فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقد تدلّ البقرة على الزوجة والخادم والغلّة والسّنَة؛ لما يكون فيها من الولد والغلّة والنبات.
{يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ} من عَجُف يَعجُف، على وزن عَظُم يَعظُم، وروي عَجِف يَعجَف على وزن حَمِد يَحمَد.
قوله تعالى: {يا أيها الملأ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ} جمع الرؤيا رُؤىً: أي أخبروني بحكم هذه الرؤيا.
{إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} العبارة مشتقة من عبور النهر، فمعنى عَبَرت النهر، بلغت شاطئه، فعابر، الرؤيا يعبر بما يؤول إليه أمرها.
واللام في: {للرؤيا} للتَّبيِين، أي إن كنتم تَعبُرون، ثم بَيّن فقال: للرؤيا، قاله الزجاج. {قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ}.
فيه مسألتان:
الأولى: قوله تعالى: {أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ} قال الفراء: ويجوز: {أضغاثَ أحلام} قال النحاس: النصب بعيد، لأن المعنى: لم تر شيئًا له تأويل، إنما هي أضغاث أحلام، أي أخلاط.
وواحد الأضغاث ضِغث، يقال لكل مختلط من بقل أوحشيش أو غيرهما ضِغث؛ قال الشاعر:
كضِغث حُلْم غُرَّ منه حالِمُه

{وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأحلام بِعَالِمِينَ} قال الزجاج: المعنى بتأويل الأحلام المختلطة، نَفَوا عن أنفسهم علم ما لا تأويل له، لا أنهم نفوا عن أنفسهم علم التأويل.
وقيل: نفوا عن أنفسهم علم التعبير.
والأضغاث على هذا الجماعات من الرؤيا التي منها صحيحة ومنها باطلة، ولهذا قال الساقي: {أَنا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأَوِيلِهِ} فعلم أن القوم عجزوا عن التأويل، لا أنهم ادعوا ألاّ تأويل لها.
وقيل: إنهم لم يقصدوا تفسيرًا، وإنما أرادوا محوها من صدر الملك حتى لا تشغل باله، وعلى هذا أيضًا فعندهم علم.
و{الأَحْلاَمِ} جمع حُلْم، والحُلْم بالضم مايراه النائم، تقول منه: حَلَم بالفتح واحتلم، وتقول: حَلَمتُ بكذا وحَلَمته، قال:
فَحَلَمتُها وبَنُو رُفَيْدَةَ دُونَها ** لا يَبْعَدَنَّ خَيَالُها المَحْلُومُ

أصله الأناة، ومنه الحِلْم ضد الطَّيش؛ فقيل لما يُرى في النوم حُلْم لأن النوم حالة أناة وسكون وَدَعة.
الثانية: في الآية دليل على بطلان قول من يقول: إن الرؤيا على أوّل ما تعبّر، لأن القوم قالوا: {أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ} ولم تقع كذلك؛ فإن يوسف فسّرها على سنِيّ الجدب والخِصب، فكان كما عبّر؛ وفيها دليل على فساد أن الرؤيا على رجل طائر، فإذا عبّرت وقعت. اهـ.

.قال الخازن:

قوله تعالى: {وقال الملك إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي} يعني يا أيها الأشراف أخبروني بتأويل رؤياي: {إن كنتم للرؤيا تعبرون} يعني: إن كنتم تحسنون علم العبارة وتفسيرها وعلم التعبير مختص بتفسير الرؤيا وسمي هذا العلم تعبيرًا لأن المفسر للرؤيا عابر من ظاهرها إلى باطنها ليستخرج معناها وهذا أخص من التأويل لأن التأويل يقال فيه وفي غيره.
{قالوا} يعني قال جماعة الملأ وهم السحرة والكهنة والمعبرون مجيبين للملك: {أضغاث أحلام} يعني أخلاط مشتبه واحدها ضغث وأصله الحزمة المختلطة من أنواع الحشيش والأحلام جمع حلم وهو الرؤيا التي يراها الإنسان في منامه: {وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين} لما جعل الله هذه الرؤيا سببًا لخلاص يوسف من السجن وذلك أن الملك لما رآها قلق واضطرب وذلك لأنه قد شاهد الناقص الضعيف قد استولى على القوي الكامل حتى قهره وغلبه فأراد أن يعرف تأويل ذلك فجمع سحرته وكهنته ومعبريه وأخبرهم بما رأى في منامه وسألهم عن تأويلها فأعجز الله بقدرته جماعة الكهنة والمعبرين عن تأويل هذه الرؤيا ومنعهم عن الجواب ليكون ذلك سببًا لخلاص يوسف من السجن فذلك قوله تعالى: {وقال الذي نجا منهما}. اهـ.

.قال أبو حيان:

{وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ}
السمن: معروف وهو مصدر سمن يسمن، واسم الفاعل سمين، والمصدر واسم الفاعل على غير قياس.
العجفاء: المهذولة جدًا قال:
ورجال مكة مستنون عجاف

الضغث أقل من الحزمة وأكثر من القبضة من النبات والعشب من جنس واحد أو، من أخلاط النبات والعشب فمن جنس واحد ما روي في قوله: {وخذ بيدك ضغثًا فاضرب به} إنه أخذ عثكالًا من النخل.
وروي أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم فعل نحو هذا في إقامة حد على رجل.
وقال ابن مقبل:
خود كأن راشها وضعت به ** أضغاث ريحان غداة شمال

ومن الأخلاط قول العرب في أمثالها: ضغث على إمالة.
{وقال الملك إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي إن كنتم للرؤيا تعبرون قالوا أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين}: لما دنا فرج يوسف عليه السلام رأى ملك مصر الرّيان بن الوليد رؤيا عجيبة هالته، فرأى سبع بقرات سمان خرجن من نهر يابس، وسبع بقرات عجاف، فابتلعت العجاف السمان.
ورأى سبع سنبلات خضر قد انعقد حبها، وسبعًا أخر يابسات قد استحصدت وأدركت، فالتوت اليابسات على الخضر حتى غلبن عليها، فلم يجد في قومه من يحسن عبارتها.
أرى: يعني في منامه، ودل على ذلك: أفتوني في رؤياي.
وأرى حكاية حال، فلذلك جاء بالمضارع دون رأيت.
وسمان صفة لقوله: بقرات، ميز العدد بنوع من البقرات وهي السمان منهن لا يحسنهن.
ولو نصب صفة لسبع لكان التمييز بالجنس لا بالنوع، ويلزم من وصف البقرات بالسمن وصف السبع به، ولا يلزم من وصف السبع به وصف الجنس به، لأنه يصير المعنى سبعًا من البقرات سمانًا.
وفرق بين قولك: عندي ثلاث رجال كرام، وثلاثة رجال كرام، لأن المعنى في الأول ثلاثة من الرجال الكرام، فيلزم كرم الثلاثة لأنهم بعض من الرجال الكرام.
والمعنى في الثاني: ثلاثة من الرجال كرام، فلا يدل على وصف الرجال بالكرم.
ولم يضف سبع إلى عجاف لأن اسم العدد لا يضاف إلى الصفة إلا في الشعر، إنما تتبعه الصفة.
وثلاثة فرسان، وخمسة أصحاب من الصفات التي أجريت مجرى الأسماء.
ودل قوله: سبع بقرات على أن السبع العجاف بقرات، كأنه قيل: سبع بقرات عجاف، أو بقرات سبع عجاف.
وجاء جمع عجفاء على عجاف، وقياسه عجف كخضراء أو خضر، حملًا على سمان لأنه نقيضه.
وقد يحمل النقيض على النقيض، كما يحمل النظير على النظير.
والتقسيم في البقرات يقتضي التقسيم في السنبلات، فيكون قد حذف اسم العدد من قوله: وأخر يابسات، لدلالة قسميه وما قبله عليه، فيكون التقدير: وسبعًا أخر يابسات.
ولا يصح أن يكون وأخر مجرورًا عطفًا على سنبلات خضر، لأنه من حيث العطف عليه كان من جملة مميز سبع، ومن جهة كونه أخر كان مباينًا لسبع، فتدافعا بخلاف أن لو كان التركيب سبع سنبلات خضر ويابسات، فإنه كان يصح العطف، ويكون من توزيع السنبلات إلى خضر ويابسات.
والملأ: أشراف دولته وأعيانهم الذين يحضرون عند الملك.
وقرأ أبو جعفر: بالإدغام في الرؤيا، وبابه بعد قلب الهمزة واوًا، ثم قلبها ياء، لاجتماع الواو والياء، وقد سبقت إحداهما بالسكون.
ونصوا على شذوذه، لأن الواو هي بدل غير لازم، واللام في الرؤيا مقوية لوصول الفعل إلى مفعوله إذا تقدم عليه، فلو تأخر لم يحسن ذلك بخلاف اسم الفاعل فإنه لضعفه قد تقوى بها فتقول: زيد ضارب لعمر وفصيحًا.
والظاهر أن خبر كنتم هو قوله: تعبرون.
وأجاز الزمخشري فيه وجوهًا متكلفة أحدها: أن تكون الرؤيا للبيان قال: كقوله: وكانوا فيه من الزاهدين، فتتعلق بمحذوف تقديره أعني فيه، وكذلك تقدير هذا إن كنتم أعني الرؤيا تعبرون، ويكون مفعول تعبرون محذوفًا تقديره تعبرونها.
والثاني: أن تكون الرؤيا خبر كان قال: كما تقول: كان فلان لهذا الأمر إذا كان مستقلًا به متمكنًا منه، وتعبرون خبرًا آخر أو حالًا.
والثالث: أن يضمن تعبرون معنى فعل يتعدى باللام، كأنه قيل: إن كنتم تنتدبون لعبارة الرّؤيا، وعبارة الرّؤيا مأخوذة من عبر النهر إذا جازه من شط إلى شط، فكان عابر الرّؤيا ينتهي إلى آخر تأويلها.
وعبر الرّؤيا بتخفيف الباء ثلاثيًا وهو المشهور، وأنكر بعضهم التشديد، وأنشد المبرد في الكامل قول الشاعر:
رأيت رؤيًا ثم عبرتها ** وكنت للأحلام عبارًا

وأضغاث جمع ضغث أي تخاليط أحلام، وهي ما يكون من حديث النفس، أو وسوسة الشيطان، أو مزاج الإنسان.
وأصله أخلاط النبات، استعير للأحلام، وجمعوا الأحلام.
وأن رؤياه واحدة إما باعتبار متعلقاتها إذ هي أشياء، وإما باعتبار جواز ذلك كما تقول: فلان يركب الخيل وإن لم يركب إلا فرسًا واحدًا، تعليقًا بالجنس.
وإما بكونه قص عليهم مع هذه الرّؤيا غيرها.
والأحلام جمع حلم، وأضغاث خبر مبتدأ محذوف أي: هي أضغاث أحلام.
والظاهر أنهم نفوا عن أنفسهم العلم بتأويل الأحلام أي: لسنا من أهل تعبيير الرؤيا.
ويجوز أن تكون الأحلام المنفي علمها أرادوا بها الموصوفة بالتخليط والأباطيل أي: وما نحن بتأويل الأحلام التي هي أضغاث بعالمين أي: لا يتعلق علم لنا بتأويل تلك، لأنه لا تأويل لها إنما التأويل للمنام الصحيح، فلا يكون في ذلك نفي للعلم بتأويل المنام الصحيح، ولا تصور علمهم.
والباء في بتأويل متعلقة بقوله بعالمين. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَقَالَ الملك} أي الريّانُ: {إِنّى أرى} أي رأيت وإيثارُ صيغة المضارعِ لحكاية الحالِ الماضية: {سَبْعَ بقرات سِمَانٍ} جمعُ سمينٍ وسمينة ككرام في جمع كريم وكريمة، يقال: رجالٌ كرام ونسوةٌ كِرامٌ: {يَأْكُلُهُنَّ} أي أكلهن والعدولُ إلى المضارع لاستحضار الصورةِ تعجيبًا والجملةُ حالٌ من البقرات أو صفةٌ لها: {سَبْعٌ عِجَافٌ} أي سبعُ بقراتٍ عجافٍ وهي جمعُ عجفاءَ والقياس عُجْفٌ لأن فعلاء وأفعل لا يجمع على فِعال ولكن عُدل به عن القياس حملًا لأحد النقيضين على الآخر وإنما لم يقل سبعُ عجافٍ بالإضافة لأن التمييزَ موضوعٌ لبيان الجنس والصفةُ ليست بصالحة لذلك فلا يقال ثلاثةُ ضخامٍ وأربعةُ غلاظٍ، وأما قولُك: ثلاثةُ فرسانٍ وخمسةُ ركبانٍ فلجرَيان الفارسِ والراكب مَجرى الأسماءِ. روي أنه رأى سبعَ بقراتٍ سمان خرجن من نهر يابسٍ وخرج عَقيبَهن سبعُ بقراتٍ عجافٍ في غاية الهُزال فابتلعت العجافُ السمانَ: {وَسَبْعَ سنبلات خُضْرٍ} قد انعقد حبُّها: {وَأُخَرَ يابسات} أي وسبعًا أخَرَ يابساتٍ قد أدركت والْتَوَتْ على الخضر حتى غلبتها على ما روي، ولعل عدمَ التعرضِ لذكره للاكتفاء بما ذكر من حال البقرات: {يا أيها الملأ} خطابٌ للأشراف من العلماء والحكماء: {أَفْتُونِى في رؤياى} هذه أي عبِّروها وبيِّنوا حكمَها وما تؤول إليه من العاقبة والتعبير عن التعبير بالإفتاء لتشريفهم وتفخيمِ أمر رؤياه: {إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} أي تعلمون عبارةَ جنسِ الرؤيا علمًا مستمرًا وهي الانتقالُ من الصور الخيالية المشاهدةِ في المنام إلى ما هي صورٌ وأمثلةٌ لها من الأمور الآفاقيةِ أو الأنفسيةِ الواقعةِ في الخارج من العبور وهو المجاوزةُ، تقول: عبَرْتُ النهرَ إذا قطعتُه وجاوزتُه ونحوه أوّلتها أي ذكرتُ مآلَها وعَبْرتُ الرؤيا عبارةً أثبتُ من عبّرتها تعبيرًا، والجمعُ بين الماضي والمستقبلِ للدلالة على الاستمرار كما أشير إليه، واللامُ للبيان أو لتقوية العاملِ المؤخَّرِ لرعاية الفواصِلِ أو لتضمين تعبُرون معنى فعلٍ متعدَ باللام كأنه قيل: إن كنتم تنتدِبون لعبارتها ويجوز أن يكون للرؤيا خبر كان كما يقال: فلان لهذا الأمر إذا كان مستقلًا به متمكنًا منه وتعبرون خبرٌ آخر.
{قَالُواْ}
استئنافٌ مبني على السؤال كأنه قيل: فماذا قال الملأُ للملك؟ فقيل: قالوا: هي: {أضغاث أَحْلاَمٍ} أي تخاليطُها جمع ضِغْث وهو في الأصل ما جمع من أخلاط النبات وحُزِم ثم استعير لما تجمعه القوةُ المتخيِّلة من أحاديث النفس ووساوسِ الشيطان وتريها في المنام، والأحلامُ جمع حلُم وهي الرؤيا الكاذبةُ التي لا حقيقةَ لها والإضافةُ بمعنى مِنْ أي هي التي أضغاثٌ من أحلام، أخرَجوها من جنس الرؤيا التي لها عاقبةٌ تؤول إليها ويعتنى بأمرها وجمعوها وهي رؤيا واحدةٌ مبالغةً في وصفها بالبطلان كما في قولهم: فلانٌ يركبُ الخيلَ ويلبَس العمائم لمن لا يملِك إلا فرسًا واحدًا وعمامة فردةً، أو لتضمّنها أشياءَ مختلفةً من البقرات السبعِ السمانِ العجاف والسنابل السبعِ الخُضر والأُخَرِ اليابسات فتأمل حسنَ موقعِ الأضغاثِ مع السنابل فللَّه درُّ شأنِ التتزيل: {وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الاحلام} أي المنامات الباطلةِ التي لا أصل لها: {بعالمين} لا لأن لها تأويلًا ولكن لا نعلمه بل لأنه لا تأويلَ لها وإنما التأويلُ للمنامات الصادقةِ ويجوز أن يكون ذلك اعترافًا منهم بقصور علمِهم وأنهم ليسوا بنحاريرَ في تأويل الأحلامِ مع أن لها تأويلًا كما يُشعر به عدولُهم عما وقع في كلام الملك من العبارة المُعْربة عن مجرد الانتقالِ من الدالّ إلى المدلول حيث لم يقولوا بتعبير الأحلام أو عبارتها إلى التأويل المنبئ عن التصرُّف والتكلّف في ذلك لما بين الآئلِ والمآلِ من البُعد، ويؤيده قولُه عز وجل: {أَنَاْ أُنَبّئُكُمْ بِتَأْوِيلِه}. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَقَالَ الْمَلكُ}
وهو الريان وكان كافرًا، ففي إطلاق ذلك عليه دلالة على ما قيل: على جواز تسمية الكافر ملكًا، ومنعه بعضهم، وكذا منع أن يقال له أمير احتجاجًا بأنه صلى الله عليه وسلم كتب إلى هرقل عظيم الروم ولم يكتب ملك الروم أو أميرهم لما فيه من إيهام كونه على الحق، وجعل هذا حكاية اسم مضى حكمه وتصرم وقته، ومثله لا يضر أي قال لمن عنده: {إنِّي أَرَى} أي رأيت، وإيثار صيغة المضارع لحكاية الحال الماضية: {سَبْعَ بَقَرَات سمَان} ممتلئات لحمًا وشحمًا من سمن كسمع سمانة بالفتح وسمنًا كعنبًا فهو سامن وسمين، وذكر أن سمينًا وسمينة تجمع على سمان، فهو ككرام جمع كريم وكريمة، يقال: رجال كرام ونسوة كرام: {يَأْكُلُهُنَّ} أي أكلهن، والعدول إلى المضارع لاستحضار الصورة تعجيبًا.
والجملة حال من البقرات أو صفة لها: {سَبْعٌ عجَافٌ} أي سبع بقرات مهزولة جدًا من قولهم: نصل أعجف أي دقيق وهو جمع عجفاء على خلاف القياس، والقياس عجف كحمراء وحمر، فإن فعلاء وأفعل لا يجمع على فعال لكنهم بنوه على سمان وهم قد يبنون الشيء على ضده كقولهم: عدوة بالهاء لمكان صديقة، وفعول بمعنى فاعل لا تدخله الهاء، وأجري (سمان) على المميز فجر على أنه وصف له، ولم ينصب على أن يكون صفة للعدد المميز لأن وصف تمييزه وصف له معنى، وقد ذكروا أنه إذا وصف التمييز كان التمييز بالنوع وإذا وصف المميز كان التمييز بالجنس، ولا شك أن الأول أولى وأبلغ لاشتمال النوع على الجنس فهو أزيد في رفع الإبهام المقصود من التمييز، فلهذا رجح ما في النظم الكريم على غيره.