فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وادكر أي تذكر ما سبق له مع يوسف بعد أمة أي: مدة طويلة.
والجملة من قوله وادكر حاليه، وأصله: واذتكر أبدلت التاء دالًا وأدغمت الذال فيها فصار ادّكر، وهي قراءة الجمهور.
وقرأ الحسن: {واذكر} بإبدال التاء ذالًا، وإدغام الذال فيها.
وقرأ الأشهب العقيلي: {بعد إمّة} بكسر الهمزة أي: بعد نعمة أنعم عليه بالنجاة من القتل.
وقال ابن عطية: بعد نعمة أنعم الله بها على يوسف في تقريب إطلاقه، والأمة النعمة قال:
ألا لا أرى ذا إمة أصبحت به ** فتتركه الأيام وهي كما هيا

قال الأعلم: الأمة النعمة، والحال الحسنة.
وقرأ ابن عباس، وزيد بن علي، والضحاك، وقتادة، وأبو رجاء، وشبيل بن عزرة الضبعي، وربيعة بن عمرو: {بعد أمه} بفتح الهمزة، والميم مخففة، وهاء، وكذلك قرأ ابن عمر، ومجاهد، وعكرمة، واختلف عنهم.
وقرأ عكرمة وأيضًا مجاهد، وشبيل بن عزرة: {بعد أمه} بسكون الميم، مصدر أمه على غير قياس، وقال الزمخشري: ومن قرأ بسكون الميم فقد أخطأ انتهى.
وهذا على عادته في نسبته الخطأ إلى القراء.
أنا أنبئكم بتأويله أي أخبركم به عمن عنده علمه لا من جهتي.
وقرأ الحسن {أنا أتيكم} مضارع أتى من الإتيان، وكذا في الإمام.
وفي مصحف أبي: فأرسلون، أي ابعثوني إليه لأسأله، ومروني باستعباره، استأذن في المضي إلى يوسف.
فقال ابن عباس: كان في السجن في غير مدينة الملك، وقيل: كان فيها، ويرسم الناس اليوم سجن يوسف في موضع على النيل بينه وبين الفسطاط ثمانية أميال.
وفي الكلام حذف التقدير: فأرسلوه إلى يوسف فأتاه فقال: والصديق بناء مبالغة كالشريب والسكير، وكان قد صحبه زمانًا وجرب صدقه في غير ما شيء كتأويل رؤياه ورؤيا صاحبه، وقوله: لعلي أرجع إلى الناس أي: بتفسير هذه الرؤيا.
واحترز بلفظة لعلي، لأنه ليس على يقين من الرجوع إليهم، إذ من الجائز أن يخترم دون بلوغه إليهم.
وقوله: لعلهم يعلمون، كالتعليل لرجوعه إليهم بتأويل الرؤيا.
وقيل: لعلهم يعلمون فضلك ومكانك من العلم، فيطلبونك ويخلصونك من محنتك، فتكون لعل كالتعليل لقوله: أفتنا.
قال: تزرعون إلى آخره، تضمن هذا الكلام من يوسف ثلاثة أنواع من القول: أحدها: تعبير بالمعنى لا باللفظ.
والثاني: عرض رأي وأمر به، وهو قوله: فذروه في سنبله.
والثالث: الإعلام بالغيب في أمر العام الثامن، قاله قتادة.
قال ابن عطية: ويحتمل هذا أن لا يكون غيبًا، بل علم العبارة أعطى انقطاع الخوف بعد سبع، ومعلوم أنه الأخصب انتهى.
والظاهر أن قوله: تزرعون سبع سنين دأبًا خبر، أخبر أنهم تتوالى لهم هذه السنون لا ينقطع فيها زرعهم للري الذي يوجد.
وقال الزمخشري: تزرعون خبر في معنى الأمر كقوله: {تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون} وإنما يخرج الأمر في صورة الخبر للمبالغة في إيجاب إنجاز المأمور به، فيجعل كأنه وجد فهو يخبر عنه.
والدليل على كونه في معنى الأمن قوله: فذروه في سنبله انتهى.
ولا يدل الأمر بتركه في سنبله على أنّ تزرعون في معنى ازرعوا، بل تزرعون إخبار غيب بما يكون منهم من توالي الزرع سبع سنين.
وأما قوله: فذروه فهو أمر إشارة بما ينبغي أن يفعلوه.
ومعنى دأبًا: ملازمة، كعادتكم في المزارعة.
وقرأ حفص: {دأبًا} بفتح الهمزة، والجمهور بإسكانها، وهما مصدران لدأب، وانتصابه بفعل محذوف من لفظه أي: تدأبون دابًا، فهو منصوب على المصدر.
وعند المبرد بتزرعون بمعنى تدأبون، وهي عنده مثل قعد القرفصاء.
وقيل: مصدر في موضع الحال أي: دائبين، أو ذوي دأب حالًا من ضمير تزرعون.
وما في قوله: فما حصدتم شرطية أو موصولة، بذروه في سنبله إشارة برأي نافع بحسب طعام مصر وحنطتها التي لا تبقى عامين بوجه إلا بحيلة إبقائها في السنبل، فإذا بقيت فيها انحفظت، والمعنى: اتركوا الزرع في السنبل إلا ما لا غنى عنه للأكل، فيجتمع الطعام ويتركب ويؤكل الأقدم فالأقدم، فإذا جاءت السنون الجدبة تقوت الأقدم فالأقدم من ذلك المدخر.
وقرأ السلمي: {مما يأكلون} بالياء على الغيبة أي: يأكل الناس، وحذف المميز في قوله: سبع شداد أي: سبع سنين شداد، لدلالة قوله: سبع سنين عليه.
وأسند الأكل الذي في قوله: أكلن على سبيل المجاز من حيث أنه يؤكل فيهما كما قال: {والنهار مبصرًا} ومعنى تحصنون تحرزون وتخبؤون، مأخوذ من الحصن وهو الحرز والملجأ.
وقال ابن عباس ومجاهد والجمهور: يغاث من الغيث، وقيل: من الغوث، وهو الفرج.
ففي الأول بني من ثلاثي، وفي الثاني من رباعي، تقول: غاثنا الله من الغيث، وأغاثنا من الغوث.
وقرأ الأخوان: {تعصرون} بالتاء على الخطاب، وباقي السبعة بالياء على الغيبة، والجمهور على أنه من عصر النبات كالعنب والقصب والزيتون والسمسم والفجل وجميع ما يعصر، ومصر بلد عصير لأشياء كثيرة والحلب منه، لأنه عصر للضروع.
وروي أنهم لم يعصروا شيئًا مدة الجدب.
وقال أبو عبيدة وغيره: مأخوذ من العصرة، والعصر وهو المنجي، ومنه قول أبي زبيد في عثمان رضي الله عنه:
صاديًا يستغيث غير مغاث ** ولقد كان عصرة المنجود

فالمعنى: ينجون بالعصرة.
وقرأ جعفر بن محمد، والأعرج، وعيسى البصرة {يعصرون} بضم الياء وفتح الصاد مبنيًا للمفعول، وعن عيسى أيضًا: تعصرون بالتاء على الخطاب مبنيًا للمفعول، ومعناه: ينجون من عصره إذا أنجاه، وهو مناسب لقوله: يغاث الناس.
وقال ابن المستنير: معناه يمطرون، من أعصرت السحابة ماءها عليهم فجعلوا معصرين مجازًا بإسناد ذلك إليهم، وهو للماء الذي يمطرون به.
وحكى النقاش أنه قرئ {يعصرون} بضم الياء وكسر الصاد وشدّها، من عصر مشدّدًا للتكثير.
وقرأ زيد ابن علي: {وفيه تعصرون} بكسر التاء والعين والصاد وشدها، وأصله تعتصرون، فأدغم التاء في الصاد ونقل حركتها إلى العين، واتبع حركة التاء لحركة العين.
واحتمل أن يكون من اعتصر العنب ونحوه.
ومن اعتصر بمعنى نجا قال الشاعر:
لو بغير الماء حلقي شرق ** كنت كالغصان بالماء اعتصاري

أي نجاتي.
تأول يوسف عليه السلام البقرات السمان والسنبلات الخضر بسين مخصبة، والعجاف واليابسات بسنين مجدبة، ثم بشرهم بعد الفراغ من تأويل الرؤيا بمجيء العام الثامن مباركًا خصيبًا كثير الخير غزير النعم، وذلك من جهة الوحي.
وعن قتادة: زاده الله علم سنة، والذي من جهة الوحي هو التفضيل بحال العام بأنه فيه يغاث الناس، وفيه يعصرون، وإلا فمعلوم بانتهاء السبع الشداد مجيء الخصب. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَقَالَ الذي نَجَا مِنْهُمَا} أي من صاحبَيْ يوسف وهو الشرابيّ: {وادكر} بغير المعجمة وهو الفصيحُ، وعن الحسن بالمعجمة أي تذكر يوسفَ عليه السلام وشؤونَه التي شاهدها ووصيته بتقريب رؤيا الملك وإشكال تأويلِها على الملأ: {بَعْدَ أُمَّةٍ} أي مدة طويلةٍ وقرئ {إمةٍ} بالكسر وهي النعمةُ أي بعد ما أنعم عليه بالنجاة وأمة أي نسيان والجملةُ حالٌ من الموصول أو من ضميره في الصلة، وقيل: معطوفةٌ على نجا وليس ذلك لأن حق كلَ من الصفة والصلةِ أن تكون معلومة الانتسابِ إلى الموصوف والموصولِ عند المخاطبِ كما عند المتكلم، ولذلك قيل: إن الصفاتِ قبل العلم بها أخبارٌ والأخبار بعد العلم بها صفاتٌ، وأنت تدري أن تذكّره بعد أمةٍ إنما عُلم بهذه الجملة فلا مجال لنظمه مع نجاته المعلومةِ قبلُ في سلك الصلة: {أَنَاْ أُنَبّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ} أي أخبركم به بالتلقي عمن عنده علمُه لا من تلقاء نفسي ولذلك لم يقل أنا أفتيكم فيها وعقبّه بقوله: {فَأَرْسِلُونِ} أي إلى يوسفَ وإنما لم يذكُرْه ثقةً بما سبق من التذكر وما لحِق من قوله: {يُوسُفُ أَيُّهَا الصديق} أي أُرسل إليه فأتاه فقال: يا يوسف ووصفَه بالمبالغة في الصدق حسبما شاهده وذاق أحوالَه وجرّبها لكونه بصدد اغتنامِ آثارِه واقتباس أنوارِه فهو من باب براعة الاستهلال: {أَفْتِنَا في سَبْعِ بقرات سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سنبلات خُضْرٍ وَأُخَرَ يابسات} أي في رؤيا ذلك وإنما لم يصرّح به لوضوح مرامِه بقرينة ما سبق من معاملتهما ولدَلالة مضمونِ الحادثة عليه حيث لا إمكان لوقوعه في عالم الشهادةِ، أي بيِّنْ لنا مآلَها وحكمَها، وحيث عاين علوَّ رتبتِه عليه السلام في الفضل عبّر عن ذلك بالإفتاء ولم يقل كما قال هو وصاحبُه أولًا: نبّئنا بتأويله وفي قوله: أفتنا مع أنه المستفتي وحده وإشعارٌ بأن الرؤيا ليست له بل لغيره ممن له ملابسةٌ بأمور العامة وأنه في ذلك مَعْبرٌ وسفيرٌ كما آذن بذلك حيث قال: {لَّعَلّى أَرْجِعُ إِلَى الناس} أي إلى الملك ومن عنده أو إلى أهل البلد إن كان السجنُ في الخارج كما قيل فأُنبّئهم بذلك: {لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ} ذلك ويعملون بمقتضاه أو يعلمون فضلَك ومكانك مع ما أنت فيه من الحال فتتخلّصَ منه وإنما لم يبُتَّ القولَ في ذلك مجاراةً معه على نهج الأدب واحترازًا عن المجازفة إذ لم يكن على يقين من الرجوع فربما اختُرم دونه أو لعل المنايا دون ما تعدّاني، ولا مِنْ علمهم بذلك فربما لم يعلموه.
{قَالَ} استئنافٌ مبني على السؤال كأنه قيل: فماذا قال يوسفُ عليه السلام في التأويل؟ فقيل: قال: {تَزْرَعُونَ سَبْعُ سِنِينَ دَأَبًا} قرئ بفتح الهمزة وسكونِها وكلاهما مصدرُ دأب في العمل إذ جدّ فيه وتعِب، وانتصابُه على الحالية من فاعل تزرعون أي دائبين أو تدأبون دأبًا على أنه مصدرٌ مؤكدٌ لفعل هو الحال.
أوّلَ عليه السلام البقراتِ السمانَ والسنبلاتِ الخضْرَ بستينَ مخاصيبَ والعجافَ واليابساتِ بسنينَ مُجدبةٍ فأخبرهم بأنهم يواظبون سبعَ سنين على الزراعة ويبالغون فيها إذ بذلك يتحقق الخِصْبُ الذي هو مصداقُ البقراتِ السمان وتأويلُها، ودلهم في تضاعيف ذلك على أمر نافعٍ لهم فقال: {فَمَا حَصَدتُّمْ} أي في كل سنة: {فَذَرُوهُ في سُنبُلِهِ} ولا تَذْروه كيلا يأكلَه السوسُ كما هو شأنُ غلالِ مصرَ ونواحيها، ولعله عليه السلام استدل على ذلك بالسنبلات الخُضرِ وإنما أمرهم بذلك إذ لم يكن معتادًا فيما بينهم، وحيث كانوا معتادين للزراعة لم يأمرهم بها وجعلَها أمرًا محققَ الوقوع وتأويلًا للرؤيا مصداقًا لما فيها من البقرات السمان: {إِلاَّ قَلِيلًا مّمَّا تَأْكُلُونَ} في تلك السنسن وفيه إرشادٌ منه عليه السلام لهم إلى التقليل في الأكل والاقتصارِ على استثناء المأكولِ دون البَذْر لكون ذلك معلومًا من قوله: تزرعون سبعَ سنين، وبعد إتمام ما أمرهم به شرَع في بيان بقيةِ التأويلِ التي يظهر منها حكمةُ الأمر المذكور فقال: {ثُمَّ يَأْتِى}
وهو عطفٌ على تزرعون فلا وجه لجعله بمعنى الأمر حثًا لهم على الجد والمبالغة في الزراعة، على أنه يحصل بالإخبار بذلك أيضًا: {مِن بَعْدِ ذلك} أي من بعد السنين السبعِ المذكوراتِ وإنما لم يقل من بعدهن قصدًا إلى الإشارة إلى وصفهن فإن الضمير ساكتٌ عن أوصاف المرجعِ بالكلية: {سَبْعٌ شِدَادٌ} أي سبعُ سنينَ صعابٌ على الناس: {يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ} من الحبوب المتروكةِ في سنابلها، وفيه تنبيهٌ على أن أمرَه عليه السلام بذلك كان لوقت الضرورة وإسنادُ الأكل إليهن مع أنه حالُ الناس فيهن مجازيٌّ كما في نهارُه صائمٌ، وفيه تلويحٌ بأنه تأويلٌ لأكل العجافِ السمانَ واللام في لهن ترشيحٌ لذلك فكأن ما ادُّخر في السنابل من الحبوب شيءٌ قد هُيِّيء وقُدِّم لهن كالذي يقدَّم للنازل وإلا فهو في الحقيقة مقدَّمٌ للناس فيهن: {إِلاَّ قَلِيلًا مّمَّا تُحْصِنُونَ} تُحرِزون مبذورًا للزراعة.
{ثُمَّ يَأْتِى مِن بَعْدِ ذلك} أي من بعد السنين الموصوفةِ بما ذكر من الشدة وأكلِ الغلال المدَّخرة: {عَامٌ} لم يعبّر عنه بالسنة تحاشيًا عن المدلول الأصليِّ لها من عام القحط وتنبيهًا من أول الأمرِ على اختلاف الحالِ بينه وبين السوابق: {فِيهِ يُغَاثُ الناس} من الغيث أي يُمطَرون يقال: غِيثت البلادُ إذا مُطرت في وقت الحاجة أو من الغوث، يقال: أغاثنا الله تعالى أي أمدنا برفع المكاره حين أظلّتنا: {وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} أي ما مِن شأنه أن يُعصر من العنب والقصَب والزيتون والسمسم ونحوِها من الفواكة لكثرتها. والتعرضُ لذكر العصر مع جواز الاكتفاءِ عنه بذكر الغيث المستلزمِ له عادة كما اكتُفي به عن ذكر تصرِفهم في الحبوب إما لأن استلزامَ الغيثِ له ليس كاستلزامه للحبوب إذ المذكوراتُ يتوقف صلاحُها على مبادٍ أخرى غيرِ المطر، وإما لمراعاة جانبِ المستفتي باعتبار حالتِه الخاصة به بشارةً له وهي التي يدور عليها حسنُ موقع تغليبِه على الناس في القراءة بالفوقانية، وقيل: معنى يعصرون يحلبون الضروعَ، وتكريرُ فيه إما للإشعار باختلاف أوقاتِ ما يقع فيه من الغيث والعصر زمانًا وهو ظاهرٌ وعنوانًا فإن الغيثَ والغوثَ من فضل الله تعالى والعصرُ من فعل الناس، وإما لأن المقام مقامُ تعداد منافعِ ذلك العام ولأجله قُدّم في الموضعين على الفعلين فإن المقصودَ الأصليَّ بيان أنه يقع في ذلك العام هذا النفعُ وذاك النفعُ لا بيانُ أنهما يقعان في ذلك العام يفيده التأخير، ويجوز أن يكون التقديمُ للقصر على معنى أن غيثهم وعصرَهم في سائر السنين بمنزلة العدمِ بالنسبة إلى عامهم ذلك وأن يكون ذلك في الأخير لمراعاة الفواصلِ وفي الأول لرعاية حالِه، وقرئ {يُعصَرون} على البناء للمفعول من عصره إذا أنجاه وهو المناسبُ للإغاثة ويجوز أن يكون المبنيُّ للفاعل أيضًا منه كأنه قيل: فيه يغاث الناسُ وفيه يُغيثون أي يغيثهم الله ويغيثُ بعضُهم بعضًا، وقيل: معنى يُعصَرون يمطَرون من أعصرت السحابةُ إما بتضمين أعصرت معنى مطرَت وتعديتِه وإما بحذف الجارِّ وإيصالِ الفعل، على أن الأصلَ أعصرت عليهم، وأحكامُ هذا العام المبارك ليست مستنبَطةً من رؤيا الملكِ وإنما تلقاها عليه السلام من جهة الوحي فبشَّرهم بها بعد ما أوّل الرؤيا بما أول وأمرَهم بالتدبير اللائقِ في شأنه إبانةً لعلو كعبِه ورسوخِ قدمِه في الفضل وأنه محيطٌ بما لم يخطُر ببال أحدٍ فضلًا عما يُرى صورتُه في المنام على نحو قوله لصاحبيه عند استفتائِهما في منامهما: {لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ} وإتمامًا للنعمة عليهم حيث لم يشاركه عليه السلام في العلم بوقوعها أحدٌ ولو برؤية ما يدل عليها في المنام. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَقَالَ الَّذي نَجَا منْهُمَا} أي صاحبي يوسف عليه السلام وهو الشرابي: {وَادَّكَرَ} بالدال غير المعجمة عند الجمهور، وأصله اذتكر أبدلت التاء دالًا وأدغمت الدال فيها.
وقرأ الحسن {اذكر} بإبدال التاء ذالًا معجمة وإدغام الذال المعجمة فيها، والقراءة الأولى أفصح، والمعنى على كليهما تذكر ما سبق له مع يوسف عليه السلام: {بَعْدَ أُمَّة} أي طائفة من الزمان ومدة طويلة.