فصل: قال القاسمي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{وَلاَ تَايْئَسُواْ مِن رَّوْحِ الله} أي لا تقنطوا من فرجه سبحانه وتنفيسه، وأصل معنى الروح بالفتح كما قال الراغب التنفس يقال: أراح الإنسان إذا تنفس ثم استعير للفرج كما قيل: له تنفيس من النفس.
وقرأ عمر بن عبد العزيز والحسن وقتادة: {رُوحُ} بالضم، وفسر بالرحمة على أنه استعارة من معناها المعروف لأن الرحمن سبب الحياة كالروح وإضافتها إلى الله تعالى لأنها منه سبحانه، وقال ابن عطية كأن معنى هذه القراءة لا تيأسوا من حي معه روح الله الذي وهبه فإن كل من بقيت روحه يرجى، ومن هذا قوله:
وفي غير من قدورات الأرض فاطمع

وقول عبيد بن الأبرص:
وكل ذي غيبة يؤب ** وغائب الموت لا يؤب

وقرأ أبي: {مِن رَّحْمَةِ الله} وعبد الله: {مِن فَضْلِ الله} وكلاهما عند أبي حيان تفسير لا قراءة. وقرئ: {تأيسوا}.
وقرأ الأعرج: {تيئسوا} بكسر التاء والأمر والنهي على ما قيل إرشاد لهم إلى بعض ما أبهم في قوله: {وَأَعْلَمُ مِنَ الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ} [يوسف: 86] ثم إنه عليه السلام حذرهم عن ترك العمل بموجب نهيه بقوله: {أَنَّهُ} أي الشأن: {لاَ يَايْئَسُ مِن رَّوْحِ الله إِلاَّ القوم الكافرون} لعدم علمه بالله تعالى وصفاته فإن العارف لا يقنط في حال من الأحوال أو تأكيدًا لما يعلمونه من ذلك، قال ابن عباس: إن المؤمن من الله تعالى على خير يرجوه في البلاء ويحمده في الرخاء.
وذكر الإمام أن اليأس لا يحصل إلا إذا اعتقد الإنسان أن الإله غير قادر على الكمال أو غير عالم بجميع المعلومات أو ليس بكريم، واعتقاد كل من هذه الثلاث يوجب الكفر فإذاكان اليأس لا يحصل إلا عند حصول أحدها وكل منها كفر ثبت أن اليأس لا يحصل إلا لمن كان كافرًا، واستدل بعض أصحابنا بالآية على أن اليأس من رحمة الله تعالى كفر، وادعى أنها ظاهرة في ذلك.
وقال الشهاب: ليس فيها دليل على ذلك بل هو ثابت بدليل آخر، وجمهور الفقهاء على أن اليأس كبيرة ومفادة الآية أنه من صفات الكفار لا أن من ارتكبه كان كافرًا بارتكابه، وكونه لا يحصل إلا عند حصول أحد المكفرات التي ذكرها الإمام مع كونه في حيز المنع لجواز أن ييأس من رحمه الله تعالى إياه مع إيمانه بعموم قدرته تعالى وشمول علمه وعظم كرمه جل وعلا لمجرد استعظام ذنبه مثلًا واعتقاده عدم أهليته لرحمة الله تعالى من غير أن يخطر له أدنى ذرة من تلك الاعتقادات السيئة الموجبة للكفر لا يستدعي أكث من اقتضائه سابقية الكفر دون كون ارتكابه نفسه كفرًا كذا قيل، وقيل: الأولى التزام القول بأن اليأس قد يجامع الايمان وأن القول بأنه لا يحصل إلا بأحد الاعتقادات المذكورة غير بين ولا مبين.
نعم كونه كبيرة مما لا شك فيه بل جاء عن ابن مسعود رضي الله عنه تعالى عنه أنه أكبر الكبائر، وكذا القنوط وسوء الظن، وفرقوا بينها بأن اليأس عدم أمل وقوع شيء من أنواع الرحمة له، والقنوط هو ذاك مع انضمام حالة هي أشد منه في التصميم على عدم الوقوع، وسوء الظن هو ذاك مع انضمام أنه مع عدم رحمته له يشدد له العذاب كالكفار.
وذكر ابن نجيم في بعض رسائله ما به يرجع الخلاف بين من قال: إن اليأس كر ومن قال: إنه كبيرة لفظيًا فقال: قد ذكر الفقهاء من الكبائر الأمن من مكر الله تعالى واليأس من رحمته وفي العقائد واليأس من رحمة الله تعالى كفر فيحتاج إلى التوفيق.
والجواب أن المراد باليأس إنكار سعة الرحمة للذنوب، ومن الأمن الاعتقاد أن لا مكر، ومراد الفقهاء من اليأس اليأس لاستعظام ذنوبه واستبعاد العفو عنها، ومن الأمن الأمن لغلبة الرجاء عليه بحيث دخل في حد الأمن ثم قال: والأوفق بالسنة طريق الفقهاء لحديث الدارقطني عن ابن عباس مرفوعًا حيث عدها من الكبائر وعطفها على الإشراك بالله تعالى اه وهو تحقيق نفيس فليفهم. اهـ.

.قال القاسمي:

{وَتَوَلَّى} أي: أعرض: {عَنْهُمْ} أي: عن بنيه كراهة لما جاؤوا به: {وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ} أي: يا حزني الشديد، و (الألف) بدل من ياء المتكلم للتخفيف. وقيل: هي ألف الندبة، والهاء محذوفة. و (الأسف) أشد الحزن والحسرة على ما فات، وإنما تأسف على يوسف دون أخويه، والحادث رزأهما. والرزء الأحدث أشد على النفس، وأظهر أثرًا؛ لأن الرزء في يوسف كان قاعدة مصيباته التي ترتبت عليها الرزايا في ولده، فكان الأسف عليه أسفًا على من لحق به، ولأنه لم يُزل عن فكره، فكان غضًا طريًا عنده، كما قيل:
ولم تُنسني أوفى المصيبات بعده ** وكل جديد يُذكر بالقديم

ولأنه كان واثقًا بحياتهما- دون حياته.
{وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ} وذلك لكثرة بكائه.
قال الزمخشري: إذا كثر الاستعبار محقت العبرة سواد العين، وقلبته إلى بياض كدر: {فَهُوَ كَظِيمٌ} أي: مملوء من الغيظ على أولاده، ولا يظهر ما يسوؤهم. (فعليل) بمعنى (مفعول) كقوله: {وَهُوَ مَكْظُومٌ} [القلم: من الآية 48]، أو بمعنى شديد التجرع للغيظ أو الحزن؛ لأنه لم يشكه إلى أحد قط. فهو بمعنى (فاعل).
تنبيه:
دلت الآية على جواز التأسف والبكاء عند المصيبة.
قال الزمخشري: فإن قلت: كيف جاز لنبي الله أن يبلغ به الجزع ذلك المبلغ؟.
قلت: الإنسان مجبول على أن لا يملك نفسه عند الشدائد من الحزن، ولذلك حمد صبره، وأن يضبط نفسه حتى لا يخرج إلى ما لا يحسن.
ولقد بكى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ولده إبراهيم وقال: «إن العين تدمع والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون». وإنما الجزع المذموم ما يقع من الجهلة من الصياح والنياحة ولطم الصدور والوجوه وتمزيق الثياب.
وعن الحسن أنه بكى على ولد أو غيره، فقيل له في ذلك؟ فقال: ما رأيت الله جعل الحزن عارًا على يعقوب.
وقوله تعالى: {قَالُواْ} أي: أولاد يعقوب لأبيهم على سبيل الرفق به، والشفقة عليه: {تَالله تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا} أي: مريضًا مشفيًا على الهلاك: {أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ} أي: بالموت. يقولون: إن استمر بك هذا الحال، خشينا عليك الهلاك والتلف، واستدل به على جواز الحلف بغلبة الظن. وقيل: إنهم علموه، لكنهم نزَّلوه منزلة المنكر، فلذا أكدوه. و: {تَفْتَأُ} مضارع فتئ، مثلثة التاء. يستعمل مع النفي ملفوظًا أو منويًا؛ لأن موضعه معلوم، فيحذف للتخفيف كقوله:
فقلت يمين الله أبرح قاعدًا ** ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي

أي: لا أبرح. ومعنى (تفتأ): لا تزال ولا تبرح.
{قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي} أي: غمي وحالي: {وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ} أي: لا أشكو إلى أحد منكم ومن غيركم، إنما أشكو إلى ربي داعيًا له، وملتجئًا إليه، فخلوني وشكايتي.
{وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ} أي: لمن شكا إليه من إزالة الشكوى، ومزيد الرحمة: {مَا لاَ تَعْلَمُونَ} ما يوجب حسن الظن به، وهو مع ظن عبده به.
ولما علم من شدة البلاء مع الصبر، قرب الفرج، قوى رجاءهم، وأمرهم أن يرحلوا لمصر، ويتطلبوا خبر يوسف وأخيه بقوله: {يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ} أي: تعرَّفوا من نبئهما، وتخبروا خبرهما: {وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ} أي: فرجه ورحمته المريحة من الشدة: {إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ} لم يُقل (منه) إشارة إلى ظهور حصوله لمن لم ييأس: {إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} أي: بالله ورحمته، وقدرته على إفاضة الروح، بعد مضي المدة في الشدة وسنته في إفاضة اليسر مع العسر، لاسيما في حق من أحسن الظن به. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ}
انتقال إلى حكاية حال يعقوب عليه السلام في انفراده عن أبنائه ومناجاته نفسه، فالتولي حاصل عقب المحاورة.
و{تولى}: انصرف، وهو انصراف غَضَب.
ولمّا كان التولّي يقتضي الاختلاء بنفسه ذكر من أخواله تجدد أسفه على يوسف عليه السلام فقال: {يا أسفى على يوسف} والأسف؛ أشد الحزن، أسِف كحزن.
ونداء الأسف مجاز.
نزّل الأسف منزلة من يعقل فيقول له: احضر فهذا أوان حضورك، وأضاف الأسف إلى ضمير نفسه لأن هذا الأسف جزئي مختص به من بين جزئيات جنس الأسف.
والألف عوض عن ياء المتكلم فإنها في النداء تبدل ألفًا.
وإنما ذكر القرآن تحسّره على يوسف عليه السلام ولم يذكر تحسره على ابنيه الآخرين لأن ذلك التحسّر هو الذي يتعلق بهذه القصة فلا يقتضي ذكرُه أن يعقوب عليه السلام لم يتحسّر قط إلاّ على يوسف، مع أن الواو لا تفيد ترتيب الجمل المعطوفة بها.
وكذلك عطف جملة: {وابيضت عيناه من الحزن} إذ لم يكن ابيضاض عينيه إلا في مدة طويلة.
فكل من التولّي والتحسر واببيضاض العينين من أحواله إلاّ أنها مختلفة الأزمان.
وابيضاض العينين: ضعُف البصر.
وظاهره أنه تبدّل لون سوادهما من الهزال.
ولذلك عبّر بـ: {وابيضت عيناه} دون عميت عيناه.
و{من} في قوله: {من الحزن} سببية.
والحزن سبب البكاء الكثير الذي هو سبب ابيضاض العينين.
وعندي أن ابيضاض العينين كناية عن عدم الإبصار كما قال الحارث بن حلزة:
قبل ما اليوم بيّضَتْ بعيون الن ** اس فيها تغيض وإباء

وأن الحزن هو السبب لعدم الإبصار كما هو الظاهر.
فإن توالي إحساس الحزن على الدماغ قد أفضى إلى تعطيل عمل عصب الإبصار؛ على أن البكاء من الحزن أمر جبليّ فلا يستغرب صدوره من نبيء، أو أن التصبّر عند المصائب لم يكن من سنة الشريعة الإسرائيلية بل كان من سننهم إظهار الحَزن والجزع عند المصائب.
وقد حكت التوراة بكاء بني إسرائيل على موسى عليه السلام أربعين يومًا، وحَكت تمزيق بعض الأنبياء ثيابهم من الجزع.
وإنما التصبر في المصيبة كمال بلغت إليه الشريعة الإسلامية.
والكظيم: مبالغة للكاظم.
والكَظم: الإمساك النفساني، أي كاظم للحزن لا يظهره بين الناس، ويبكي في خلوته، أو هو فعيل بمعنى مفعول، أي محزون كقوله: {وهو مكظوم}. وجملة {قالوا تالله} محاورة بنيه إياه عندما سمعوا قوله: {يا أسفى على يوسف} وقد قالها في خلوته فسمعوها.
والتاء حرف قسم، وهي عوض عن واو القسم.
قال في الكشاف في سورة الأنبياء: التاء فيها زيادة معنى وهو التعجب.
وسلمه في مغني اللبيب، وفسره الطيبي بأن المقسم عليه بالتاء يكون نادر الوقوع لأن الشيء المتعجب منه لا يكثر وقوعه ومن ثم قل استعمال التاء إلا مع اسم الجلالة لأن القسم باسم الجلالة أقوى القسم.
وجواب القسم هو: {تفتأ تذكر يوسف} باعتبار ما بعده من الغاية، لأن المقصود من هذا اليمين الإشفاق عليه بأنه صائر إلى الهلاك بسبب عدم تناسيه مصيبة يوسف عليه السلام وليس المقصود تحقيق أنه لا ينقطع عن تذكر يوسف.
وجواب القسم هنا فيه حرف النفي مقدر بقرينة عدم قرنه بنون التوكيد لأنه لو كان مثبتًا لوجب قرنه بنون التوكيد فحذف حرف النفي هنا.
ومعنى: {تفتأ} تفتر.
يقال: فتئ من باب علم، إذا فتر عن الشيء.
والمعنى: لا تفتر في حال كونك تذكر يوسف.
ولملازمة النفي لهذا الفعل ولزوم حال يعقب فاعله صار شبيهًا بالأفعال الناقصة.
و{حرضًا} مصدر هو شِدة المرض المشفي على الهلاك، وهو وصف بالمصدر، أي حتى تكون حرضًا، أي بالِيًا لا شعور لك.
ومقصودهم الإنكار عليه صدًا له عن مداومة ذكر يوسف عليه السلام على لسانه لأن ذكره باللسان يفضي إلى دوام حضوره في ذهنه.
وفي جعلهم الغاية الحرض أو الهلاك تعريض بأنه يذكر أمرًا لا طمع في تداركه، فأجابهم بأن ذكره يوسف عليه السلام موجه إلى الله دْعاءً بأن يردّه عليه.
فقوله: {يا أسفى على يوسف} تعريض بدعاء الله أن يزيل أسفه بردّ يوسف عليه السلام إليه لأنه كان يعلم أن يوسف لم يهلك ولكنه بأرض غربة مجهولة، وعلم ذلك بوحي أو بفراسة صادقة وهي المسماة بالإلهام عند الصوفية.
فجملة: {إنما أشكوا بثي وحزني إلى الله} مفيدة قصر شكواه على التعلّق باسم الله، أي يشكو إلى الله لا إلى نفسه ليجدد الحزن، فصارت الشكوى بهذا القصد ضراعة وهي عبادة لأن الدعاء عبادة، وصار ابييضاض عينيه الناشئ عن التذكر الناشئ عن الشكوى أثرًا جسديًا ناشئًا عن عبادة مثل تفطّر أقدام النبي صلى الله عليه وسلم من قيام الليل.
والبَثّ: الهمّ الشديد، وهو التفكير في الشيء المُسيء.
والحزن: الأسف على فائت.
فبينَ الهمّ والحزننِ العمومُ والخصوص الوجهي، وقد اجتمعا ليعقوب عليه السلام لأنه كان مهتمًا بالتفكير في مصير يوسف عليه السلام وما يعترضه من الكرب في غربته وكان آسفًا على فراقه.
وقد أعقب كلامه بقوله: {وأعلم من الله ما لا تعلمون} لينبّههم إلى قصور عقولهم عن إدراك المقاصد العَالية ليعلموا أنهم دون مرتبة أن يعلّموه أو يلوموه، أي أنا أعلم علمًا من عند الله علّمنيه لا تعلمونه وهو علم النبوءة.
وقد تقدم نظير هذه الجملة في قصة نوح عليه السلام من سورة الأعراف فهي من كلام النبوءة الأولى.
وحكي مثلها عن شعيب عليه السلام في سورة الشعراء.
وفي هذا تعريض برد تعرضهم بأنه يطمع في المحال بأن ما يحسبونه محالًا سيقع.
ثم صرح لهم بشيء ممّا يعلمه وكاشفهم بما يحقق كذبهم ادعاء ائتكال الذئب يوسف عليه السلام حين أذنه الله بذلك عند تقدير انتهاء البلوى فقال: {يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه}.
فجملة: {يا بني اذهبوا} مستأنفة استئنافًا بيانيًا، لأن في قوله: {وأعلم من الله ما لا تعلمون} ما يثير في أنفسهم ترقب مكاشفته على كذبهم فإن صاحب الكيد كثير الظنون: {يحسبون كل صيحة عليهم} [المنافقون: 4].
والتحسّس بالحاء المهملة: شدة التطلّب والتعرّف، وهو أعم من التجسس بالجيم فهو التطلّب مع اختفاء وتستر.
والرّوْح بفتح الراء: النفَس بفتح الفاء استعير لكشف الكرب لأن الكرب والهمّ يطلق عليهما الغَمّ وضيق النفَس وضيق الصدر، كذلك يطلق التنفس والتروح على ضد ذلك، ومنه استعارة قولهم: تنفس الصبح إذا زالت ظلمة الليل.
وفي خطابهم بوصف البُنوّة منه ترقيق لهم وتلطف ليكون أبعث على الامتثال.
وجملة {إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون} تعليل للنهي عن اليأس، فموقع: {إنّ} التعليل.
والمعنى: لا تيأسوا من الظفر بيوسف عليه السلام معتلين بطول مدة البعد التي يبعد معها اللقاء عادة.
فإن الله إذا شاء تفريج كربة هيّأ لها أسبابها، ومن كان يؤمن بأن الله واسع القدرة لا يُحيل مثل ذلك فحقّه أن يأخذ في سببه ويعتمد على الله في تيسيره، وأما القوم الكافرون بالله فهم يقتصرون على الأمور الغالبة في العادة وينكرون غيرها.
وقرأ البزي بخُلف عنه: {ولا تأْيَسُوا} و: {إنه لا يَأيس} بتقديم الهمزة على الياء الثانية، وتقدم في قوله: {فلمّا استيأسوا منه} [سورة يوسف: 80]. اهـ.