فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وفيما روي أن الله تعالى ألقى في قلب يوسف من محبتها أضعاف ما كان في قلبها، فقال لها: ما شأنك لا تحبينني كما كنت في أوّل مرة؟ فقالت (له): لما ذقت محبة الله تعالى شغلني ذلك عن كل شيء.
الثانية: قال بعض أهل العلم: في هذه الآية ما يبيح للرجل الفاضل أن يعمل للرجل الفاجر، والسلطان الكافر، بشرط أن يعلم أنه يفوّض إليه في فعل لا يعارضه فيه، فيصلح منه ما شاء؛ وأما إذا كان عمله بحسب اختيار الفاجر وشهواته وفجوره فلا يجوز ذلك.
وقال قوم: إن هذا كان ليوسف خاصة، وهذا اليومَ غيرُ جائز؛ والأوّل أولى إذا كان على الشرط الذي ذكرناه.
والله أعلم.
قال الماورديّ: فإن كان المولِّي ظالمًا فقد اختلف الناس في جواز الولاية من قبله على قولين: أحدهما: جوازها إذا عمل بالحق فيما تقلده؛ لأن يوسف وُلِّي من قبل فرعون، ولأن الاعتبار في حقه بفعله لا بفعل غيره.
الثاني: أنه لا يجوز ذلك؛ لما فيه من تولي الظالمين بالمعونة لهم، وتزكيتهم بتقلّد أعمالهم؛ فأجاب من ذهب إلى هذا المذهب عن ولاية يوسف من قبل فرعون بجوابين: أحدهما: أن فرعون يوسف كان صالحًا، وإنما الطاغي فرعون موسى.
الثاني: أنه نظر في أملاكه دون أعماله، فزالت عنه التبعة فيه.
قال الماورديّ: والأصح من إطلاق هذين القولين أن يفصّل ما يتولاه من جهة الظالم على ثلاثة أقسام: أحدها: ما يجوز لأهله فعله من غير اجتهاد في تنفيذه كالصدقات والزكوات، فيجوز توليه من جهة الظالم، لأن النص على مستحقه قد أغنى عن الاجتهاد فيه، وجواز تفرّد أربابه به قد أغنى عن التقليد.
والقسم الثاني: ما لا يجوز أن يتفرّدوا به ويلزم الاجتهاد في مَصْرِفه كأموال الفيء، فلا يجوز تولّيه من جهة الظالم؛ لأنه يتصرف بغير حق، ويجتهد فيما لا يستحق.
والقسم الثالث: ما يجوز أن يتولاه لأهله، وللاجتهاد فيه مدخل كالقضايا والأحكام، فعقد التقليد محلول، فإن كان النظر تنفيذًا للحكم بين متراضيين، وتوسطًا بين مجبورين جاز، وإن كان إلزام إجبار لم يجز.
الثالثة: ودلّت الآية أيضًا على جواز أن يخطب الإنسان عملًا يكون له أهلًا؛ فإن قيل: فقد روى مسلم عن عبد الرحمن بن سَمُرة قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا عبد الرحمن لا تسأل الإمارة فإنك إن أعطيتها عن مسألة وُكِلْت إليها وإن أُعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها» وعن أبي بُرْدة قال: قال أبو موسى: أقبلت إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم ومعي رجلان من الأشعريّين، أحدهما عن يميني والآخر عن يساري، فكلاهما سأل العمل، والنبي صلى الله عليه وسلم يستاك، فقال: «ما تقول يا أبا موسى أو يا عبد الله بن قيس» قال: قلت: والذي بعثك بالحق ما أطلعاني على ما في أنفسهما، وما شعرت أنهما يطلبان العمل، قال: وكأني أنظر إلى سِواكه تحت شفته وقد قلصت، فقال: «لن أو لا نستعمل على عملنا من أراده» وذكر الحديث؛ خرجه مسلم أيضًا وغيره؛ فالجواب: أوّلًا: أن يوسف عليه السلام إنما طلب الولاية لأنه علم أنه لا أحد يقوم مقامه في العدل والإصلاح وتوصيل الفقراء إلى حقوقهم فرأى أن ذلك فرض متعين عليه فإنه لم يكن هناك غيره، وهكذا الحكم اليوم، لو علم إنسان من نفسه أنه يقوم بالحق في القضاء أو الحسبة ولم يكن هناك من يصلح ولا يقوم مقامه لتعيّن ذلك عليه، ووجب أن يتولاّها ويسأل ذلك، ويخبر بصفاته التي يستحقها به من العلم والكفاية وغير ذلك، كما قال يوسف عليه السلام، فأما لو كان هناك من يقوم بها ويصلح لها وعلم بذلك فالأولى ألاّ يطلب؛ لقوله عليه السلام لعبد الرحمن: «لا تسأل الإمارة» (وأيضًا) فإن في سؤالها والحرص عليها مع العلم بكثرة آفاتها وصعوبة التخلص منها دليل على أنه يطلبها لنفسه ولأغراضه، ومن كان هكذا يوشك أن تغلب عليه نفسه فيهلك؛ وهذا معنى قوله عليه السلام:
«وكِل إليها» ومن أباها لعلمه بآفاتها، ولخوفه من التقصير في حقوقها فَرّ منها، ثم إن ابتلى بها فيرجى له التخلص منها، وهو معنى قوله: «أعِينَ عليها» الثاني: أنه لم يَقل: إني حسيب كريم، وإن كان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الكريم ابن الكريم ابن الكريم (ابن الكريم) يوسف بن يعقوب بن إسحق بن إبراهيم» ولا قال: إني جميل مليح، إنما قال: {إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} فسألها بالحفظ والعلم، لا بالنسب والجمال.
الثالث: إنما قال ذلك عند من لا يعرفه فأراد تعريف نفسه، وصار ذلك مستثنى من قوله تعالى: {فَلاَ تُزَكُّوا أنْفُسَكُمْ}.
الرابع: أنه رأى ذلك فرضًا متعينًا عليه؛ لأنه لم يكن هنالك غيره، وهو الأظهر، والله أعلم.
(الرابعة) ودلّت الآية أيضًا على أنه يجوز للإنسان أن يصف نفسه بما فيه من علم وفضل؛ قال الماورديّ: وليس هذا على الإطلاق في عموم الصفات، ولكنه مخصوص فيما اقترن بوصله، أو تعلق بظاهر من مكسب، وممنوع منه فيما سواه، لما فيه من تزكية ومراءاة، ولو ميزه الفاضل عنه لكان أليق بفضله؛ فإن يوسف دعته الضرورة إليه لما سبق من حاله، ولما يرجو من الظَّفر بأهله.
قوله تعالى: {وكذلك مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأرض يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ} أي ومثل هذا الإنعام الذي أنعمنا عليه في تقريبه إلى قلب الملك، وإنجائه من السجن مكنا له في الأرض؛ (أي) أقدرناه على ما يريد.
وقال الكِيَا الطَّبَري قوله تعالى: {وكذلك مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأرض} دليل على إجازة الحيلة في التوصّل إلى المباح، وما فيه الغبطة والصلاح، واستخراج الحقوق، ومثله قوله تعالى: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فاضرب بِّهِ وَلاَ تَحْنَثْ} [ص: 44] وحديث أبي سعيد الخُدْرِيّ في عامل خَيْبَر، والذي أدّاه من التَّمْر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما قاله.
قلت: وهذا مردود على ما يأتي.
يقال: مَكّناه ومكّنا له، قال الله تعالى: {مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأرض مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ} [الأنعام: 6].
قال الطَّبريّ: استخلف الملك الأكبر الوليد بن الريّان يوسف على عمل إطفير وعَزَله؛ قال مجاهد: وأسلم على يديه.
قال ابن عباس: ملّكه بعد سنة ونصف.
وروى مقاتل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لو أن يوسف قال إني حفيظ عليم إن شاء الله لَمُلِّك في وقته» ثم مات إطفير فزوّجه الوليد بزوجة إطفير راعيل، فدخل بها يوسف فوجدها عذراء، وولدت له ولدين: إفراثيم ومنشا، ابني يوسف، ومن زعم أنها زَلِيخَاء قال: لم يتزوّجها يوسف، وأنها لما رأته في موكبه بكت، ثم قالت: الحمد لله الذي جعل الملوك عبيدًا بالمعصية، والحمد لله الذي جعل العبيد بالطاعة ملوكًا، فضمّها إليه، فكانت من عياله حتى ماتت عنده، ولم يتزوّجها؛ ذكره الماورديّ؛ وهو خلاف ما تقدّم عن وهب، وذكره الثعلبيّ؛ فالله أعلم.
ولما فوّض الملك أمر مصر إلى يوسف تلطّف بالناس، وجعل يدعوهم إلى الإسلام حتى آمنوا به، وأقام فيهم العدل، فأحبّه الرجال والنساء، قال وهب والسُّديّ وابن عباس وغيرهم: ثم دخلت السنون المخصبة، فأمر يوسف بإصلاح المزارع، وأمرهم أن يتوسعوا في الزراعة، فلما أدركت الغَلّة أمر بها فجمعت، ثم بنى لها الأَهْرَاءَ، فجمعت فيها في تلك السنة غَلّة ضاقت عنها المخازن لكثرتها، ثم جمع عليه غلّة كل سنة كذلك، حتى إذا انقضت السبع المخصبة وجاءت السنون المجدبة نزل جبريل وقال: يا أهل مصر جوعوا؛ فإن الله سلّط عليكم الجوع سبع سنين.
وقال بعض أهل الحكمة: للجوع والقحط علامتان: إحداهما: أن النفس تحب الطعام أكثر من العادة، ويسرع إليها الجوع خلاف ما كانت عليه قبل ذلك، وتأخذ من الطعام فوق الكفاية.
والثانية: أن يفقد الطعام فلا يوجد رأسًا ويعزّ إلى الغاية، فاجتمعت هاتان العلامتان في عهد يوسف، فانتبه الرجال والنساء والصبيان ينادون الجوع الجوع ويأكلون ولا يشبعون، وانتبه الملك، ينادي الجوع الجوع قال: فدعا له يوسف فأبرأه الله من ذلك، ثم أصبح فنادى يوسف في أرض مصر كلها؛ معاشر الناس! لا يزرع أحد زرعًا فيضيع البذر ولا يطلع شيء.
وجاءت تلك السنون بهول عظيم لا يوصف؛ قال ابن عباس: لما كان ابتداء القحط بينا الملك في جوف الليل أصابه الجوع في نصف الليل، فهتف الملك يا يوسف! الجوع الجوع فقال يوسف: هذا أوان القحط؛ فلما دخلت أوّل سنة من سنيّ القحط هلك فيها كل شيء أعدّوه في السنين المخصِبة، فجعل أهل مصر يبتاعون الطعام من يوسف؛ فباعهم أوّل سنة بالنقود، حتى لم يبق بمصر دينار ولا درهم إلا قبضه؛ وباعهم في السنة الثانية بالحليّ والجواهر، حتى لم يبق في أيدي الناس منها شيء؛ وباعهم في السنة الثالثة بالمواشي والدواب، حتى احتوى عليها أجمع، وباعهم في السنة الرابعة بالعبيد والإماء، حتى احتوى على الكل؛ وباعهم في السنة الخامسة بالعقار والضيّاع، حتى ملكها كلها؛ وباعهم في السنة السادسة بأولادهم ونسائهم فاسترقهم جميعًا وباعهم في السنة السابعة برقابهم، حتى لم يبق (في السنة السابعة) بمصر حر ولا عبد إلا صار عبدًا له؛ فقال الناس: والله ما رأينا ملكًا أجلّ ولا أعظم من هذا؛ فقال يوسف لملك مصر: كيف رأيت صنع ربي فيما خَوّلني! والآن كل هذا لك، فما ترى فيه؟ فقال: فوضت إليك الأمر فافعل ما شئت، وإنما نحن لك تبع؛ وما أنا بالذي يستنكف عن عبادتك وطاعتك، ولا أنا إلا من بعض مماليكك، وخَوَل من خَوَلك؛ فقال يوسف عليه السلام: إني لم أعتقهم من الجوع لأستعبدهم، ولم أُجرهم من البلاء لأكون عليهم بلاء؛ وإني أشهد الله وأشهدك أني أعتقت أهل مصر عن آخرهم، ورددت عليهم أموالهم وأملاكهم، ورددت عليك ملكك بشرط أن تستنّ بسنّتي.
ويروى أن يوسف عليه السلام كان لا يشبع من طعام في تلك السنين، فقيل له: أتجوع وبيدك خزائن الأرض؟ فقال: إني أخاف إن شبعت أن أنسى الجائع؛ وأمر يوسف طباخ الملك أن يجعل غذاءه نصف النهار، حتى يذوق الملك طعم الجوع، فلا ينسى الجائعين؛ فمن ثَمَّ جعل الملوك غذاءهم نصف النهار.
قوله تعالى: {نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَشَاءُ} أي بإحساننا؛ والرحمة النعمة والإحسان.
{وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ المحسنين} أي ثوابهم.
وقال ابن عباس ووهب: يعني الصابرين؛ لصبره في الجبّ، وفي الرقّ، وفي السِّجن، وصبره عن محارم الله عما دعته إليه المرأة.
وقال الماورديّ: واختلف فيما أوتيه يوسف من هذه الحال على قولين: أحدهما: أنه ثواب من الله تعالى على ما ابتلاه.
الثاني: أنه أنعم الله عليه بذلك تفضلًا منه عليه، وثوابه باق على حاله في الآخرة.
قوله تعالى: {وَلأَجْرُ الآخرة خَيْرٌ} أي ما نعطيه في الآخرة خير وأكثر مما أعطيناه في الدنيا؛ لأن أجر الآخرة دائم، وأجر الدنيا ينقطع؛ وظاهر الآية العموم في كل مؤمن متّق؛ وأنشدوا:
أَمَا في رسول الله يوسف أُسْوَةٌ ** لمثلك محبوسًا على الظُّلَم والإِفْكِ

أقامَ جَميلَ الصّبر في الحبس بُرهة ** فآل به الصّبرُ الجميلُ إلى المُلْك

وكتب بعضهم إلى صديق له:
وراء مَضيقِ الخوف مُتَّسعُ الأَمْنِ ** وأوّل مفروحٍ به آخرُ الحزنِ

فلا تَيْأَسَنْ فالله مَلَّكَ يوسفَا ** خزائنَه بعد الخلاصِ من السِّجنِ

وأنشد بعضهم:
إذا الحادثاتُ بَلَغْنَ النُّهَى ** وَكادت تَذُوبُ لَهُنَّ المُهَجْ

وحَلَّ البلاءُ وقَلَّ العَزَاء ** فعند التَّنَاهِي يكونُ الفَرَجْ

والشعر في هذا المعنى كثير. اهـ.

.قال الخازن:

قوله تعالى: {وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي}
وذلك أنه لما تبين للملك عذر يوسف وعرف أمانته وعلمه طلب حضوره إليه فقال أئتوني به يعني بيوسف أستخلصه لنفسي أي أجعله خالصًا لنفسي والاستخلاص طلب خلوص الشيء من جميع شوائب الاشتراك وإنما طلب الملك أن يستخلص يوسف لنفسه، لأن عادة الملوك أن ينفردوا بالأشياء النفيسة العزيزة ولا يشاركهم فيها أحد من الناس وإنما قال الملك ذلك لما عظم اعتقاده في يوسف لما علم من غزارة علم يوسف وحسن صبره وإحسانه إلى أهل السجن وحسن أدبه وثباته على المحن كلها لهذا حسن اعتقاد الملك فيه وإذا أراد الله تعالى أمرًا هيأ أسبابه فألهم الملك ذلك فقال ائتوني به أستخلصه لنفسي: {فلما كلمه} فيه اختصار تقديره فلما جاء الرسول إلى يوسف فقال له أجب الملك الآن بلا معاودة فأجابه.
روي أن يوسف لما قام ليخرج من السجن دعا لأهله فقال اللهم عطف عليهم قلوب الأخيار ولا تعم عليهم الأخبار فهم أعلم الناس بالأخبار في كل بلد، فلما خرج من السجن كتب على بابه هذا بيت البلواء وقبر الأحياء وشماتة الأعداء وتجربة الأصدقاء ثم اغتسل وتنظف من درن السجن ولبس ثيابًا حسنة ثم قصد باب الملك.
قال وهب: فلما وقف بباب الملك قال: حسبي ربي من دنياي وحسبي ربي من خلقه عز جارك وجل ثناؤك ولا إله غيرك ثم دخل الدار فلما أبصر الملك قال: اللهم إني أسألك بخيرك من خيره وأعوذ بك من شره وشر غيره فلما نظر إليه الملك سلم يوسف عليه بالعربية فقال له الملك ما هذا اللسان؟ قال لسان عمي إسماعيل ثم دعا له بالعبرانية فقال له وما هذا اللسان أيضًا قال يوسف هذا لسان آبائي قال وهب وكان الملك يتكلم بسبعين لغة فلم يعرف هذين اللسانين وكان الملك كلما كلمه بلسان أجاباه يوسف وزاد عليه بالعربية والعبرانية فلما رأى الملك منه ذلك أعجبه ما رأى مع حداثة سن يوسف عليه السلام وكان له من العمر يومئذ ثلاثون سنة فأجلسه إلى جنبه فذلك قوله تعالى: {فلما كلمه} يعني فلما كلم الملك يوسف لأن مجالس الملوك لا يحسن لأحد أن يبدأ بالكلام فيها وإنما يبدأ فيها بالكلام وقيل معناه فلما كلم يوسف الملك قال الساقي أيها الملك هذا الذي علم تأويل الملك رؤياك مع عجز السحرة والكهنة عنها فأقبل عليه الملك و: {قال إنك اليوم لدينا مكين أمين} يقال: اتخذ فلان عند فلان مكانة أي منزلة وهي الحالة التي يتمكن بها صاحبها مما يريد، وقيل: المكانة المنزلة والجاه والمعنى قد عرفت أمانتك ومنزلتك وصدقك وبراءتك مما نسبت إليه وقوله: {مكين} أمين كلمة جامعة لكل ما يحتاج إليه من الفضائل والمناقب في أمر الدين والدنيا.
روي أن الملك قال ليوسف أحب أن أسمع تأويل رؤياي منك شفاهًا فقال: نعم أيها الملك رأيت سبع بقرات سمان شهب غر حسان غير عجاف كشف لك عنهن النيل فطلعن من شاطئه تشخب أخلافهن لبنًا فينما أنت تنظر إليهن وقد أعجبك حسنهن إذ نضب النيل فغار ماؤه وبدا يبسه فخرج من حمأته سبع بقرات عجاف شعث غبر ملصقات البطون ليس لهما ضروع ولا أخلاف ولهن أنياب وأضراس وأكف كأكف الكلام وخراطيم كخراطيم السباع فاختلطن بالسمان فاترسن السمان فافترس السبع فأكلن لحومهن ومزقن جلودهن وحطمن عظامهن ومشمسن مخهن فبينما أنت تنظر وتتعجب كيف غلبنهن وهو مهازيل ثم لم يظهر منهن سمن ولا زيادة بعد أكلهن إذ سبع سنبلات خضر طريات ناعمات ممتلئات حبًا وماء وإلى جانبهن سبع أخر سود يابسات في منبت واحد عروقهن في الثرى والماء فبينا أنت تقول في نفسك أي شيء هؤلاء خضر مثمرات وهؤلاء سود يابسات والمنبت واحد وأصولهن في الثرى والماء.