فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ}
أخرج ابن إسحق وابن أبي حاتم، عن مجاهد رضي الله عنه قال: قال يوسف عليه الصلاة والسلام للساقي: {اذكرني عند ربك} أي الملك الأعظم، ومظلمتي وحبسي في غير شيء. قال: أفعل. فلما خرج الساقي، رد على ما كان عليه رضي عنه صاحبه، وانساه الشيطان ذكر الملك الذي أمره يوسف عليه السلام أن يذكره له، فلبث يوسف عليه السلام بعد ذلك في السجن بضع سنين، ثم إن الملك ريان بن الوليد، رأى رؤياه التي أري فيها فهالته وعرف أنها رؤيا واقعة، ولم يدر ما تأويلها فقال للملأ حوله من أهل مملكته: {إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات} فلما سمع نبوا من الملك ما سمع منه ومسألته عن تأويلها، ذكر يوسف عليه السلام وما كان عبر له ولصاحبه، وما جاء من ذلك على ما قال من قوله، فقال: {أنا أنبئكم بتأويله}.
وأخرج ابن جرير، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {أضغاث أحلام} قال: من الأحلام الكاذبة.
وأخرج ابن جرير عن الضحاك رضي الله عنه مثله.
وأخرج أبو عبيد وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {أضغاث أحلام} قال: أخلاط أحلام.
وأخرج عبد الرزاق والفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ من طرق، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {وادّكر بعد أمة} قال: بعد حين.
وأخرج ابن جرير عن مجاهد والحسن وعكرمة وعبد الله بن كثير والسدي: {رضي الله تعالى عنهم} مثله.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس- رضي الله عنهما- في قوله: {وادّكر بعد أمة} يقول: بعد سنين.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله: {وادّكر بعد أمة} يقول: بعد سنين.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن الحسن رضي الله عنه أنه قرأ: {وادّكر بعد أمة} قال: بعد أمة من الناس.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن ابن عباس- رضي الله عنهما- أنه قرأ: {وادكر بعد أمة} بالفتح والتخفيف، يقول بعد نسيان.
وأخرج ابن جرير عن عكرمة والحسن وقتادة ومجاهد والضحاك- رضي الله عنهم- أنهم قرأوا: {بعد أمة} أي بعد نسيان.
وأخرج ابن جرير عن حميد رضي الله عنه قال: قرأ مجاهد رضي الله عنه: {وادّكر بعد أمة} مجزومة مخففة.
وأخرج أبو عبيد وابن المنذر عن هرون رضي الله عنه قال في قراءة أبي بن كعب: {أنا آتيكم بتأويله}.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ رضي الله عنه أنه كان يقرأ: {أنا آتيكم بتأويله} فقيل له: أنا انبئكم. قال: أهو كان ينبئهم؟
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {أفتنا في سبع بقرات...} الآية. قال:
أما السمان، فسنون فيها خصب. وأما السبع العجاف، فسنون مجدبة. وسبع سنبلات خضر، هي السنون المخاصيب، تخرج الأرض نباتها وزرعها وثمارها. وأخر يابسات، المحول الجدوب لا تنبت شيئًا.
{قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ (47) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ (48) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (49)}
أخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن عكرمة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.. «لقد عجبت من يوسف وصبره وكرمه- والله يغفر له- حين سئل عن البقرات العجاف والسمان. ولو كنت مكانه- والله يغفر له- حين أتاه الرسول، لبادرتهم الباب. ولكنه أراد أن يكون له العذر».
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد رضي الله عنه قال: لم يرض يوسف عليه السلام أن أفتاهم بالتأويل حتى أمرهم بالرفق، فقال: {تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه في سنبله} لأن الحب إذا كان في سنبله لا يؤكل.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {فذروه في سنبله} قال: أراد يوسف عليه السلام بالبقاء.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله: {فذروه في سنبله} قال في بعض القراءة الأولى: هو أبقى له لا يؤكل.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن زيد بن أسلم رضي الله عنه أن يوسف عليه السلام في زمانه كان يصنع لرجل طعام اثنين، فيقربه إلى الرجل فيأكل نصفه ويدع نصفه، حتى إذ ما كان يومًا قرَّبهُ له فأكله فقال له يوسف عليه السلام: هذا أول يوم من السبع الشداد.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرر وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد} قال: هن السنون المحول الجدوب. وفي قوله: {يأكلن ما قدمتم لهن} يقول: يأكلن ما كنتم اتخذتم فيهن من القوت: {إلا قليلًا مما تحصنون} أي مما تدخرون.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن ابن عباس- رضي الله عنهما- في قوله: {مما تحصنون} يقول: تخزنون. وفي قوله: {وفيه يعصرون} يقول: الأعناب والدهن.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {عام فيه يغاث الناس} يقول: يصيبهم فيه غيث: {وفيه يعصرون} يقول: يعصرون فيه العنب، ويعصرون فيه الزيت، ويعصرون من كل الثمرات.
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ من وجه آخر، عن ابن عباس- رضي الله عنهما- في قوله: {وفيه يعصرون} يحتلبون.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، عن قتادة- رضي الله عنهما- في قوله: {وفيه يعصرون} يحتلبون.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس} قال: يغاث الناس بالمطر،: {وفيه يعصرون} الثمار والأعناب والزيتون من الخصب.
وهذا علم آتاه الله علمه لم يكن فيما سئل عنه.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر، عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {ثم يأتي من بعد ذلك عام...} الآية. قال: زادهم يوسف عليه السلام علم سنة لم يسألوه عنه.
وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ، عن ابن عباس- رضي الله عنهما- في قوله: {ثم يأتي من بعد ذلك عام} قال: أخبرهم بشيء لم يسألوه عنه وكان الله تعالى قد علمه إياه: {فيه يغاث الناس} بالمطر: {وفيه يعصرون} السمسم دهنًا، والعنب خمرًا، والزيتون زيتًا.
وأخرج ابن جرير عن مجاهد- رضي الله عنه: {فيه يغاث الناس} قال: بالمطر: {وفيه يعصرون} قال: يعصرون أعنابهم.
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن الضحاك- رضي الله عنه: {فيه يغاث الناس} قال: يغاث الناس بالمطر: {وفيه يعصرون} قال: الزيت.
وأخرج ابن جرير، عن علي بن طلحة رضي الله عنه قال: كان ابن عباس رضي الله عنه يقرأ: {وفيه تعصرون} بالتاء، يعني تحتلبون.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ من طريق عبدان المروزي رضي الله عنه عن عيسى بن عبيد عن عيسى بن عمير الثقفي رضي الله عنه قال: سمعته يقرأ: {فيه يغاث الناس وفيه تعصرون} بالتاء، يعني الغياث المطر، ثم قرأ: {وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجًا}. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ (45)}
قوله تعالى: {وادكر}: فيه وجهان، أظهرهما: أنها جملةٌ حاليةٌ: إمَّا مِن الموصول، وإمَّا مِنْ عائده وهو فاعل {نجا}. والثاني: أنها عطفٌ على {نجا} فلا مَحَلَّ لها لنسَقِها على ما لا محلًّ له.
والعامَّةُ على {ادَّكَرَ} بدالٍ مهملة مشددة وأصلها: اذْتَكَرَ افتعل مِنْ الذِّكر، فوقعت تاءُ الافتعال بعد الذال فأُبْدِلت دالًا فاجتمع متقاربان فأُبْدِلَ الأول مِنْ جنس الثاني وأُدغم. وقرأ الحسن البصري بذالٍ معجمة. ووجَّهوها بأنه أبدل التاءَ ذالًا مِنْ جنس الأولى وأدغم، وكذا الحكم في: {مُّدَّكِرٍ} [القمر: 15] كما سيأتي في سورته إنْ شاء اللَّه تعالى.
والعامَّةُ على {أُمَّة} بضم الهمزة وتشديد الميم وتاء منونة، وهي المدة الطويلة. وقرأ الأشهب العقيلي بكسر الهمزة، وفسَّروها بالنعمة، أي: بعد نعمةٍ أنعم بها عليه وهي خَلاصُه من السجن ونجاتُه من القتل، وأنشد الزمخشري لعديّ:
ثم بعد الفَلاَح والمُلْكِ والإِمْ ** مَةِ وارَتْهُمُ هناك القبورُ

وأنشد غيره:
ألا لا أرى ذا إمَّةٍ أصبحَتْ به ** فَتَتْركه الأيامُ وهي كما هيا

وقرأ ابن عباس وزيد بن علي وقتادة والضحاك وأبو رجاء {أَمَهٍ} بفتح الهمزة وتخفيف الميم وهاء منونة من الأَمَهِ، وهو النسيان، يقال: أَمِهَ يَأْمَهُ أَمَهًا وأمْهًا بفتح الميم وسكونها، والسكونُ غيرُ مَقيسٍ.
وقرأ مجاهد وعكرمة وشُبَيْل بن عَزْرَة: {بعد أَمْهٍ} بسكون الميم، وقد تقدَّم أنه مصدرٌ لأَمِه على غير قياس. قال الزمخشري: ومَنْ قرأ بسكون الميم فقد خُطِّئ. قال الشيخ: وهذا على عادتِه في نسبته الخطأ إلى القراء قلت: لم يَنْسِبْ هو إليهم خطأً؛ وإنما حكى أنَّ بعضَهم خطَّأ هذا القارئ فإنه قال: خُطِّئ بلفظِ ما لم يُسَمَّ فاعلُه، ولم يقل فقد أخطأ، على أنه إذا صَحَّ أنَّ مَنْ ذكره قرأ بذلك فلا سبيلَ إلى الخطأ إليه البتةَ. و{بعد} منصوب ب {ادَّكر}.
قوله: {أَنَاْ أُنَبِّئُكُمْ} هذه الجملةُ هي المحكية بالقول. وقرأ العامَّةُ من الإِنباء. والحسن {أنا آتيكم} مضارع أتى من الإِتيان، وهو قريبٌ من معنى الأول.
{يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ}
والصِّدِّيق بناء مبالغة كالشِّرِّيب.
قوله تعالى: {تَزْرَعُونَ}: ظاهرُه أن هذا إخبارٌ من يوسف عليه السلام بذلك. وقال الزمخشري: {تَزْرعون} خبر في معنى الأمر كقوله: {تُؤْمِنُونَ بالله وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ} [الصف: 11] وإنما يخرج الأمر في صورة الخبر للمبالغة في إيجاب المأمورِ المأمورَ به، فَيُجعل كأنه وُجِد فهو يُخْبر عنه، والدليل على كونه في معنى الأمر قوله: {فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ}. قال الشيخ: ولا يدلُّ الأمرُ بتَرْكِه في سنبلِه على أنَّ {تزرعون} في معنى ازرعوا، بل تَزْرعون إخبار غيبٍ، وأمَّا {فَذَرُوه} فهو أمرُ إشارةٍ بما ينبغي أنْ يَفْعلوه. قلت: هذا هو الظاهرُ، ولا مَدْخَلَ لأمره لهم بالزِّراعة؛ لأنهم يَزْرعون على عادتهم، أَمَرَهم أو لم يأمرهم، وإنما يحتاج إلى الأمر فيما لم يكن من عادة الإِنسان أن يفعلَه كتَرْكِه في سُنْبله.
قوله: {دَأَبًا} قرأ حفص بفتح الهمزة، والباقون بسكونها، وهما لغتان في مصدر دَأَب يَدْأَبُ، أي: داوَمَ على الشيء ولازَمَه. وهذا كما قالوا: ضَأْن وضَأَن، ومَعْز ومَعَز بفتح العين وسكونها. وفي انتصابه أوجهٌ، أحدها وهو قول سيبويه: أنه منصوبٌ بفعل مقدر تقديره تَدْأَبون. والثاني وهو قول أبي العباس: أنه منصوب بتزرعون لأنه من معناه، فهو من باب قَعَدْتُ القُرْفُصاء. وفيه نظر لأنه ليس نوعًا خاصًا به بخلاف القرفصاء مع القعود. والثالث: أنه واقعٌ موقع الحال فيكون فيه الأوجه المعروفة: إمَّا المبالغةُ، وإمَّا وقوعُه موقعَ الصفة، وإمَّا على حذف مضاف، أي: دائِبين أو ذوي دأب، أو جَعَلهم نفسَ الدَأَب مبالغة. وقد تقدَّم الكلامُ على الدأب في آل عمران عند قوله: {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ} [الآية: 11].
قوله: {فَمَا حَصَدتُّمْ} {ما} يجوز أن تكونَ شرطيةً أو موصولةً. وقرأ أبو عبد الرحمن {يأكلون} بالغَيْبة، أي: الناس، ويجوز أن يكونَ التفاتًا.
وقوله تعالى: {سَبْعٌ شِدَادٌ}: حُذِف المميِّز وهو الموصوف لدلالة ما تقدَّم عليه. ونَسَبَ الأكلَ إليهنَّ مجازًا كقوله: {والنهار مُبْصِرًا} [يونس: 67] لمَّا كان الأكلُ والإِبصارُ فيهما جُعِلا كأنهما واقعان فيهما.
قوله تعالى: {يُغَاثُ الناس}: يجوز أن تكون الألف عن واو، وأن تكون عن ياء: إمَّا مِن الغَوْث وهو الفَرَج، وفعلُه رباعيٌّ يُقال: أغاثَنا اللَّه، مِن الغَوْث، وإمَّا مِن الغَيْث وهو المطرُ يُقال: غِيْثَتِ البلاد، أي: مُطِرَتْ، وفعلُه ثلاثي يقال: غاثنا اللَّه مِن الغَيْث. وقالت أعرابية: غِثْنا ما شِئْنا، أي: مُطِرْنا ما أَرَدْنا.
قوله: {يَعْصِرُونَ} قرأ الأخوان {تَعْصِرون} بالخطاب، والباقون بياء الغيبة، وهما واضحتان، لتقدُّم مخاطبٍ وغائب، فكلُّ قراءةٍ تَرْجِعُ إلى ما يليق به. و{يَعْصِرون} يحتمل أوجهًا، أظهرُها: أنه مِنْ عَصَرَ العِنَبَ أو الزيتون أو نحو ذلك. والثاني: أنه مِنْ عَصَر الضَّرْع إذا حَلَبَه. والثالث: أنه من العُصْرة وهي النجاة، والعَصَر: المَنْجى. وقال أبو زبيد في عثمان رضي اللَّه عنه:
صادِيًا يَسْتغيث غيرَ مُغَاثٍ ** ولقد كان عُصْرَة المَنْجودِ

ويَعْضُد هذا الوجهَ مطابقةُ قولِه: {فِيهِ يُغَاثُ الناس} يُقال: عَصَره يَعْصِرُه، أي: أنجاه.
وقرأ جعفر بن محمد والأعرج: {يُعْصَرون} بالياء من تحت، وعيسى البصرة بالتاء من فوق، وهو في كلتا القراءتين مبنيٌّ للمفعول. وفي هاتين القراءتين تأويلان، أحدهما: أنها مِنْ عَصَره، إذا أنجاه، قال الزمخشري: وهو مطابِقٌ للإِغاثة. والثاني: قاله قطرب أنها من الإِعصار، وهو إمطار السحابة الماءَ كقولِه: {وَأَنزَلْنَا مِنَ المعصرات} [النبأ: 14]. قال الزمخشري: وقرئ: {يُعْصَرون}: يُمْطَرون مِنْ أَعْصَرَتِ السَّحابة، وفيه وجهان: إمَّا أن يُضَمَّن أَعْصَرت معنى مُطِرَتْ فيُعَدَّى تعديتَه، وإمَّا أن يقال: الأصل: أُعْصِرَتْ عليهم فَحَذَفَ الجارَّ وأوصل الفعلَ إلى ضميرهم، أو يُسْنَدُ الإِعصارُ إليهم مجازًا فجُعِلوا مُعْصَرين.
وقرأ زيد بن علي: {تِعِصِّرون} بكسر التاء والعين والصادِ مشددَّة، وأصلها تَعْتصرون فأدغم التاء في الصاد، وأتبع العينَ للصاد، ثم أتبع التاء للعين، وتقدَّم تحريره في: {أَمَّن لاَّ يهدي} [يونس: 35].
ونقل النقاش قراءةَ {يُعَصِّرون} بضم الياء وفتح العين وكسر الصادِ مشددةً مِنْ عَصَّر للتكثير. وهذه القراءةُ وقراءةُ زيدٍ المتقدمة تحتملان أن يكونا مِن العَصْر للنبات أو الضرع، أو النجاة كقول الآخر:
لو بغيرِ الماءِ حَلْقي شَرِقٌ ** كنت كالغَصَّانِ بالماءِ اعتصاري

أي: نجاتي. اهـ.