إلى روابط الأمور وجريان الحوادث انتقالا احسن واقرب إلى الرشد من انتقال غيرهم.
والمعنى قال احدهما ليوسف انى رايت فيما يرى النائم كذا وقال الاخر انى رايت كذا وقالا له اخبرنا بتأويل ما رآه كل منا لانا نعتقد انك من المحسنين ولا يخفى لهم امثال هذه الأمور الخفية لزكاء نفوسهم وصفاء قلوبهم.
قوله تعالى: {قال لا يأتيكما طعام ترزقانه الا نبأتكما بتأويله قبل ان ياتيكما} لما اقبل صاحبا السجن على يوسف عليه السلام في سؤاله عن تأويل رؤيا رأياها عن حسن ظن به من جهة ما كانا يشاهدان منه سيماء المحسنين اغتنم عليه السلام الفرصة في بث ما عنده من اسرار التوحيد والدعوة إلى ربه سبحانه الذي علمه ذلك فاخبرهما انه عليم بذلك بتعليم من ربه خبير بتأويل الاحاديث وتوسل بذلك إلى الكشف عن سر التوحيد ونفى الشركاء ثم اول رؤياهما.
فقال اولا لا ياتيكما طعام ترزقانه وانتما في السجن الانبأتكما بتأويله اي بتأويل ذاكما الطعام وحقيقته وما يؤول إليه امره فانا خبير بذلك فليكن آية لصدقي فيما ادعوكما إليه من دين التوحيد.
هذا على تقدير عود الضمير في قوله بتأويله إلى الطعام ويكون عليه اظهارا منه عليه السلام لاية نبوته نظير قول المسيح عليه السلام لبنى إسرائيل: {وانبؤكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم ان في ذلك لاية لكم ان كنتم مؤمنين} آل عمران: 49 ويؤيد هذا المعنى بعض الروايات الواردة من طرق اهل البيت عليه السلام كما سيأتي في بحث روائي ان شاء الله تعالى.
واما على تقدير عود ضمير بتأويله إلى ما رأياه من الرؤيا فقوله لا يأتيكما طعام الخ وعد منه لهما تأويل رؤياهما ووعد بتسريعه غير ان هذا المعنى لا يخلو من بعد بالنظر الى السياق.
قوله تعالى: {ذلكما مما علمني ربى انى تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالاخرة هم كافرون واتبعت ملة آبائى إبراهيم واسحاق ويعقوب} بين عليه السلام ان العلم والتنبؤ بتأويل الاحاديث ليس من العلم العادى الاكتسابى في شيء بل هو مما علمه اياه ربه ثم علل ذلك بتركه ملة المشركين واتباعه ملة آبائه إبراهيم اسحاق ويعقوب أي رفضه دين الشرك واخذه بدين التوحيد.
والمشركون من اهل الاوثان يعتقدون بالله سبحانه ويثبتون يوم الجزاء بالقول بالتناسخ كما تقدم في الجزء السابق من الكتاب لكن دين التوحيد يحكم ان الذي يقدر له شركاء في التأثير أو في استحقاق العبادة ليس هو الله وكذا عود النفوس بعد الموت بأبدان أخرى تتنعم فيها أو تعذب ليس من المعاد في شيء ولذلك نفى عليه السلام عنهم الإيمان بالله وبالاخرة واكد كفرهم بالاخرة بتكرار الضمير حيث قال وهم بالاخرة هم كافرون وذلك لأن من لا يؤمن بالله فأحرى به ان لا يؤمن برجوع العباد إليه.
وهذا الذي يقصه الله سبحانه من قول يوسف عليه السلام واتبعت ملة آبائى إبراهيم واسحاق ويعقوب هو اول ما انبأ في مصر نسبه وانه من اهل بيت إبراهيم واسحاق ويعقوب عليه السلام.
قوله تعالى: {ما كان لنا ان نشرك بالله من شيء ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن اكثر الناس لا يشكرون} أي لم يجعل الله سبحانه لنا اهل البيت سبيلا إلى ان نشرك به شيئا ومنعنا من ذلك ذلك المنع من فضل الله ونعمته علينا اهل البيت وعلى الناس ولكن اكثر الناس لا يشكرون فضله تعالى بل يكفرون به.
واما انه تعالى جعلهم بحيث لا سبيل لهم إلى ان يشركوا به فليس جعل اجبار والجاء بل جعل تأييد وتسديد حيث أنعم عليهم بالنبوة والرسالة والله اعلم حيث يجعل الرسالة فاعتصموا بالله عن الشرك ودانوا بالتوحيد.