فصل: قال الشعراوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الشعراوي:

{وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ}
وقد قال يعقوب عليه السلام ذلك الكلام في المرة الثانية لذهابهم إلى مصر، بعد أن عَلِم بحُسْن استقبال يوسف لهم، وأن بضاعتهم رُدَّتْ إليهم، وعلم بذلك أنهم صاروا أصحاب حَظْوة عند عزيز مصر.
وساعةَ ترى إنسانًا له شأن؛ فترقب أن يُعادى، لذلك توجَّس يعقوب خِيفة أن يُدبِّر لهم أحد مكيدة؛ لأنهم أغراب.
ومن هنا أمرهم أن يدخلوا مصر من أبواب متفرقة، وكانت المدن قديمًا لها أبواب؛ تُفتح وتقفل في مواعيد محددة، وحين يدخلون فُرادى فلن ينتبه أحد أنهم جماعة.
وقد خاف يعقوب على أبنائه من الحسد، ونعلم أن الحسد موجود.
وقد علَّمنا سبحانه أن نستعيد به سبحانه من الحسد؛ لأنه سبحانه قد عَلِم أزلًا أن الحسد أمر فوق طاقة دَفْع البشر له، وهو القائل: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفلق مِن شَرِّ مَا خَلَقَ وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ وَمِن شَرِّ النفاثات فِي العقد وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} [الفلق: 1-5].
وفي أمر الحسد أنت لا تستطيع أن تستعيذ بواحد مُسَاوٍ لك؛ لأن الحسد يأتي من مجهول غير مُدْرَك، فالشعاع الخارج من العين قد يتأجج بالحقد على كل ذي نعمة، وإذا كان عصرنا، وهو عصر الارتقاءات المادية قد توصَّل إلى استخدام الإشعاع في تفتيت الأشياء.
إذن: فمن الممكن أن يكون الحسدُ مثل تلك الإشعاعات؛ والتي قد يجعلها الله في عيون بعض خلقه، وتكون النظرة مثل السهم النافذ، أو الرصاصة الفتاكة.
والحق سبحانه هو القائل: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ} [المدثر: 31].
وإنْ قال قائل: ولماذا يُعطي الحق سبحانه بعضًا من خلقه تلك الخواص؟
أقول: إنه سبحانه يعطي من الإمكانات لبعض من خلقه، فيستخدمونها في غير موضعها، وكلُّ إنسان بشكل ما عنده إمكانية النظرة، ولكن الحقد هو الذي يولد الشرارة المُؤْذية، ويمكنك أن تنظر دون حسد إنْ قُلْتَ: ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله، اللهم بارك.
بذلك لا تتحقق الإثارة اللازمة لتأجُّج الشرارة المؤذية، ويمكنك أن تستعيذ بالله خالق البشر وخالق الأسرار، وتقرأ قول الحق سبحانه: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفلق مِن شَرِّ مَا خَلَقَ وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ وَمِن شَرِّ النفاثات فِي العقد وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} [الفلق: 1-5].
وأن تقول كلمات رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كان يُعوِّذ الحسن والحسين رضي الله عنهما، ويقول: «أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامَّة».
وقال صلى الله عليه وسلم: «كان أبوكما إبراهيم يُعوِّذ بها إسماعيل وإسحاق عليهم السلام».
كما أنه صلى الله عليه وسلم: «كان إذا حَزَبَهُ أمر قام وصلى»، لأن معنى حَزْب أمر للرسول صلى الله عليه وسلم، أو لواحد من اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم أن هذا الأمر يخرج عن قدرة البشر.
وهنا على الإنسان أن يأوي إلى المُسبِّب، فهو الركن الشديد، بعد أن أخذتَ أنت بالأسباب الممدودة لك من يد الله، وبذلك يكون ذهابك إلى الحق هو ذهاب المُضطر؛ لا ذهاب الكسول عن الأخذ بالأسباب.
والحق سبحانه يقول: {أَمَّن يُجِيبُ المضطر إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السوء} [النمل: 62].
والمضطر هو من استنفد كل أسبابه، ولم يَدْعُ ربه إلا بعد أن أخذ بكل الأسباب الممدودة، فلا تطلب من ذات الله قبل أن تأخذ ما قدمه لك بيده سبحانه من أسباب.
وهنا في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها؛ نجد يعقوب عليه السلام وقد أوصى أبناءه ألاَّ يدخلوا مصر من باب واحد؛ بل من أبواب متفرقة خشية الحسد، وتنبهت قضية الإيمان بما يقتضيه من تسلم لمشيئة الله، فقال: {وَمَا أُغْنِي عَنكُمْ مِّنَ الله مِن شَيْءٍ..} [يوسف: 67].
أي: لست أُغْني عنكم بحذري هذا من قدر الله، فهو مجرد حرص، أما النفع من ذلك الحرص والتدبير فهو من أمر الله، ولذلك قال: {إِنِ الحكم إِلاَّ للَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المتوكلون} [يوسف: 67].
فكل الخَلْق أمرهم راجع إلى الله، وعليه يعتمد يعقوب، وعليه يعتمد كل مؤمن.
ونفَّذَ أبناءُ يعقوب ما أمرهم به أبوهم، يقول سبحانه: {وَلَمَّا دَخَلُواْ...}.
أي: ما كان دخولهم من حيث أمرهم أبوهم يردُّ عنهم أمرًا أراده سبحانه، فلا شيء يردُّ قضاء الله، ولعل أباهم قد أراد أنْ يردَّ عنهم حسد الحاسدين، أو: أن يُدسَّ لهم أو يتشككوا فيهم، ولكن أي شيء لن يمنع قضاء الله.
ولذلك قال سبحانه: {إِلاَّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا...} [يوسف: 68] ويعقوب يعلم أن أيَّ شيء لن يردَّ قدر الله، وسبحانه لم يُعْطِ الاحتياطات الولائية ليمنع الناس بها قدرَ الله.
ويقول سبحانه هنا عن يعقوب: {وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ...} [يوسف: 68].
أي: أنه يعرف موقع المُسبِّب وموقع الأسباب، ويعلم أن الأخذ بالأسباب لا ينافي التوكل على الله؛ لأنه سبحانه قد خلق الأسباب رحمةً بعباده: {ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ} [يوسف: 68].
أي: يعزلون الأسباب عن المُسبِّب، وهذا ما يُتعِب الدنيا. اهـ.

.قال أبو حيان في الآيات:

{وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ}
البعير في الأشهر الجمل مقابل الناقة، وقد يطلق على الناقة، كما يطلق على الجمل فيقول: على هذا نعم البعير، الجمل لعمومه، ويمتنع على الأشهر لترادفه.
وفي لغة تكسر باؤه، ويجمع في القلة على أبعرة، وفي الكثرة على بعران.
{ولما فتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم ردت إليهم قالوا يا أبانا ما نبغي هذه بضاعتنا ردت إلينا ونمير أهلنا ونحفظ أخانا ونزداد كيل بعير ذلك كيل يسير قال لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقا من الله لتأتنني به إلا أن يحاط بكم فلما آتوه موثقهم قال الله على ما نقول وكيل وقال يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة وما أغني عنكم من الله من شيء إن الحكم إلا لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم ما كان يغني عنهم من الله من شيء إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها وإنه لذو علم لما علمناه ولكن أكثر الناس لا يعلمون}
قرأ علقمة، ويحيى بن وثاب، والأعمش، {ردت} بكسر الراء، نقل حركة الدال المدغمة إلى الراء بعد توهم خلوها من الضمة، وهي لغة لبني ضبة، كما نقلت العرب في قيل وبيع.
وحكى قطرب: النقل في الحرف الصحيح غير المدغم نحو: ضرب زيد، سموا المشدود المربوط بجملته متاعًا، فلذلك حسن الفتح فيه وما نبغي، ما فيه استفهامية أي: أي شيء نبغي ونطلب من الكرامة هذه أموالنا ردت إلينا قاله قتادة.
وكانوا قالوا لأبيهم: قدمنا على خير رجل أنزلنا وأكرمنا كرامة، لو كان رجلًا من آل يعقوب ما أكرمنا كرامته.
وقال الزجاج: يحتمل أن تكون ما نافية أي: ما بقي لنا ما نطلب.
ويحتمل أيضًا أن تكون نافية من البغي أي: ما افترينا فكذبنا على هذا الملك، ولا في وصف إجماله وإكرامه هذه البضاعة مردودة، وهذا معنى قول الزمخشري ما نبغي في القول ما تتزيد فيما وصفنا لك من إحسان الملك والكرامة.
وقيل: معناه ما نريد منك بضاعة أخرى.
وقرأ عبد الله وأبو حيوة: {ما تبغي} بالتاء على خطاب يعقوب، وروتها عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويحتمل ما في هذه القراءة الاستفهام والنفي كقراءة النون.
وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي: {ونميز} بضم النون، والجملة من قولهم هذه بضاعتنا ردت إلينا موضحة لقولهم: ما نبغي، والجمل بعدها معطوفة عليها على تقدير: فنستظهر بها ونستعين بها ونمير أهلنا في رجوعنا إلى الملك، ونحفظ أخانا فلا يصيبه شيء مما تخافه.
وإذا كان ما نبغي ما نتزيد وما نكذب، جاز أن يكون ونمير معطوفًا على ما نبغي أي: لا نبغي فيما نقول، ونمير أهلنا ونفعل كيت وكيت.
وجاز أن يكون كلامًا مبتدأ، وكرروا حفظ الأخ مبالغة في الحض على إرساله، ونزداد باستصحاب أخينا وسق بعير على أوساق بعيرنا، لأنه إنما كان حمل لهم عشرة أبعرة، ولم يحمل الحادي عشر لغيبة صاحبه.
والظاهر أنّ البعير هو من الإبل.
وقال مجاهد: كيل حمار، قال: وبعض العرب تقول للحمار: بعير، وهذا شاذ.
والظاهر أنّ قوله: ذلك كيل يسير، من كلامهم لا من كلام يعقوب، والإشارة بذلك الظاهر أنها إلى كيل بعير أي: يسير، بمعنى قليل، يجيبنا إليه الملك ولا يضايقنا فيه، أو يسير بمعنى سهل متيسر لا يتعاظمه.
وقيل: يسير عليه أن يعطيه.
وقال الحسن: وقد كان يوسف عليه السلام وعدهم أن يزيدهم حمل بعير بغير ثمن.
قال الزمخشري: أي ذلك مكيل قليل لا يكفينا يعني: ما يكال لهم، فازدادوا إليه ما يكال لأخيه.
ويجوز أن يكون من كلام يعقوب أي: حمل بعير واحد شيء يسير لا يخاطر لمثله بالولد، كقوله: ذلك ليعلم انتهى.
ويعني أن ظاهر الكلام أنه من كلامهم، وهو من كلام يعقوب، كما أن قوله: ذلك ليعلم، ظاهره أنه من كلام امرأة العزيز، وهو من كلام يوسف.
وهذا كله تحميل للفظ القرآن ما يبعد تحميله، وفيه مخالفة الظاهر لغير دليل.
ولما كان يعقوب غير مختار لإرسال ابنه، وألحوا عليه في ذلك، علق إرساله بأخذ الموثق عليهم وهو الحلف بالله، إذ به تؤكد العهود وتشدد، ولتأتنني به جواب للحلف، لأن معنى حتى تؤتون موثقًا: حتى تحلفوا لي لتأتنني به.
وقوله: إلا أن يحاط بكم، لفظ عام لجميع وجوه الغلبة، والمعنى: تعمكم الغلبة من جميع الجهات حتى لا يكون لكم حيلة ولا وجه تخلص.
وقال مجاهد: إلا أن تهلكوا.
وعنه أيضًا: إلا أن لا تطيقوا ذلك.
وهذا الاستثناء من المفعول من أجله مراعى في قوله: لتأتنني، وإن كان مثبتًا معنى النفي، لأن المعنى: لا تمتنعون من الإتيان به لشيء من الأشياء إلا لأن يحاط بكم.
ومثاله من المثبت في اللفظ ومعناه النفي قولهم: أنشدك الله إلا فعلت أي: ما أنشدك إلا الفعل.
ولا يجوز أن يكون مستثنى من الأحوال مقدرًا بالمصدر الواقع حالًا، وإن كان صريح المصدر قد يقع حالًا، فيكون التقدير: لتأتنني به على كل حال إلا إحاط بكم أي: محاطًا بكم، لأنهم نصوا على أنّ أنْ الناصبة للفعل لا تقع حالًا وإن كانت مقدرة بالمصدر الذي قد يقع بنفسه حالًا.
فإن جعلت أنْ والفعل واقعة موقع المصدر الواقع ظرف زمان، ويكون التقدير: لتأتنني به في كل وقت إلا إحاطة بكم أي: إلا وقت إحاطة بكم.
قلت: منع ذلك ابن الأنباري فقال: ما معناه: يجوز خروجنا صياح الديك أي: وقت صياح الديك، ولا يجوز خروجنا أن يصيح الديك، ولا ما يصيح الديك.
وإن كانت أنْ وما مصدريتين، وإنما يقع ظرفا المصدر المصرح بلفظه.
وأجاز ابن جني أن تقع أنْ ظرفًا، كما يقع صريح المصدر، فأجاز في قول تأبط شرًا:
وقالوا لها لا تنكحيه فإنه ** لأول فصل أن يلاقي مجمعا

وقول أبي ذؤيب الهذلي:
وتالله ما أن شهلة أم واحد ** بأوجد مني أن يهان صغيرها

أنْ يكون أنْ يلاقي تقديره: وقت لقائه الجمع، وأن يكون أنْ يهان تقديره: وقت إهانة صغيرها.
فعلى ما أجازه ابن جني يجوز أن تخرج الآية ويبقى لتأتنني به على ظاهره من الإثبات، ولا يقدر فيه معنى النفي.
وفي الكلام حذف تقديره: فأجابوه إلى ما طلبه، فلما آتوه موثقهم قال يعقوب: الله على ما نقول من طلب الموثق وإعطائه وكيل رقيب مطلع.
ونهيه إياهم أن يدخلوا من باب واحد هو خشية العين، وكانوا أحد عشر لرجل واحد أهل جمال وبسطة قاله: ابن عباس، والضحاك، وقتادة، وغيرهم، والعين حق.
وفي الحديث: «إن العين لتدخل الرجل القبر والجمل القدر وفي التعوذ ومن كل عين لامة» وخطب الزمخشري فقال: لأنهم كانوا ذوي بهاء وشارة حسنة، وقد أشهرهم أهل مصر بالقربة عند الملك والكرامة الخاصة التي لم تكن لغيرهم، فكانوا مظنة لطموح الأبصار إليهم من الوفود، وأن يشار إليهم بالأصابع، ويقال: هؤلاء أضياف الملك انظروا إليهم ما أحسنهم من فتيان، وما أحقهم بالإكرام، لأمر ما أكرمهم الملك وقربهم وفضلهم على الوافدين عليه.
فخاف لذلك أن يدخلوا كوكبة واحدة فيعانوا لجمالهم وجلالة أمرهم في الصدور، ويصيبهم ما يسوءهم، ولذلك لم يوصهم بالتفرق في المرة الأولى، لأنهم كانوا مجهولين معمورين بين الناس انتهى.
ويظهر أنّ خوفه عليهم من العين في هذه الكرة بحسب أنّ محبوبه فيهم وهو بنيامين الذي كان يتسلى به عن شقيقه يوسف، ولم يكن فيهم في الكرة الأولى، فأهمل أمرهم ولم يحتفل بهم لسوء صنيعهم في يوسف.
وقيل: نهاهم خشية أن يستراب بهم لقول يوسف: أنتم جواسيس.
وقيل: طمع فافتراقهم أن يتسمعوا خبر يوسف، ثم نفى عن نفسه أنْ يغني عنهم شيئًا يعني: بوصاته، إنْ الحكم إلا لله أي: هو الذي يحكم وحده وينفذ ما يريد، فعليه وحده توكلت.
ومن حيث أمرهم أبوهم أي: من أبواب متفرقة.
روي أنهم لما ودعوا أباهم قال لهم: بلغوا ملك مصر سلامي وقولوا له: إن أبانا يصلي عليك، ويدعو لك، ويشكر صنيعك معنا.
وفي كتاب أبي منصور المهراني: أنه خاطبة بكتاب قرئ على يوسف فبكى.
وجواب لما قوله: ما كان يغني عنهم من الله من شيء، وفيه حجة لمن زعم أن لما حرف وجوب لوجوب لا، ظرف زمان بمعنى حين، إذ لو كانت ظرف زمان ما جاز أن تكون معمولة لما بعد ما النافية.
لا يجوز حين قام زيد ما قام عمرو، ويجوز لما قام زيد ما قام عمرو، فدل ذلك على أنّ لما حرف يترتب جوابه على ما بعده.
وقال ابن عطية: ويجوز أنْ يكون جواب لما محذوفًا مقدرًا، ثم يخبر عن دخولهم أنه ما كان يغني.
ومعنى الجملة: لم يكن في دخولهم متفرقين دفع قدر الله الذي قضاه عليهم من تشريفهم وافتضاحهم بذلك، وأخذ أخيهم بوجدان الصاع في رحله، وتزايد مصيبته على أبيهم، بل كان إربًا ليعقوب قضاه وتطييبًا لنفسه.
وقيل: معنى ما كان يغني عنهم من الله من شيء، ما يرد عنهم قدرًا لأنه لو قضى أنْ يصيبهم عين لإصابتهم متفرقين أو مجتمعين، وإنما طمع يعقوب أن تصادف وصيته قدر السلامة، فوصى وقضى بذلك حاجة نفسه في أن بقي يتنعم برجائه أن يصادف وصيته القدر في سلامتهم.
وإنه لذو علم يعني لقوله: إن الحكم إلا لله، وما بعده وعلمه بأنّ القدر لا يدفعه الحذر.
وهذا ثناء من الله على يعقوب عليه السلام.
وقال قتادة: لعامل بما علمناه.
وقال سفيان: من لا يعمل لا يكون عالمًا، ولفظة ذو علم لا تساعده على هذا التفسير وإن كان صحيحًا في نفسه.
وقرأ الأعمش: {مما علمناه}. اهـ.