فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وعنه أيضًا أنهم المشبّهة، آمنوا مجملًا وأشركوا مُفَصَّلًا.
وقيل: نزلت في المنافقين؛ المعنى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بالله} أي باللسان إلا وهو كافر بقلبه؛ ذكره الماورديّ عن الحسن أيضًا.
وقال عطاء: هذا في الدعاء؛ وذلك أن الكفار يَنْسَون ربهم في الرّخاء، فإذا أصابهم البلاء أخلصوا في الدعاء؛ بيانه: {وظنوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ} [يونس: 22] الآية.
وقوله: {وَإِذَا مَسَّ الإنسان الضر دَعَانَا لِجَنبِهِ} الآية.
وفي آية أخرى: {وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاء عَرِيضٍ}. وقيل: معناها أنهم يدعون الله ينجيهم من الهَلَكة، فإذا أنجاهم قال قائلهم: لولا فلان ما نجونا، ولولا الكلب لدخل علينا اللّص، ونحو هذا؛ فيجعلون نعمة الله منسوبة إلى فلان، ووقايته منسوبة إلى الكلب.
قلت: وقد يقع في هذا القول والذي قبله كثير من عوامّ المسلمين؛ ولا حول ولا قوّة إلا بالله العلي العظيم.
وقيل: نزلت هذه الآية في قصة الدُّخَان؛ وذلك أن أهل مكة لما غشيهم الدُّخَان في سنيّ القَحْط قالوا: {رَّبَّنَا اكشف عَنَّا العذاب إِنَّا مْؤْمِنُونَ} [الدخان: 12] فذلك إيمانهم، وشركهُم عودُهم إلى الكفر بعد كشف العذاب؛ بيانه قوله: {إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} [الدخان: 15] والعود لا يكون إلا بعد ابتداء؛ فيكون معنى: {إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ} أي إلا وهم عائدون (إلى الشرك)، والله أعلم.
قوله تعالى: {أفأمنوا أَن تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِّنْ عَذَابِ الله} قال ابن عباس: مُجلّلة.
وقال مجاهد: عذاب يغشاهم؛ نظيره.
{يَوْمَ يَغْشَاهُمُ العذاب مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ} [العنكبوت: 55].
وقال قَتَادة: وقِيعة تقع لهم.
وقال الضحّاك: يعني الصَّواعِق والقَوَارِع.
{أَوْ تَأْتِيَهُمُ الساعة} يعني القيامة.
{بَغْتَةً} نصب على الحال؛ وأصله المصدر.
وقال المبرد: جاء عن العرب حال بعد نكرة؛ وهو قولهم: وقع أمر بغتة وفجأة؛ قال النحاس: ومعنى: {بَغْتَةً} إصابة من حيث لم يتوقّع. {وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} وهو توكيد. وقوله: {بَغْتَةً} قال ابن عباس: تَصيح الصيحة بالناس وهم في أسواقهم ومواضعهم، كما قال: {تَأُخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ} [ياس: 49] على ما يأتي. اهـ.

.قال الخازن:

{وكأين من آية} يعني وكم من آية دالة على التوحيد: {في السموات والأرض يمرون عليها} يعني لا يتفكرون فيها ولا يعتبرون بها: {وهم عنها معرضون} أي لا يلتفتون إليها والمعنى ليس إعراضهم عن هذه الآيات الظاهرة الدالة على وحدانية الله تعالى بأعجب من إعراضهم عنك يا محمد: {وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون} يعني أن من إيمانهم أنهم إذا سئلوا من خلق السموات والأرض قالوا الله وإذا قيل لهم من ينزل المطر قالوا الله وهم مع ذلك يعبدون الأصنام.
وفي رواية عن ابن عباس: إنهم يقرون أن الله خالقهم فذلك إيمانهم وهم يعبدون غيره فذلك شركهم، وفي رواية أخرى عنه أيضًا أنها نزلت في تلبية مشركي العرب وذلك أنهم كانوا يقولون في تلبيتهم لبيك لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك، وقال عطاء هذا في الدعاء وذلك أن الكفار نسوا ربهم في الرخاء فإذا أصابهم البلاء أخلصوا في الدعاء.
{أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب الله} يعني عقوبة مجللة تعمهم وقال مجاهد عذاب غشاهم، وقال قتادة: وقيعة وقال الضحاك يعني الصواعق والقوارع: {أو تأتيهم الساعة بغتة} يعني فجأة: {وهم لا يشعرون} يعني بقيامها قال ابن عباس: تهيج الصحية بالناس وهم في أسواقهم. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَكَأَيّن مِن ءايَةٍ} أي كأي عددٍ شئت من الآيات والعلاماتِ الدالةِ على وجود الصانِع ووحدتِه وكمال علمِه وقدرتِه وحكمته غيرِ هذه الآيةِ التي جئتَ بها: {فِي السموات والأرض} أي كائنةٍ فيهما من الأجرام الفلكية وما فيها من النجوم وتغيّر أحوالها ومن الجبال والبحار وسائرِ ما في الأرض من العجائب الفائتةِ للحصر: {يَمُرُّونَ عَلَيْهَا} أي يشاهدونها ولا يعبأون بها، وقرئ برفع: {الأرضِ} على الابتداء ويمرّون خبره وقرئ بنصبها على معنى ويطؤون الأرضَ يمرون عليها وفي مصحف عبد اللَّه والأرض يَمْشُونَ عَلَيْهَا والمراد ما يرَون فيها من آثار الأمم الهالكةِ وغيرُ ذلك من الآيات والعبر: {وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ} غيرُ ناظرين إليها ولا متفكّرين فيها: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بالله} في إقرارهم بوجوده وخالقيته: {إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ} بعبادتهم لغيره أو باتخاذهم الأحبارَ والرهبانَ أربابًا أو بقولهم باتخاذه تعالى ولدًا سبحانه وتعالى عن ذلك علوًا كبيرًا، أو بالنور والظلمة، وهي جملةٌ حالية أي لا يؤمن أكثرُهم إلا في حال شركِهم، قيل: نزلت الآيةُ في أهل مكة، وقيل: في المنافقين، وقيل: في أهل الكتاب.
{أَفَأَمِنُواْ أَن تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مّنْ عَذَابِ الله} أي عقوبةٌ تغشاهم وتشمَلُهم: {أَوْ تَأْتِيَهُمُ الساعة بَغْتَةً} فجأةً من غير سابقةِ علامة: {وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} بإتيانها غير مستعدّين لها. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَكَأَيِّنْ مِنْ آَيَةٍ} أي وكم من آية قال الجلال السيوطي: إن: {كأي} اسم ككم التكثيرية الخبرية في المعنى مركب من كاف التشبيه وأي الاستفهامية المنونة وحكيت، ولهذا جاز الوقف عليها بالنون لأن التنوين لما دخل في التركيب أشبه النون الأصلية ولذا رسم في المصحف نونًا، ومن وقف عليها بحذفه اعتبر حكمه في الأصل، وقيل: الكاف فيها هي الزائدة قال ابن عصفور: ألا ترى أنك لا تريد بها معنى التشبيه وهي مع ذا لازمة وغير متعلقة بشيء وأي مجرورها، وقيل: هي اسم بسيط واختاره أبو حيان قال: ويدل على ذلك تلاعب العرب بها في اللغات، وإفادتها للاستفهام نادر حتى أنكره الجمهور، ومنه قول أبي لابن مسعود: كأين تقرأ سورة الأحزاب آية؟ فقال: ثلاثًا وسبعين، والغالب وقوعها خبرية ويلزمها الصدر فلا تجر خلافًا لابن قتيبة وابن عصفور ولا يحتاج إلى سماع، والقياس على كم يقتضي أن يضاف إليها ولا يحفظ ولا يخبر عنها إلا بجملة فعلية مصدرة بماض أو مضارع كما هنا، قال أبو حيان: والقياس أن تكون في موضع نصب على المصدر أو الظرف أو خبر كان كما كان ذلك في كم.
وفي البسيط أنها تكون مبتدأ وخبرًا ومفعولًا ويقوال فيها: كائن بالمدّ بوزن اسم الفاعل من كان ساكنة النون وبذلك، قرأ ابن كثير: {وكأ} بالقصر بوزن: {يُؤْمِنُونَ عَمَّ}، {وكأي} بوزن رمي وبه، قرأ ابن محيصن: {وكيئ} بتقديم الياء على الهمزة.
وذكر صاحب اللوامح أن الحسن قرأ: {وكي} بياء مكسورة من غيره مز ولا ألف ولا تشديد و: {سُوء ءايَةً} في موضع التمييز و: {مِنْ} زائدة، وجر تمييز كأين بها دائمي أو أكثري، وقيل: هي مبينة للتمييز المقدر، والمراد من الآية الدليل الدال على وجود الصانع ووحدته وكمال علمه وقدرته، وهي وإن كانت مفردة لفظًا لكنها في معنى الجمع أي آيات لمكان كائن، والمعنى وكاي عدد شئت من الآيات الدالة على صدق ما جئت به غير هذه الآية: {فِي السماوات والأرض} أي كائنة فيهما من الإجرام الفلكية وما فيها من النجوم وتغير أحوالها ومن الجبال والبحار وسائر ما في الأرض العجائب الفائتة للحصر:
وفي كل شيء له آية ** تدل على أنه واحد

{يَمُرُّونَ عَلَيْهَا} يشاهدونها: {وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ} غير متفكرين فيها ولا معتبرين بها، وفي هذا من تأكيد تعزيه صلى الله عليه وسلم وذم القوم ما فيه، والظاهر أن: {فِي السموات والأرض} في موضع الصفة لآية وجملة: {يَمُرُّونَ} خبر: {كأين} كما أشرنا إليه سابقًا وجوز العكس، وقرأ عكرمة وعمرو بن قائد: {السماء والأرض} بالرفع على أن في السموات هو الخبر لكأين: {والأرض} مبتدأ خبره الجملة بعده ويكون ضمير: {عَلَيْهَا} للأرض لا للآيات كما في القراءة المشهورة، وقرأ السدى: {والأرض} بالنصب على أنه مفعول بفعل محذوف يفسره: {يَمُرُّونَ} وهو من الاشتغال المفسر بما يوافقه في المعنى وضمير: {عَلَيْهَا} كما هو فيما قبل أي ويطؤون الأرض يمرون عليها، وجوز أن يقدر يطؤن ناصبًا للأرض وجملة: {يَمُرُّونَ} حال منها أو من ضمير عاملها.
وقرأ عبد الله: {والأرض} بالرفع و: {يَمْشُونَ} بدل يمرون والمعنى على القراآت الثلاث أنهم يجيئون ويذهبون في الأرض ويرون آثار الأمم الهالكة وما فيها من الآيات والعبر ولا يتفكرون في ذلك.
{وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بالله} في إقرارهم بوجوده تعالى وخالقيته: {إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ} به سبحانه، والجملة في موضع الحال من الأكثر أي ما يؤمن أكثرهم إلا في حال إشراكهم.
قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة والشعبي وقتادة: هم أهل مكة آمنوا وأشركوا كانوا يقولون في تلبيتهم: لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك الا شريكا هو لك تملكه وما ملك، ومن هنا كان صلى الله عليه وسلم إذا سمع أحدهم يقول: لبيك لا شريك لك يقول له: قط قط أي يكفيك ذلك ولا تزد إلا شريكًا إلخ.
وقيل: هم أولئك آمنوا لما غشيهم الدخان في سنى القحط وعادوا إلى الشرك بعد كشفه.
وعن ابن زيد وعكرمة وقتادة ومجاهد أيضًا أن هؤلاء كفار العرب مطلقًا أقروا بالخالق الرازق المميت وأشركوا بعبادة الأوثان والأصنام، وقيل: أشركوا بقولهم: الملائكة بنات الله سبحانه.
وعن ابن عباس أيضًا أنهم أهل اكلتاب أقروا بالله تعالى وأشركوا به من حيث كفروا بنبيه صلى الله عليه وسلم أو من حيث عبدوا عزيزًا والمسيح عليهما السلام.
وقيل: أشركوا بالتبني واتخاذهم أحبارهم ورهبانهم أربابًا.
وقيل: هم الكفار الذين يخلصون في الدعاء عند الشدة ويشركون إذا نجوا منها وروي ذلك عن عطاء، وقيل: هم الثنوية قالوا بالنور والظلمة.
وقيل: هم المنافقون جهروا بالإيمان واخفوا الكفر ونسب ذلك للبلخي، وعن الحبر أنهم المشبهة آمنوا مجملًا وكفروا مفصلًا.
وعن الحسن أنهم المراؤون بأعمالهم والرياء شرك خفي، وقيل: هم المناظرون إلى الأسباب المعتمدون عليها، وقيل: هم الذين يطيعون الخلق بمعصية الخالق، وقد يقال نظرًا إلى مفهوم الآية: إنهم من يندرج فيهم كل من أقر بالله تعالى وخالقيته مثلًا وكان مرتكبًا ما يعد شركًا كيفما كان، ومن أولئك عبدة القبور الناذرون لها المعتقدون للنفع والضر ممن الله تعالى أعلم بحاله فيها وهم اليوم أكثر من الدود، واحتجت الكرامية بالآية على أن الأيمان مجرد الإقرار باللسان وفيه نظر.
{أَفَأَمِنُواْ أَن تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مّنْ عَذَابِ الله} أي عقوبة تغشاهم وتشملهم، والاستفهام إنكار فيه معنى التوبيخ والتهديد كما في البحر، والكلام في العطف ومحل الاستفهام في الحقية مشهور وقد مر غير مرة، والمراد بهذه العقوبة ما يعم الدنيوية والأخروية على ما قيل.
وفي البحر ما هو صريح في الدنيوية للمقابلة بقوله سبحانه: {أَوْ تَأْتِيَهُمُ الساعة بَغْتَةً} فجأة من غير سابقة علامة وهو الظاهر: {وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} بإتيانها غير مستعدين لها. اهـ.

.قال القاسمي:

{وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ}
أي: وكم من آية على وحدانية الخالق، وقدرته الباهرة، ونعوته الجليلة، في السماوات: من كواكبها وأفلاكها، وفي الأرض: من قطع متجاورات، وحدائق وجنات، وجبال راسيات، وبحار زاخرات، وقفار شاسعات، وحيوان ونبات، وثمار مختلفات، وأحياء وأموات، يشاهدونها ولا يعتبرون بها.
قال الرازي: يعني أنه لا عجب إذا لم يتأملوا في الدلائل الدالة على نبوتك، فإن العالم مملوء من دلائل التوحيد والقدرة والحكمة، ثم إنهم يمرون عليها ولا يلتفتون إليها، واعلم أن دلائل التوحيد والعلم والقدرة والحكمة والرحمة، لابد وأن تكون من أمور محسوسة، وهي إما الأجرام الفلكية، وإما الأجرام العنصرية. أما الأجرام الفلكية فهي قسمان: أفلاك وكواكب. أما الأفلاك فقد يستدل بمقاديرها المعينة على وجود الصانع. وقد يستدل بكون بعضها فوق البعض أو تحته. وقد يستدل بأحوال حركاتها، إما بسبب أن حركاتها مسبوقة بالعدم، فلابد من محرك قادر، وإما بسبب كيفية حركاتها في سرعتها وبطئها، وإما بسبب اختلاف جهات تلك الحركات. وأما الأجرام الكوكبية: فتارة يستدل على وجود الصانع بمقاديرها وأحيازها وحركاتها، وتارة بألوانها وأضوائها، وتارة بتأثيراتها في حصول الأضواء والأظلال، والظلمات والنور.
وأما الدلائل المأخوذة من الأجرام العنصرية: فإما أن تكون مأخوذة من بسائط، وهي عجائب البر والبحر، وإما من المواليد وهي أقسام:
أحدها: الآثار العلوية، كالرعد والبرق والسحاب والمطر والثلج والهواء وقوس قزح.
وثانيها: المعادن على اختلاف طبائعها وصفاتها وكيفياتها.
ثالثها: النبات وخاصية الخشب والورق والتمر، واختصاص كل واحد منها بطبع خاص وطعم خاص، وخاصية مخصوصة.
ورابعها: اختلاف أحوال الحيوانات في أشكالها وطبائعها وأصواتها وخلقتها.
وخامسها: تشريح أبدان الناس، وتشريح القوى الإنسانية، وبيان المنفعة الحاصلة فيها.
فهذه مجامع الدلائل.
ومن هذا الباب أيضًا قصص الأولين، وحكايات الأقدمين، وأن الملوك إذا استولوا على الأرض وخربوا البلاد، وقهروا العباد؛ ماتوا ولم يبق منهم في الدنيا خبر ولا أثر، ثم بقي الوزر والعقاب.
ولما كان العقل البشري لا يفي بالإحاطة بشرح دلائل العالم الأعلى والأسفل؛ ذكر في الكتاب العزيز مجملًا. انتهى.
وقوله تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ} أي: الناس، أو أهل مكة: {بِاللّهِ} أي: في إقرارهم بوجوده وخالقيته: {إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ} أي: بعبادتهم لغيره، وباتخاذهم الأحبار والرهبان أربابًا، وبقولهم باتخاذه تعالى ولدًا: {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا} [الإسراء: 43].
تنبيه:
كما تدل الآية على النعي عليهم بالشرك الأكبر، وهو أن يعبد مع الله غيره. فإنها تشير إلى ما يتخلل الأفئدة وينغمس به الأكثرون من الشرك الخفي، الذي لا يشعر صاحبه به غالبًا. ومنه قول الحسن في هذه الآية: ذاك المنافق، يعمل إذا عمل رئاء الناس، وهو مشرك بعمله. يعني: الشرك في العبادة. فصاحبه، وإن اعتقد وحدانيته تعالى؛ ولكن لا يخلص له في عبوديته بل يعمل لحظ نفسه، أو طلب الدنيا، أو طلب الرفعة والمنزلة والجاه عند الخلق؛ فلله من عمله وسعيه نصيب، ولنفسه وحظه وهواه نصيب، وللشيطان نصيب، وللخلق نصيب. وهذا حال أكثر الناس، وهو الشرك الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم، فيما رواه ابن حبان في صحيحه: «الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل». فالرياء كله شرك، وهو محبط للعبادة، مبطل ثواب العمل، ويعاقب عليه إذا كان العمل واجبًا. فإنه تعالى أمر بعبادته خالصة. قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} [البينة: من الآية 5]، فمن لم يخلص لله في عبادته؛ لم يفعل ما أمر به، بل الذي أتى به شيء غير المأمور، فلا يقبل منه.