فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الألوسي:

{ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ}
{ذلك} إشارة إلى ما ذكر من أنباء يوسف عليه السلام، وما فيه من معنى البعد لما مر مرارًا، والخطاب للرسو صلى الله عليه وسلم وهو مبتدأ وقوله تعالى: {مِنْ أَنبَاء الغيب} الذي لا يحوم حوله أحد خبره، وقوله سبحانه: {نُوحِيهِ إِلَيْكَ} خبر بعد خبر أو حال من الضمير في الخبر، وجوز أن يكون: {ذلك} اسمًا موصولًا مبتدأ و: {مِنْ أَنبَاء الغيب} صلته و: {نُوحِيهِ إِلَيْكَ} خبره وهو مبني على مذهب مرجوح من جعل سائر أسماء الإشارة موصولات.
{وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ} يريد إخوة يوسف عليه السلام: {إِذْ أَجْمَعُواْ أَمْرَهُمْ} وهو جعلهم إياه في غيابة الجب: {وَهُمْ يَمْكُرُونَ} به ويبغون له الغوائل، والجملة قيل: كالدليل على كون ذلك من أنباء الغيب وموحي إليه عليه الصلاة والسلام، والمعنى أن هذا النبأ غيب لم تعرفه إلا بالوحي لأنك لم تحضر إخوة يوسف عليه السلام حين عزموا على ما هموا به من أن يجعلوه في غيابة الجب وهم يمكرون به، ومن المعلوم الذي لا يخفى على مكذبيك أنك ما لقيت أحدًا سمع ذلك فتعلمته منه، وهذا من المذهب الكلامي على ما نص عليه غير واحد وإنماحذف الشق الأخير مع أن الدال على ما ذكر مجموع الأمرين لعلمه من آية أخرى كقوله تعالى: {مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ} [هود: 49] وقال بعض المحققين: إن هذا تهكم بمن كذبه وذلك من حيث أنه تعالى جعل المشكوك فيه كونه عليه السلام حاضرًا بين يدي أولاد يعقوب عليه السلام ماكرين فنفاه بقوله: {وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ} وإنما الذي يمكن أن يرتاب فيه المرتاب قبل التعرف هو تلقيه من أصحاب هذه القصة، وكان ظاهر الكلام أن ينفي ذلك فلما جعل المشكوك ما لا ريب فيه لأن كونه عليه الصلاة والسلام لم يلق أحدًا ولا سمع كان عندهم كفلق الفجر جاء التهكم البالغ وصار حاصل المعنى قد علمتم يا مكابرة أنه لم يكن مشاهدًا لمن مضى من القرون الخالية وإنكاركم لما أخبر به يفضي إلى أن تكابروه بأنه قد شاهد من مضى منهم، وهذا كقوله تعالى: {أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء وصاكم الله بهذا} [الأنعام: 144] ومنه يظهر فائدة العدول عن أسلوب: {مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ} [هود: 49] إلى هذا الأسلوب وهو أبلغ مما ذكر أولًا، وذكر لترك ذلك نكتة أخرى أيضًا وهي أن المذكور مكرهم وما دبروه وهو مما أخفوه حتى لا يعلمه غيرهم فلا يمكن تعلمه من الغير ولا يخلو عن حسن، وأيًا ما كان ففي الآية إيذان بأن ما ذكر من النبأ هو الحق المطابق للواقع وما ينقله أهل الكتاب ليس على ما هو عليه: {وَمَا أَكْثَرُ الناس وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ}.
{وَمَا أَكْثَرُ الناس} الظاهر العموم، وقال ابن عباس: إنهم أهل مكة: {وَلَوْ حَرَصْتَ} أي على إيمانهم وبالغت في إظهار الآيات القاطعة الدالة على صدقك عليهم: {بِمُؤْمِنِينَ} لتصميمهم على الكفر وإصرارهم على العناد حسبما اقتضاه استعدادهم: وحرص من باب ضرب وعلم وكلاهما لغة فصيحة، وجواب: {وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ} محذوف للعلم به، والجملة معترضة بين المبتدأ والخبر.
قال ابن الأنباري: سألت قريش واليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قصة يوسف عليه السلام فنزلت مشروحة شرحًا وافيًا فأمل عليه الصلاة والسلام أن يكون ذلك سبب اسلامهم، وقيل: إنهم وعدوه أن يسلموا فلما لم يفعلوا عزاه تعالى بذلك.
وقيل: إنها نزلت في المنافقين، وقيل: في النصارى، وقيل: في المشركين فقط، وقيل: في أهل الكتاب فقط؛ وقيل: في الثنوية.
{وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ} أي هذا الانباء أو جنسه أو القرآن، وأيامًا كان فالضمير عائد على ما يفهم مما قبله والمعنى ما تطلب منهم على تبليغه: {مِنْ أَجْرٍ} أي جعل ما كما يفعله حملة الأخبار: {إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ} أي ما هو إلا تذكير وعظة من الله تعالى: {للعالمين} كافة، والجملة كالتعليل لما قبلها لأن الوعظ العام ينافي أخذ الأجرة من البعض لأنه لا يختص بهم.
وقيل: اريدانه ليس إلا عظة من الله سبحانه امرت أن أبلغها فوجب على ذلك فكيف أسأل أجرًا على أداء الواجب وهو خلاف الظاهر، وعليه تكون الآية دليلًا على حرمة أخذ الأجرة على أدار الواجبات. وقرأ مبشر بن عبيد: {وَمَا} بالنون. اهـ.

.قال القاسمي:

{ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ} إشارة إلى ما سبق من نبأ يوسف، البعيد درجة كماله في جميع ما لا يتناهى من المحاسن والأسرار حتى صار معجزًا. والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: هذا من أخبار الغيوب السابقة، نوحيه إليك، ونعلمك به، لما فيه من العبرة والاتعاظ.
وقوله تعالى: {وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُواْ أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ} كالدليل على كونه نبأ غيبيًا ووحيًا سماويًا. أي: لم تعرف هذا النبأ إلا من جهة الوحي؛ لأنك لم تحضر إخوة يوسف، حين أجمعوا أمرهم على إلقاء أخيهم في البئر، وهم يمكرون به، إذ حثوه على الخروج معهم، يبغون له الغوائل، وبأبيهم في استئذانه ليرسله معهم، أي: فلم تشاهدهم حتى تقف على ظواهر أسرارهم وبواطنها.
قال أبو السعود: وليس المراد مجرد نفي حضوره عليه الصلاة والسلام في مشهد إجماعهم ومكرهم فقط، بل سائر المشاهد أيضًا. وإنما تخصيصه بالذكر لكونه مطلع القصة، وأخفى أحوالها، كما ينبئ عنه قوله تعالى: {وَهُمْ يَمْكُرُونَ} والخطاب وإن كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لكن المراد إلزام المكذبين. والمعنى: ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك؛ إذ لا سبيل إلى معرفتك إياه سوى ذلك، إذ عدم سماعك ذلك من الغير، وعدم مطالعتك للكتب أمر لا يشك فيه المكذبون أيضًا، ولم تكن بين ظهرانيهم عند وقوع الأمر حتى تعرفه كما هو، فتبلغه إليهم. وفيه تهكم بالكفار، فكأنهم يشكون في ذلك فيدفع شكهم. وفيه أيضًا إيذان بأن ما ذكر من النبأ هو الحق المطابق للواقع. وما ينقله أهل الكتاب ليس على ما هو عليه. يعني: أن مثل هذا التحقيق بلا وحي لا يتصور إلا بالحضور والمشاهدة، وإذ ليس ذلك بالحضور فهو بالوحي. ومثله قوله تعالى: {وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ} [آل عِمْرَان: من الآية 44]. وقوله: {وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ} [القصص: من الآية 44]. انتهى.
وقوله تعالى: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ} يريد به العموم، أو أهل مكة: {وَلَوْ حَرَصْتَ} أي: جهدت كل الجهد على إيمانهم، وبالغت في إظهار الآيات القاطعة الدالة على صدقك: {بِمُؤْمِنِينَ} أي: بالكتب والرسل؛ لميلهم إلى الكفر، وسبيل الشر. يعني: قد وضح بمثل هذا النبأ نبوته صلوات الله عليه، وقامت الحجة، ومع ذلك فما آمن أكثر الناس، كما قال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ} [الشعراء: 8- 67- 103- 121- 139- 158- 174- 190].
قال الرازي: ما معناه: وجه اتصال هذه الآية بما قبلها؛ أن كفار قريش، وجماعة من اليهود، طلبوا من النبي عليه الصلاة والسلام قص نبأ يوسف تعنتًا، فكان يُظن أنهم يؤمنون إذا تلي عليهم، فلما نزلت وأصروا على كفرهم؛ قيل له: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ} الخ. وكأنه إشارة إلى ما ذكر في قوله تعالى: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص: من الآية 56].
{وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ} أي: على هذا النصح، والدعاء إلى الخير والرشد: {مِنْ أَجْرٍ} أي: أجرة: {إِنْ هُوَ} أي: ما هو، يعني القرآن: {إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ} أي: عظة لهم، يتذكرون به ويهتدون وينجون في الدنيا والآخرة. يعني: أن هذا القرآن يشتمل على العظة البالغة، والمراشد القويمة، وأنت لا تطلب في تلاوته عليهم مالًا، ولا جعلًا. فلو كانوا عقلاء لقبلوا، ولم يتمردوا.
قال بعض اليمانين: في الآية دليل على أن من تصدر للإرشاد، من تعليم ووعظ؛ فإن عليه اجتناب ما يمنع من قبول كلامه. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ}
تذييل للقصة عند انتهائها.
والإشارة إلى ما ذُكر من الحادث أي ذلك المذكور.
واسم الإشارة لتمييز الأنباء أكمل تمييز لتتمكن من عقول السامعين لما فيها من المواعظ.
و{الغيب} ما غاب عن علم الناس، وأصله مصدر غاب فسمي به الشيء الذي لا يشاهد.
وتذكير ضمير: {نوحيه} لأجل مراعاة اسم الإشارة.
وضمائر: {لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون} عائدة إلى كل من صدر منه ذلك في هذه القصة من الرجال والنساء على طريقة التغليب، يشمل إخوة يوسف عليه السلام والسيارةَ، وامرأةَ العزيز، ونسوتَها.
و{أجمعوا أمرهم} تَفسيره مثل قوله: {وأجمعوا أن يجعلوه في غيابَات الجب} [يوسف: 15].
والمكر تقدم، وهذه الجملة استخلاص لمواضع العبرة من القصة.
وفيها منّة على النبي، وتعريض للمشركين بتنبيههم لإعجاز القرآن من الجانب العلمي، فإن صدور ذلك من النّبي الأميّ آية كبرى على أنه وحي من الله تعالى.
ولذلك عقب بقوله: {وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين}.
وكان في قوله: {وما كنت لديهم} توركًا على المشركين.
وجملة: {وما كنت لديهم} في موضع الحال إذ هي تمام التعجيب.
وجملة: {وهم يمكرون} حال من ضمير: {أجمعوا}، وأتي: {يمكرون} بصيغة المضارع لاستحضار الحالة العجيبة.
{وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ}
انتقال من سوق هذه القصة إلى العبرة بتصميم المشركين على التكذيب بعد هذه الدلائل البينة، فالواو للعطف على جملة: {ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك} [يوسف: 102] باعتبار إفادتها أن هذا القرآن وحي من الله وأنه حقيق بأن يكون داعيًا سامعيه إلى الإيمان بالنبي.
ولما كان ذلك من شأنه أن يكون مطمعًا في إيمانهم عقب بإعلام النبي بأن أكثرهم لا يؤمنون.
و{الناس} يجوز حمله على جميع جنس الناس، ويجوز أن يراد به ناس معيّنون وهم القوم الذين دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم بمكّة وما حولها، فيكون عمومًا عرفيًا.
وجملة: {ولو حرصت} في موضع الحال معترضة بين اسم: {ما} وخبرها.
{ولو} هذه وصلية، وهي التي تفيد أن شرطها هو أقصى الأسباب لجوابها.
وقد تقدم بيانها عند قوله تعالى: {فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبًا ولو افتدى به} في سورة آل عمران (91). وجواب لو هو: {وما أكثر الناس} مقدّم عليها أو دليل الجواب.
والحرص: شدة الطلب لتحصيل شيء ومعاودته.
وتقدم في قوله تعالى: {حريص عليكم} في آخر سورة براءة (128).
وجملة {وما تسألهم عليه من أجر} معطوفة على جملة: {وما أكثر الناس} إلى آخرها باعتبار ما أفادته من التأييس من إيمان أكثرهم.
أي لا يسوءك عدم إيمانهم فلست تبتغي أن يكون إيمانهم جزاء على التبليغ بل إيمانهم لفائدتهم، كقوله: {قل لا تمنوا علي إسلامكم} [سورة الحجرات: 17].
وضمير الجمع في قوله: {وما تسألهم} عائد إلى الناس، أي الذين أرسل إليهم النبي صلى الله عليه وسلم.
وجملة: {إن هو إلا ذكر للعالمين} بمنزلة التعليل لجملة: {وما تسألهم عليه من أجر}.
والقصر إضافي، أي ما هو إلا ذكر للعالمين لا لتحصيل أجرِ مبلّغه.
وضمير: {عليه} عائد إلى القرآن المعلوم من قوله: {ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك} [يوسف: 102]. اهـ.

.قال الشنقيطي:

{وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} قال ابن عباس، والحسن، ومجاهد، وعامر والشعبي، وأكثر المفسرين: إن معنى هذه الآية أن أكثر الناس، وهم الكفار ما كانوا يؤمنون بالله بتوحيدهم له في ربوبيته إلا وهم مشركون به غيره في عبادته.
فالمراد بإيمانهم اعترافهم بأنه ربهم الذي هو خالقهم ومدبر شؤونهم، والمراد بشركهم عبادتهم غيره معه، والآيات الدالة على هذا المعنى كثيرة جدًا، كقوله: {قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السماء والأرض أَمَّن يَمْلِكُ السمع والأبصار وَمَن يُخْرِجُ الحي مِنَ الميت وَيُخْرِجُ الميت مِنَ الحي وَمَن يُدَبِّرُ الأمر فَسَيَقُولُونَ الله فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ} [يونس: 31]، وكقوله: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ الله فأنى يُؤْفَكُونَ} [الزخرف: 87]، وقوله: {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السماوات والأرض لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ العزيز العليم} [الزخرف: 9]، وقوله: {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السماوات والأرض وَسَخَّرَ الشمس والقمر لَيَقُولُنَّ الله فأنى يُؤْفَكُونَ} [العنكبوت: 61]، وقوله: {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّن نَّزَّلَ مِنَ السماء مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأرض مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ الله قُلِ الحمد لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ} [العنكبوت: 63]، وقوله: {قُل لِّمَنِ الأرض وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ قُلْ مَن رَّبُّ السماوات السبع وَرَبُّ العرش العظيم سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجْيِرُ وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فأنى تُسْحَرُونَ} [المؤمنون: 84- 89] إلى غير ذلك من الآيات.
ومع هذا فإنهم قالوا: {أَجَعَلَ الآلهة إلها وَاحِدًا إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص: 5].
وهذه الآيات القرآنية تدل على ان توحيد الربوبية لا ينقذ من الكفر إلا إذا كان معه توحيد العبادة، أي عبادة الله وحده لا شريك له، ويدل لذلك قوله تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بالله إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ}.
وفي هذه الآية الكريمة إشكال: وهو أن المقرر في علم البلاغة أن الحال قيد لعاملها وصف لصاحبها وعليه. فإن عامل هذه الجلمة الحالية الذي هو يؤمن مقيد بها، فيصير المعنى تقييد إيمانهم بكونهم مشركين، وهو مشكل لما بين الإيمان والشرك من المنافاة.
قال مقيدة- عفا الله عنه: لم ار من شفى الغليل في هذا الإشكال، والذي يظهر لي- والله تعالى أعلم- أن هذا الإيمان المقيد بحال الشرك إنما هو إيمان لغوي لا شرعي. لأن من يعبد مع الله غيره لا يصدق عليه اسم الإيمان ألبتة شرعًا. أما الإيمان اللغوي فهو يشمل كل تصديق، فتصديق الكافر بأن الله هو الخالق الرزاق يصدق عليه اسم الإيمان لغة مع كفره بالله، ولا يصدق عليه اسم الإيمان شرعًا.
وإذا حققت ذلك علمت أن الإيمان اللغوي يجامع الشرك فلا إشكال في تقييده به، وكذلك الإسلام الموجود دون الإيمان في قوله تعالى: {قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ ولكن قولوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإيمان فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات: 14] فهو الإسلام اللغوي. لأن الإسلام الشرعي لا يوجد ممن لم يدخل الإيمان في قلبه، والعلم عند الله تعالى.
وقال بعض العلماء: «نزلت آية: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بالله إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ} في قوله الكفار في تلبيتهم: لبيك لا شريك لك إلا شريكًا هو لك تملكه وما ملك» وهو راجع إلى ما ذكرنا. اهـ.

.قال الشعراوي:

{ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ}
و{ذلك} إشارة إلى هذه القصة، والخطاب مُوجَّه إلى محمد صلى الله عليه وسلم أي: أنك يا محمد لم تَكُنْ معهم حين قالوا: {لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إلى أَبِينَا مِنَّا...} [يوسف: 8]