فصل: قال القاسمي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وجوز كونه كلامًا مبتدأ أي جملة تذييلية اعتراضية كقولك: فلان ينطق بالحق والحق أبلج كأنه قيل: وينبغي أن نمير، ووجه التأكيد الذي يقتضيه التذييل أن المعنى أن الملك محسن ونحن محتاجون ففيم التوقف في الإرسال وقد تأكد موجباه؟، وقال العلامة الطيبي: إنما صح التأكيد والتذييل لأن الكلام في الامتيار وكل من الجمل بمعناه أو المعنى: {مَا نَبْغِى} في الرأي وما نعدل عن الصواب فيما نشير به عليه من إرسال أخينا معنا، والجمل كلها للبيان أيضًا إلا أن ثم محذوفًا ينساق إليه الكلام أي بضاعتنا حاضرة نستظهر بها ونمير أهلنا ونصنع كيت وذيت وهو على ما قيل: وجه واضح حسن يلائم ما كانوا فيه مع أبيهم فتأمل هذا.
وقرأت عائشة وأبو عبد الرحمن: {وَنَمِيرُ} بضم النون، وقد جاء مار عياله وأمارهم بمعنى كما في القاموس.
{قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حتى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِّنَ الله لَتَأْتُنَّنِى بِهِ إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا ءَاتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ الله على مَا نَقُولُ وَكِيلٌ}.
{قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ} بعد أن عاينت منكم ما أجرى المدامع: {حتى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مّنَ الله} أي حتى تعطوني ما أوتوثق به من جهته، فالموثق مصدر ميمي بمعنى المفعول، وأراد عليه السلام أن يحلفوا له بالله تعالى وإنما جعل الحلف به سبحانه موثقًا منه لأنه مما تؤكد العهود به وتشدد وقد أذن الله تعالى بذلك فهو إذن منه تعالى بذلك فهوإذن منه تعالى شأنه: {لَتَأْتُنَّنِى بِهِ} جواب قسم مضمر إذ المعنى حتى تحلفوا بالله وتقولوا والله لنأتينك به.
وفي مجمع البيان نقلًا عن ابن عباس أنه عليه السلام طلب منهم أن يحلفوا بمحمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين وسيد المرسلين، والظاهر عدم صحة الخبر.
وذكر العمادي أنه عليه السلام قال لهم: قولوا بالله رب محمد صلى الله عليه وسلم لنأتينك به: {إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ} أي إلا أن تغلبوا فلا تطيقوا ذلك أو إلا أن تهلكوا جميعًا وكلاهما مروي عن مجاهد، وأصله من إحاطة العدو واستعماله في الهلاك لأن من أحاط به العدو فقد هلك غالبًا، والاستثناء قيل مفرغ من أعم الأحوال والتقدير لتأتنني به على كل حال إلا حال الإحاطة بكم.
ورد بأن المصدر من: {إن} والفعل لا يقع موقع الحال كالمصدر الصريح فيجوز جئتك ركضًا أي راضًا دون جئتك أن تركض وإن كان في تأويله لما أن الحال عندهم نكرة و: {إن} مع ما في حيزها معرفة في رتبة الضمير.
وأجيب بأنه ليس المراد بالحال الحال المصطلح عليها بل الحال اللغوية، ويؤل ذلك إلى نصب المصدر المؤول على الظرفية وفيه نظر.
وفي البحر أنه لو قدر كون: {إن} والفعل في موقع المصدر الواقع ظرف زمان أي لتأتنني به في كل وقت إلا إحاطة بكم أي إلا وقت إحاطة بكم لم يجز عند ابن الأنباري لأنه يمنع وقوع المصدر المؤول ظرفًا ويشترط المصدر الصريح فيجوز خرجنا صياح الديك دون خرجنا أن يصيح الديك أو ما يصيح الديك، وجاز عند ابن جني المجوز لذاك كما في قول أبي ذؤيب الهذلي:
وتالله ما إن شهلة أم واحد ** بأوجد مني أن يهان صغيرها

وقيل: من أعم العلل على تأويل الكلام بالنفي الذي ينساق إليه أي لتأتنني ولا تمتنعن من الإتيان به إلا للإحاطة بكم كقولهم: أقسمت عليك إلا فعلت أي ما أطلب إلا فعلك، والظاهر اعتبار التأويل على الوجه الأول أيضًا فإن الاستثناء فيه مفرغ كما علمت، وهو لا يكون في الإثبات إلا إذا صح وظهر إرادة العموم فيه نحو قرأت إلا يوم الجمعة لإمكان القراءة في كل يوم غير الجمعة وهنا غير صحيح لأن لا يمكن لإخوة يوسف عليه السلام أن يأتوا بأخيهم في كل وقت وعلى كل حال سوى وقت الإحاطة بهم لظهور أنهم لا يأتون به له وهو في الطريق أو في مصر اللهم إلا أن يقال: إنه من ذلك القبيل وأن العموم والاستغراق فيه عرفي أي في كل حال يتصور الإتيان فيها، وتعقب المولى أبو السعود تجويز الأول بلا تأويل بقوله: وأنت تدري أنه حيث لم يكن الإتيان من الأفعال الممتدة الشاملة للأحوال على سبيل المعية كما في قولك: لألزمنك إلا أن تقضيني حقي ولم يكن مراده عليه السلام مقارنته على سبيل البدل لما عدا الحال المستثناة كما إذا قلت: صل إلا أن تكون محدثًا بل مجرد تحققه ووقوعه من غير إخلال به كما في قولك: لأحجن العام إلا أن أحصر فإن مرادك إنما هو الإخبار بعدم منع ما سوى حال الإحصار عن الحج لا الإخبار بمقارنته لتلك الأحوال على سبيل البدل كما هو مرادك في مثال الصلاة كان اعتبار الأحوال معه من حيث عدم منعها منه، فآل المعنى إلى التويل المذكور اه.
وبحث فيه واحد من الفضلاء بثلاثة أوجه:
الأول: أنه لو كان المراد من قوله: {لَتَأْتُنَّنِى بِهِ} الإخبار بمجرد تحقق الإتيان ووقوعه من غير إخلال به لم يحتج إلى التأويل المذكور أعني التأويل بالنفي كما لا يخفى على المتأمل فكلامه يفيد خلاف مراده.
الثاني: أنا سلمنا أن ليس مراد القائل من قوله: لأحجن الخ الإخبار بمقارنة الحج لما عدا حال الإحصار على سبيل البدل لكن لا نسلم أن ليس مراده منه إلا الإخبار بعدم منع ما سوى حال الإحصار عنه غايته أن بينهما ملازمة وذاك لا يستلزم الاحتياج إلى التأويل بالنفي.
الثالث: أنه إن أراد من قوله: كان اعتبار الأحوال الخ أن الإتيان به لم يكن معه اعتبار الأحوال كما هو الظاهر فممنوع، وإن أراد أن اعتبار الأحوال معه يستلزم حيثية عدم منعها منه فمسلم لكن لا يلزم منه الاحتياج إلى التأويل المذكور أيضًا وليس المدعي إلا ذاك اه وهو كما ترى فتبصر، ثم إنهم أجابوه عليه السلام إلى ما أراد: {فَلَمَّا ءاتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ} عهدهم من الله تعالى حسبما أراد عليه السلام: {قَالَ} عرضًا لثقته بالله تعالى وحثًا لهم على مراعاة حلفهم به عز وجل: {الله على مَا نَقُولُ} في أثناء طلب الموثق وإيتائه من الجانبين، وإيثار صيغة الاستقبال لاستحضار الصورة المؤدى إلى تثبتهم ومحافظتهم على تذكره ومراقبته: {وَكِيلٌ} أي مطلع رقيب، فإن الموكل بالأمر يراقبه ويحفظه، قيل: والمراد أنه سبحانه مجاز على ذلك. اهـ.

.قال القاسمي:

{وَلَمَّا فَتَحُواْ مَتَاعَهُمْ وَجَدُواْ بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ} أي: وجدوا دراهمهم، ثمن طعامهم في متاعهم.
روي أن أحدهم فتح متاعه ليأخذ علفًا لدابته، فرأى فضته في فم متاعه، فقال لإخوته: قد ردت دراهمي وها هي في متاعي، ثم لما وصلوا كنعان، وأخذوا يفرغون أوعيتهم، وجد كل واحد منهم صرة دراهمه في وعائه، فاستطارت قلوبهم، ودهشوا، وحمدوا عناية الله بهم.
{قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي} أي: ماذا نبتغي وراء ذلك؟ هل من زيادة؟ أي: لا مزيد على ما فعل؛ لأنه أكرمنا، وأحسن مثوانا، بإنزالنا عنده، ورد الثمن علينا. والقصد إلى استنزاله عن رأيه. أو: لا نبغي في القول ولا نكذب فيما حكينا لك، من إحسانه الداعي إلى امتثال أمره. أو: ما نبغي وما ننطق إلا بالصواب فيما نشير به عليك من تجهيزنا مع أخينا، وقرئ على الخطاب. أي: أي: شيء تطلب وراء هذا من الدليل على صدقنا؟.
{هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا} جملة مستأنفة موضحة لما دل عليه الإنكار من بلوغ اللطف غايته، كأنهم قالوا: كيف لا، وهذه بضعتنا ردت إلينا تفضلًا من حيث لا ندري؟.
{وَنَمِيرُ أَهْلَنَا} معطوف على مقدر مفهوم. أي: فنستظهر بها، ونمير أهلنا إذا رجعنا إلى الملك، أي: نأتيهم بميرة، أي: بطعام. يقال: (ماره) أتاه بطعام، ومنه: (ما عنده خير ولا مير).
{وَنَحْفَظُ أَخَانَا} أي: فلا يصيبه شيء مما تخافه: {وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ} أي: باستصحابه: {ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ} أي: سهل على هذا الملك المحسن لسخائه، فلا يضايقنا فيه. أو المعنى قصير المدة، ليس سبيل مثله أن تطول مدته بسبب الحبس والتأخير. أو المعنى: ذلك الذي يكال لنا دون أخينا شيء يسير قليل، فابعث أخانا معنا حتى نتسع ونتكثر بمكيله... وقال ابن كثير: هذا من تمام الكلام وتحسينه. أي: إن هذا يسير في مقابلة أخذ أخيهم لا يعدل هذا، فلا يكون من كلامهم، والجملة محتملة للكل.
{قَالَ} أي: لهم أبوهم: {لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ} أي: بهذه المقالة: {حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِّنَ اللّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ} أي: عهدًا منه، ويمينًا به، لتردنّه عليَّ: {إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ} أي: تغلبوا كلكم، فلا تقدرون على تخليصه. وأصله من: (أحاط به العدو) سد عليه مسالك النجاة ودنا هلاكه.
{فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ} أي: شهيد رقيب. والقصد حثهم على ميثاقهم بتخويفهم من نقضه بمجازاته تعالى.
قال ابن إسحاق: وإنما فعل ذلك؛ لأنه لم يجد بدًا من بعثهم لأجل الميرة التي لا غنى بهم عنها.
لطيفة:
قال الناصر: ولقد صدقت هذه القصة المثل السائر، وهو قولهم: (البلاء موكل بالمنطق) فإن يعقوب عليه السلام قال أولًا في حق يوسف: {وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْب} [يوسف: من الآية 13]، فابتلي من ناحية هذا القول. وقال هاهنا ثانيًا: {إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ} أي: تغلبوا عليه. فابتلي أيضًا بذلك، وأحيط بهم وغلبوا عليه. انتهى. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ}
أصل المتاع ما يتمتع به من العروض والثياب.
وتقدم عند قوله تعالى: {لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم} في سورة النساء (102).
وأطلق هنا على إعدال المتاع وإحماله من تسمية الشيء باسم الحالّ فيه.
وجملة {قالوا يا أبانا} مستأنفة استئنافًا بيانيًا لترقب السامع أن يعلم ماذا صدر منهم حين فجأهم وجدان بضاعتهم في ضمن متاعهم لأنه مفاجأة غريبة، ولهذه النكتة لم يعطف بالفاء.
و{ما} في قوله: {ما نبغي} يجوز أن يكون للاستفهام الإنكاري بتنزيل المخاطب منزلة من يتطلب منهم تحصيل بغية فينكرون أن تكون لهم بغية أخرى، أي ماذا نطلب بعد هذا.
ويجوز كون: {ما} نافية، والمعنى واحد لأن الاستفهام الإنكاري في معنى النفي.
وجملة: {هذه بضاعتنا ردت إلينا} مبينة لجملة: {ما نبغي} على الاحتمالين.
وإنما علموا أنها رُدّت إليهم بقرينة وَضْعها في العِدل بعد وضع الطعام وهم قد كانوا دفعوها إلى الكيالين، أو بقرينة ما شاهدوا في يوسف عليه السلام من العطف عليهم، والوعد بالخير إن هم أتوا بأخيهم إذ قال لهم: {ألا ترون أني أوفي الكيل وأنا خير المنزلين} [سورة يوسف: 59].
وجملة {ونمير أهلنا} معطوفة على جملة: {هذه بضاعتنا ردت إلينا}، لأنها في قوة هذا ثمن ما نحتاجه من الميرة صَار إلينا ونمير به أهلنا، أي نأتيهم بالميرة.
والميرة بكسر الميم بعدها ياء ساكنة: هي الطعام المجلوب.
وجملة: {ونحفظ أخانا} معطوفة على جملة: {ونمير أهلنا}، لأن المير يقتضي ارتحالًا للجلب، وكانوا سألوا أباهم أن يكون أخوهم رفيقًا لهم في الارتحال الذكور، فكانت المناسب بين جملة: {ونمير أهلنا} وجملة: {ونحفظ أخانا} بهذا الاعتبار، فذكروا ذلك تطمينًا لخاطر فيهم.
وجملة: {ونزداد كيل بعير} زيادةٌ في إظهار حرصهم على سلامة أخيهم لأن في سلامته فائدة لهم بازدياد كيل بعير، لأن يوسف عليه السلام لا يعطي الممتارَ أكثر من حمل بعير من الطعام، فإذا كان أخوهم معهم أعطاه حِمل بعير في عداد الإخوة.
وبه تظهر المناسبة بين هذه الجملة والتي قبلها.
وهذه الجمل مرتبة ترتيبًا بديعًا لأن بعضها متولد عن بعض.
والإشارة في: {ذلك كيل يسير} إلى الطعام الذي في متاعهم.
وإطلاق الكيل عليه من إطلاق المصدر على المفعول بقرينة الإشارة.
قيل: إن يعقوب عليه السلام قال لهم: لعلهم نسوا البضاعة فإذا قدمتم عليهم فأخبروهم بأنكم وجدتموها في رحالكم.
{قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ}
اشتهر الإيتاء والإعطاء وما يراد بهما في إنشاء الحلف ليطمئن بصدق الحالف غيره وهو المحلوف له.
وفي حديث الحشر «فيعطي الله من عُهود ومواثيق أن لا يسأله غيره» كما أطلق فعل الأخذ على تلقي المحلوف له للحلف، قال تعالى: {وأخذنا منكم ميثاقًا غليظًا} [سورة النساء: 21] و: {قد أخذ عليكم موثقًا من الله} [سورة يوسف: 80].
ولعل سبب إطلاق فعل الإعطاء أن الحالف كان في العصور القديمة يعطي المحلوف له شيئًا تذكرة لليمين مثل سوطه أو خاتمه، أو أنهم كانوا يضعون عند صاحب الحق ضمانًا يكون رهينة عنده.
وكانت الحمالة طريقة للتوثق فشبه اليمين بالحمالة.
وأثبت له الإعطاء والأخذ على طريقة المكنيّة، وقد اشتهر ضد ذلك في إبطال التوثق يقال: رَدّ عليه حِلفه.
والمَوثْق: أصله مصدر ميمي للتوثّق، أطلق هنا على المفعول وهو ما به التوثق، يعني اليمين.
و{من الله} صفة ل: {موثقًا}، و: {من} للابتداء، أي موثقًا صادرًا من الله تعالى.
ومعنى ذلك أن يجعلوا الله شاهدًا عليهم فيما وَعدوا به بأن يحلفوا بالله فتصير شهادة الله عليهم كتوثق صادر من الله تعالى بهذا الاعتبار.
وذلك أن يقولوا: لك ميثاق الله أو عهد الله أو نحو ذلك، وبهذا يضاف الميثاق والعهد إلى اسم الجلالة كأنّ الحالف استودع الله ما به التوثق للمحلوف له.
وجملة: {لتأتنني به} جواب لقسم محذوف دلّ عليه: {موثقًا}.
وهو حكاية لقول يقوله أبناؤه المطلوب منهم إيقاعه حكاية بالمعنى على طريقة حكاية الأقوال لأنهم لو نطقوا بالقسم لقالوا: لنأتينك به، فلما حكاه هو ركب الحكاية بالجملة التي هي كلامهم وبالضمائر المناسبة لكلامه بخطابه إياهم.
ومن هذا النوع قوله تعالى حكاية عن عيسى عليه السلام: {ما قلت لهم إلاّ ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم} [سورة المائدة: 117]، وإن ما أمره الله: قل لهم أن يعبدوا ربك وربهم.
ومعنى: {يحاط بكم} يُحيط بكم مُحيط والإحاطة: الأخذُ بأسْر أو هلاك مما هو خارج عن قدرتهم، وأصله إحاطة الجيش في الحرب، فاستعمل مجازًا في الحالة التي لا يستطاع التغلب عليها، وقد تقدم عند قوله تعالى: {وظنوا أنهم أحيط بهم} [سورة يونس: 22].
والاستثناء في {إلا أن يحاط بكم} استثناء من عموم أحوال، فالمصدر المنسبك من: {أن} مع الفعل في موضع الحال، وهو كالإخبار بالمَصدر فتأويله: إلاّ محاطًا بكم.
وقوله: {الله على ما نقول وكيل} تذكير لهم بأن الله رقيب على ما وقع بينهم.
وهذا توكيد للحَلِف.
والوَكيل: فعيل بمعنى مفعول، أي موكول إليه، وتقدم في: {وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل} في سورة آل عمران (173). اهـ.

.قال الشعراوي:

{وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ}
وهكذا اكتشفوا أن بضائعهم التي حملوها معم في رحلتهم إلى مصر ليقايضوا بها ويدفعوها ثمنًا لِمَا أرادوا الحصول عليه من طعام ومَيْرة قد رُدَّتْ إليهم؛ وأعلنوا لأبيهم أنهم لا يرغبون أكثر من ذلك؛ فهم قد حصلوا على المَيْرة التي يتغذَّوْنَ بها هم وأهاليهم.
ولابد أن يصحبوا أخاهم في المرة القادمة، ولسوف يحفظونه، ولسوف يعودون ومعهم كيْل زائد فوق بعير، وهذا أمر هَيِّن على عزيز مصر.
ولكن والدهم يعقوب عليه السلام قال ما أورده الحق سبحانه هنا: {قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ...}.
ونلحظ هنا رِقَّة قلب يعقوب وقُرْب موافقته على إرسال ابنه بنيامين معهم إلى مصر، هذه الرِّقَّة التي بَدَتْ من قبل في قوله: {فالله خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الراحمين} [يوسف: 64].
وطلب منهم أن يحلفوا بيمين مُوثقة أن يعودوا من رحلتهم إلى مصر، ومعهم أخوهم بنيامين إذا ما ذهب معهم؛ ما لم يُحِطْ بهم أمر خارج عن الإرادة البشرية، كأن يحاصرهم أعداء يُضيِّعونهم ويُضيِّعون بنيامين معهم؛ وهذا من احتياط النبوة؛ لذلك قال: {إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ...} [يوسف: 66].
وأقسم أبناء يعقوب على ذلك، وأعطَوْا أباهم اليمين والعهد على رَدِّ بنيامين، وليكون الله شهيدًا عليهم.
قال يعقوب: {الله على مَا نَقُولُ وَكِيلٌ} [يوسف: 66].
أي: أنه سبحانه مُطلع ورقيب، فإن خُنْتم فسبحانه المنتقم. اهـ.