فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وعن مجاهد أنه أسلم الملكُ على يده عليه السلام، ولعل إيثارَه عليه السلام لتلك الولايةِ خاصة إنما كان للقيام بما هو أهمُّ أمورِ السلطنة إن ذاك من تدبير أمرِ السنين حسبما فُصل في التأويل لكونه من فروع تلك الولايةِ لا لمجرد عمومِ الفائدة كما قيل، وإنما لم يُذكر إجابةُ الملكِ إلى ما سأله عليه السلام من جعله على خزائن الأرضِ إيذانًا بأن ذلك أمرٌ لا مردَّ له غنيٌّ عن التصريح به لاسيما بعد تقديمِ ما يندرج تحته من أحكام السلطنةِ بحذافيرها من قوله: إنك اليوم لدينا مكين أمين للتنبه على أن كلَّ ذلك من الله عز وجل وإنما الملكُ آلة في ذلك كما قيل.
{وكذلك} أي مثلَ ذلك التمكينِ البليغ: {مَكَّنَّا لِيُوسُفَ} أي جعلنا له مكانًا: {فِى الأرض} أي أرض مصرَ. روي أنها كانت أربعين فرسخًا في أربعين وفي التعبير عن الجعل المذكورِ بالتمكين في الأرض مسندًا إلى ضميره عزّ سلطانُه من تشريفه عليه السلام والمبالغة في كمال ولايتِه، والإشارةِ إلى حصول ذلك من أول الأمرِ لا أنه حصل بعد السؤال ما لا يخفى: {يَتَبَوَّأُ مِنْهَا} ينزل من بلادها: {حَيْثُ يَشَاء} ويتخذه مباءةً وهو عبارةٌ عن كمال قدرته على التصرف فيها ودخولها تحت ملكتِه وسلطانه فكأنها منزلُه يتصرف فيها كما يتصرف الرجل في منزله. وقرأ ابن كثير بالنون. روي أن الملك توّجهُ وختمه بخاتمه وردّاه بسيفه ووضع له سريرًا من ذهب مكللًا بالدر والياقوت فقال عليه السلام: أما السريرُ فأشدُّ به مُلكك، وأما الخاتمُ فأدبّر به أمرك، وأما التاجُ فليس من لباسي ولا لباس آبائي، فقال: قد وضعتُه إجلالًا لك وإقرارًا بفضلك فجلس على السرير ودانت له الملوكُ وفوّض إليه الملكُ أمرَه وأقام العدلَ بمصر وأحبتْه الرجالُ والنساء وباع من أهل مصر في سِني القحطِ الطعامَ في السنة الأولى بالدنانير والدراهم، وفي الثانية بالحِليِّ والجواهر، وفي الثالثة بالدوابّ ثم بالضِّياع والعَقار ثم برقابهم حتى استرقّهم جميعًا فقالوا: ما رأينا كاليوم ملكًا أجلَّ وأعظمَ منه ثم أعتقهم وردّ إليهم أموالَهم وكان لا يبيع من أحد من الممتارين أكثرَ من حمل بعير تقسيطًا بين الناس: {نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا} بعطائنا في الدنيا من المُلك والغِنى وغيرهما من النعم: {مَّن نَّشَاء} بمقتضى الحكمةِ الداعية إلى المشيئة: {وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ المحسنين} بل نوفّيه بكماله، وفيه إشعارٌ بأن مدارَ المشيئةِ المذكورةِ إحسانُ مَنْ تصيبه الرحمة المرموقةُ وأنها أجرٌ له ولدفع توهم انحصارِ ثمرات الإحسانِ فيما ذكر من الأجر، قيل على سبيل التوكيد: {وَلأَجْرُ الآخرة} أي أجرهم في الآخرة فالإضافة للملابسة وهو النعيمُ المقيم الذي لا نفاد له: {خَيْرٌ} لهم أي للمحسنين المذكورين وإنما وضع موضعَه الموصولُ فقيل: {لّلَّذِينَ ءامَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ} تنبيهًا على أن المراد بالإحسان إنما هو الإيمانُ والثباتُ على التقوى المستفادُ من جمع صيغتي الماضي والمستقبل. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ}
أجعله خالصًا: {لِنَفْسِى} وخاصًا بي: {فَلَمَّا كَلَّمَهُ} في الكلام إيجاز أي فأتوا به فلما الخ، وحذف ذلك للإيذان بسرعة الإتيان فكأنه لم يكن بينه وبين الأمر بإحضاره عليه السلام والخطاب معه زمان أصلًا، ولم يكن حاضرًا مع النسوة في المجلس كما زعمه بعض وجعل المراد من هذا الأمر قربوه إلى، والضمير المستكن في: {كَلَّمَهُ} ليوسف عليه السلام والبارز للملك أي فلما كلم يوسف عليه السلام الملك أثر ما أتاه فاستنطقه ورأى حسن منطقه بما صدق الخبر الخبر، واستظهر في البحر كون الضمير الأول للملك والثاني ليوسف أي فلما كلمه الملك ورأى حسن جوابه ومحاورته: {قَالَ إِنَّكَ اليوم لَدَيْنَا مِكِينٌ} ذو مكانة ومنزلة رفيعة: {أَمِينٌ} مؤتمن على كل شيء، وقيل: آمن من كل مكروه، والوصف بالأمانة هو الأبلغ في الإكرام، و: {اليوم} ليس بمعيار للمكانة والأمانة بل هو آن التكلم، والمراد تحديد مبدئهما احترازًا عن كونهما بعد حين، وفي اختيار لدى على عند ما لا يخفى من الاعتناء بشأنه عليه السلام، وكذا في اسمية الجملة وتأكيدها.
روى أن الرسول جاءه فقال له: أجب الملك الآن بلا معاودة وألق عنك ثياب السجن واغتسل والبس ثيابًا جددًا ففعل فلما قام ليخرج دعا لأهل السجن اللهم عطف عليهم قلوب الأخيار ولا تعم عليهم الإخبار فهم أعلم الناس بالإخبار في كل بلد ثم خرج فكتب على الباب هذه منازل البلوى وقبور الأحياء وشماتة الأعداء وتجربة الأصدقاء، فلما وصف إلى باب الملك قال: حسبي ربي من دنياي وحسبي ربي من خلقه عز جارك وجل ثناؤك ولا إله غيرك، فلما دخل على الملك قال: اللهم إني أسألك بخيرك من خيره وأعوذ بك من شره وشر غيره ثم سلم عليه بالعربية فقال له الملك: ما هذا اللسان؟ فقال: لسان عمي إسماعيل، ثم دعا له بالعبرانية فقال له: وما هذا اللسان أيضًا؟ فقال: هذا لسان آبائي، وكان الملك يعرف سبعين لسانًا فكلمه بها فأجابه بجميعها فتعجب منه وقال: أيها الصديق إني أحب أن أسمع رؤياي منك فحكاها عليه السلام له طبق ما رأى لم يخرم منها حرفًا، فقال الملك: أعجب من تأويلك إياها معرفتك لها فأجلسه معه على السرير وفوض إليه أمره؛ وقيل: إنه أجلسه قبل أن يقص الرؤيا.
وأخرج ابن جرير عن ابن إسحاق قال: ذكروا أن قطفير هلك في تلك الليالي وأن الملك زوج يوسف امرأته راعيل فقال لها حين أدخلت عليه: أليس هذا خيرًا مما كنت تريدين؟ فقالت: أيها الصديق لا تلمني فإني كنت امرأة كما ترى حسناء جملاء ناعمة في ملك ودنيا وكان صاحبي لا يأتي النساء وكنت كما جعلك الله تعالى في حسنك وهيئتك فغلبتني نفسي على ما رأيت فيزعمون أنه وجدها عذراء فأصابها فولدت له رجلين أفراثيم وميشا.
أخرج الحكيم الترمذي عن وهب قال: أصابت امرأة العزيز حاجة فقيل لها: لو أتيت يوسف بن يعقوب فسألتيه فاستشارت الناس في ذلك فقالوا: لا تفعلي فإنا نخافه عليك قالت: كلا إني لا أخاف ممن يخاف الله تعالى فأدخلت عليه فرأته في ملكه فقالت: الحمد لله الذي جعل العبيد ملوكًا بطاعته ثم نظرت إلى نفسها فقالت: الحمد لله الذي جعل الملوك عبيدًا بمعصيته فقضى لها جميع حوائجها ثم تزوجها فوجدها بكرًا الخبر.
وفي رواية أنها تعرضت له في الطريق فقالت ما قالت فعرفها فتزوجها فوجدها بكرًا وكان زوجها عنينًا، وشاع عند القصاص أنها عادت شابة بكرًا إكرامًا له عليه السلام بعدما كانت ثيبًا غير شابة، وهذا مما لا أصل له، وخبر تزوجها أيضًا مما لا يعول عليه عند المحدثين؛ وعلى فرض ثبوت التزوج فظاهر خبر الحكيم أنه إنما كان بعد تعيينه عليه السلام لما عين له من أمر الخزائن، قيل: ويعرب عنه قوله تعالى: {قَالَ اجعلنى على خَزَائِنِ الأرض} أي أرض مصر، وفي معناه قول بعضهم أي أرضك التي تحت تصرفك، وقيل: أراد بالأرض الجنس وبخزائنها الطعام الذي يخرج منها، و: {على} متعلقة على ما قيل بمستول مقدر، والمعنى ولني على أمرها من الإيراد والصرف: {إِنّى حَفِيظٌ} لها ممن لا يستحقها: {عَلِيمٌ} بوجوه التصرف فيها، وقيل: بوقت الجوع، وقيل: حفيظ للحساب عليم بالألسن، وفيه دليل على جواز مدح الإنسان نفسه بالحق إذا جهل أمره، وجواز طلب الولاية إذا كان الطالب ممن يقدر على إقامة العدل وإجراء أحكام الشريعة وإن كان من يد الجائر أو الكافر، وربما يجب عليه الطلب إذا توقف على ولايته إقامة واجب مثلًا وكان متعينًا لذلك، وما في الصحيحين من حديث عبد الرحمن بن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا عبد الرحمن لا تسأل الأمارة فإنك إن أوتيتها عن مسألة وكلت إليها وإن أعطيتها من غير مسألة أعنت عليها» وارد في غير ما ذكر.
وعن مجاهد أنه أسلم الملك على يده عليه السلام، ولعل إيثاره عليه السلام لتلك الولاية خاصة إنما كان للقيام بما هو أهم أمور السلطنة إذ ذاك من تدبير أمر السنين لكونه من فروع تلك الولاية لا لمجرد عموم الفائدة كما قيل.
وجاء في رواية أن الملك لما كلمه عليه السلام وقص رؤياه وعبرها له قال: ما ترى أيها الصديق؟ قال: تزرع في سنى الخصب زرعًا كثيرًا فإنك لو زرعت فيها على حجر نبت وتبنى الخزائن وتجمع فيها الطعام بقصبه وسنبله فإنه أبقى له ويكون القصب علفًا للدواب فإذا جاءت السنون بعت ذلك فيحصل لك مال عظيم، فقال الملك: ومن لي بهذا ومن يجمعه ويبيعه لي ويكفيني العمل فيه؟ فقال: {اجعلنى على خَزَائِنِ الأرض} الخ، والظاهر أنه أجابه لذلك حين سأله، وإنما لم يذكر إجابته له عليه السلام إيذانًا بأن ذلك أمر لا رمد له غني عن التصريح به لاسيما بعد تقديم ما تندرج تحته أحكام السلطنة جميعها.
وأخرج الثعلبي عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يرحم الله تعالى أخي يوسف لو لم يقل: {اجعلنى على خَزَائِنِ الأرض} لاستعمله من ساعته ولكنه أخر ذلك سنة» ثم أنه كما روي عن ابن عباس.
وغيره توجه وختمه بخاتمه ورداه بسيفه ووضع له سريرًا من ذهب مكللًا بالدر والياقوت طوله ثلاثون ذراعًا وعرضه عشرة أذرع ووضع عليه الفرش وضرب عليه حلة من استبرق فقال عليه السلام: أما السرير فأشد به ملكك وأما الخاتم فأدبر به أمرك وأما التاج فليس من لباسي ولا لباس آبائي فقال: قد وضعته إجلالًا لك وإقرارًا بفضلك، فجلس على السرير ودانت له الملوك وفوض إليه الملك أمره وأقام العدل بمصر وأحبته الرجال والنساء، وباع من أهل مصر في سني القحط الطعام في السنة الأولى بالدراهم والدنانير حتى لم يبق منها شيء، وفي الثانية بالحلي والجواهر، وفي الثالثة بالدواب والمواشي، وفي الرابعة بالعبيد والجواري، وفي الخامسة بالضياع والعقار، وفي السادسة بالأولاد، وفي السابعة بالرقاب حتى استرقهم جميعًا وكان ذلك مما يصح في شرعهم.
فقالوا: ما رأينا كاليوم ملكًا أجل وأعظم منه.
فقال للملك: كيف رأيت صنع الله تعالى فيما خولني فما ترى في هؤلاء؟ فقال الملك: الرأي رأيك ونحن لك تبع فقال: إني أشهد الله تعالى وأشهدك إني قد أعتقتهم ورددت إليهم أملاكهم.
ولعل الحكمة في ذلك إظهار قدرته وكرمه وانقيادهم بعد ذلك لأمره حتى يخلص إيمانهم ويتبعوه فيما يأمرهم به فلا يقال: ما الفائدة في تحصيل ذلك المال العظيم ثم إضاعته؟ وكان عليه السلام في تلك المدة فيما يروى لا يشبع من الطعام فقيل له: أتجوع وخزائن الأرض بيدك؟ فقال: أخاف إن شبعت أنسي الجائع وأمر عليه السلام طباخي الملك أن يجعلوا غذاءه نصف النهار وأراد بذلك أن يذوق طعم الجوع فلا ينسى الجياع، قيل: ومن ثم جعل الملوك غذاءهم نصف النهار، وقد أشار سبحانه إلى ما آتاه من الملك العظيم بقوله جل وعلا: {وكذلك} أي مثل التمكين البديع: {مَكَّنَّا لِيُوسُفَ} أي جعلنا له مكانًا: {فِى الأرض} أي أرض مصر، روى أنها كانت أربعين فرسخًا في أربعين، وفي التعبير عن الجعل المذكور بالتمكين في الأرض مسندًا إلى ضميره تعالى من تشريفه عليه السلام والمبالغة في كمال ولايته والإشارة إلى حصول ذلك من أول الأمر لا أنه حصل بعد السؤال ما لا يخفى، واللام في: {لِيُوسُفَ} على ما زعم أبو البقاء يجوز أن تكون زائدة أي مكنا يوسف وأن لا تكون كذلك والمفعول محذوف أي مكنا له الأمور، وقد مر لك ما يتضح منه الحق: {تَّرَكْنَا مِنْهَا} ينزل من قطعها وبلادها: {حَيْثُ يَشَاء} ظرف ليتبوأ، وجوز أن يكون مفعولًا به كما في قوله تعالى: {الله أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام: 124] و: {مِنْهَا} متعلق بما عنده، وقيل: بمحذوف وقع حالًا من حيث.
وتعقب بأن: {حَيْثُ} لا يتم إلا بالمضاف إليه وتقديم الحال على المضاف إليه لا يجوز، والجملة في موضع الحال من يوسف وضمير: {يَشَاء} له، وجوز أن يكون لله تعالى ففيه التفات، ويؤيده أنه قرأ ابن كثير والحسن.
وبخلاف عنهم أبو جعفر وشيبة ونافع: {نَشَاء} بالنون فإن الضمير على ذلك لله تعالى قطعًا: {نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا} بنعمتنا وعطائنا في الدنيا من الملك والغنى وغيرهما من النعم، وقيل: المراد بالرحمة النبوة وليس بذاك: {مَّن نَّشَاء} بمقتضى الحكمة الداعية للمشيئة: {وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ المحسنين} بل نوفي لهم أجورهم في الدنيا لإحسانهم، والمراد به على ما قيل: الإيمان والثبات على التقوى فإن قوله سبحانه: {وَلَأَجْرُ الْآَخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ}
قد وضع فيه الموصول موضع ضمير: {المحسنين} [يؤسف: 56] وجمع بين صيغتي الماضي والمستقبل تنبيهًا على ذلك، والمعنى ولأجرهم في الآخرة خير، والإضافة فيه للملابسة، وجعل في تعقيب الجملة المثبتة بالجملة المنفية إشعار بأن مدار المشيئة المذكورة إحسان من تصيبه الرحمة المذكورة، وفي ذكر الجملة الثالثة المؤكدة بعد دفع توهم انحصار ثمرات الإحسان فيما ذكر من الأجر العاجل، ويفهم من ذلك أن المراد ممن نشاء من نشاء أن نصيبه بالرحمة من عبادنا الذين آمنوا واستمروا على التقوى.
وتعقب بأنه خلاف الظاهر، ولعل الظاهر حمل: {مِنْ} [يوسف: 56] على ما هو أعم مما ذكر وحينئذٍ لا يبعد أن يراد بالرحمة النعمة التي لا تكون في مقابلة شيء من الأعمال وبالأجر ما كان في مقابلة شيء من ذلك، ويبقى أمر وضع الموصول موضع الضمير على حاله كأنه قيل: نتفضل على من نشاء من عبادنا كيف كانوا وننعم عليهم بالملك والغنى وغيرهما لا في مقابلة شيء من الأعمال وبالأجر ما كان في مقابلة شيء من ذلك، ويبقى أمر وضع الموصول موضع الضمير على حاله كأنه قيل: نتفضل على من نشاء من عبادنا كيف كانوا وننعم عليهم بالملك والغنى وغيرهما لا في مقابلة شيء ونوفي أجور المؤمنين المستمرين على التقي منهم ونعطيهم في الدنيا ما نعطيهم في مقابلة إيمانهم واستمرارهم على التقوى وما نعطيهم في مقابلة ذلك في الآخرة من النعيم العظيم المقيم خير لهم مما نعطيهم في الدنيا لعظمه ودوامه.
واعترض بأن فيه إطلاق الرحمة على ما يصيب الكافر من نحو الملك والغنى مع أنه ليس برحمة كما يشعر به كثير من الآيات ويقتضيه قولهم: ليس لله تعالى نعمة على كافر.
وأجيب بأن قولهم: في: {الرحمن} أنه الذي يرحم المؤمن والكافر في الدنيا ظاهر في صحة ءطلاق الرحمة على ما يصيب الكافر من ذلك، وكذا قوله تعالى: {وَمَا أرسلناك إِلاَّ رَحْمَةً للعالمين} [الأنبياء: 107] ظاهر في صحة القول بكون الكافر مرحومًا في الجملة وأمر الإشعار سهل، وقولهم: ليس لله تعالى نعمة على كافر إنما قاله البعض بناءًا على أخذ يحمد عاقبتها في تعريفها.
وإن أبيت ولا أظن فلم لا يجوز أن يقال: إنه عبر عما ذكر بالرحمة رعاية لجانب من اندرج في عموم: {مِنْ} من المؤمنين.
نعم يرد على تفسير الرحمة هنا بالنعمة التي لا تكون في مقابلة شيء من الأعمال والأجر بما كان ما روي عن سفيان بن عيينة أنه قال: المؤمن يثاب على حسناته في الدنيا والآخرة والفاجر يعجل له الخير في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق وتلا الآية فإنه ظاهر في أن ما يصيب الكافر مما تقدم في مقابلة عمل له وأن في الآية ما يدل على ذلك وليس هو إلا {نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاء} [يوسف: 56] وقد يجاب بأنه لعله حمل: {المحسنين} [يوسف: 56] على ما يشمل الكفار الفاعلين لما يحسن كصلة الرحم ونصرة المظلوم وإطعام الفقير ونحو ذلك، فحصر الدلالة فيما ذكر ممنوع نعم إن هذا الأثر يعكر على التفسير السابق عكرًا بينًا إذ الآية عليه لا تعرض فيها للكافر أصلًا فلا معنى لتلاوتها إثر ذلك الكلام.
وعمم بعضهم الأوقات في: {نَّصِيبٍ وَلاَ نُضِيعُ} فقال نصيب في الدنيا والآخرة ولا نضيع أجر المحسنين بل نوفي أجورهم عاجلًا وآجلًا، وأيد بأنه لا موجب للتخصيص وأن خبر سفيان يدل على العموم وتعقب بأن من خص ذلك بالدنيا فإنما خصه ليكون ما بده تأسيسًا وبأنه لا دلالة للخبر على ذلك لأنه مأخوذ من مجموع الآية وفيه ما فيه.
وعن ابن عباس تفسير: {المحسنين} بالصابرين، ولعله رضي الله تعالى عنه على تقدير صحة الرواية رأى ذلك أوفق بالمقام.
وأيًا ما كان في الآية إشارة إلى أن ما أعد الله تعالى ليوسف عليه السلام من الأجر والثواب في الآخرة أفضل مما أعطاه في الدنيا من الملك. اهـ.