فصل: قال أبو حيان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو حيان:

وقولهم: {إنْ يسرق فقد سرق أخ له من قبل}
لا يدل على الجزم بأنه سرق، بل أخرجوا ذلك مخرج الشرط أي: إن كان وقعت منه سرقة فهو يتأسى ممن سرق قبله، فقد سرق أخ له من قبل.
والتعليق على الشرط على أنّ السرقة في حق بنيامين وأخيه ليس مجزومًا بها، كأنهم قالوا: إنْ كان هذا الذي رمى به بنيامين حقًا فالذي رمى به يوسف من قبل حق، لكنه قوي الظن عندهم في حق يوسف بما ظهر لهم أنه جرى من بنيامين، ولذلك قالوا: إن ابنك سرق.
وقيل: حققوا السرقة في جانب بنيامين وأخيه بحسب ظاهر الأمر، فكأنهم قالوا: إن كان قد سرق فغير بدع من ابني راحيل، لأن أخاه يوسف قد كان سرق، فعلى هذا القول يكون قولهم إنحاء على يوسف وبنيامين.
وقيل: التقدير فقد قيل عن يوسف إنه سرق، وقولهم هذا هو بحسب الظاهر والإخبار بأمر جرى لتزول المعرة عنهم، وتختص بالشقيقين.
وتنكير أخ في قوله: فقد سرق أخ له من قبل، لأنّ الحاضرين لا علم لهم به وقالوا له: لأنه كان شقيقه.
والجمهور على أن السرقة التي نسبت هي أن عمته ربته وشب، وأراد يعقوب أخذه، فأشفقت من فراقه فأخذت منطقة إسحاق، وكانت متوارثة عندهم، فنطقته بها من تحت ثيابه ثم صاحت وقالت: فقدت المنطقة ففتشت فوجدت عند يوسف، فاسترقته حسبما كان في شرعهم وبقي عندها حتى ماتت، فصار عند أبيه.
وقال قتادة وابن جبير: أمرت أمه أن يسرق صنمًا.
وفي كتاب الزجاج: من ذهب لأبيها فسرقه وكسره، وكان ذلك منها تغييرًا للمنكر.
وقال ابن إدريس عن أبيه: إنما أكل بنو يعقوب طعامًا، فأخذ يوسف عرقًا فنحاه.
وقيل: كان في البيت غاق أو دجاجة، فأعطاها السائل.
وقرأ أحمد بن جبير الأنطاكي، وابن أبي شريح عن الكسائي، والوليد بن حسان عن يعقوب وغيرهم: {فقد سرق} بالتشديد مبنيًا للفعول بمعنى نسب إلى السرقة، بمعنى جعل سارقًا ولم يكن كذلك حقيقة.
والضمير في قوله: {فأسرها} يفسره سياق الكلام أي: الحزازة التي حدثت في نفسه من قولهم كما فسره في قول حاتم:
لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى ** إذا حشرجت نفس وضاق بها الصدر

وقيل: أسر المجازاة، وقيل: الحجة.
وقال الزمخشري: اختار على شريطة التفسير تفسيره أنتم شر مكانًا، وإنما أنث لأن قوله: أنتم شر مكانًا جملة أو كلمة على تسميتهم الطائفة من الكلام كلمة، كأنه قيل: فأسر الجملة أو الكلمة التي هي قوله.
وقرأ عبد الله، وابن أبي عبلة: {فأسره} بضمير تذكير.
قال الزمخشري: يريد القول أو الكلام انتهى.
والظاهر من قوله: {أنتم شر مكانًا} خطابهم بهذا القول في الوجه، فكأنه أسر كراهية مقالتهم، ثم وبخهم بقوله: أنتم شر مكانًا، وفيه إشارة إلى تكذيبهم وتقوية أنهم تركوا أن يشفعوا بأنفسهم، وعدلوا إلى الشفاعة بأبيه الشيخ يعقوب عليه السلام.
وقال قوم: لم يقل يوسف هذا الكلام لهم مواجهة، إنما قاله في نفسه، وهو تفسير قوله: الذي أسر في نفسه، وهو قول الزمخشري المتقدم.
ومعنى شر مكانًا أي منزلة في السرق، لأنكم سارقون بالصحة لسرقتكم أخاكم من أبيكم.
ومعنى أعلم بما تصفون يعني: هو أعلم بما تصفون منكم، لأنه عالم بحقائق الأمور، وكيف كانت سرقة أخيه التي أحلتم سرقته عليه.
وروي أن روبيل غضب ووقف شعره حتى خرج من ثيابه، فأمر يوسف ابنًا له يمسه فسكن غضبه فقال روبيل: لقد مسني أحد من ولد يعقوب، ثم أنهم تشاوروا في محاربة يوسف وكانوا أهل قوة لا يدانون في ذلك، فلما أحس يوسف بذلك قام إلى روبيل فلببه وصرعه، فرأوا من قوته ما استعظموه وعند ذلك.
{قالوا يا أيها العزيز إن له أبًا شيخًا كبيرًا فخذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين قال معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده إنا إذًا لظالمون}: استعطفوا يوسف إذ كان قد أخذ عليهم الميثاق.
ومعنى كبيرًا في السن، أو القدر.
وكانوا قد أعلموا يوسف بأنه كان له ابن قد هلك، وهذا شقيقه يستأنس به، وخاطبوه بالعزيز إذ كان في تلك الخطة بعزل قطفير، أو موته على ما سبق.
ومعنى مكانه أي: بدله على جهة الاسترهان أو الاستعباد، قاله الزمخشري.
وقال ابن عطية: يحتمل قولهم أن يكون مجازًا، وهم يعلمون أنه لا يصح أخذ حرّ بسارق بدل من قد أحكمت السنة رقه، وإنما هذا كمن يقول لمن يكره فعله: اقتلني ولا تفعل كذا وكذا، وأنت لا تريد أن يقتلك ولكنك تبالغ في استنزاله، وعلى هذا يتجه قول يوسف: معاذ الله لأنه تعوذ من غير جائز.
ويحتمل أن يكون قولهم حقيقة، وبعيد عليهم وهم أنبياء أن يريدوا استرقاق حر، فلم يبق إلا أن يريدوا بذلك طريق الجمالة، أي: خذ أحدنا حتى ينصرف إليك صاحبك.
ومقصدهم بذلك أن يصل بنيامين إلى أبيه ويعرف يعقوب جلية الأمر.
وقوله: من المحسنين، وصفوه بما شاهدوه من إحسانه لهم ولغيرهم، أو من المحسنين إلينا في هذه اليد إنْ أسديتها إلينا، وهذا تأويل ابن إسحاق ومعاذ الله تقدم الكلام فيه في قوله: معاذ الله إنه ربي، والمعنى: وجب على قضية فتواكم أخذ من وجد الصواع في رحله واستعباده.
فلو أخذنا غيره كان ذلك ظلمًا في مذهبكم، فلم تطلبون ما عرفتم أنه ظلم، وباطنه أن الله أمرني وأوحى إلي بأخذ بنيامين واحتباسه لمصلحة، أو مصالح جمة علمها في ذلك.
فلو أخذت غير من أمرني بأخذه كنت ظالمًا وعاملًا على خلاف الوحي.
وأن نأخذ تقديره: من أن نأخذ، وإذن جواب وجزاء أي: إن أخذنا بدله ظلمنا.
وروي أنه قال لما أيأسهم من حمله معهم: إذا أتيتم أباكم فاقرؤوا عليه السلام وقولوا له: إن ملك مصر يدعو لك أن لا تموت حتى ترى ولدك يوسف، ليعلم أنّ في أرض مصر صديقين مثله. اهـ.

.قال أبو السعود:

{قَالُواْ إِن يَسْرِقْ}
يعنون بنيامين: {فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِن قَبْلُ} يريدون به يوسفَ عليه السلام وما جرى عليه من جهة عمّتِه على ما قيل من أنه كانت تحضِنه فلما شب أراد يعقوبُ عليه السلام انتزاعَه منها وكانت لا تصبِر عنه ساعةً وكانت لها منطقةٌ ورثتها من أبيها إسحاقَ عليه السلام فاحتالت لاستبقاء يوسفَ عليه السلام فعمَدت إلى المنطقة فحزمَتْها عليه من تحت ثيابه ثم قالت: فقدتُ منطقة إسحاقَ عليه السلام فانظروا مَنْ أخذها فوجدوها محزومةً على يوسف فقالت: إنه لي سَلَم أفعل به ما أشاء فخلاّه يعقوبُ عليه السلام عندها حتى ماتت، وقيل: كان أخذ في صِباه صنمًا لأبي أمِّه فكسره وألقاه في الجيف، وقيل: دخل كنيسة فأخذ تمثالًا صغيرًا من ذهب كانوا يعبُدونه فدفنه: {فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ} أي أكنّ الحزازةَ الحاصلة مما قالوا: {فِى نَفْسِهِ} لا أنه أسرّها لبعض أصحابه كما في قوله تعالى: {وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا}، {وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ} لا قولًا ولا فعلًا صفحًا عنهم وحِلمًا وهو تأكيد لما سبق.
{قَالَ} أي في نفسه وهو استئنافٌ مبنيٌّ على سؤال نشأ من الإخبار بالإسرار المذكور كأنه قيل: فماذا قال في نفسه في تضاعيف ذلك الإسرارِ؟ فقيل: قال: {أَنْتُمْ شَرٌّ مَّكَانًا} أي منزلةً حيث سرقتم أخاكم من أبيكم ثم طفِقتم تفترون على البريء، وقيل: بدل من أسرها والضمير للمقالة المفسرة بقوله: {أَنْتُمْ شَرٌّ مَّكَانًا}، {والله أَعْلَمْ بِمَا تَصِفُونَ} أي عالمٌ علمًا بالغًا إلى أقصى المراتب بأن الأمرَ ليس كما تصفون من صدور السرقةِ منا بل إنما هو افتراءٌ علينا فالصيغةُ لمجرد المبالغة لا لتفضيل علمِه عز وجل على علمهم كيف لا وليس لهم بذلك من علم.
{قَالُواْ} عندما شاهدوا مخايلَ أخْذِ بنيامين مستعطِفين: {قَالُواْ يا أَيُّهَا العزيز إِنَّ لَهُ أَبًا} لم يريدوا بذلك الإخبارَ بأن له أبًا ذلك معلومٌ مما سبق وإنما أرادوا الإخبار بأن له أبًا: {شَيْخًا كَبِيرًا} في السن لا يكاد يستطيع فراقَه وهو عَلالةٌ به يتعلل عن شقيقه الهالك: {فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ} فلسنا عنده بمنزلته من المحبة والشفقة: {إِنَّا نَرَاكَ مِنَ المحسنين} إلينا فأتمم إحسانَك بهذه التتمة أو المتعوّدين بالإحسان فلا تغيّر عادتك.
{قَالَ مَعَاذَ الله} أي نعوذ بالله معاذًا من: {أَن نَّأْخُذَ} فحُذف الفعلُ وأُقيم مُقامَه المصدرُ مضافًا إلى المفعول به بعد حذفِ الجارِّ: {إِلاَّ مَن وَجَدْنَا متاعنا عِندَهُ} لأن أخْذنا له إنما هو بقضية فتواكم فليس لنا الإخلالُ بموجبها، وإيثارُ صيغة التكلم مع الغير كون الخطابِ من جانب إخوتِه على التوحيد من باب السلوكِ إلى سنن الملوك، أو للإشعار بأن الأخذَ والإعطاءَ ليس مما يُستبدّ به بل هو منوطٌ بآراء أولي الحلِّ والعقد، وإيثارُ {مَنْ وجدنا متاعنا عنده} دون مَنْ سرق متاعنا لتحقيق الحقِّ والاحتراز عن الكذب في الكلام مع تمام المرام فإنهم لا يحمِلون وُجدان الصُّواعِ في الرحل على محمل غيرِ السرقة: {إِنَّا إِذًا} أي إذا أخذنا غيرَ من وجدنا متاعنا عنده ولو برضاه: {لظالمون} في مذهبكم وما لنا ذلك، وهذا المعنى هو الذي أريد بالكلام في أثناء الحوارِ، وله معنى باطنٌ هو أن الله عز وجل إنما أمرني بالوحي أن آخذَ بنيامينَ لمصالحَ علمها الله في ذلك فلو أخذتُ غيرَه كنت ظالمًا وعاملًا بخلاف الوحي. اهـ.

.قال الألوسي:

{قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ}
{قَالُواْ} أي الإخوة: {إِن يَسْرِقْ} يعنون بنيامين: {فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ} يريدون به يوسف عليه السلام وما جرى عليه من جهة عمته، فقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد قال: كان أول ما دخل على يوسف عليه السلام من البلاء فيما بلغني أن عمته كانت تحضنه وكانت أكبر ولد إسحاق عليه السلام وكانت إليها منطقة أبيها وكانوا يتوارثونها بالكبر فكانت لا تحب أحدًا كحبها إياه حتى إذا ترعرع وقعت نفس يعقوب إليه فأتاها فقال: يا أختاه سلمي إلى يوسف فوالله ما أقدر على أن يغيب عني ساعة فقالت، والله ما أنا بتاركته فدعه عندي أيامًا أنظر إليه لعل ذلك يسليني، فلما خرج يعقوب عليه السلام من عندها عمدت إلى تلك المنطقة فحزمتها على يوسف عليه السلام من تحت ثيابه ثم قالت: فقدت منطقة أبي إسحاق فانظروا من أخذها فالتمست ثم قالت: اكشفوا أهل البيت فكشفوهم فوجودها مع يوسف عليه السلام فقالت: والله إنه لسلم لي أصنع فيه ما شئت فأتاها يعقوب فأخبرته الخبر فقال لها: أنت وذاك إن كان فعل فأمسكته فما قدر عليه حتى ماتت.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الآية: «سرق يوسف عليه السلام صنمًا لجده أبي أمه من ذهب وفضة فكسره وألقاه على الطريق فعيره إخوته بذلك»، وأخرج غير واحد عن زيد بن أسلم قال: كان يوسف عليه السلام غلامًا صغيرًا مع أمه عند خال له وهو يلعب مع الغلمان فدخل كنيسة لهم فوجد تمثالًا صغيرًا من ذهب فأخذه وذلك الذي عنوه بسرقته.
وقال مجاهد: إن سائلًا جاءه يومًا فأخذ بيضة فناولها إياه: وقال سفيان بن عيينة: أخذ دجاجة فأعطاها السائل.
وقال وهب: كان عليه السلام يخبئ الطعام من المائدة للفقراء وقيل وقيل.
وعن ابن المنير أن ذلك تصلف لا يسوغ نسبة مثله إلى بيت النبوة بل ولا إلى أحد من الأشراف فالواجب تركه وإليه ذهب مكي.
وقال بعضهم: المعنى إن يسرق فقد سرق مثله من بني آدم وذكر له نظائر في الحديث، قيل: وهو كلام حقيق بالقبول.
وأنت تعلم أن في عد كل ما قيل في بيان المراد من سرقة الأخ تصلفًا تصلف فإن فيه ما لا بأس في نسبته إلى بيت النبوة، وإن ادعى أن دعوى نسبتهم السرقة إلى يوسف عليه السلام مما لا يليق نسبة مثله إليهم لأن ذلك كذب إذ لا سرقة في الحقيقة وهم أهل بيت النبوة الذين لا يكذبون جاء حديث أكله الذئب وهم غير معصومين أولًا وآخرًا وما قاله البعض.
وقيل: إنه كلام حقيق بالقبول مما يأباه ما بعد كما لا يخفى على من له ذوق، على أن ذلك في نفسه بعيد ذوقًا وأتوا بكلمة: {إن} لعدم جزمهم بسرقته بمجرد خروج السقاية من رحله، فقد وجدوا من قبل بضاعتهم في رحالهم ولم يكونوا سارقين.
وفي بعض الروايات أنهم لما رأوا إخراج السقاية من رحله خجلوا فقالوا: يا ابن راحيل كيف سرقت هذه السقاية؟ فرفع يده إلى السماء فقال: والله ما فعلت فقالوا: فمن وضعها في رحلك؟ قال: الذي وضع البضاعة في رحالكم، فإن كان قولهم: {إِن يَسْرِقْ} الخ بعد هذه المقاولة فالظاهر أنها هي التي دعتهم: {لاِنْ} وأما قولهم: {إِنَّ ابنك سَرَقَ} [يوسف: 81] فبناءً على الظاهر ومدعي القوم وكذا علمهم مبني على ذلك؛ وقيل: إنهم جزموا بذلك: {وَأَنْ} لمجرد الشرط ولعله الأولى لظاهر ما يأتي إن شاء الله تعالى تحقيقه: {ويسرق} لحكاية الحال الماضية، والمعنى إن كان سرق فليس يبدع لسبق مثله من أخيه وكأنهم أرادوا بذلك دفع المعرة عنهم واختصاصها بالشقيقين، وتنكير: {وَلَهُ أَخٌ} لأن الحاضرين لا علم لهم به.
وقرأ أحمد بن جبير الأنطاكي وابن أبي سريج عن الكسائي والوليد بن حسان وغيرهم: {فَقَدْ سَرَقَ} بالتشديد مبنيًا للمفعول أي نسب إلى السرقة: {فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ} الضمير لما يفهم من الكلام والمقام أي أضمر الحزازة التي حصلت له عليه السلام مما قالوا، وقيل: أضمر مقالتهم أو نسبة السرقة إليه فلم يجبهم عنها: {فِى نَفْسِهِ} لا أنه أسرها لبعض أصحابه كما في قوله تعالى: {وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا} [نوح: 9]: {وَلَمْ يُبْدِهَا} أي يظهرها: {لَهُمْ} لا قولًا ولا فعلًا صفحًا لهم وحلمًا وهو تأكيد لما سبق: {قَالَ} أي في نفسه، وهو استئناف مبني على سؤال نشأ من الأخبار بالأسرار المذكور كأنه قيل: فماذا قال في نفسه في تضاعيف ذلك؟ فقيل: قال: {أَنْتُمْ شَرٌّ مَّكَانًا} أي منزلة في السرق، وحاصله أنكم أثبت في الاتصاف بهذا الوصف وأقوى فيه حيث سرقتم أخاكم من أبيكم ثم طفقتم تفترون على البرئ، وقال الزجاج: إن الإضمار هنا على شريطة التفسير لأن: {قَالَ أَنْتُمْ} الخ بدل من الضمير، والمعنى فأسر يوسف في نفسه قوله: {أَنْتُمْ شَرٌّ مَّكَانًا} والتأنيث باعتبار أنه جملة أو كلمة.
وتعقب ذلك أبو علي بأن الإضمار على شريطة التفسير على ضربين:
أحدهما: أن يفسر بمفرد نحو نعم رجلًا زيد وربه رجلًا.
وثانيهما: أن يفسر بجملة كقوله تعالى: {قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ} [الصمد: 1] وأصل هذا أن يقع في الإبتداء ثم يدخل عليه النواسخ نحو: {إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا} [طه: 74]: {فَإِنَّهَا لاَ لأوْلِى الأبصار} [الحج: 46] وليس منها شفاء النفس مبذول وغير ذلك، وتفسير المضمر في كلا الموضعين متصل بالجملة التي قبلها المتضمنة لذلك المضمر ومتعلق بها ولا يكون منقطعًا عنها والذي ذكره الزجاج منقطع فلا يكون من الإضمار على شريطة التفسير.