فصل: قال ابن جزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قيل: كان دراهم زيوفًا لا تؤخذ إلا بوضيعة.
وقيل: كانت صوفًا وسمنًا: {فَأَوْفِ لَنَا الكيل} الذي هو حقنا: {وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا} وتفضل علينا بالمسامحة والإغماض عن رداءة البضاعة أوزدنا على حقنا أوهب لنا أخانا: {إِنَّ الله يَجْزِى المتصدقين} ولما قالوا مسنا وأهلنا الضر وتضرعوا إليه وطلبوا منه أن يتصدق عليهم ارفضت عيناه ولم يتمالك أن عرفهم نفسه حيث قال: {قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ} أي هل علمتم قبح ما فعلتم بيوسف: {وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جاهلون} لا تعلمون قبحه أو إذ أنتم في حد السفه والطيش وفعلهم بأخيه تعريضهم إياه للغم بإفراده عن أخيه لأبيه وأمه وإيذاؤهم له بأنواع الأذى: {قَالُواْ أَءنَّكَ} بهمزتين: كوفي وشامي: {لأَنتَ يُوسُفُ} اللام لام الابتداء و: {أنت} مبتدأ و: {يوسف} خبره، والجملة خبر: {إن}، {قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وهذا أَخِى} وإنما ذكر أخاه وهم قد سألوه عن نفسه لأنه كان في ذكر أخيه بيان لما سألوه عنه: {قَدْ مَنَّ الله عَلَيْنَا} بالألفة بعد الفرقة وذكر نعمة الله بالسلامة والكرامة ولم يبدأ بالملامة: {إِنَّهُ مَن يَتَّقِ} الفحشاء: {وَيِصْبِرْ} عن المعاصي وعلى الطاعة: {فَإِنَّ الله لاَ يُضِيعُ أَجْرَ المحسنين} أي أجرهم فوضع المحسنين موضع الضمير لاشتماله على المتقين والصابرين.
وقيل: من يتق مولاه ويصبر على بلواه لا يضيع أجره في دنياه وعقباه.
{قَالُواْ تالله لَقَدْ اثَرَكَ الله عَلَيْنَا} اختارك وفضلك علينا بالعلم والحلم والتقوى والصبر والحسن: {وَإِن كُنَّا لخاطئين} وإن شأننا وحالنا أنا كنا خاطئين متعمدين للإثم لم نتق ولم نصبر لا جرم أن الله أعزك بالملك وأذلنا بالتمسكن بين يديك: {قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ} لا تعيير عليكم: {اليوم} متعلق بالتثريب أو ب: {يغفر} والمعنى لا أثر بكم اليوم وهو اليوم الذي هو مظنة التثريب فما ظنكم بغيره من الأيام! ثم ابتدأ فقال: {يَغْفِرَ الله لَكُمْ} فدعا لهم بمغفرة ما فرط منهم.
يقال: غفر الله لك ويغفر لك على لفظ الماضي والمضارع، أو اليوم يغفر الله لكم بشارة بعاجل غفران الله.
وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بعضادتي باب الكعبة يوم الفتح فقال لقريش: «ما ترونني فاعلًا بكم» قالوا: نظن خيرًا أخ كريم وابن أخ كريم، وقد قدرت.
فقال: «أقول ما قال أخي يوسف لا تثريب عليك اليوم» ورُوي أن أبا سفيان لما جاء ليسلم قال له العباس: إذا أتيت رسول الله فاتلُ عليه: {قال لا تثريب عليكم اليوم} ففعل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «غفر الله لك ولمن علمك» ويُروى أن أخوته لما عرفوه أرسلوا إليه أنك تدعونا إلى طعامك بكرة وعشيًا ونحن نستحي منك لما فرط منا فيك، فقال يوسف: إن أهل مصر وإن ملكت فيهم فإنهم ينظرون إليَّ بالعين الأولى ويقولون سبحان من بلغ عبدًا بيع بعشرين درهمًا ما بلغ، ولقد شرفت الآن بكم حيث علم الناس أني من حفدة إبراهيم: {وَهُوَ أَرْحَمُ الرحمين} أي إذا رحمتكم وأنا الفقير القتور فما ظنكم بالغني الغفور؟ ثم سألهم عن حال أبيه فقالوا: إنه عمي من كثرة البكاء قال: {اذهبوا بِقَمِيصِى هذا} قيل: هو القميص المتواراث الذي كان في تعويذ يوسف، وكان من الجنة أمره جبريل أن يرسله إليه فإن فيه ريح الجنة لا يقع على مبتلي ولا سقيم إلا عوفي: {فَأَلْقُوهُ على وَجْهِ أَبِى يَأْتِ بَصِيرًا} يصر بصيرًا.
تقول: جاء البناء محكمًا أي صار، أو يأت إلي وهو بصير.
قال يهوذا: أنا أحمل قميص الشفاء كما ذهبت بقميص الجفاء.
وقيل: حمله وهو حاف حاسر من مصر إلى كنعان وبينهما مسيرة ثمانين فرسخًا: {وَأْتُونِى بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ} لينعموا بآثار ملكي كما اغتموا بأخبار هلكي.
{وَلَمَّا فَصَلَتِ العير} خرجت من عريش مصر.
يقال: فصل من البلد فصولًا إذا انفصل منه وجاوز حيطانه: {قَالَ أَبُوهُمْ} لولد ولده ومن حوله من قومه: {إِنّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ} أوجده الله ريح القميص حين أقبل من مسيرة ثمانية أيام: {لَوْلاَ أَن تُفَنّدُونِ} التفنيد النسبة إلى الفند وهو الخرف وإنكار العقل من هرم.
يقال: شيخ مفند.
والمعنى لولا تفنيدكم إياي لصدقتموني.
{قَالُواْ} أي أسباطه: {تالله إِنَّكَ لَفِى ضلالك القديم} لفي ذهابك عن الصواب قديمًا في إفراط محبتك ليوسف أو في خطئك القديم من حب يوسف وكان عندهم أنه قد مات: {فَلَمَّا أَن جَاء البشير} أي يهوذا: {أَلْقَاهُ على وَجْهِهِ} طرح البشير القميص على وجه يعقوب أو ألقاه يعقوب: {فارتد} فرجع: {بَصِيرًا} يقال: رده فارتد وارتده إذا ارتجعه: {قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ} يعني قوله: {إني لأجد ريح يوسف} أو قوله: {ولا تيأسوا من روح الله} وقوله: {إِنّى أَعْلَمُ مِنَ الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ} كلام مبتدأ لم يقع عليه القول أو وقع عليه والمراد قوله: {إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون} ورُوي أنه سأل البشير كيف يوسف؟ قال: هو ملك مصر.
فقال: ما أصنع بالملك، على أي دين تركته؟ قال: على دين الإسلام.
قال: الآن تمت النعمة: {قَالُواْ يأَبَانَا استغفر لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خاطئين} أي سل الله مغفرة ما ارتكبنا في حقك وحق ابنك إنا تبنا واعترفنا بخطايانا: {قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبّى إِنَّهُ هُوَ الغفور الرحيم} أخر الاستغفار إلى وقت السحر، أو إلى ليلة الجمعة، أو ليتعرف حالهم في صدق التوبة، أو إلى أن يسأل يوسف هل عفا عنهم.
ثم إن يوسف وجه إلى أبيه جهازًا ومائتي راحلة ليتجهز إليه بمن معه، فلما بلغ قريبًا من مصر خرج يوسف والملك في أربعة آلاف من الجند والعظماء وأهل مصر بأجمعهم فتلقوا يعقوب وهو يمشي يتوكأ على يهوذا.
{فَلَمَّا دَخَلُواْ على يُوسُفَ ءاوى إِلَيْهِ} ضم إليه: {أَبَوَيْهِ} واعتنقهما.
قيل: كانت أمه باقية.
وقيل: ماتت وتزوج أبوه خالته والخالة أم كما أن العم أب ومنه قوله: {وإله آبَائِكَ إبراهيم وإسماعيل وإسحاق} [البقرة: 133] ومعنى دخولهم عليه قبل دخولهم مصر أنه حين استقبلهم أنزلهم في مضرب خيمة أو قصر كان له ثمة فدخلوا عليه وضم إليه أبويه: {وَقَالَ} لهم بعد ذلك: {ادخُلُوا مِصرَ إن شاء الله ءامنين} من ملوكها وكانوا لا يدخلونها إلا بجواز أو من القحط.
ورُوي أنه لما لقيه قال يعقوب عليه السلام: السلام عليك يا مذهب الأحزان، وقال له يوسف: يا أبت بكيت علي حتى ذهب بصرك ألم تعلم أن القيامة تجمعنا؟ فقال: بلى ولكن خشيت أن يسلب دينك فيحال بيني وبينك.
وقيل: إن يعقوب وولده دخلوا مصر وهم اثنان وسبعون ما بين رجال ونساء، وخرجوا منها مع موسى ومقاتلتهم ستمائة ألف وخمسمائة وبضعة وسبعون رجلًا سوى الذرية والهرمى، وكانت الذرية ألف ألف ومائتي ألف.
{وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى العرش وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدَا} قيل: لما دخلوا مصر وجلس في مجلسه مستويًا على سريره واجتمعوا إليه أكرم أبويه فرفعهما على السرير وخروا له يعني الإخوة الأحد عشر والأبوين سجدًا، وكانت السجدة عندهم جارية مجرى التحية والتكرمة كالقيام والمصافحة وتقبيل اليد وقال الزجاج سنة التعظيم في ذلك الوقت أن يسجد للمعظم وقيل ما كانت لا انحناء دون تعفير الجباه وخرورهم سجدًا يأباه وقيل وخروا لأجل يوسف سجدًا لله شكرًا وفيه نبوة أيضًا واختلف في استنبائهم: {وَقَالَ يأَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رؤياى مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا} أي الرؤيا: {رَبّي حَقًّا} أي صادقة وكان بين الرؤيا وبين التأويل أربعين سنة أو ثمانون أو ست وثلاثون أو ثنتان وعشرون: {وَقَدْ أَحْسَنَ بَى} يقال: أحسن إليه وبه وكذلك أساء إليه وبه: {إِذْ أَخْرَجَنِى مِنَ السجن} ولم يذكر الجب لقوله: {لا تثريب عليكم اليوم}، {وَجَاء بِكُمْ مّنَ البدو} من البادية لأنهم كانوا أصحاب مواشٍ ينتقلون في المياه والمناجع: {مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشيطان بَيْنِى وَبَيْنَ إِخْوَتِى} أي أفسد بيننا وأغرى: {إِنَّ رَبّى لَطِيفٌ لّمَا يَشَاء} أي لطيف التدبير: {إِنَّهُ هُوَ العليم الحكيم} بتأخير الآمال إلى الآجال أو حكم بالائتلاف بعد الاختلاف.
{رَبّ قَدْ اتَيْتَنِى مِنَ الملك} ملك مصر: {وَعَلَّمْتَنِى مِن تَأْوِيلِ الأحاديث} تفسير كتب الله أو تعبير الرؤيا و: {من} فيهما للتبعيض إذ لم يؤت إلا بعض ملك الدنيا وبعض التأويل: {فَاطِرَ السماوات والأرض} انتصابه على النداء: {أَنتَ وَلِيِّي في الدنيا والآخرة} أنت الذي تتولاني بالنعمة في الدارين وتوصل الملك الفاني بالملك الباقي: {تَوَفَّنِي مُسْلِمًا} طلب الوفاة على حال الإسلام كقول يعقوب لولده: {ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} [آل عمران: 102] وعن الضحاك: مخلصًا.
وعن التستري: مسلِّمًا إليك أمري وفي عصمة الأنبياء إنما دعا به يوسف ليقتدي به قومه ومن بعده ممن ليس بمأمون العاقبة، لأن ظواهر الأنبياء لنظر الأمم إليهم: {وَأَلْحِقْنِى بالصالحين} من آبائي أو على العموم.
رُوي أن يوسف أخذ بيد يعقوب فطاف به في خزائنه فأدخله خزائن الذهب والفضة وخزائن الثياب وخزائن السلاح حتى أدخله خزانة القراطيس قال: يا بني ما أعقك عندك هذه القراطيس وما كتبت إلي على ثمان مراحل.
فقال: أمرني جبريل. قال أو ما تسأله؟ قال: أنت أبسط إليه مني فاسأله.
فقال جبريل: الله أمرني بذلك لقولك: {وأخاف أن يأكله الذئب} فهلا خفتني.
ورُوي أن يعقوب أقام معه أربعًا وعشرين سنة ثم مات وأوصى أن يدفنه بالشام إلى جنب أبيه إسحاق، فمضى بنفسه ودفنه ثمة ثم عاد إلى مصر وعاش بعد أبيه ثلاثًا وعشرين سنة، فلما تم أمره طلبت نفسه الملك الدائم فتمنى الموت.
وقيل: ما تمناه نبي قبله ولا بعده فتوفاه الله طيبًا طاهرًا، فتخاصم أهل مصر وتشاحوا في دفنه كلٌ يحب أن يدفن في محلتهم حتى هموا بالقتال، فرأوا أن يعملوا له صندوقًا من مرمر وجعلوه فيه ودفنوه في النيل بمكان يمر عليه الماء ثم يصل إلى مصر ليكونوا كلهم فيه شرعًا حتى نقل موسى عليه السلام بعد أربعمائة سنة تابوته إلى بيت المقدس.
وولد له أفراثيم وميشا، وولد لإفراثيم نون، ولنون يوشع فتى موسى، ولقد توارثت الفراعنة من العماليق بعده مصر ولم تزل بنو إسرائيل تحت أيديهم على بقايا دين يوسف وآبائه. اهـ.

.قال ابن جزي:

{قالوا إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ}
الضمير في قالوا لإخوة يوسف، وأشاروا إلى يوسف، ومعنى كلامهم إن يسرق بنيامين، فقد سرق أخوه يوسف من قبل، فهذا الأمر إنما صدر من ابني راحيل لأمِنّا، وقصدوا بذلك رفع المعرّة عن أنفسهم، ورموا بها يوسف وشقيقه، واختلف في السرقة التي رموا بها يوسف على ثلاثة أقوال: الأول: أن عمته ربته، فأراد والده أن يأخذه منها، وكانت تحبه ولا تصبر عنه، فجعلت عليه منطقة لها، ثم قالت إنه أخذها فاستعبدته بذلك وبقي عندها ألى أن ماتت، والثاني: أنه أخذ صمنًا لجدّه والد أمه فكسره، والثالث: أنه كان يأخذ الطعام من دار أبيه ويعطيه المساكين: {فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ} قال الزمخشري: الضمير للجملة التي بعد ذلك وهي قوله: أنتم شرّ مكانًا، والمعنى قال في قوله: أنتم شر مكانًا وقال ابن عطية: الضمير للحرارة التي وجد في نفسه من قولهم فقد سرق أخ له من قبل وأسر كراهية مقالتهم ثم جاهرهم بقوله أنتم شر مكانًا أي لسوء أفعالكم: {والله أَعْلَمْ بِمَا تَصِفُونَ} إشارة إلى كذبهم فيما وصفوه به من السرقة.
{إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا} استعطافًا وكانوا قد أعلموه بشدّة محبة أبيه فيه: {فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ} على وجه الضمان والاسترهان، والانقياد، وهذا هو الأظهر لقوله: معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده: {مِنَ المحسنين} أي أحسنت إلينا فيما فعلت معنا من قبل أو على الإطلاق: {استيأسوا} أي يئسوا: {خَلَصُواْ نَجِيًّا} أي انفردوا عن غيرهم يناجي بعضهم بعضًا، والنجي يكون بمعنى المناجي أو مصدرًا: {قَالَ كَبِيرُهُمْ} قيل: كبيرهم في السن وهو روبيل، وقيل كبيرهم في الرأي هو: شمعون، وقيل: يهوذا: {وَمِن قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ} تحتمل: {ما} وجوها: الأول: أن تكون زائدة، والثاني: أن تكون مصدرية ومحلها الرفع بالابتداء تقديره وقع من قبل تفريطكم في يوسف، والثالث: أن تكون موصولة ومحلها أيضًا الرفع كذلك، والأول أظهر: {فَلَنْ أَبْرَحَ الأرض} يريد الموضع الذي وقعت فيه القصة: {ارجعوا إلى أَبِيكُمْ} من قول كبيرهم، وقيل: من قول يوسف وهو بعيد: {إِنَّ ابنك سَرَقَ} قرأ الجمهور بفتح الراء والسين، وروي عن الكسائي سرق بضم السين وكسر وتشديد الراء أي نسبت له السرقة: {وَمَا شَهِدْنَا إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا} أي قولنا لك إن ابنك: إنما هو شهادة بما علمنا من ظاهر ما جرى: {وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ} أي لا نعلم الغيب هل ذلك حق في نفس الأمر، أم لا، إذ يمكن أن يدس الصواع في رحله من غير علمه.
وقال الزمخشري: المعنى ما شهدنا إلا بما علمنا من سرقته وتيقناه، لأن الصواع استخرج من وعائه، وما كنا للغيب حافظين أي ما علمنا أنه سيسرق حين أعطيناك الميثاق، وقراءة {سرق} بالفتح تعضد قول الزمخشري، والقراءة بالضم تعضد القول الأول: {وَسْئَلِ القرية} واسأل أهل القرية، وكذلك أهل العير: يعنون الرفقة، هذا هو قول الجمهور وقيل: المراد سؤال القرية بنفسها والعير بنفسها ولا يبعد أن تخبره الجمادات لأنه نبيّ والأول أظهر وأشهر على أنه مجاز، والقرية هنا هي مصر: {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ} قبله محذوف تقديره: فرجعوا إلى أبيهم فقالوا له هذا الكلام فقال بل سولت الآية: {بِهِمْ جَمِيعًا} وأخاه بنيامين، وأخاهم الكبير الذي قال لن أبرح الأرض.
{وتولى عَنْهُمْ} لما لم يصدقهم أعرض عنهم ورجع إلى التأسف: {وَقَالَ ياأسفى عَلَى يُوسُفَ} تأسف على يوسف دون أخيه الثاني والثالث، الذاهبين، لأن حزنه عليه كان أشدّ لإفراط محبته ولأن مصيبته كانت السابقة: {وابيضت عَيْنَاهُ مِنَ الحزن} أي من البكاء الذي هو ثمرة الحزن، فقيل إنه عميَ، وقيل إنه كان يدرك إدراكًا ضعيفًا، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن يعقوب حزن حزن سبعين ثكلى وأعطي أجر مائة شهيد، وما ساء ظنه بالله قط: {فَهُوَ كَظِيمٌ} قيل إنه فعيل بمعنى فاعل أي كاظم لحزنه لا يظهره لأحد، ولا يشكو إلا لله وقيل: بمعنى مفعول كقوله: {إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ} [القلم: 48] أي مملوء القلب بالحزن، أو بالغيظ على أولاده، وقيل الكظيم: الشديد الحزن: {تَالله تَفْتَؤُاْ} أي لا تفتؤ، والمعنى لا تزال، وحذف حرف النفي لأنه لا يلتبس بالإثبات: لأنه لو كان إثباتًا لكان مؤكدًا باللام والنون: {حَرَضًا} أي مشرفًا على الهلاك: {قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى الله} ردّ عليهم في تفنيدهم له: أي إنما أشكو إلى الله لا إليكم ولا إلى غيركم، والبث: أشدّ الحزن: {وَأَعْلَمُ مِنَ الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ} أي أعلم من لطفه ورأفته ورحمته ما يوجب حسن ظنّي به وقوة رجائي فيه.
{يابني اذهبوا} يعني إلى الأرض التي تركتم بها أخويكم: {فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ} أي تعرّفوا خبرهما، والتحسّس طلب الشيء بالحواس؛ السمع والبصر، وإنما لم يذكر الولد الثالث، لأنه بقي هناك اختيارًا منه، ولأن يوسف وأخاه كانا أحب إليه: {وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ الله} أي من رحمة الله: {إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ الله إِلاَّ القوم الكافرون} إنما جعل اليأس من صفة الكافر، لأن سببه تكذيب الربوبية أو جهلًا بصفات الله من قدرته وفضله ورحمته: {فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ} أي على يوسف وقيل: هذا محذوف تقديره فرجعوا إلى مصر: {الضر} يريدون به المجاعة أو الهم على إخوتهم: {بِبِضَاعَةٍ مزجاة} يعنون الدراهم التي جاؤوا بها لشراء الطعام، والمزجاة القليلة، وقيل: الرديئة، وقيل: الناقصة، وقيل: إن بضاعتهم كانت عروضًا فلذلك قالوا هذا: {وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا} قيل: يعنون بما بين الدراهم الجياد ودراهم من فوق وقيل: أوف لنا الكيل الذي هو حقنا وزدنا على حقنا، وسموا الزيادة صدقة، ويقتضي هذا أن الصدقة كانت حلالًا للأنبياء قبل محمد صلى الله عليه وسلم، وقيل: تصدق علينا برد أخينا إلينا: {إِنَّ الله يَجْزِي المتصدقين} قال النقاش: هو من المعاريض وذلك أنهم كانوا يعتقدون أنه كافر، لأنهم لم يعرفوه، فظنوا أنه على دين أهل مصر، فلو قالوا: إن الله يجزيك بصدقتك كذبوا، فقالوا لفظًا يوهم أنهم أرادوه وهم لم يريدوه.