فصل: قال صاحب الميزان في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأصله: حصّ، فقيل: حصحص كما قيل في كبوا: {فكبكبوا} [الشعراء: 94] قاله الزجاج، وأصل الحصّ: استئصال الشيء، يقال: حصَّ شعره، إذا استأصله، ومنه قول أبي قيس بن الأسلت:
قد حَصت البيضةُ رأسي فما ** أطعمُ نوما غيرَ تهجاعِ

والمعنى: أنه انقطع الحق عن الباطل بظهوره وبيانه، ومنه:
فمن مبلغ عني خِداشا فإنه ** كَذوبٌ إذا ما حَصحَص الحق ظالِمُ

وقيل: هو مشتق من الحصة، والمعنى: بانت حصّة الباطل.
قال الخليل: معناه ظهر الحق بعد خفائه، ثم أوضحت ذلك بقولها: {أَنَاْ راودته عَن نَّفْسِهِ} ولم تقع منه المراودة لي أصلًا: {وَإِنَّهُ لَمِنَ الصادقين} فيما قاله من تبرئة نفسه، ونسبة المراودة إليها، وأرادت بالآن زمان تكلمها بهذا الكلام.
قوله: {ذلك لِيَعْلَمَ أَنّى لَمْ أَخُنْهُ بالغيب}: ذهب أكثر المفسرين إلى أن هذا من كلام يوسف عليه السلام.
قال الفراء: ولا يبعد وصل كلام إنسان بكلام إنسان آخر، إذا دلت القرينة الصارفة إلى كل منهما إلى ما يليق به، والإشارة إلى الحادثة الواقعة منه، وهي تثبته وتأنيه، أي: فعلت ذلك ليعلم العزيز أني لم أخنه في أهله بالغيب، والمعنى: بظهر الغيب، والجار والمجرور في محل نصب على الحال أي: وهو غائب عني، أو وأنا غائب عنه، قيل: إنه قال ذلك وهو في السجن بعد أن أخبره الرسول بما قالته النسوة، وما قالته امرأة العزيز.
وقيل: إنه قال ذلك وقد صار عند الملك، والأوّل أولى، وذهب الأقلون من المفسرين إلى أن هذا من كلام امرأة العزيز، والمعنى: ذلك القول الذي قلته في تنزيهه، والإقرار على نفسي بالمراودة ليعلم يوسف أني لم أخنه، فأنسب إليه ما لم يكن منه، وهو غائب عني، أو وأنا غائبة عنه، والإقرار على نفسي به.
{وَأَنَّ الله لاَ يَهْدِى كَيْدَ الخائنين} أي: لا يثبته ويسدّده، أو لا يهديهم في كيدهم حتى يوقعوه على وجه يكون له تأثير يثبت به ويدوم، وإذا كان من قول يوسف ففيه تعريض بامرأة العزيز حيث وقع منها الكيد له والخيانة لزوجها.
وتعريض بالعزيز حيث ساعدها على حبسه بعد أن علم براءته ونزاهته.
{وَمَا أُبَرّئ نَفْسِى} إن كان من كلام يوسف فهو من باب الهضم للنفس، وعدم التزكية بها مع أنه قد علم هو وغيره من الناس أنه بريء، وظهر ذلك ظهور الشمس، وأقرّت به المرأة التي ادّعت عليه الباطل، ونزهته النسوة اللاتي قطعن أيديهنّ، وإن كان من كلام امرأة العزيز فهو واقع على الحقيقة؛ لأنها قد أقرت بالذنب، واعترفت بالمراودة وبالافتراء على يوسف.
وقد قيل: إن هذا من قول العزيز وهو بعيد جدًّا، ومعناه: وما أبرئ نفسي من سوء الظن بيوسف، والمساعدة على حبسه بعد أن علمت ببراءته: {إِنَّ النفس لأَمَّارَةٌ بالسوء} أي: إن هذا الجنس من الأنفس البشرية شأنه الأمر بالسوء لميله إلى الشهوات، وتأثيرها بالطبع، وصعوبة قهرها، وكفها عن ذلك: {إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبّى} أي: إلاّ من رحم من النفوس فعصمها عن أن تكون أمارة بالسوء، أو إلاّ وقت رحمة ربي وعصمته لها، وقيل: الاستثناء منقطع، والمعنى: لكن رحمة ربي هي التي تكفها عن أن تكون أمارة بالسوء، وجملة: {إِنَّ رَبّى غَفُورٌ رَّحِيمٌ} تعليل لما قبلها، أي: إن من شأنه كثرة المغفرة لعباده والرحمة لهم.
قوله: {وَقَالَ الملك ائتونى بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِى} الملك هو الريان بن الوليد لا العزيز كما تقدّم.
ومعنى: {أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِى}: أجعله خالصًا لي دون غيري، وقد كان قبل ذلك خالصًا للعزيز، والاستخلاص: طلب خلوص الشيء من شوائب الشركة، قال ذلك لما كان يوسف نفيسًا، وعادة الملوك أن يجعلوا الأشياء النفيسة خالصة لهم دون غيرهم: {فَلَمَّا كَلَّمَهُ} في الكلام حذف، وتقديره فأتوه به، فلما كلمه، أي: فلما كلم الملك يوسف، ويحتمل أن يكون المعنى: فلما كلم يوسف الملك، قيل: والأوّل أولى؛ لأن مجالس الملوك لا يتكلم فيها ابتداء إلاّ هم دون من يدخل عليهم.
وقيل: الثاني أولى؛ لقول الملك: {قَالَ إِنَّكَ اليوم لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِينٌ} فإن هذا يفيد أنه لما تكلم يوسف في مقام الملك جاء بما حببه إلى الملك، وقربه من قلبه، فقال هذه المقالة، ومعنى: {مكين}: ذو مكانة وأمانة بحيث يتمكن مما يريده من الملك ويأمنه الملك على ما يطلع عليه من أمره، أو على ما يكله إليه من ذلك.
قيل: إنه لما وصل إلى الملك أجلسه على سريره، وقال له: إني أحبّ أن أسمع منك تعبير رؤياي، فعبرها له بأكمل بيان، وأتمّ عبارة، فلما سمع الملك منه ذلك قال له: {إِنَّكَ اليوم لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِينٌ}.
فلما سمع يوسف منه ذلك قال: {اجعلنى على خَزَائِنِ الأرض} أي: ولني أمر الأرض التي أمرها إليك وهي أرض مصر، أو اجعلني على حفظ خزائن الأرض، وهي الأمكنة التي تخزن فيها الأموال.
طلب يوسف عليه السلام منه ذلك ليتوصل به إلى نشر العدل، ورفع الظلم، ويتوسل به إلى دعاء أهل مصر إلى الإيمان بالله، وترك عبادة الأوثان.
وفيه دليل على أنه يجوز لمن وثق من نفسه إذا دخل في أمر من أمور السلطان أن يرفع منار الحق، ويهدم ما أمكنه من الباطل، وطلب ذلك لنفسه، ويجوز له أن يصف نفسه بالأوصاف التي لها، ترغيبًا فيما يرومه، وتنشيطًا لمن يخاطبه من الملوك بإلقاء مقاليد الأمور إليه، وجعلها منوطة به، ولكنه يعارض هذا الجواز ما ورد عن نبينا صلى الله عليه وسلم من النهي عن طلب الولاية والمنع من تولية من طلبها، أو حرص عليها.
والخزائن جمع خزانة، وهي اسم للمكان الذي يخزن فيه الشيء، والحفيظ: الذي يحفظ الشيء، أي: {إِنّى حَفِيظٌ} لما جعلته إليّ من حفظ الأموال لا أخرجها في غير مخارجها، ولا أصرفها في غير مصارفها: {عَلِيمٌ} بوجوده جمعها وتفريقها ومدخلها ومخرجها.
{وكذلك مَكَّنَّا لِيُوسُفَ} أي: ومثل ذلك التمكين العجيب مكنا ليوسف في الأرض أي: جعلنا له مكانًا، وهو عبارة عن كمال قدرته، ونفوذ أمره ونهيه، حتى صار الملك يصدر عن رأيه، وصار الناس يعملون على أمره ونهيه: {يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاء} أي: ينزل منها حيث أراد ويتخذه مباءة، وهو عبارة عن كمال قدرته كما تقدّم، وكأنه يتصرف في الأرض التي أمرها إلى سلطان مصر، كما يتصرف الرجل في منزله.
وقرأ ابن كثير بالنون، وقد استدلّ بهذه الآية على أنه يجوز تولي الأعمال من جهة السلطان الجائر، بل الكافر لمن وثق من نفسه بالقيام بالحق.
وقد قدمنا الكلام على هذا مستوفيًا في قوله سبحانه: {وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الذين ظَلَمُواْ} [هود: 113]: {نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاء} من العباد فنرحمه في الدنيا بالإحسان إليه، والإنعام عليه، وفي الآخرة بإدخاله الجنة وإنجائه من النار: {وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ المحسنين} في أعمالهم الحسنة التي هي مطلوب الله منهم، أي: لا نضيع ثوابهم فيها، ومجازاتهم عليها: {وَلأجْرُ الأخرة} أي: أجرهم في الآخرة، وأضيف الأجر إلى الآخرة للملابسة، وأجرهم هوالجزاء الذي يجازيهم الله به فيها، وهو الجنة التي لا ينفد نعيمها ولا تنقضي مدّتها: {خَيْرٌ لّلَّذِينَ ءامَنُواْ} بالله: {وَكَانُواْ يَتَّقُونَ} الوقوع فيما حرّمه عليهم.
والمراد بهم: المحسنون المتقدم ذكرهم، وفيه تنبيه على أن الإحسان المعتدّ به، هو الإيمان والتقوى.
وقد أخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله: {مَا بَالُ النسوة} قال: أراد يوسف العذر قبل أن يخرج من السجن.
وأخرج الفريابي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، والبيهقي في الشعب عنه قال: لما قالت امرأة العزيز: أنا راودته، قال يوسف: {ذلك لِيَعْلَمَ أَنّى لَمْ أَخُنْهُ بالغيب} فغمزه جبريل فقال: ولا حين هممت بها؟ فقال: {وَمَا أُبَرّئ نَفْسِى} الآية.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه أيضًا: {حَصْحَصَ الحق} قال: تبين.
وأخرج ابن جرير عن مجاهد، وقتادة، والضحاك، وابن زيد، والسدّي مثله.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن أبي حاتم، عن حكيم بن حزام في قوله: {ذلك لِيَعْلَمَ أَنّى لَمْ أَخُنْهُ بالغيب} فقال له جبريل: ولا حين حللت السراويل؟ فقال عند ذلك: {وما أبرئ نفسي}.
وأخرج ابن عبد الحكم في فتوح مصر من طريق الكلبي عن أبي صالح، عن ابن عباس في قوله: {وَقَالَ الملك ائتونى بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِى} قال: فأتاه الرسول فقال: ألقِ عنك ثياب السجن والبس ثيابًا جددًا وقم إلى الملك، فدعا له أهل السجن وهو يومئذٍ ابن ثلاثين سنة، فلما أتاه رأى غلامًا حدثًا، فقال: أيعلم هذا رؤياي ولا يعلمها السحرة والكهنة؟ وأقعده قدّامه وقال: لا تخف، وألبسه طوقًا من ذهب وثياب حرير، وأعطاه دابة مسروجة مزينة كدابة الملك، وضرب الطبل بمصر: إن يوسف خليفة الملك.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن ابن عباس قال: قال الملك ليوسف: إني أحبّ أن تخالطني في كل شيء إلاّ في أهلي.
وأنا آنف أن تأكل معي، فغضب يوسف، وقال: أنا أحق أن آنف، أنا ابن إبراهيم خليل الله، وأنا ابن إسحاق ذبيح الله، وأنا ابن يعقوب نبيّ الله.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن شيبة بن نعامة الضبي في قوله: {اجعلنى على خَزَائِنِ الأرض} يقول: على جميع الطعام: {إِنّى حَفِيظٌ} لما استودعتني: {عَلِيمٌ} بسني المجاعة.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله: {وكذلك مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأرض} قال: ملكناه فيها يكون فيها حيث يشاء من تلك الدنيا يصنع فيها ما يشاء.
وأخرج أبو الشيخ عن زيد بن أسلم، أن يوسف تزوج امرأة العزيز فوجدها بكرًا، وكان زوجها عنينا. اهـ.

.قال صاحب الميزان في الآيات السابقة:

{وقال الملك انى ارى سبع بقرات سمان ياكلهن سبع عجاف}
(بيان) تتضمن الآيات قصة خروجه عليه السلام من السجن ونيله عزة مصر والأسباب المؤدية إلى ذلك وفيها تحقيق الملك ثانيا في اتهامه وظهور براءته التام.
قوله تعالى: {وقال الملك انى ارى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف} إلى آخر الآية رؤيا للملك يخبر بها الملا والدليل عليه قوله: {يا ايها الملا أفتوني في رؤياي} وقوله انى ارى حكاية حال ماضية ومن المحتمل انها كانت رؤيا متكررة كما يحتمل مثله في قوله سابقا: {انى ارانى اعصر خمرا} {انى ارانى احمل} إلخ.
والسمان جمع سمينة والعجاف جمع عجفاء بمعنى المهزولة قال في المجمع ولا يجمع فعلاء على فعال غير العجفاء على عجاف والقياس في جمعه العجف بضم العين وسكون الجيم كالحمراء والخضراء والبيضاء على حمر وخضر وبيض وقال غيره ان ذلك من قبيل الاتباع والجمع القياسي عجف.
والافتاء افعال من الفتوى والفتيا قال في المجمع الفتيا الجواب عن حكم المعنى وقد يكون الجواب عن نفس المعنى فلا يكون فتيا انتهى.
وقوله تعبرون من العبر وهو بيان تأويل الرؤيا وقد يسمى تعبيرا وهو على أي حال مأخوذ من عبور النهر ونحوه كأن العابر يعبر من الرؤيا إلى ما وراءها من التأويل وهو حقيقة الأمر التي تمثلت لصاحب الرؤيا في صورة خاصة مألوفة له.
قال في الكشاف في قوله: {سبع بقرات سمان} إلخ فان قلت هل من فرق بين ايقاع سمان صفه للمميز وهو بقرات دون المميز وهو سبع وان يقال سبع بقرات سمانا؟ قلت إذا أو قعتها صفة لبقرات فقد قصدت إلى ان تميز السبع بنوع من البقرات وهى السمان منهن لا بجنسهن ولو وصفت بها السبع لقصدت إلى تمييز السبع بجنس البقرات لا بنوع منها ثم رجعت فوصفت المميز بالجنس بالسمن.
فان قلت هلا قيل سبع عجاف على الاضافة؟ قلت التمييز موضوع لبيان الجنس والعجاف وصف لا يقع البيان به وحده فان قلت فقد يقال ثلاثة فرسان وخمسة اصحاب قلت الفارس والصاحب والراكب ونحوها صفات جرت مجرى الأسماء فاخذت حكمها وجاز فيها ما لم يجز في غيرها الا تراك لا تقول عندي ثلاثة ضخام واربعة غلاظ انتهى.
وقال أيضا فان قلت هل في الآية دليل على ان السنبلات اليابسة كانت سبعا كالخضر؟ قلت الكلام مبنى على انصبابه إلى هذا العدد في البقرات السمان والعجاف والسنابل الخضر فوجب ان يتناول معنى الاخر السبع ويكون قوله واخر يابسات بمعنى وسبعا اخر فان قلت هل يجوز ان يعطف قوله واخر يابسات على سنبلات خضر فيكون مجرور المحل؟ قلت يؤدى إلى تدافع وهو ان عطفها على سنبلات خضر يقتضى ان يدخل في حكمها فيكون معها مميزا للسبع المذكورة ولفظ الاخر يقتضى ان يكون غير السبع بيانه انك تقول عندي سبعة رجال قيام وقعود بالجر فيصح لانك ميزت السبعة برجال موصوفين بقيام وقعود على ان بعضهم قيا وبعضهم قعود فلو قلت عنده سبعة رجال قيام وآخرين قعود تدافع ففسد انتهى وكلامه على اشتماله على نكتة لطيفة لا ينتج ازيد من الظن بكون السنبلات اليابسات سبعا كغيرها اما وجوب الدلالة من الكلام فلا البتة.
ومعنى الآية: وقال ملك مصر لملائه انى ارى في منامي سبع بقرات سمان يأكلهن سبع بقرات مهازيل وارى سبع سنبلات خضر وسنبلات اخر يابسات يا ايها الملا بينوا لى ما عندكم من حكم رؤياي ان كنتم للرؤيا تعبرون.
قوله تعالى: {قالوا أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الاحلام بعالمين} الاحلام جمع حلم بضمتين وقد يسكن وسطه هو ما يراه النائم في منامه وكأن الأصل في معناه ما يتصور للإنسان من داخل نفسه من غير توصله إليه بالحس ومنه تسمية العقل حلما لأنه استقامة التفكر ومنه أيضا الحلم لزمان البلوغ قال تعالى: {وإذا بلغ الاطفال منكم الحلم} النور: 59 أي زمان البلوغ بلوغ العقل ومنه الحلم بكسر الحاء بمعنى الاناءة ضد الطيش وهو ضبط النفس والطبع عن هيجان الغضب وعدم المعاجلة في العقوبة فانه انما يكون عن استقامة التفكر وذكر الراغب ان الأصل في معناه الحلم بكسر الحاء ولا يخلو من تكلف.
وقال الراغب الضغث قبضة ريحان أو حشيش أو قضبان وجمعه اضغاث قال تعالى: {وخذ بيدك ضغثا} وبه شبه الاحلام المختلفة التي لا تتبين حقائقها قالوا اضغاث احلام حزم اخلاط من الاحلام انتهى.
وتسمية الرؤيا الواحدة باضغاث الاحلام كأنه بعناية دعوى كونها صورا متفرقة مختلطة مجتمعة من رؤى مختلفة لكل واحد منها تأويل على حدة فإذا اجتمعت واختلطت عسر للمعبر الوقوف على تأويلها والإنسان كثيرا ما ينتقل في نومة واحدة من رؤيا إلى أخرى ومنهما إلى ثالثة وهكذا فإذا اختلطت ابعاضها كانت اضغاث احلام وامتنع الوقوف على حقيقتها ويدل على ما ذكرنا من العناية التعبير باضغاث احلام بتنكير المضاف والمضاف إليه معا كما لا يخفى.
على ان الآية اعني قوله: {وقال الملك انى ارى} الخ غير صريحة في كونه رؤيا واحدة وفي التوراة انه رأى البقرات السمان والعجاف في رؤيا والسنبلات الخضر واليابسات في رؤيا أخرى.
وقوله: {وما نحن بتأويل الاحلام بعالمين} ان كان الالف واللام للعهد فالمعنى وما نحن بتأويل هذه المنامات التي هي اضغاث احلام بعالمين وان كان لغير العهد والجمع المحلى باللام يفيد العموم فالمعنى وما نحن بتأويل جميع المنامات بعالمين وانما نعبر غير اضغاث الاحلام منها وعلى أي حال لا تدافع بين عدهم رؤياه اضغاث احلام وبين نفيهم العلم بتأويل الاحلام عن انفسهم ولو كان المراد بالاحلام الاحلام الصحيحة فحسب كان كل من شطرى كلامهم يغنى عن الاخر.