فصل: من أقوال المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ}
اعلم أنه لما خرج الصواع من رحل أخي يوسف نكس إخوته رؤسهم وقالوا: هذه الواقعة عجيبة أن راحيل ولدت ولدين لصين، ثم قالوا: يا بني راحيل ما أكثر البلاء علينا منكم، فقال بنيامين ماأكثر البلاء علينا منكم ذهبتم بأخي وضيعتموه في المفازة، ثم تقولون لي هذا الكلام، قالوا له: فكيف خرج الصواع من رحلك، فقال: وضعه في رحلي من وضع البضاعة في رحالكم.
واعلم أن ظاهر الآية يقتضي أنهم قالوا للملك: إن هذا الأمر ليس بغريب منه فإن أخاه الذي هلك كان أيضًا سارقًا، وكان غرضهم من هذا الكلام أنا لسنا على طريقته ولا على سيرته، وهو وأخوه مختصان بهذه الطريقة لأنهما من أم أخرى، واختلفوا في السرقة التي نسبوها إلى يوسف عليه السلام على أقوال: الأول: قال سعيد بن جبير: كان جده أبو أمه كافرًا يعبد الأوثان فأمرته أمه بأن يسرق تلك الأوثان ويكسرها فلعله يترك عبادة الأوثان ففعل ذلك، فهذا هو السرقة، والثاني: أنه كان يسرق الطعام من مائدة أبيه ويدفعه إلى الفقراء، وقيل سرق عناقًا من أبيه ودفعه إلى المسكين وقيل دجاجة.
والثالث: أن عمته كانت تحبه حبًا شديدًا فأرادت أن تمسكه عند نفسها، وكان قد بقي عندها منطقة لاسحق عليه السلام وكانوا يتبركون بها فشدتها على وسط يوسف ثم قالت بأنه سرقها وكان من حكمهم بأن من سرق يسترق، فتوسلت بهذه الحيلة إلى إمساكه عند نفسها.
والرابع: أنهم كذبوا عليه وبهتوه وكانت قلوبهم مملوءة بالغضب على يوسف بعد تلك الوقائع، وبعد انقضاء تلك المدة الطويلة، وهذه الواقعة تدل على أن قلب الحاسد لا يطهر عن الغل ألبتة.
ثم قال تعالى: {فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ في نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ} واختلفوا في أن الضمير في قوله: {فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ} إلى أي شيء يعود على قولين قال الزجاج: فأسرها إضمار على شريطة التفسير، تفسيره أنتم شر مكانًا وإنما أنث لأن قوله: {أَنْتُمْ شَرٌّ مَّكَانًا} جملة أو كلمة لأنهم يسمون الطائفة من الكلام كلمة كأنه قال: فأسر الجملة أو الكلمة التي هي قوله: {أَنْتُمْ شَرٌّ مَّكَانًا} وفي قراءة ابن مسعود: {فَأَسْرِ} بالتذكير يريد القول أو الكلام وطعن أبو علي الفارسي في هذا الوجه فيما استدركه على الزجاج من وجهين:
الوجه الأول: قال الإضمار على شريطة التفسير يكون على ضربين: أحدهما: أن يفسر بمفرد كقولنا: نعم رجلًا زيد ففي نعم ضمير فاعلها، ورجلًا تفسير لذلك الفاعل المضمر والآخر أن يفسر بجملة وأصل هذا يقع في الابتداء كقوله: {فَإِذَا هي شاخصة أبصار الذين كَفَرُواْ} [الأنبياء: 97]: {قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ} [الصمد: 1] والمعنى القصة شاخصة أبصار الذين كفروا والأمر الله أحد.
ثم إن العوامل الداخلة على المبتدأ والخبر تدخل عليه أيضًا نحو إن كقوله: {إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا} [طه: 74]: {فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأبصار} [الحج: 46].
إذا عرفت هذا فنقول: نفس المضمر على شريطة التفسير في كلا القسمين متصل بالجملة التي حصل منها الإضمار، ولا يكون خارجًا عن تلك الجملة ولا مباينًا لها.
وههنا التفسير منفصل عن الجملة التي حصل منها الإضمار فوجب أن لا يحسن.
والثاني: أنه تعالى قال: {أَنْتُمْ شَرٌّ مَّكَانًا} وذلك يدل على أنه ذكر هذا الكلام، ولو قلنا: إنه عليه السلام أضمر هذا الكلام لكان قوله أنه قال ذلك كذبًا.
واعلم أن هذا الطعن ضعيف لوجوه:
أما الأول: فلأنه لا يلزم من حسن القسمين الأولين قبح قسم ثالث.
وأما الثاني: فلأنا نحمل ذلك على أنه عليه السلام قال ذلك على سبيل الخفية وبهذا التفسير يسقط هذا السؤال.
والوجه الثاني: وهو أن الضمير في قوله: {فَأَسَرَّهَا} عائد إلى الإجابة كأنهم قالوا: {إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ} فأسر يوسف إجابتهم في نفسه في ذلك الوقت ولم يبدها لهم في تلك الحالة إلى وقت ثان ويجوز أيضًا أن يكون إضمارًا للمقالة.
والمعنى: أسر يوسف مقالتهم، والمراد من المقالة متعلق تلك المقالة كما يراد بالخلق المخلوق وبالعلم المعلوم يعني أسر يوسف في نفسه كيفية تلك السرقة، ولم يبين لهم أنها كيف وقعت وأنه ليس فيها ما يوجب الذم والطعن.
روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال عوقب يوسف عليه السلام ثلاث مرات لأجل همه بها، عوقب بالحبس وبقوله: {اذكرنى عِندَ رَبّكَ} [يوسف: 42] عوقب بالحبس الطويل وبقوله: {إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ} [يوسف: 7] عوقب بقولهم: {فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ} ثم حكى تعالى عن يوسف أنه قال: {أَنْتُمْ شَرٌّ مَّكَانًا} أي أنتم شر منزلة عند الله تعالى لما أقدمتم عليه من ظلم أخيكم وعقوق أبيكم فأخذتم أخاكم وطرحتموه في الجب، ثم قلتم لأبيكم إن الذئب أكله وأنتم كاذبون، ثم بعتموه بعشرين درهمًا، ثم بعد المدة الطويلة والزمان الممتد ما زال الحقد والغضب عن قلوبكم فرميتموه بالسرقة.
ثم قال تعالى: {والله أَعْلَمْ بِمَا تَصِفُونَ} يريد أن سرقة يوسف كانت رضا لله، وبالجملة فهذه الوجوه المذكورة في سرقته لا يوجب شيء منها عود الذم واللوم إليه، والمعنى: والله أعلم بأن هذا الذي وصفتموه به هل يوجب عود مذمة إليه أم لا.
{قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}
اعلم أنه تعالى بين أنهم بعد الذي ذكروه من قولهم: {إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ} [يوسف: 77] أحبوا موافقته والعدول إلى طريقة الشفاعة فإنهم وإن كانوا قد اعترفوا أن حكم الله تعالى في السارق أن يستعبد، إلا أن العفو وأخذ الفداء كان أيضًا جائزا، فقالوا يا أيها العزيز إن له أبًا شيخًا كبيرًا أي في السن، ويجوز أن يكون في القدر والدين، وإنما ذكروا ذلك لأن كونه ابنًا لرجل كبير القدر يوجب العفو والصفح.
ثم قالوا: {فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ} يحتمل أن يكون المراد على طريق الاستبعاد ويحتمل أن يكون المراد على طريق الرهن حتى نوصل الفداء إليك.
ثم قالوا: {إِنَّا نَرَاكَ مِنَ المحسنين} وفيه وجوه: أحدها: إنا نراك من المحسنين لو فعلت ذلك.
وثانيها: إنا نراك من المحسنين إلينا حيث أكرمتنا وأعطيتنا البذل الكثير وحصلت لنا مطلوبنا على أحسن الوجوه ووردت إلينا ثمن الطعام.
وثالثها: نقل أنه عليه السلام لما اشتد القحط على القوم ولم يجدوا شيئًا يشترون به الطعام، وكانوا يبيعون أنفسهم منه فصار ذلك سببًا لصيرورة أكثر أهل مصر عبيدًا له ثم إنه أعتق الكل، فلعلهم قالوا: {إِنَّا نَرَاكَ مِنَ المحسنين} إلى عامة الناس بالإعتاق فكن محسنًا أيضًا إلى هذا الإنسان بإعتاقه من هذه المحنة، فقال يوسف: {مَعَاذَ الله} أي أعود بالله معاذًا أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده، أي أعوذ بالله أن آخذ بريئًا بمذنب قال الزجاج: موضع أن نصب والمعنى: أعوذ بالله من أخذ أحد بغيره فلما سقطت كلمة من انتصب الفعل عليه وقوله: {إِنَّا إِذًا لظالمون} أي لقد تعديت وظلمت إن آذيت إنسانًا بجرم صدر عن غيره.
فإن قيل: هذه الواقعة من أولها إلى آخرها تزوير وكذب، فكيف يجوز من يوسف عليه السلام مع رسالته الإقدام على هذا التزوير والترويج وإيذاء الناس من غير سبب لاسيما ويعلم أنه إذا حبس أخاه عند نفسه بهذه التهمة فإنه يعظم حزن أبيه ويشتد غمه، فكيف يليق بالرسول المعصوم المبالغة في التزوير إلى هذا الحد.
والجواب: لعله تعالى أمره بذلك تشديدًا للمحنة على يعقوب ونهاه عن العفو والصفح وأخذ البدل كما أمر تعالى صاحب موسى بقتل من لو بقي لطغى وكفر. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {قالوا إن يسرق فقد سَرَق أخ له من قبلُ}
يعنون يوسف. وفي هذا القول منهم وجهان:
أحدهما: أنه عقوبة ليوسف أجراها الله تعالى على ألسنتهم، قاله عكرمة.
والثاني: ليتبرأوا بذلك من فعله لأنه ليس من أمهم وأنه إن سرق فقد جذبه عِرق أخيه السارق لأن في الاشتراك في الأنساب تشاكلًا في الأخلاق.
وفي السرقة التي نسبوا يوسف إليها خمسة أقاويل:
أحدها: أنه سرق صنمًا كان لجده إلى أمه من فضة وذهب، وكسره وألقاه في الطريق فعيّروه بذلك، قاله سعيد بن جبير وقتادة.
الثاني: كان مع إخوته على طعام فنظر إلى عرق فخبأه، فعيّروه بذلك، قاله عطية العوفي.
الثالث: أنه كان يسرق من طعام المائدة للمساكين، حكاه ابن عيسى.
الرابع: أن عمته وكانت أكبر ولد إسحاق وإليها صارت منطقة إسحاق لأنها كانت في الكبير من ولده، وكانت تكفل يوسف، فلما أراد يعقوب أخذه منها جعلت المنطقة، واتهمته فأخذتها منه، فصارت في حكمهم أحق به، فكان ذلك منها لشدة ميلها وحبها له، قاله مجاهد.
الخامس: أنهم كذبوا عليه فيما نسبوه إليه، قاله الحسن.
{فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم} فيه وجهان:
أحدهما: أنه أسر في نفسه قولهم: {إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل} قاله ابن شجرة وعلي بن عيسى.
الثاني: أسر في نفسه: {أنتُمْ شَرٌّ مكانًا...} الآية، قاله ابن عباس وابن إسحاق. وفي قوله: {قال أنتم شر مكانًا} وجهان:
أحدهما: أنتم شر منزلة عند الله ممن نسبتموه إلى هذه السرقة.
الثاني: أنتم شر صنعًا لما أقدمتم عليه من ظلم أخيكم وعقوق أبيكم.
وفي قوله تعالى: {والله أعلم بما تصفون} تأويلان:
أحدهما: بما تقولون، قاله مجاهد.
الثاني: بما تكذبون، قاله قتادة.
وحكى بعض المفسرين أنهم لما دخلوا عليه دعا بالصواع فنقره ثم أدناه من أذنه ثم قال: إن صواعي هذا ليخبرني أنكم كنتم اثني عشر رجلًا وأنكم انطلقتم بأخٍ لكم فبِعْتموه، فلما سمعها بنيامين قام وسجد ليوسف وقال أيها الملك سلْ صواعك هذا عن أخي أحيّ هو أم هالك؟ فنقره، ثم قال: هو حي وسوف تراه. قال: فاصنع بي ما شئت، فإنه إن علم بي سينقذني. قال: فدخل يوسف فبكى ثم توضأ وخرج، فقال بنيامين: افقر صواعك ليخبرك بالذي سرقه فجعله في رحلي، فنقره، فقال: صواعي هذا غضبان وهو يقول: كيف تسألني عن صاحبي وقد رأيت مع من كنت.
قوله عز وجل: {... يا أيها العزيز إن له أبًا شيخًا كبيرًا}
لكن قالوا ذلك ترقيقًا واستعطافًا وفي قولهم: {كبيرًا} وجهان:
أحدهما: كبير السن.
الثاني: كبير القدر لأن كبر السن معروف من حال الشيخ.
{فخذ أحدنا مكانه} أي عبْدًا بدله.
{إنا نراك من المحسنين} فيه وجهان:
أحدهما: نراك من المحسنين في هذا إن فعلت، قاله ابن إسحاق.
الثاني: نراك من المحسنين فيما كنت تفعله بنا من إكرامنا وتوفية كيلنا وبضاعتنا.
ويحتمل ثالثًا: إنا نراك من العادلين، لأن العادل محسن.
فأجابهم يوسف عن هذا: {قال معاذَ الله أن نأخذ إلا من وجَدْنا متاعنا عنده إنَّا إذًا لظالمون} إن أخذنا بريئًا بسقيم، وفيه وجه ثان: إنا إذًا لظالمون عندكم إذا حكمنا عليكم بغير حكم أبيكم أن من سرق استُرِقّ. اهـ.

.قال ابن عطية:

{قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ}
الضمير في: {قالوا} لإخوة يوسف، والأخ الذي أشاروا إليه هو يوسف، ونكروه تحقيرًا للأمر، إذ كان مما لا علم للحاضرين به، ثم ألصقوه ببنيامين، إذ كان شقيقه، ويحتمل قولهم: {إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل} تأويلين.
أحدهما: أنهم حققوا السرقة في جانب بنيامين ويوسف عليهما السلام، بحسب ظاهر الحكم، فكأنهم قالوا: إن كان قد سرق فغير بدع من ابني راحيل، لأن أخاه يوسف كان قد سرق. فهذا من الإخوة إنحاء على ابني راحيل: يوسف وبنيامين.
والوجه الآخر الذي يحتمله لفظهم يتضمن أن السرقة في جانب يوسف وبنيامين- مظنونة- كأنهم قالوا: إن كان هذا الذي رمى به بنيامين حقًا في نفسه فالذي رمى به يوسف قبل حق إذًا، وكأن قصة يوسف والظن به قوي عندهم بما ظهر في جهة وبنيامين.
وقال بعض المفسرين: التقدير: فقد قيل عن يوسف إنه سرق، ونحو هذا من الأقوال التي لا ينطبق معناها على لفظ الآية.
وهذه الأقوال منهم عليهم السلام إنما كانت بحسب الظاهر وموجب الحكم في النازلتين، فلم يقعوا في غيبة ليوسف، وإنما قصدوا الإخبار بأمر جرى ليزول بعض المعرة عنهم، ويختص بها هذان الشقيقان.
وأما ما روي في سرقة يوسف فثلاثة وجوه: الجمهور منها على أن عمته كانت ربته، فلما شب أراد يعقوب أخذه منها، فولعت به وأشفقت من فراقه، فأخذت منطقة إسحاق- وكانت متوارثة عندهم- فنطقته بها من تحت ثيابه، ثم صاحت وقالت: إني قد فقدت المنطقة ويوسف قد خرج بها، ففتشت فوجدت عنده، فاسترقَّته- حسبما كان في شرعهم- وبقي عندها حتى ماتت فصار عند أبيه.