فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وعن ابن عباس أيضًا: تجهلون، وعنه أيضًا: تضعفون. وقال عطاء وابن جبير: تكذبون. وقال الحسن: تهرمون. وقال ابن زيد، والضحاك ومجاهد أيضًا: تقولون ذهب عقلك وخرفت. وقال أبو عمرو: تقبحون. وقال الكسائي: تعجزون. وقال أبو عبيدة: تضللون. وقيل: تخطئون. وهذه كلها متقاربة في المعنى، وهي راجعة لاعتقاد فساد رأي المفند إما لجهله، أو لهوى غالب عليه، أو لكذبه، أو لضعفه وعجزه لذهاب عقله بهرمه.
وقال منذر بن سعيد البلوطي: يقال شج مفند أي: قد فسر رأيه، ولا يقال: عجوز مفندة، لأن المرأة لم يكن لها رأي قط أصيل فيدخله التفنيد.
وقال معناه الزمخشري قال: التفنيد النسبة إلى الفند وهو الخوف وإنكارالعقل، من هرم يقال: شيخ مفند، ولا يقال عجوز مفندة، لأنها لم تكن في شبيبتها ذات رأي فنفند في كبرها، ولولا هنا حرف امتناع لوجود، وجوابها محذوف.
قال الزمخشري: المعنى لولا تفنيدكم إياي لصدقتموني انتهى.
وقد يقال: تقديره لولا أن تفندوني لأخبرتكم بكونه حيًا لم يمت، لأن وجداني ريحه دال على حياته.
والمخاطب بقوله: تفندون، الظاهر من تناسق الضمائر أنه عائد على من كان بقي عنده من أولاده غير الذين راحوا يمتارون، إذ كان أولاده جماعة.
وقيل: المخاطب ولد ولده ومن كان بحضرته من قرابته.
والضلال هنا لا يراد به ضد الهدى والرّشاد، قال ابن عباس: المعنى إنك لفي خطئك، وكان حزن يعقوب قد تجدد بقصة بنيامين، ولذلك يقال له: ذو الحزنين.
وقال مقاتل: الشقاء والعناء.
وقال ابن جبير: الجنون، ويعني والله أعلم غلبة المحبة.
وقيل: الهلاك والذهاب من قولهم: ضل الماء في اللبن أي: ذهب فيه.
وقيل: الحب، ويطلق الضلال على المحبة.
وقال ابن عطية: ذلك من الجفاء الذي لا يسوغ لهم مواجهته به، وقد تأوله بعض الناس على ذلك، ولهذا قال قتادة: قالوا لوالدهم كلمة غليظة لم يكن ينبغي لهم أن يقولوها لوالدهم، ولا لنبي الله صلى الله عليه وسلم.
وقال الزمخشري: لفي ذهابك عن الصواب قدمًا في إفراط محبتك ليوسف، ولهجك بذكره، ورجاءك لقاءه، وكان عندهم أنه قد مات.
روي عن ابن عباس أنّ البشير كان يهوذا، لأنه كان جاء بقميص الدم.
وقال أبو الفضل الجوهري: قال يهوذا لإخوته: قد علمتم أني ذهبت إليه بقميص القرحة، فدعوني أذهب إليه بقميص الفرحة فتركوه، وقال هذا المعنى: السدي.
وأن تطرد زيادتها بعد لما، والضمير المستكن في ألقاه عائد على البشير، وهو الظاهر، هو لقوله: فألقوه.
وقيل: يعود على يعقوب، والظاهر أنه أريد الوجه كله كما جرت العادة أنه متى وجد الإنسان شيئًا يعتقد فيه البركة مسح به وجهه.
وقيل: عبر بالوجه عن العينين لأنهما فيه.
وقيل: عبر بالكل عن البعض.
وارتدَّ عدّه بعضهم في أخوات كان، والصحيح أنها ليست من أخواتها، فانتصب بصيرًا على الحال والمعني: أنه رجع إلى حالته الأولى من سلامة البصر.
ففي الكلام ما يشعر أنّ بصره عاد أقوى مما كان عليه وأحسن، لأنّ فعيلًا من صيغ المبالغة، وما عدل من مفعل إلى فعيل إلا لهذا المعنى انتهى.
وليس كذلك لأنّ فعيلًا هنا ليس للمبالغة، إذ فعيل الذي للمبالغة هو معدول عن فاعل لهذا المعنى.
وأما بصيرًا هنا فهو اسم فاعل من بصر بالشيء، فهو جار على قياسٍ فعل نحو ظرف فهو ظريف، ولو كان كما زعم بمعنى مبصر لم يكن للمبالغة أيضًا، لأنّ فعيلًا بمعنى ليس للمبالغة نحو: أليم وسميع بمعنى مؤلم ومسمع.
وروي أن يعقوب سأل البشير كيف يوسف؟ قال: ملك مصر.
قال: ما أصنع بالملك؟ قال: على أي دين تركته؟ قال: على الإسلام، قال: الآن تمت النعمة.
وقال الحسن: لم يجد البشير عند يعقوب شيئًا يبيته به وقال: ما خبرنا شيئًا منذ سبع ليال، ولكن هون الله عليك سكرات الموت.
وقال الضحاك: رجع إليه بصره بعد العمى، والقوة بعد الضعف، والشباب بعد الهرم، والسرور بعد الكرب.
والظاهر أن قوله: إني أعلم، محكي بالقول ويريد به إنما أشكوا بثي وحزني إلى الله، وأعلم من الله ما لا تعلمون.
فقيل: ما لا تعلمون من حياة يوسف، وأن الله يجمع بيننا وبينه.
وقيل: من صحة رؤيا يوسف عليه السلام، وقيل: من بلوى الأنبياء بالحزن، ونزول الفرج، وقيل: من إخبار ملك الموت إياي، وكان أخبره أنه لم يقبض روحه.
وقال ابن عطية: ما لا تعلمون هو انتظاره لتأويل الرؤيا، ويحتمل أن يشير إلى حسن ظنه بالله فقط.
وقال الزمخشري: ألم أقل لكم يعني قوله: إني لأجد ريح يوسف، أو قوله: ولا تيأسوا من روح الله.
وقوله إني أعلم، كلام مبتدأ لم يقع عليه القول انتهى.
وهو خلاف الظاهر الذي قدمناه.
ولما رجع إليه بصره وقرت عينه بالمسير إلى ابنه يوسف، وقررهم على قوله: ألم أقل لكم؟ طلبوا منه أن يستغفر لهم الله لذنوبهم، واعترفوا بالخطأ السابق منهم، وسوف أستغفر لكم: عدة لهم بالاستغفار بسوف، وهي أبلغ في التنفيس من السين.
فعن ابن مسعود: أنه أخر الاستغفار لهم إلى السحر.
وعن ابن عباس: إلى ليلة الجمعة، وعنه: إلى سحرها.
قال السدي، ومقاتل، والزجاج: أخر لإجابة الدعاء، لا ضنة عليهم بالاستغفار.
وقالت فرقة: سوف إلى قيام الليل.
وقال ابن جبير وفرقة: إلى الليالي البيض، فإن الدعاء فيها يستجاب.
وقال الشعبي: أخره حتى يسأل يوسف، فإن عفا عنهم استغفر لهم.
وقيل: أخرهم ليعلم حالهم في صدق التوبة وإخلاصها.
وقيل: أراد الدوام على الاستغفار لهم.
ولما وعدهم بالاستغفار رجاهم بحصول الغفران بقوله: إنه هو الغفور الرحيم. اهـ.

.قال أبو السعود:

{اذهبوا بِقَمِيصِى هذا}
قيل: هو الذي كان عليه حينئذ، وقيل: هو القميصُ المتوارَث الذي كان في التعويذ أمره جبريلُ بإرساله إليه وأوحى إليه أن فيحَ ريحِ الجنةِ لا يقع على مبتلىً إلا عُوفي: {فَأَلْقُوهُ على وَجْهِ أَبِى يَأْتِ بَصِيرًا} يكن بصيرًا أو يأت إليَّ بصيرًا، وينصره قوله: {وَأْتُونِى بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ} أي بأبي وغيره ممن ينتظمه لفظُ الأهل جميعًا من النساء والذراري. قيل: إنما حمل القميصَ يهوذا وقال: أنا أحزنتُه بحمل القميصِ ملطخًا بالدم إليه فأُفرِحه كما أحزنته، وقيل: حمله وهو حافٍ حاسرٌ من مصر إلى كنعان وبينهما مسيرةُ ثمانين فرسخًا.
{وَلَمَّا فَصَلَتِ العير} خرجت من عريش مصر، يقال: فصَل من البلد فصولًا إذا انفصل منه وجاوز حيطانَه، وقرأ ابن عباس رضي الله تعالى عنهما انفصل العير: {قَالَ أَبُوهُمْ} يعقوبُ عليه الصلاة والسلام لمن عنده: {إِنّى لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ} أوجده الله سبحانه ما عبق بالقميص من ريح يوسف من ثمانين فرسخًا حين أقبل به يهوذا: {لَوْلاَ أَن تُفَنّدُونِ} أي تنسُبوني إلى الفند وهو الخرفُ وإنكارُ العقل وفسادُ الرأي مِنُ هرمٍ، يقال: شيخٌ مفنّد ولا يقال عجوزٌ مفنّدة إذ لم تكن في شبيبتها ذاتَ رأي فتُفَنّد في كِبَرها، وجواب لولا محذوف أي لصدقتموني: {قَالُواْ} أي الحاضرون عنده: {تالله إِنَّكَ لَفِى ضلالك القديم} لفي ذهابك عن الصواب قدُمًا في إفراط محبتِك ليوسف ولَهجِك بذكره ورجائِك للقائه وكان عندهم أنه قد مات.
{فَلَمَّا أَن جَاء البشير} وهو يهوذا: {أَلْقَاهُ} أي ألقى البشيرُ القميصَ: {على وَجْهِهِ} أي وجه يعقوب أو ألقاه يعقوبُ على وجه نفسه: {فارتد} عاد: {بَصِيرًا} لما انتعش فيه من القوة: {قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ} يعني قولَه: إني لأجد ريحَ يوسف، فالخطابُ لمن كان عنده بكنعان أو قولَه: ولا تيأسوا من رَوْح الله فالخطابُ لبنيه وهو الأنسب بقوله: {إِنّى أَعْلَمُ مِنَ الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ} فإن مدارَ النهي المذكورِ إنما هو العلمُ الذي أوتي يعقوبُ من جهة الله سبحانه وعلى هذا يجوز أن يكون هذا مقولَ القولِ أي ألم أقل لكم حين أرسلتكم إلى مصرَ وأمرتُكم بالتحسس ونهيتُكم عن اليأس من رَوْح الله تعالى وأعلم من الله ما لا تعلمون من حياة يوسف عليه الصلاة والسلام. روي أنه سأل البشيرَ: كيف يوسف؟ فقال: هو ملِكُ مصرَ، قال: ما أصنع بالمُلك، على أي دينٍ تركتَه؟ قال: على دين الإسلام، قال: الآن تمت النِّعمة.
{قَالُواْ يَا أَبَانَا استغفر لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خاطئين}
ومن حق من اعترف بذنبه أن يُصفح عنه ويُستغفرَ له فكأنهم كانوا على ثقة من عفوه عليه الصلاة السلام ولذلك اقتصروا على استدعاء الاستغفار وأدرجوا ذلك في الاستغفار.
{قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبّى إِنَّهُ هُوَ الغفور الرحيم} وهذا مُشعرٌ بعفوه، قيل: أخّر الاستغفارَ إلى وقت السحر، وقيل: إلى ليلة الجمعة ليتحرّى به وقت الإجابة، وقيل: أخّره إلى أن يستحِلَّ لهم من يوسف عليه الصلاة والسلام أو يعلم أنه قد عفا عنهم فإن عفوَ المظلوم شرطُ المغفرة، ويعضُده أنه روي عنه أنه استقبل القِبلة قائمًا يدعو وقام يوسفُ خلفه يؤمّن وقاموا خلفَهما أذلةً خاشعين عشرين سنة حتى إذا بلغ جهدَهم وظنوا أنها الهلكة نزل جبريل عليه الصلاة والسلام فقال: إن الله قد أجاب دعوتَك في ولدك وعقدوا مواثيقهم بعدك على النبوة فإن صح ثبتت نبوتُهم وإن ما صدر عنهم إنما صدر قبل الاستنباء. وقيل: المرادُ الاستمرارُ على الدعاء فقد روي أنه كان يستغفر كلَّ ليلةِ جمعةٍ في نيّف وعشرين سنة، وقيل: قام إلى الصلاة في وقت السحر، فلما فرَغ رفع يديه فقال: اللهم اغفِرْ لي جزَعي على يوسف وقلةَ صبري عنه واغفِر لولدي ما أتوا إلى أخيهم فأوحى الله إليه أن الله قد غفر لك ولهم أجمعين. اهـ.

.قال الألوسي:

{اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا}
هو القميص الذي كان عليه حينئذٍ كما هو الظاهر؛ وعن ابن عباس وغيره أنه القميص الذي كساه الله تعالى إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار وكان من قمص الجنة جعله يعقوب حين وصل إليه في قصبة فضة وعلقه في عنق يوسف وكان لا يقع على عاهة من عاهات الدنيا إلا أبرأها بإذن الله تعالى.
وضعف هذا بأن قوله: {إِنّى لاجِدُ رِيحَ يُوسُفَ} [يوسف: 94] يدل على أنه عليه السلام كان لابسًا له في تعويذته كما تشهد به الإضافة إلى ضميره وهو تضعيف ضعيف كما لا يخفى، وقيل: هو القميص الذي قد من دبر وأرسله ليعلم يعقوب أنه عصم من الفاحشة ولا يخفى بعده، وأيًا ما كان فالباء إما للمصاحبة أو للملابسة أي اذهبوا مصحوبين أو ملتبسين به أو للتعدية على ما قيل أي اذهبوا قميصي هذا: {فَأَلْقُوهُ على وَجْهِ أَبِى يَأْتِ بَصِيرًا} أي يصر بصيرًا ويشهد له: {فارتد بَصِيرًا} [يوسف: 96] أو يأت إلي وهو بصير وينصره قوله: {وَأْتُونِى بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ} من النساء والذراري وغيرهم مما ينتظمه لفظ الأهل كذا قالوا.
وحاصل الوجهين كما قال بعض المدققين أن الإتيان في الأول مجاز عن الصيرورة ولم يذكر إتيان الأب إليه لا لكونه داخلًا في الأهل فإنه يجل عن التابعية بل تفاديًا عن أمر الإخوة بالإتيان لأنه نوع إجبار على من يؤتى به فهو إلى اختياره، وفي الثاني على الحقيقة وفيه التفادي المذكور، والجزم بأنه من الآتين لا محالة وثوقًا بمحبته وإن فائدة الإلقاء إتيانه على ما أحب من كونه معافى سليم البصر، وفيه أن صيرورته بصير أمر مفروع عنه مقطوع إنما الكلام في تسبب الإلقاء لإتيانه كذلك فهذا الوجه أرجح وإن كان الأول من الخلافة بالقبول بمنزل، وفيه دلالة على أنه عليه السلام قد ذهب بصره، وعلم يوسف عليه السلام بذلك يحتمل أن يكون بإعلامهم ويحتمل أن يكون بالوحي، وكذا علمه بما يترتب على الإلقاء يحتمل أن يكون عن وحي أيضًا أو عن وقوف من قبل على خواص ذلك القميص بالتجربة أو نحوها إن كان المراد بالقميص الذي كان في التعويذة ويتعين الاحتمال الأول إن كان المراد غيره على ما هو الظاهر.
وقال الإمام: يمكن أن يقال: لعل يوسف عليه السلام علم أن أباه ما عرا بصره ما عراه إلا من كثرة البكاء وضيق القلب فإذا ألقى عليه قميصه فلابد وأن ينشرح صدره وأن يحصل في قلبه الفرح الشديد وذلك يقوى الروح ويزيل الضعف عن القوى فحينئذٍ يقوى بصره ويزول عنه ذلك النقصان فهذا القدر مما يمكن معرفته بالعقل فإن القوانين الطبية تدل على صحته وأنا لا أرى ذلك، قال الكلبي: وكان أولئك الأهل نحوًا من سبعين إنسانًا وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس أنهم اثنان وسبعون من ولده وولد ولده، وقيل: ثمانون، وقيل: تسعون وأخرج ابن المنذر وغيره عن ابن مسعود أنهم ثلاثة وتسعون.
وقيل: ست وتسعون وقد نموا في مصر فخرجوا منها مع موسى عليه السلام وهم ستمائة ألف وخمسمائة وبضعة وسبعون رجلًا سوى الذرية والهرمى وكانت الذرية ألف ألف ومائتي ألف على ما قيل.
{وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ} خرجت من عريش مصر قاصدة مكان يعقوب عليه السلام وكان قريبًا من بيت المقدس والقول بأنه كان بالجزيرة لا يعول عليه، يقال: فصل من البلد يفصل فصولًا إذا انفصل منه وجاوز حيطانه وهو لازم وفصل الشيء فصلًا إذا فرقه وهو متعد.
وقرأ ابن عباس: {وَلَمَّا أَيَّتُهَا العير}، {قَالَ أَبُوهُمْ} يعقوب عليه السلام لمن عنده: {إِنّى لاجِدُ رِيحَ يُوسُفَ} أي لأشم فهو وجود حاسة الشم أشمه الله تعالى ما عبق بالقميص من ريح يوسف عليه السلام من مسيرة ثمانية أيام على ما روي عن ابن عباس، وقال الحسن وابن جريج: من ثمانين فرسخًا، وفي رواية عن الحسن أخرى من مسيرة ثلاثين يومًا.
وفي أخرى عنه من مسيرة عشر ليال، وقد استأذنت الريح على ما روي عن أبي أيوب الهروي في إيصال عرف يوسف عليه السلام فأذن الله تعالى لها، وقال مجاهد: صفقت الريح القميص فراحت روائح الجنة في الدنيا واتصلت بيعقوب عليه السلام فوجد ريح الجنة فعلم أنه ليس في الدنيا من ريحها إلا ما كان من ذلك القميص فقال ما قاله، ويبعد ذلك الإضافة فإنها حينئذٍ لأدنى ملابسة وهي فيما قبل وإن كانت كذلك أيضًا إلا أنها أقوى بكثير منها على هذا كما لا يخفى: {لَوْلاَ أَن تُفَنّدُونِ} أي تنسبوني إلى الفند بفتحتين ويستعمل بمعنى الفساد كما في قوله:
إلا سليمان إذ قال الإله له ** قم في البرية فاحددها عن الفند

وبمعنى ضعف الرأي والعقل من الهرم وكبر السن ويقال: فند الرجل إذا نسبه إلى الفند، وهو على ما قيل مأخوذ من الفند وهو الحجر كأنه جعل حجرًا لقلة فهمه كما قيل:
إذا أنت لم تعشق ولم تدر ما الهوى ** فكن حجرًا من يابس الصخر جلمد

ثم اتسع فيه فقيل فنده إذا ضعف رأيه ولامه على ما فعل؛ قال الشاعر:
يا عاذلي دعا لومي وتفنيدي ** فليس ما قلت من أمر بمردود

وجاء أفند الدهر فلانًا أفسده، قال ابن مقتل:
دع الدهر يفعل ما أراد فإنه ** إذا كلف الإفناد بالناس أفندا

ويقال: شيخ مفند إذا فسد رأيه، ولا يقال: عجوز مفندة لأنها لا رأي لها في شبيبتها حتى يضعف قاله الجوهري وغيره من أهل اللغة، وذكره الزمخشري في الكشاف وغيره، واستغربه السمين ولعل وجهه أن لها عقلًا وإن كان ناقصًا يشتد نقصه بكبر السن فتأمل، وجواب: {لَوْلاَ} محذوف أي لولا تفنيدكم إياي لصدقتموني أو لقلت: إن يوسف قريب مكانه أو لقاؤه أو نحو ذلك، والمخاطب قيل: من بقي من ولده غير الذين ذهبوا يمتارون وهم كثير، وقيل: ولد ولده ومن كان بحضرته من ذوي قرابته وهو المشهور.