فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{ورفع أبويه على العرش} السرير الرفيع الذي كان يجلس عليه: {وخروا له سجدًا} لسائل أن يقول: السجود لا يجوز لغير الله فكيف سجدوا ليوسف؟ وأيضًا تعظيم الأبوين تالي تعظيم الله سبحانه فمن أين جاز سجدة أبويه له؟ والجواب عن ابن عباس في رواية عطاء أن المراد خرّوا لأجل وجدانه سجدًا لله فكانت سجدة الشكر لله سبحانه، وكذا التأويل في قوله: {والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين} [يوسف: 4] أي أنها سجدت لله تعالى لأجل طلب مصلحتي وإعلاء منصبي. وأحسن من هذا أن يقال: إنهم جعلوا يوسف كالقبلة وسجدوا لله شكرًا على لقائه، أو يراد بالسجدة التواضع التام على ما كانت عادتهم في ذلك الزمان من التحية، ولعلها ما كانت إلا انحناء دون تعفير الجبهة. واعترض على هذا الوجه بأن لفظ الخرور يأباه. بأن الخرور قد يعني به المرور قال تعالى. {لم يخروا عليها صمًا وعميانًا} [الفرقان: 73] أي لم يمروا. وقيل: الضمير عائد إلى إخوته فقط. ورد بأن قوله: {هذا تأويل رؤياي} من قبل ينبو عنه. وأجيب بأن التعبير لا يلزم أن يكون مطابقًا للرؤيا من كل الوجوه فيحتمل أن تكون السجدة في حق الإخوة التواضع التام، وفي حق أبويه مجرد ذهابهما من كنعان إلى مصر، ففيه تعظيم تام للولد. وقيل: إنما سجد الأبوان لئلا تحمل الأنفة إخوته على عدم السجود فيصير سببًا لثوران الفتن وإحياء الأحقاد والضغائن، أو لعله تعالى أمر يعقوب بتلك السجدة لحكمة خفية لا يعرفها إلا الله تعالى، ورضي بذلك يوسف موافقة لأمر الله ويؤيده ما روي عن ابن عباس أن يوسف لما رأى سجودهم له اقشعر جلده ولكن لم يقل شيئًا وكأن الأمر بتلك السجدة كان من تمام التشديد والبلية والله أعلم. {وقد أحسن بي} يقال: أحسن به وإليه بمعنى. {إذ أخرجني من السجن} لم يذكر إخراجه من البئر لأنه نوع تثريب للإخوة وقد قال: {لا تثريب عليكم} ولأنه لم يكن نعمة لأنه حينئذ صار عبدًا وصار مبتلى بالمرأة ولأن هذا الإخراج أقرب وأشمل: {وجاء بكم من البدو} أي من البادية سمى المكان باسم المصدر لظهور الشخص فيه من بعيد، وكان يعقوب وولده بأرض كنعان أهل مواش يتنقلون في المياه والصحارى. قال ابن الأنباري. بدا موضع معروف هنالك. روي عن ابن عباس أن يعقوب كان قد تحول إليه وسكن فيه ومنه قدم إلى يوسف، على هذا كان يعقوب وولده أهل الحضر والبدو قصد هذا الموضع الذي يقال له بدا والمعنى جاء بكم من قصد بدا ذكره الواحدي في البسيط. قال الجبائي والكعبي والقاضي: إنه تعالى أخبر عن يوسف أنه أضاف الإحسان إلى الله ونسب النزغ إلى الشيطان وهو الإفساد والإغراء، ففيه دليل على أن الخير من الله دون الشر.
وأجيب بأنه إنما راعى الأدب وإلا فليس فعل الشيطان إلا الوسوسة، وأما صرف الداعية إلى الشر فلا يقدر عليه إلا الله فإن العاقل لا يريد ضرر نفسه. {إن ربي لطيف لما يشاء} فإذا أراد حصول أمر هيأ أسبابه وإن كان في غاية البعد عن الأوهام. {إنه هو العليم} بالوجه الذي تسهل به الصعاب: {الحكيم} في أفعاله حتى تجيء على الوجه الأصوب والنحو الأصلح. يحكى أن يوسف أخذ بيد يعقوب وطاف به في خزائنه فأدخله خزائن الورق والذهب وخزائن الحلي والثياب والسلاح وغير ذلك، فلما أدخله خزائن القراطيس قال: يا بني ما أعقك عندك هذه القراطيس وما كتبت إليّ على ثمان مراحل! قال: أمرني جبريل. قال: أو ما تسأله؟ قال: أنت أبسط إليه مني فسأله قال جبريل: الله أمرني بذلك لقولك: {وأخاف أن يأكله الذئب} [يوسف: 13] قال: فهلا خفتني. ثم إن يعقوب أقام معه أربعًا وعشرين سنة ثم مات وأوصى أن يدفنه بالشام إلى جنب أبيه إسحق فمضى بنفسه ودفنه ثم عاد إلى مصر وعاش بعد ذلك ثلاثًا وعشرين سنة. فلما تم أمره وعلم أنه لا يدوم له قال: {رب آتيتني من الملك} شيئًا من ملك الدنيا أو من ملك مصر لأنه كان دون ملك فوقه: {وعلمتني من تأويل الأحاديث} بعضًا من ذلك لأنه لا يمكن أن يحصل للإنسان في العمر المتناهي والاستعداد المعين المحصور سوى المتناهي من السعادات الدنيوية والكمالات الأخروية: {فاطر السموات والأرض} منادى ثان أو صفة النداء الأول أي مبدعهما على النحو الأفضل من مادة سابقة كالدخان أو من عدم محض: {أنت وليي في الدنيا والآخرة} لا يتولى إصلاح مهماتي في الدارين غيرك. ولما قدم النداء والثناء كما هو شرط الأدب الحسن ذكر المسألة فقال: {توفني مسلمًا} أراد الوفاة على حال الإسلام والختم بالحسنى كقول يعقوب لولده: {ولا تموتن إلى وأنتم مسلمون} [آل عمران: 102]: {وألحقني بالصالحين} من آبائي أو على العموم.
قيل: الصلاح أول درجات المؤمنين الصالحين فالواصل إلى الغاية وهي النبوة كيف يليق به أن يطلب البداية؟ والجواب إن أراد الإلحاق بالآباء فظاهر، وإن أراد العموم فكذلك لأن طلب الصلاح غير الإلحاق بأهل الصلاح فإن اجتماع النفوس المشرقة بالأنوار الإلهية له أثر عظيم وفوائد جمة كالمرآة المستنيرة المتقابلة التي يتعاكس أضواؤها ويتكامل أنوارها إلى حيث لا تطيقها الضعيفة، هذا مع أن الختم على الصلاح نهاية مراتب الصديقين. وههنا بحث للأشاعرة وهو أن التوفي على الإسلام والإلحاق بأهل الصلاة لو لم يكن من فعل الله تعالى كان طلبه من الله جاريًا مجرى قول القائل: افعل يا من لا يفعل.
وهل هذا إلا كتشنيع المعتزلة علينا إذ كان الفعل من الله فكيف يجوز أن يقول للمكلف افعل مع أنه ليس بفاعل؟ أجاب الجبائي والكعبي بأن المراد ألطف بي بالإقامة على الإسلام إلى أن أموت فألحق بالصلحاء. ورد بأنه عدول عن الظاهر مع أن كل ما في مقدور الله من الألطاف فقد فعله في حق الكل. سؤال آخر: الأنبياء يعلمون أنهم يموتون على الإسلام ألبتة. فما الفائدة في الطلب؟ الجواب: العلم الإجمالي لا يغني عن العلم التفصيلي ولاسيما في مقام الخشية والرهبة. وقال في التفسير الكبير: المطلوب هاهنا حالة زائدة على الإسلام الذي هو ضد الكفر وهي الاستسلام لحكم الله والرضا بقضائه. وعن قتادة وكثير من المفسرين أنه تمنى الموت واللحوق بدار البقاء في زمرة الصلحاء ولم يتمن الموت نبي قبله ولا بعده.
قال أهل التحقيق: لا يبعد من الرجل العاقل إذا كما عقله أن تعظم رغبته في الموت لوجوه منها: أن مراتب الموجودات ثلاث: المؤثر الذي لا يتأثر وهو الإله تعالى وتقدس، والمتأثر الذي لا يؤثر وهو عالم الأجساد فإنها قابلة للتشكيل والتصوير والصفات المختلفة والأعراض المتضادة، ويتوسطهما قسم ثالث هو عالم الأرواح لأنها تقبل الأثر والتصرف من العالم الإلهي، ثم إذا أقبلت على عالم الأجساد تصرفت فيه وأثرت. وللنفوس في التأثير والتأثر مراتب غير متناهية لأن تأثيرها بحسب تأثرها مما فوقها والكمال الإلهي غير متناه فإذن لا تنفك النفس من نقصان ما، والناقص إذا حصل له شعور بنقصانه وقد ذاق لذة الكمال بقي في القلق وألم الطلب ولا سبيل له إلى دفع هذا القلق والألم إلا الموت فحينئذ يتمنى الموت. ومنها أن سعادات الدنيا ولذاتها سريعة الزوال مشرفة على الفناء والألم الحاصل عند زوالها أشد من اللذة الحاصلة عند وجدانها، ثم إنها مخلوطة بالمنغصات والأراذل من الخلق يشاركون الأفاضل فيها بل ربما كانت حصة الأراذل أكثر فلا جرم يتمنى العاقل موته ليتخلص من هذه الآفات. ومنها أن اللذات الجسمانية لا حقيقة لها لأن حاصلها يرجع إلى دفع الآلام. وقد قررنا هذا المعنى فيما سلف. ومنها أن مداخل اللذات الدنيوية ثلاثة: لذة الأكل ولذة الوقاع ولذة الرياسة ولكل منها عيوب؛ فلذة الأكل مع أنها غير باقية بعد البلع فإن المأكول يتخلط بالبصاق المجتمع في الفم ولا شك أنه شيء منفر، ثم لما يصل إلى المعدة يستحيل إلى ما ذكره منفر فكيف به ومن هنا قالت العقلاء: من كانت همته ما يدخل في جوفه كانت قيمته ما يخرج من بطنه، هذا مع اشتراك الحيوانات الخسيسة فيها. وأيضًا اشتداد الجوع حاجة والحاجة نقص وآفة وكذا الكلام في لذة النكاح وعيوبها مع أن فيها احتياجًا إلى زيادة المال، والنفقة للزوج والولد وما يلزمهما، والاحتياج إلى المال يلقي المرء في مهالك الاكتساب ومهاوي الانتجاع، ولذة الرياسة أدنى عيوبها أن كل واحد يكره بالطبع أن يكون خادمًا مأمورًا ويحب أن يكون مخدومًا، فسعي الإنسان في الرياسة سعي في مخالفة كل من سواه.
ولا ريب أن هذا أمر صعب الحصول منيع المرام وإذا ناله كان على شرف الزوال في كل حين وأوان لأن كثرة الأسباب توجب قوة حصول الأثر فيكون دائمًا في الحزن والخوف. فإذا تأمل العاقل في هذه المعاني علم قطعًا أنه لا صلاح في اللذات العاجلة ولكن النفس جبلت على طلبها والرغبة فيها فيكون دائمًا في بحر الآفات وغمرات الحسرات فحينئذ يتمنى زوال هذه الحياة. وقد سبق منا في تمني الموت كلام آخر في سورة البقرة في تفسير قوله: {فتمنوا الموت إن كنتم صادقين} [الجمعة: 6] فليتذكر. قال أهل السير: لما توفي يوسف تخاصم أهل مصر وتشاحوا في دفنه كل يحب أن يدفن في محلتهم حتى هموا بالقتال، فرأوا من الرأي أن عملوا له صندوقًا من مرمر فجعلوه فيه ودفنوه في النيل بمكان يمر عليه الماء ثم يصل إلى مصر ليكونوا فيه شرعًا. وولد له إفراثيم وميشا وولد لإفراثيم نون ولنون يوشع فتى موسى، ثم بقي يوسف هناك إلى أن بعث الله موسى فأخرج عظامه من مصر ودفنها عند قبر أبيه والله تعالى أعلم بحقائق الأمور. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ (102)}
قوله تعالى: {ذَلِكَ}: مبتدأ، و: {مِنْ أَنْبَاءِ الغيب} خبره، و{نُوحيه} حال. ويجوز أن يكونَ خبرًا ثانيًا، أو حالًا من الضمير في الخبر. وجَوَّز الزمخشري أن يكونَ موصولًا بمعنى الذي. وقد تقدَّم نظيرُه. و: {هم يَمْكُرون} حال.
{وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103)}
قوله: {وَلَوْ حَرَصْتَ}: معترضٌ بين ما وخبرها. وجوابُ لو محذوفٌ لدلالةِ ما تقدَّم عليه.
{وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106)}
وقوله: {إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ}: حال. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ (102)}
تبيّن للكافة أن مثل هذا البيان لهذه القصة على لسان رجلٍ أميٍّ لا يكون إلا بتعريف سماويّ.
ويقال كونُ الرسولِ صلى الله عليه وسلم أُميَّا في أول أحواله علامةُ شَرَفِه وعلوِّ قدْرِه في آخر أحواله، لأنَّ صِدْقَهُ في أن هذا من قِبَل اللَّهِ إنما عُرِفَ بكونه أميا، ثم أتى بمثل هذه القصة من غير مدارسة كتاب.
{وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103)}
أخبر عن سابق علمه بهم، وصادق حُكْمِه حكمته فيهم.
ويقال معناه: أَقَمْتُكَ شاهدًا لإرادة إيمانهم، وشِدَّةِ الحِرْصِ على تحقُّقهِم بالدِّين، وإيقانهم. ثم إنِّي أعلم أنهم لا يؤمن أكثرُهم، وأخبرتك بذلك، وفُرِضَ عليكَ تصديقي بذلك، وفرضتُ عليك إرادتي كونَ ما عَلِمْتُ أنه لا يكون من إيمانهم.
{وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (104)}
هذه سُنَّةُ الله- سبحانه- مع أنبيائه حيث أَمَرَهُم بألا يأخذوا على تبليغ الرسالة عِوَضًا ولا أجرًا، وكذلك أمره للعلماءِ- الذين هم وَرثَةُ الأنبياء عليهم السلام- بأَلاّ يأخذوا مِنَ الخْلقِ عِوَضًا على دعائهم إلى الله. فَمنْ أخذ منهم حَظا من الناس لم يُبَارَكْ للمستمِع فيما يسمع منه؛ فلا له أيضًا بركة فيما يأخذ منهم فتنقطع به. اهـ.

.التفسير الإشاري:

قال نظام الدين النيسابوري:
التأويل: إن يعقوب الروح لا يتأسف على فوات شيء من المخلوقات إلا على يوسف القلب لأنه مرآة جمال الحق لا يشاهد الحق إلا فيها فلذلك أبيضت عيناه في انتظارها فلامه على ذلك الأوصاف البشرية بقولهم: {تفتؤ تذكر يوسف} وأين أهل السلوة من أهل العشق، أين الخلي من الشجي، ولابد للمحب من ملامة الخلق فأول ملامتي آدم عليه السلام حين قالت الملائكة لأجله: {أتجعل فيها من يفسد فيها} [البقرة: 30] بل أول ملامتي هو الله تعالى حين قالوا له: {أتجعل فيها} وذلك أنه أول محب ادعى المحبة وهو قوله: {يحبهم}، {وأعلم من الله ما لا تعلمون} [الأعراف: 62] من جماله وكماله: {اذهبوا فتحسسوا} فيه أن الواجب على كل مسلم أن يطلب يوسف قلبه وبنيامين سره، وإن ترك لطف الله واليأس عن وجدانه كفر. فلما رأت الأوصاف البشرية آثار العزة من رب العزة على صفحات أحوال يوسف القلب حين وصلوا بتيسير أحكام الشريعة وتدبير آداب الطريقة إلى سرداقات حضرة القلب: {قالوا يا أيها العزيز مسنا وأهلنا} وهم القوى الإنسانية: {ضر} البعد عن الحضرة الربانية: {وجئنا ببضاعة مزجاة} من الأعمال البدنية: {فأوف لنا الكيل} بإفاضة سجال العوارف وإسباغ ظلال العواطف: {إذ أنتم جاهلون} إذ كنتم على صفة الظلومية والجهولية: {لقد آثرك الله علينا} بالطلب والصدق والشوق والمحبة والوصول والوصال: {وإن كنا لخاطئين} في الإقبال على استيفاء الحظوظ الحيوانية التي تضر القلب والسر والروح: {لا تثريب عليكم اليوم} لأنه صدر منها ما صدر بحكمة من الله تعالى وتربية القلب وإن كان مضرًا له ظاهرًا كما أن صنيع إخوة يوسف في البداية صار سببًا لرفعة منزلته في النهاية: {اذهبوا بقميصي} وهو نور جمال الله: {ولما فصلت} عير واردات القلب وهبت نفحات ألطاف الحق: {إنك لفي ضلالك القديم}.
يا عاذل العاشقين دع فئة ** أضلها الله كيف ترشدها

{فارتد بصيرًا} لأن الروح كان بصيرًا في بدو الفطرة ثم عمي لتعلقه بالدنيا وتصرفه فيها ثم صار بصيرًا بوارد من القلب:
ورد البشير بما أقر الأعينا ** وشفى النفوس فنلن غايات المنى

والقلب في بدو الأمر كان محتاجًا إلى الروح في الاستكمال، فلما كمل وصلح لقبول فيضان الحق بين إصبعين ونال مملكة الخلافة بمصر القربة في النهاية صار الروح محتاجًا إليه لاستنارته بأنوار الحق، وذلك أن القلب بمثابة المصباح في قبول نار النور الإلهي والروح كالزيت فيحتاج المصباح في البداية إلى الزيت في قبول النار، ولكن الزيت يحتاج إلى المصباح في البداية وتزكيته في النهاية لتقبل بواسطة النار: {ادخلوا مصر إن شاء الله} لأنه لا يصل إلى الحضرة الأحدية إلا بجذبة المشيئة آمنين من الانقطاع والانفصال: {وخروا له سجدًا} لما رأوه وعرفوه أنه عرش الحق تعالى، فالسجدة كانت في الحقيقة لرب العرش لا للعرش: {هذا تأويل رؤياي من قبل} إن كنت نائمًا في نوم العدم: {إذ أخرجني من السجن} سجن الوجود ولم يقل من الجب لأنه لا يخرج من جب البشرية ما دام في الدنيا: {من البدو} بدو الطبيعة: {آتيتني من الملك} ملك الوصال والوصول: {فاطر سموات} عالم الأرواح وأرض البشرية: {توفني مسلمًا} أخرجني من قيد الوجود المجازي وأبقني ببقائك مع الباقين بك بفضلك وكرمك. اهـ.