فصل: قال البغوى:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال البغوى:

إذا وجد قتيل في موضع ولا يعرف قاتله فإن كان ثم لوث على إنسان- واللوث: أن يغلب على القلب صدق المدعي، بأن اجتمع جماعة في بيت أو صحراء فتفرقوا عن قتيل يغلب على القلب أن القاتل فيهم، أو وجد قتيل في محلة أو قرية كلهم أعداء للقتيل لا يخالطهم غيرهم، فيغلب على القلب أنهم قتلوه- فادعى الولي على بعضهم، يحلف المدعي خمسين يمينا على من يدعي عليه، وإن كان الأولياء جماعة توزع الأيمان عليهم، ثم بعدما حلفوا أخذوا الدية من عاقلة المدعى عليه إن ادعوا قتل خطأ، وإن ادعوا قتل عمد فمن ماله، ولا قود على قول الأكثرين وذهب بعضهم إلى وجوب القود، وهو قول عمر بن عبد العزيز وبه قال مالك وأحمد، وإن لم يكن على المدعى عليه لوث فالقول قول المدعى عليه مع يمينه ثم هل يحلف يمينا واحدة أم خمسين يمينا؟ فيه قولان:
أحدهما يمينا واحدة كما في سائر الدعاوي والثاني يحلف خمسين يمينا تغليظا لأمر الدم، وعند أبي حنيفة رضي الله عنه: لا حكم للوث ولا يزيد بيمين المدعي وقال: إذا وجد قتيل في محلة يختار الإمام خمسين رجلا من صلحاء أهلها فيحلفهم أنهم ما قتلوه ولا عرفوا له قاتلا ثم يأخذ الدية من سكانها، والدليل على أن البداية بيمين المدعي عند وجود اللوث:
ما أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال أنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم أنا الربيع أنا الشافعي أنا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار عن سهل بن أبي حثمة أن عبد الله بن سهل ومحيصة بن مسعود خرجا إلى خيبر فتفرقا لحاجتهما فقتل عبد الله بن سهل فانطلق هو وعبد الرحمن أخو المقتول وحويصة بن مسعود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له قتل عبد الله بن سهل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تحلفون خمسين يمينا وتستحقون دم صاحبكم أو قاتلكم» فقالوا يا رسول الله لم نشهد ولم نحضر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فتبرئكم يهود بخمسين يمينا» فقالوا يا رسول الله كيف نقبل أيمان قوم كفار؟ فعزم النبي صلى الله عليه وسلم عقله من عنده وفي لفظ آخر فزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم عقله من عنده قال بشير بن يسار: قال سهل لقد ركضتني فريضة من تلك الفرائض في مربد لنا، وفي رواية: لقد ركضتني ناقة حمراء من تلك الفرائض في مربد لنا أخرجه مسلم عن محمد بن المثنى عن عبد الوهاب.
وجه الدليل من الخبر: أن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ بأيمان المدعين لتقوي جانبهم باللوث، وهو أن عبد الله بن سهل وجد قتيلا في خيبر، وكانت العداوة ظاهرة بين الأنصار وأهل خيبر، وكان يغلب على القلب أنهم قتلوه، واليمين أبدا تكون حجة لمن يقوى جانبه وعند عدم اللوث يقوى جانب المدعى عليه من حيث أن الأصل براءة ذمته وكان القول قوله مع يمينه. اهـ.

.من فوائد ابن عرفة في الآية:

قال رحمه الله:
قوله تعالى: {فَقُلْنَا اضربوه بِبَعْضِهَا}.
قال ابن عرفة: لم يتعنّتوا في هذا ولو مكن الله إبليس منهم لقالوا لموسى: عيّن لنا ذلك البعض ما هو؟ وانظر قضية عمر ابن عبد العزيز مع الأمير.
وأورد ابن عرفة هنا سؤالا قائلا: لمّا أمروا بذبح بقرة مطلقة انتصبوا للسؤال: على أى بقرة هي، والأمر دائر بين أن يكون هذا منهم تعنتا أو استرشادا فإذا تقرر هذا فلأي شيء لم يسألوا هنا ما هو البعض الذي يضربون به ميتهم فيحيِيَ؟
وأجيب: بأن تفاوت أفراد الجنس والصنف ثابت بخلاف أجزاء الكلّ من حيث هو كل.
وأجيب أيضا بأنهم قادرون على أن يضربوا بكل بعض من أبعاض تلك البقرة حتى يوافقوا البعض المراد بخلاف الآخر فإنهم غير قادرين على ذبح جميع البقر كلها.
قلت: وهذا قريب من الأول.
قوله تعالى: {كَذَلِكَ يُحْيِ الله الموتى}.
أفرد الخطاب والمخاطبون جماعة: إما لقلة من يتأثر بهذه الآية منهم، ثم جمعهم في قوله: {وَيُرِيكُمْ} اعتبارا بظاهر الأمر، وإما لأن المخاطب واحد بالنوع.
واستقرأ الفخر الرازي من الآية فوائد كثيرة: منها أن الزيادة في خطاب نسخ له.
ومنها أن النسخ قبل الفعل جائز وإن لم يجز قبل وقت الفعل وإمكانه لأدائه إلى البدء.
وردّ ابن عرفة الأول بأنها زيادة على النص.
والصحيح أنها ليست بنصّ خلافا لأبي حنيفة.
وقال الطيبي: إنه من باب تقييد المطلق، أو تخصيص العام، لأن البقرة مطلقة. اهـ.

.من فوائد القرطبي في الآية:

قال رحمه الله:
قوله تعالى: {فَقُلْنَا اضربوه بِبَعْضِهَا} قيل: باللسان لأنه آلة الكلام.
وقيل: بعَجْب الذَّنَب؛ إذ فيه يُرّكب خَلْق الإنسان.
وقيل: بالفخذ.
وقيل: بعظم من عظامها؛ والمقطوع به عضو من أعضائها؛ فلما ضُرِب به حَيِيَ وأخبر بقاتله ثم عاد ميتًا كما كان.
مسألة: استدل مالك رحمه الله في رواية ابن وهب وابن القاسم على صحة القول بالقَسَامة بقول المقتول: دمي عند فلان، أو فلانُ قتلني.
ومنعه الشافعي وجمهور العلماء، قالوا: وهو الصحيح؛ لأن قول المقتول: دمي عند فلان، أو فلان قتلني، خبر يحتمل الصدق والكذب.
ولا خلاف أن دم المدّعَى عليه معصوم ممنوع إباحته إلا بيقين، ولا يقين مع الاحتمال؛ فبطل اعتبار قول المقتول دمي عند فلان.
وأما قتيل بني إسرائيل فكانت معجزة وأخبر تعالى أنه يحييه، وذلك يتضمّن الإخبارَ بقاتله خبرًا جزمًا لا يدخله احتمال؛ فافترقا.
قال ابن العربيّ: المعجزة كانت في إحيائه؛ فلما صار حيًّا كان كلامه كسائر كلام الناس كلهم في القبول والرد.
وهذا فَنٌّ دقيق من العلم لم يتفطّن له إلا مالك، وليس في القرآن أنه إذا أخبر وجب صدقه، فلعله أمرهم بالقسامة معه.
واستبعد ذلك البخاريّ والشافعيّ وجماعة من العلماء فقالوا: كيف يُقبل قوله في الدّم وهو لا يقبل قوله في درهم.
مسألة: اختلف العلماء في الحُكْم بالقَسامة؛ فرُوِيَ عن سالم وأبي قِلاَبة وعمر بن عبد العزيز والحكم بن عيينة التَّوَقّف في الحُكم بها.
وإليه مال البخاري؛ لأنه أتى بحديث القَسامة في غير موضعه.
وقال الجمهور: الحُكْم بالقسامة ثابت عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، ثم اختلفوا في كيفيّة الحُكم بها؛ فقالت طائفة: يبدأ فيها المدّعون بالأيمان فإن حَلفوا استحقوا، وإن نَكَلُوا حلَف المدّعَى عليهم خمسين يمينًا وبَرَأُوا.
هذا قول أهل المدينة واللَّيث والشافعي وأحمد وأبي ثور.
وهو مقتضى حديث حُوَيِّصَة ومُحَيِّصة، خرّجه الأئمة مالك وغيره.
وذهبت طائفة إلى أنه يبدأ بالأيمان المدّعَى عليهم فيحلفون ويبرأون.
رُوِيَ هذا عن عمر بن الخطاب والشَّعْبِي والنَّخَعِي، وبه قال الثَّوْرِي والكوفيّون؛ واحتجوا بحديث سعيد بن عبيد عن بُشير بن يسار؛ وفيه: فبدأ بالأيمان المدّعَى عليهم وهم اليهود.
وبما رواه أبو داود عن الزُّهْرِي عن أبي سَلَمة بن عبد الرحمن عن رجال من الأنصار أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال لليهود وبدأ بهم: «أيحلف منكم خمسون رجلًا».
فأبوا؛ فقال للأنصار: «استحقوا» فقالوا: نحلف على الغيب يا رسول الله! فجعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم دِيَّةً على يهود؛ لأنه وُجد بين أظهرهم.
وبقوله عليه السلام: «ولكن اليمين على المدّعَى عليه» فعُيِّنُوا.
قالوا: وهذا هو الأصل المقطوع به في الدعاوى الذي نَبّه الشرع على حكمته بقوله عليه السلام:
«لو يُعْطَى الناسُ بدعواهم لادّعى ناس دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدّعى عليه» رَدّ عليهم أهل المقالة الأولى فقالوا: حديث سعيد بن عُبيد في تبدية اليهود وَهَم عند أهل الحديث، وقد أخرجه النسائي وقال: ولم يتابع سعيد في هذه الرواية فيما أعلم، وقد أسند حديث بُشير عن سهل أن النبيّ صلى الله عليه وسلم بدأ بالمدّعين يحيى بنُ سعيد وابن عُيينة وحمّاد بن زيد وعبدُ الوهاب الثّقَفيّ وعيسى بنُ حماد وبشرُ بن المفضَّل؛ فهؤلاء سبعة.
وإن كان أرسله مالك فقد وصله جماعة الحفاظ، وهو أصح من حديث سعيد بن عُبيد.
قال أبو محمد الأصيلي: فلا يجوز أن يعترض بخبر واحد على خبر جماعة، مع أن سعيد بن عُبيد قال في حديثه: فَوَاده رسول الله صلى الله عليه وسلم مائةً من إبل الصدقة؛ والصدقةُ لا تعطَى في الدّيات ولا يُصالح بها عن غير أهلها، وحديث أبي داود مرسل فلا تعارض به الأحاديث الصحاح المتصلة، وأجابوا عن التمسك بالأصل بأن هذا الحكم أصل بنفسه لحُرْمة الدماء.
قال لابن المنذر.
ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل البيّنة على المدّعِي واليمينَ على المدّعَى عليه، والحُكْم بظاهر ذلك يجب، إلا أن يخصّ الله في كتابه أو على لسان نبيّه صلى الله عليه وسلم حكمًا في شيء من الأشياء فيُستثنى من جملة هذا الخبر.
فما دلّ عليه الكتاب إلزام القاذف حدّ المقذوف إذا لم يكن معه أربعة شهداء يشهدون له على صدق ما رمى به المقذوف.
وخصّ مَن رمى زوجته بأن أسقط عنه الحدّ إذا شهد أربع شهادات.
ومما خصّته السُّنَّة حكم النبيّ صلى الله عليه وسلم بالقَسَامة.
وقد روى ابن جُريج عن عطاء عن أبي هريرة أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «البيّنةُ على مَن ادعى واليمينُ على مَن أنكر إلاّ في القَسَامة» خرّجه الدّارَقُطنِيّ.
وقد احتج مالك لهذه المسألة في مُوَطَّئه بما فيه كفاية؛ فتأمّله هناك.
مسألة: واختلفوا أيضًا في وجوب القَوَد بالقسامة؛ فأوجبت طائفة القَوَد بها؛ وهو قول مالك واللّيث وأحمد وأبي ثَوْر؛ لقوله عليه السلام لحُوَيِّصة ومُحَيِّصة وعبد الرحمن: «أتحلفون وتستحقون دمَ صاحبِكم» وروى أبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قتل رجلًا بالقَسَامة من بني نضر بن مالك.
قال الدّارَقُطْنِي: نسخة عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه صحيحة؛ وكذلك أبو عمر بن عبد البر يصحّح حديث عمرو بن شعيب ويحتج به.
وقال البخاري: رأيت عليّ بن المدِيني وأحمد بن حنبل والحُمَيْدِي وإسحاق بن رَاهْوَيْه يحتجّون به؛ قاله الدارقطني في السنن.
وقالت طائفة: لا قَوَد بالقسامة، وإنما توجب الدّية.
رُوي هذا عن عمر وابن عباس؛ وهو قول النَّخَعي والحسن، وإليه ذهب الثَّوْري والكوفيون والشافعي وإسحاق، واحتجوا بما رواه مالك عن ابن أبي ليلى بن عبد اللَّه عن سهل بن أبي حَثْمة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قوله للأنصار: «إما أن يَدُوا صاحبَكم وإما أن يؤذنوا بحرب» قالوا: وهذا يدل على الدّية لا على القَوَد؛ قالوا: ومعنى قوله عليه السلام: «وتستحقّون دَمَ صاحبِكم» دية دمِ قتيلِكم؛ لأن اليهود ليسوا بأصحاب لهم؛ ومن استحق دية صاحبه فقد استحق دمه؛ لأن الدّية قد تؤخذ في العمد فيكون ذلك استحقاقا للدم.
مسألة: الموجب للقسامة اللَّوْثُ ولابد منه.
واللّوْثُ: أمارة تغلب على الظن صدق مدّعي القتل؛ كشهادة العدل الواحد على رؤية القتل، أو يرى المقتول يَتَشَحّط في دمه، والمتَّهم نحوه أو قُرْبه عليه آثار القتل.
وقد اختلف في الّلْوث والقول به؛ فقال مالك: هو قول المقتول دمي عند فلان.
والشاهد العدل لوث.
كذا في رواية ابن القاسم عنه.
وروى أشهب عن مالك أنه يُقسم مع الشاهد غير العدل ومع المرأة.
وروى ابن وهب أن شهادة النساء لَوث.
وذكر محمد عن ابن القاسم أن شهادة المرأتين لَوث دون شهادة المرأة الواحدة.
قال القاضي أبو بكر بن العربي: اختلف في اللّوث اختلافا كثيرًا؛ مشهور المذهب أنه الشاهد العدل.
وقال محمد: هو أحبّ إليّ.
قال: وأخذ به ابن القاسم وابن عبد الحكم.
ورُوِي عن عبد الملك بن مروان: أن المجروح أو المضروب إذا قال دمي عند فلان ومات كانت القَسَامة.
وبه قال مالك واللّيث بن سعد.
واحتج مالك بقتيل بني إسرائيل أنه قال: قتلني فلان.
وقال الشافعيّ: اللَّوْث الشاهد العدل، أو يأتي ببيّنة وإن لم يكونوا عدولًا.
وأوْجب الثورِيّ والكوفيون القسامة بوجود القتيل فقط، واستغنوا عن مراعاة قول المقتول وعن الشاهد، قالوا: إذا وُجد قتيل في مَحلّة قومٍ وبه أثرٌ حلف أهل ذلك الموضع أنهم لم يقتلوه ويكون عَقْلُه عليهم؛ وإذا لم يكن به أثر لم يكن على العاقلة شيء إلا أن تقوم البيّنة على واحد.
وقال سفيان: وهذا مما أُجمع عليه عندنا؛ وهو قول ضعيف خالفوا فيه أهل العلم، ولا سلف لهم فيه، وهو مخالف للقرآن والسُّنة؛ ولأن فيه إلزامَ العاقلة مالًا بغير بيّنة ثبتت عليهم ولا إقرارٍ منهم.
وذهب مالك والشافعيّ إلى أن القتيلُ إذا وجُد في مَحلّة قومٍ أنه هَدَر، لا يؤخذ به أقرب الناس دارًا؛ لأن القتيل قد يُقتل ثم يُلقى على باب قوم ليلطخوا به؛ فلا يؤاخذ بمثل ذلك حتى تكون الأسباب التي شرطوها في وجوب القسامة.
وقد قال عمر بن عبد العزيز: هذا مما يؤخر فيه القضاء حتى يقضي الله فيه يوم القيامة.
مسألة: قال القاسم بن مسعدة قلت للنِّسائي: لا يقول مالك بالقسامة إلا باللَّوْث، فلم أوْرَد حديث القسامة ولا لَوث فيه؟ قال النسائي: أنزل مالك العداوة التي كانت بينهم وبين اليهود بمنزلة اللوث، وأنزل اللّوث أو قول الميت بمنزلة العداوة.
قال ابن أبي زيد: وأصل هذا في قصة بني إسرائيل حين أحيا الله الذي ضُرب ببعض البقرة فقال: قتلني فلان؛ وبأن العداوة لَوْث.
قال الشافعي: ولا نرى قول المقتول لوثًا؛ كما تقدّم.
قال الشافعي: إذا كان بين قوم وقوم عداوة ظاهرة كالعداوة التي كانت بين الأنصار واليهود، ووجد قتيل في أحد الفريقين ولا يخالطهم غيرهم وَجَبت القسامة فيه.
مسألة: واختلفوا في القتيل يوجد في المحلة التي أكراها أربابها؛ فقال أصحاب الرأي: هو على أهل الخِطّة وليس على السكان شيء، فإن باعوا دُورهم ثم وُجد قتيل فالدّيَةُ على المشتري وليس على السكان شيء، وإن كان أرباب الدُّور غُيَّبًا وقد أكروا دُورهم فالقسامة والدية على أرباب الدور الغُيَّب وليس على السكان الذي وُجد القتيل بين أظهرهم شيء.
ثم رجع يعقوب من بينهم عن هذا القول فقال: القسامة والدّية على السكان في الدُّور.
وحكى هذا القول عن ابن أبي ليلى، واحتج بأن أهل خَيْبَر كانوا عُمَّالًا سُكَّانًا يعملون فوُجِد القتيل فيهم.
قال الثوري ونحن نقول: هو على أصحاب الأصل، يعني أهل الدور.
وقال أحمد: القول قول ابن أبي ليلى في القسامة لا في الدية.
وقال الشافعي: وذلك كله سواء، ولا عَقْل ولا قَوَد إلا ببيّنة تقوم، أو ما يوجب القسامة فيُقسم الأولياء.
قال ابن المنذر: وهذا أصح.
مسألة: ولا يحلف في القسامة أقلّ من خمسين يمينًا؛ لقوله عليه السلام في حديث حُوَيصة ومُحَيّصة: «يُقسم خمسين منكم على رجل منهم» فإن كان المستحقّون خمسين حلف كل واحد منهم يمينًا واحدة، فإن كانوا أقل من ذلك أو نَكَل منهم من لا يجوز عفوه رُدّت الأيمان عليهم بحسب عددهم.
ولا يحلف في العمد أقل من اثنين من الرجال، لا يحلف فيه الواحد من الرجال ولا النساء، يحلف الأولياء ومن يستعين بهم الأولياء من العَصَبة خمسين يمينًا.
هذا مذهب مالك واللّيث والثَّوْري والأوزاعيّ وأحمد وداود.
وروى مُطَرِّف عن مالك أنه لا يحلف مع المدّعَى عليه أحدٌ ويحلف هم أنفُسهم كما لو كانوا واحدًا فأكثر خمسين يمينًا يبرئون بها أنفسهم؛ وهو قول الشافعي.
قال الشافعي: لا يُقسم إلا وارث، كان القتل عمدًا أو خطأ.
ولا يحلف على مال ويستحقه إلا من له الملك لنفسه أو من جعل الله له الملك من الورثة؛ والورثةُ يُقسمون على قدر مواريثهم.
وبه قال أبو ثَوْر واختاره ابن المنذر وهو الصحيح؛ لأن من لم يدّع عليه لم يكن له سبب يتوجّه عليه فيه يمين.
ثم مقصود هذه الأيمان البراءة من الدعوى ومن لم يدّع عليه برئ.
وقال مالك في الخطأ: يحلف فيها الواحد من الرجال والنساء، فمهما كملت خمسين يمينًا من واحد أو أكثر استحق الحالف ميراثه، ومَن نَكَل لم يستحق شيئًا؛ فإن جاء من غاب حلف من الأيمان ما كان يجب عليه لو حضر بحسب ميراثه.
هذا قول مالك المشهور عنه؛ وقد رُوِيَ عنه أنه لا يرى في الخطأ قسامة.
وتتميم مسائل القسامة وفروعها وأحكامها مذكور في كتب الفقه والخلاف، وفيما ذكرناه كفاية، والله الموفق.
مسألة: في قصة البقرة هذه دليل على أن شَرْع مَن قبلنا شَرْعٌ لنا؛ وقال به طوائف من المتكلمين وقومٌ من الفقهاء، واختاره الكرخي ونصّ عليه ابن بُكير القاضي من علمائنا، وقال القاضي أبو محمد عبد الوهاب: هو الذي تقتضيه أصول مالك ومَنازعه في كتبه، وإليه مال الشافعي، وقد قال الله: {فَبِهُدَاهُمُ اقتده} [الأنعام: 90] على ما يأتي إن شاء الله تعالى.
قوله تعالى: {كَذَلِكَ يُحْيِي الله الموتى} أي كما أحْيَا هذا بعد موته كذلك يحيي الله كل من مات.
فالكاف في موضع نصب، لأنه نعت لمصدر محذوف.
{وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ} أي علاماته وقدرته.
{لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} كي تعقلوا.
وقد تقدّم.
أي تمتنعون من عصيانه.
وعقلتُ نفسي عن كذا أي منعتها منه.
والمعاقل: الحصون. اهـ.