فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال ابن عباس: فأرسل الملك إلى النسوة وإلى امرأة العزيز وكان قد مات العزيز فدعاهنّ فَ: {قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ} أي ما شأنكنّ.
{إِذْ رَاوَدتُنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ} وذلك أن كل واحدة منهنّ كلمت يوسف في حق نفسها، على ما تقدّم، أو أراد قول كل واحدة قد ظلمت امرأة العزيز، فكان ذلك مراودة منهنّ.
{قُلْنَ حَاشَ للَّهِ} أي معاذ الله.
{مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سواء} أي زِنًى.
{قَالَتِ امرأة العزيز الآن حَصْحَصَ الحق} لما رأت إقرارهنّ ببراءة يوسف، وخافت أن يشهدن عليها إن أنكرت أقرّت هي أيضًا؛ وكان ذلك لطفًا من الله بيوسف.
و{حَصْحَصَ الْحَقُّ} أي تبيّن وظهر؛ وأصله حَصَصَ، فقيل: حَصْحَصَ؛ كما قال: كُبْكِبُوا في كببوا، وكفكف في كفف؛ قاله الزجاج وغيره.
وأصل الحَصّ استئصال الشيء؛ يقال: حصَّ شعره إذا استأصله جَزًّا؛ قال أبو القيس بن الأسْلَت:
قد حَصّتِ البيْضَةُ رأسِي فَمَا ** أطْعَمُ نومًا غيرَ تَهْجاعِ

وسَنَةٌ حصّاء أي جرداء لا خير فيها، قال جَرير:
يأوِي إليكم بلاَ مَنٍّ ولا جَحَدٍ ** مَن ساقه السَّنةُ الحَصَّاءُ والذِّيبُ

كأنه أراد أن يقول: والضّبع، وهي السنة المجدبة؛ فوضع الذئب موضعه لأجل القافية؛ فمعنى: {حَصْحَص الْحَقُّ} أي انقطع عن الباطل بظهوره وثباته؛ قال:
أَلاَ مُبْلِغٌ عنِّي خِدَاشًا فإنَّهُ ** كذوبٌ إذا ما حَصْحَصَ الحقُّ ظالمُ

وقيل: هو مشتق من الحِصّة؛ فالمعنى بانت حِصّة الحق من حصّة الباطل.
وقال مجاهد وقتَادة: وأصله مأخوذ من قولهم؛ حَصَّ شَعْره إذا استأصل قطعه؛ ومنه الحصَّة من الأرض إذا قطعت منها.
والحِصْحِص بالكسر التراب والحجارة؛ ذكره الجوهري.
{أَنَاْ رَاوَدْتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصادقين} وهذا القول منها وإن لم يكن سأل عنه إظهار لتوبتها وتحقيق لصدق يوسف وكرامته؛ لأن إقرار المقرّ على نفسه أقوى من الشهادة عليه؛ فجمع الله تعالى ليوسف لإظهار صدقه الشهادة والإقرار، حتى لا يخامر نفسًا ظنٌّ، ولا يخالطها شك.
وشدّدت النون في {خَطْبُكُنَّ} و{رَاوَدْتُنَّ} لأنها بمنزلة الميم والواو في المذكر.
قوله تعالى: {ذلك لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بالغيب}
اختلف فيمن قاله، فقيل: هو من قول امرأة العزيز، وهو متصل بقولها: {الآن حَصْحَصَ الحق} أي أقررتُ بالصدق ليعلم أني لم أخنه بالغيب أي بالكذب عليه، ولم أذكره بسوء وهو غائب، بل صدقت وحدت عن الخيانة؛ ثم قالت: {وَمَا أُبَرِّئ نفسي} بل أنا راودته؛ وعلى هذا هي كانت مقرّة بالصانع، ولهذا قالت: {إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.
وقيل: هو من قول يوسف؛ أي قال يوسف: ذلك الأمر الذي فعلته، من رد الرسول {لِيَعْلَمَ} العزيز {أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ} قاله الحسن وقَتَادة وغيرهما.
ومعنى: {بالغيب} وهو غائب.
وإنما قال يوسف ذلك بحضرة الملك، وقال: {لِيَعْلَمَ} على الغائب توقيرًا للملك.
وقيل: قاله إذ عاد إليه الرسول وهو في السجن بعدُ؛ قال ابن عباس: جاء الرسول إلى يوسف عليه السلام بالخبر وجبريل معه يحدثه؛ فقال يوسف: {ذلك لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بالغيب وَأَنَّ الله لاَ يَهْدِي كَيْدَ الخائنين} أي لم أَخُنْ سيّدي بالغيب؛ فقال له جبريل عليه السلام: يا يوسف! ولا حين حَلَلْت الإزار، وجلست مجلس الرجل من المرأة؟ا فقال يوسف: {وَمَا أُبَرِّئ نفسي} الآية.
وقال السّديّ: إنما قالت له امرأة العزيز ولا حين حَلَلْتَ سراويلك يا يوسف؟ا فقال يوسف: {وَمَا أُبَرِّئ نَفْسِي}.
وقيل: {ذَلِكَ لِيَعْلَمَ} من قول العزيز؛ أي ذلك ليعلم يوسف أني لم أخنه بالغيب، وأني لم أغفل عن مجازاته على أمانته.
{وَأَنَّ الله لاَ يَهْدِي كَيْدَ الخائنين} معناه أن الله لا يهدي الخائنين بكيدهم. اهـ.

.قال الخازن:

قوله: {وقال الملك ائتوني به}
وذلك أن الساقي لما رجع إلى الملك وأخبره بفتيا يوسف وما عبر برؤياه استحسنه الملك وعرف أن الذي قاله كائن لا محالة فقال ائتنوني به حتى أبصر هذا الرجل الذي قد عبر رؤياي بهذه العبارة فرجع الساقي إلى يوسف وقال له أجب الملك فذلك قوله تعالى: {فلما جاءه الرسول} فأبى أن يخرج معه حتى تظهر براءته للملك ولا يراه بعين النقص: {قال} يعني قال يوسف للرسول: {ارجع إلى ربك} يعني إلى سيدك وهو الملك: {فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن} ولم يصرح بذكر امرأة العزيز أدبًا واحترامًا لها عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو لبثت في السجن طول لبث يوسف لأجبت الداعي» أخرجه الترمذي، وزاد فيه «{ثم قرأ فلما جاء الرسول قال ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن}» هذا الحديث فيه بيان فضل يوسف وبيان قوة صبره وثباته والمراد بالداعي رسول الملك الذي جاءه من عنده فلم يخرج معه مبادرًا إلى الراحة ومفارقة ما هو فيه من الضيق والسجن الطويل فلبث في السجن وأرسل الملك في كشف أمره الذي سجن بسبه لتظهر براءته عند الملك وغيره فأثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم على يوسف وبين فضيلته وحسن صبره على المحنة والبلاء وقوله: {إن ربي بكيدهن عليم} يعني أن الله تعالى عالم بصنيعهن وما احتلن في هذه الواقعة من الحيل العظيمة فرجع الرسول من عند يوسف إلى الملك بهذه الرسالة فجمع الملك النسوة وامرأة العزيز معهن و: {قال} لهن: {ما خطبكن} أي شأنكن وأمركن: {إذ راودتن يوسف عن نفسه} إنما خاطب الملك جميع النسوة بهذا الخطاب، والمراد بذلك امرأة العزيز وحدها ليكون أستر لها وقيل إن امرأة العزيز راودته عن نفسه وحدها وسائر النسوة أمرنه بطاعتها فلذلك خاطبهن بهذا الخطاب: {قلن} يعني النسوة جميعًا مجيبات للملك: {حاش لله} يعني معاذ الله: {ما علمنا عليه من سوء} يعني من خيانة في شيء من الأشياء: {قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحق} يعني ظهر وتبين وقيل إن النسوة أقبلن على امرأة العزيز فعزرنها وقيل خافت أن يشهد عليها فأقرت فقالت: {أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين} يعني في قوله هي راودتني عن نفسي.
واختلفوا في قوله: {ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب} على قولين:
أحدهما: أنه من قول المرأة ووجه هذا القول أن هذا كلام متصل بما قبله وهو قول المرأة الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين، ثم قالت: ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب والمعنى ذلك ليعلم يوسف أني لم أخنه في حال غيبته وهو في السجن ولم أكذب عليه بل قلت أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين وإن كنت قد قلت فيه ما قلت في حضرته، ثم بالغت في تأكيد هذا القول فقالت: {وأن الله لا يهدي كيد الخائنين} يعني أني لما أقدمت على هذا الكيد والمكر لا جرم أني افتضحت لأن الله لا يرشد ولا يوفق كيد الخائنين.
والقول الثاني: إنه من قول يوسف وهذا قول الأكثرين من المفسرين والعلماء ووجه هذا القول أنه لا يبعد وصل كلام إنسان بكلام إنسان آخر إذا دلت القرينة عليه فعلى هذا يكون معنى الآية أن لما بلغ يوسف قولا لمرأة أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين قال يوسف ذلك أي الذي فعلت من ردي رسول الملك إليه ليعلم يعني العزيز أني لم أخنه في زوجته بالغيب يعني في حال غيبته، فيكون هذا من كلام يوسف اتصل بقول امرأة العزيز أنا راودته عن نفسه من غير تمييز بين الكلامين لمعرفة السامعين لذلك مع غموض فيه لأنه ذكر كلام إنسان ثم أتبعه بكلام إنسان آخر من غير فصل بين الكلامين ونظير هذا قوله تعالى: {يريد أن يخرجكم من أرضكم} هذا من قول الملأ، فماذا تأمرون من قول فرعون ومثله قوله تعالى: {وجعلوا أعزة أهلها أذلة} هذا من قول بلقيس: {وكذلك يفعلون} من قوله تصديقًا لها وعلى هذا القول اختلفوا أين كان يوسف حين قال هذه المقالة على قولين أحدهما أنه كان في السجن وذلك أنه لما رجع إليه رسول الملك وهو في السجن وأخبره بجواب امرأة العزيز للملك قال حينئذ ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب وهذه رواية أبي صالح عن ابن عباس وبه قال ابن جريج.
والقول الثاني: إنه قال هذه المقالة عند حضوره عند الملك وهذه رواية عطاء عن ابن عباس فإن قلت فعلى هذا القول كيف خاطبهم بلفظة ذلك وهي إشارة للغائب مع حضوره عندهم.
قلت قال ابن الأنباري قال اللغويون هذا وذلك يصلحان في هذا الموضع لقرب الخبر من أصحابه فصار كالمشاهد الذي يشار إليه بهذا وقيل ذلك إشارة إلى ما فعله يقول ذلك الذي فعلته من ردي الرسول ليعلم أني لم أخنه بالغيب أي لم أخن العزيز في حال غيبته؛ ثم ختم هذا الكلام بقوله وأن الله لا يهدي كيد الخائنين يعني أني لو كنت خائنًا لما خلصني الله من هذه الورطة التي وقعت فيها لأن الله لا يهدي أي لا يرشد ولا يوفق كيد الخائنين. اهـ.

.قال أبو حيان:

{وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ}
الخطب: الشان والأمر الذي فيه خطر، ويجمع على خطوب قال:
وما المرء ما دامت حشاشة نفسه ** بمدرك أطراف الخطوب ولا آل

حصحص تبين بعد الخفاء، قاله الخليل.
وقيل: مأخود من الحصة حصحص الحق بانت حصته من حصة الباطل.
وقيل: ثبت واستقر، ويكون متعديًا من حصحص البعير ألقى ثفناته للإناخة قال: حصحص في صم الصفا ثفناته.
{وقال الملك ائتوني به فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن إن ربي بكيدهن عليم قال ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين}: في الكلام حذف تقديره: فحفظ الرسول ما أول به يوسف الرؤيا، وجاء إلى الملك ومن أرسله وأخبرهم بذلك، وقال الملك: وقال ابن عطية: في تضاعيف هذه الآيات محذوفات يعطيها ظاهر الكلام ويدلّ عليها، والمعنى: فرجع الرسول إلى الملك ومن مع الملك فنص عليهم مقالة يوسف، فرأى الملك وحاضروه نبل التعبير، وحسن الرأي، وتضمن الغيب في أمر العام الثامن مع ما وصفه به الرسول من الصدق في المنام المتقدم، فعظم يوسف في نفس الملك وقال: ائتوني به، فلما وصل الرسول في إخراجه إليه وقال: إنّ الملك قد أمر بأن تخرج إليه، قال له: ارجع إلى ربك أي: إلى الملك وقل له: ما بال النسوة؟ ومقصد يوسف عليه السلام إنما كان وقل له يستقصي عن ذنبي، وينظر في أمري، هل سجنت بحق أو بظلم؟ وكان هذا الفعل من يوسف إناءة وصبرًا وطلبًا لبراءة الساحة، وذلك أنه فيما روي خشي أن يخرج وينال من الملك مرتبة، ويسكت عن أمر دينه صفحًا، فيراه الناس بتلك العين أبدًا ويقولون: هذا الذي راود امرأة مولاه، فأراد يوسف عليه السلام أن يبين براءته ويتحقق منزلته من العفة والخير، وحينئذ يخرج للإحظاء والمنزلة.
وقال الزمخشري: إنما تأتي وتثبت في إجابة الملك، وقدم سؤال النسوة لتظهر براءة ساحته عما فرق به وسجن فيه، لئلا يتسلق به الحاسدون إلى تقبيح أمره عنده، ويجعلوه سلمًا إلى حط منزلته لديه، ولئلا يقولوا: ما خلد في السجن سبع سنين إلا أمر عظيم وجرم كبير حق به أن يسجن ويعذب، ويكشف سره، وفيه دليل على أنّ الاجتهاد في نفي التهم واجبة وجوب ابقاء الوقوف في مواقفها.
قال عليه السلام: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقفن مواقف التهم» انتهى.
ولأجل هذا كان الزمخشري، وكان مقطوع الرجل قد أثبت على القضاة أن رجله لم تقطع في خيانة ولا فساد، وكان يظهر ذلك المكتوب في كل بلد دخله خوفًا من تهمة السوء.
وإنما قال: سل الملك عن شأن النسوة، ولم يقل سله أن يفتش عنهن، لأن السؤال مما يهيج الإنسان ويحركه للبحث عنما سئل عنه، فأراد أن يورد عليه السؤال ليجري التفتيش عن حقيقة القصة، وقص الحديث حتى يتبين له براءته بيانًا مكشوفًا يتميز فيه الحق من الباطل.
ومن كرم يوسف عليه السلام أنه لم يذكر زوج العزيز مع ما صنعت به وتسببت فيه من السجن والعذاب، واقتصر على ذكر المقطعات الأيدي.
وقرأ أبو حيوة وأبو بكر عن عاصم في رواية النسوة بضم النون، وقرأت فرقة {اللاي} بالياء، وكلاهما جمع التي.
إن ربي أي: إن الله بكيدهنّ عليم.
أراد أن كيدهن عظيم لا يعلمه إلا الله لبعد عوده، واستشهد بعلم الله على أنهن كدنه، وأنه بريء مما قذف به.
أو أراد الوعيد لهن، أو هو عليم بكيدهن فيجازيهن عليه.
وقال ابن عطية: ويحتمل أن يريد بالرب العزيز مولاه، ففي ذلك استشهاد به وتقريع.
وما ذكره ابن عطية من هذا الاحتمال لا يسوغ، والضمير في بكيدهن عائد على النسوة المذكورات لا للجنس، لأنها حالة توقيف على ذنب.
قال: ما خطبكن في الكلام حذف تقديره: فرجع الرسول فأخبره بما قال يوسف، فجمع الملك النسوة وامرأة العزيز وقال لهن: ما خطبكن؟ وهذا استدعاء منه أن يعلمنه بالقصة، ونزه جانب يوسف بقوله: إذ راودتن يوسف عن نفسه، ومراودتهن له قولهن ليوسف: أطع مولاتك.
وقال الزمخشري: هل وجدتن منه ميلًا؟ لكنْ قلن: حاش لله تعجبًا من عفته، وذهابه بنفسه عن شيء من الريبة، ومن نزاهته عنها.
وقال ابن عطية: أجاب النساء بجواب جيد تظهر منه براءة أنفسهن جملة، وأعطين يوسف بعض براءة، وذلك أن الملك لما قررهن أنهن راودته قلن جوابًا عن ذلك: حاش لله.
ويحتمل أن يكون قولهن: حاش لله، في جهة يوسف عليه السلام.
وقولهن ما علمنا عليه من سوء ليس بإبراء تام، وإنما كان الإبراء التام وصف القصة على وجهها حتى يتقرر الخطأ في جهتهن، فلما سمعت امرأة العزيز مقالتهن وحيدتهن عن الوقوع في الخزي قالت: الآن حصحص الحق.
وقرئ {حصحص} على البناء للمفعول، أقرت على نفسها بالمراودة، والتزمت الذنب، وأبرأت يوسف البراءة التامة.
{ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ}
الظاهر أن هذا من كلام امرأة العزيز وهو داخل تحت قوله: قالت.
والمعنى: ذلك الإقرار والاعتراف بالحق، ليعلم يوسف أني لم أخنه في غيبته والذب عنه، وأرميه بذنب هو منه بريء.
ثم اعتذرت عما وقعت فيه مما يقع فيه البشر من الشهوات بقولها: وما أبرئ نفسي، والنفوس مائلة إلى الشهوات أمارة بالسوء.
وقال الزمخشري: وما أبرئ نفسي مع ذلك من الخيانة فإني قد خنته حين قذفته وقلت: ما جزاء من أراد بأهلك سوءًا إلا أن يسجن، وأودعته السجن تريد الاعتذار لما كان منها أن كل نفس لأمارة بالسوء إلا نفسًا رحمها الله بالعمصة إن ربي غفور رحيم، استغفرت ربها واسترحمته مما ارتكبت.
ومن ذهب إلى أن قوله: ذلك ليعلم إلى آخره، من كلام يوسف يحتاج إلى تكلف ربط بينه وبين ما قبله، ولا دليل يدل على أنه من كلام يوسف.
فقال ابن جريج: في الكلام تقديم وتأخير، وهذا الكلام متصل بقول يوسف: إن ربي بكيدهن عليم، وعلى هذا فالإشارة بقوله ذلك إلى إلقائه في السجن والتماسه البراءة أي: هذا ليعلم سيدي أني لم أخنه.
وقال بعضهم: إنما قال يوسف هذه المقالة حين قالت امرأة العزيز كلامها إلى قولها: وإنه لمن الصادقين، فالإشارة على هذا إلى قولها وصنع الله فيه، وهذا يضعف، لأنه يقتضي حضوره مع النسوة عند الملك.
فكيف يقول الملك بعد ذلك: ائتوني به؟ وفسر الزمخشري الآية أولًا على أنها من كلام يوسف فقال: أي ذلك التنبت والتشمر لظهور البراءة، ليعلم العزيز أني لم أخنه بظهر الغيب في حرمته، وأن الله لا يهدي كيد الخائنين لا ينفذه ولا يسدده، وكأنه تعريض بامرأته في خيانتها في أمانة زوجها، وبه في خيانته أمانة الله حين ساعدها بعد ظهور الآيات على حبسه.
ويجوز أن يكون توكيدًا لأمانته، وأنه لو كان خائنًا لما هدى الله كيده، ولا سدّده، ثم أراد أن يتواضع لله ويهضم نفسه لئلا يكون لها مزكيًا، ولحالها في الأمانة معجبًا كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «أنا سيد ولد آدم ولا فخر» وليبين أن ما فيه من الأمانة ليس به وحده، وإنما هو بتوفيق الله ولطفه وعصمته.
فقال: وما أبرئ نفسي من الزلل. اهـ.