فصل: قال ابن القيم:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وروى مسلم وغيره عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقول الله: أنا أغنى الشركاء عن الشرك. من عمل عملًا أشرك فيه معي غيري، تركته وشركه».
وروى الإمام أحمد عن محمود بن لَبِيد، رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم: «إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر! قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: الرياء».
ومن الشرك نوع غير مغفور، وهو الشرك بالله في المحبة والتعظيم، بأن يحب مخلوقًا كما يحب الله، فهذا من الشرك الذي لا يغفره الله، وهو الشرك الذي قال سبحانه فيه: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا} [البقرة: من الآية 165] الآية. وقال أصحاب هذا الشرك لآلهتهم، وقد جمعتهم الجحيم: {تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 97- 98]، ومعلوم أنهم ما سووهم به سبحانه في الخلق والرزق، والإماتة والإحياء، والملك والقدرة، وإنما سووهم به في الحب والتأله، والخضوع لهم والتذلل. وهذا غاية الجهل والظلم، فكيف يسوى من خلق من التراب برب الأرباب؟ وكيف يسوى العبيد بمالك الرقاب، وكيف يسوى الفقير بالذات، الضعيف بالذات، العاجز بالذات، المحتاج بالذات، الذي ليس له من ذاته إلا العدم؛ بالغني بالذات، القادر بالذات، الذي غناه وقدرته وملكه ووجوده وإحسانه وعلمه ورحمته وكماله المطلق التام، من لوازم ذاته؟ فأي ظلم أقبح من هذا وأي حكم أشد جورًا منه؟ حيث عدل من لا عدل له بخلقه. أفاده الشمس ابن القيم في الجواب الكافي.
قال الحافظ ابن كثير: وثم شرك خفي لا يشعر به غالبًا فاعله، كما روي عن حذيفة أنه دخل على مريض، فرأى في عضده سيرًا فقطعه، ثم قال: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ}.
وفي الحديث: «من حلف بغير الله فقد أشرك» رواه الترمذي عن ابن عمر وحسنه. وفي الحديث الذي رواه أحمد وأبو داود وغيرهما عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الرقى والتمائم والتولة شرك». ورواه الإمام أحمد بأبسط من هذا عن زينب امرأة عبد الله قالت: كان عبد الله إذا جاء من حاجة فانتهى إلى الباب، تنحنح وبزق كراهة أن يهجم منا على أمر يكرهه؟ قالت: وإنه جاء ذات يوم فتنحنح، وعندي عجوز ترقيني من الحمرة، فأدخلتها تحت السرير. قالت: فدخل فجلس إلى جانبي، فرأى في عنقي خيطًا، فقال: ما هذا الخيط؟ قالت: قلت: خيط رقي لي فيه! فأخذه فقطعه، ثم قال: إن آل عبد الله لأغنياء عن الشرك، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الرقى والتمائم والتولة شرك». قالت: قلت له: لم تقول هذا، وقد كانت عيني تفرق، فكنت أختلف إلى فلان اليهودي يرقيها، فكان إذا رقاها سكنت؟! فقال: إنما ذاك من الشيطان، كان ينخسها بيده، فإذا رقاها كفَّ عنها، كان يكفيك أن تقولي كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أذهب الباس، رب الناس، اشف وأنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقمًا».
وروى الإمام أحمد عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من علق تميمة فقد أشرك».
وأخرج أيضًا عن عبد الله بن عَمْرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من ردته الطيرة عن حاجته فقد أشرك».
وبما ذكر يعلم أن لفظ الآية يتناول كل ما يصدق عليه مسمى الإيمان، مع وجود مسمى الشرك، فأهل الشرك الأكبر ما يؤمن أكثرهم بأن الله هو الخالق إلا وهو مشرك به، بما يتخذه من الشفعاء، وما يعبده من الأصنام. وكذا أهل الشرك الأصغر من المسلمين، كالرياء مثلًا، ما يؤمن أحدهم بالله إلا وهو مشرك به، بذلك الشرك الخفي. وعلى هذا، فالشرك يجامع الإيمان، فإن الموصوف بهما مما تقدم، مؤمن فيما آمن به، ومشرك فيما أشرك به. والتسمية في الشريعة لله عز وجل ولرسوله، فلهما أن يوقعا أي: اسم شاءا على أي: مسمى شاءا. فكما أن الإيمان في اللغة التصديق، ثم أوقعه الله عز وجل في الشريعة على جميع الطاعات، واجتناب المعاصي، إذا قُصد بكل ذلك، من عمل أو ترك، وجه الله تعالى؛ كذلك الشرك نقل عن شرك شيء مع آخر مطلقًا، إلى الشرك في عبادته تعالى، وفي خصائص ربوبيته.

.قال ابن القيم:

حقيقة الشرك هو التشبه بالخالق، والتشبه للمخلوق به، فالمشرك مشبه للمخلوق بالخالق في خصائص الإلهية، فإن من خصائص الإلهية التفرد بملك الضر والنفع، والعطاء والمنع، وذلك يوجب تعليق الدعاء، والخوف والرجاء، والتوكل به وحده. فمن علق ذلك بمخلوق فقد شبهه بالخالق، وجعل من لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًا، ولا موتًا ولا حياة ولا نشورًا فضلًا عن غيره مشبهًا بمن له الأمر كله، جل وعلا. فمن أقبح التشبيه تشبيه هذا العاجز الفقير بالذات بالقادر الغني بالذات. ومن خصائص الإلهية الكمال المطلق من جميع الوجوه، الذي لا نقص فيه بوجه من الوجوه. وذلك يوجب أن تكون العبادة كلها له وحده، والتعظيم والإجلال والخشية والدعاء والرجاء والإنابة والتوكل والاستعانة وغاية الذل، مع غاية الحب، كل ذلك يجب عقلًا وشرعًا وفطرةً أن يكون له وحده. ويمنع عقلًا وشرعًا وفطرةً أن يكون لغيره. فمن جعل شيئًا من ذلك لغيره فقد شبه ذلك الغير، بمن لا شبيه له، ولا ند له، وذلك أقبح التشبيه وأبطله. ولشدة قبحه، وتضمنه غاية الظلم؛ أخبر سبحانه عباده أنه لا يغفره، مع أنه كتب على نفسه الرحمة. ومن خصائص الإلهية العبودية التي قامت على ساقين، لا قوام لها بدونهما: غاية الحب، مع غاية الذل. هذا تمام العبودية. وتفاوت منازل الخلق فيها بحسب تفاوتهم في هذين الأصلين. فمن أعطى حبه وذله وخضوعه لغير الله؛ فقد شبهه به في خالص حقه، وهذا من المحال أن تأتي به شريعة من الشرائع. وقبحُه مستقر في كل فطرة وعقل، ولكن غيرت الشياطين فطر أكثر الخلق وعقولهم، وأفسدتها عليهم، ومضى على الفطرة من سبقت له من الله الحسنى. إذا عرف هذا فمن خصائص الإلهية السجود، فمن سجد لغيره فقد شبه المخلوق به. ومنها التوكل، فمن توكل على غيره فقد شبهه به. ومنها التوبة، فمن تاب لغيره فقد شبهه به. ومنها الحلف باسمه تعظيمًا وإجلالًا، فمن حلف بغيره فقد شبهه به. هذا في جانب التشبيه. وأما في جانب التشبه به، فمن تعاظم وتكبر، ودعا الناس إلى إطرائه في المدح والتعظيم، والخضوع، والرجاء، وتعليق القلب به، خوفًا، ورجاء، والتجاء، واستعانة؛ فقد تشبه به، ونازعه في ربوبيته وإلهيته، وهو حقيق بأن يهينه غاية الهوان، ويذله غاية الذل.
وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم قال: «يقول الله عز وجل: العظمة إزاري، والكبرياء ردائي، فمن نازعني واحدًا منهما عذبته». وكذلك من تشبه به في الاسم الذي لا ينبغي إلا لله وحده، كملك الأملاك، وحاكم الحكام، ونحوه.
وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم: «أغيظ رجل على الله رجل يسمى ملك الأملاك، لا ملك إلا الله».
فهذا غضب الله على من تشبه في الاسم، الذي لا ينبغي إلا له، فهو سبحانه ملك الملوك وحده، يحكم عليهم كلهم، ويقضي عليهم، لا غيره.
وتتمة هذا البحث في الجواب الكافي لابن القيم، فانظره.
وقوله تعالى: {أَفَأَمِنُواْ} أي: هؤلاء المشركون: {أَن تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِّنْ عَذَابِ اللّهِ} أي: عقوبة تنبسط عليهم وتغمرهم: {أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً} أي: فجأة: {وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} أي: بإتيانها، وهذا كقوله تعالى: {أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرؤُوفٌ رَّحِيمٌ} [النحل: 45- 46- 47]، وقوله: {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف: 97- 98- 99]. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَكَأَيِّنْ مِنْ آَيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}
عطف على جملة: {وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين} [يوسف: 103]، أي ليس إعراضهم عن آية حصول العلم للأمّي بما في الكتب السالفة فحسب بل هم معرضون عن آيات كثيرة في السماوات والأرض.
و{كأين} اسم يدل على كثرة العدد المبهم يبينه تمييز مجرور بـ: {من}.
وقد تقدم عند قوله تعالى: {وكأين من نبيء قاتل معه ربيون كثير} في سورة آل عمران (146).
والآية: العلامة، والمراد هنا الدالةُ على وحدانية الله تعالى بقرينة ذكر الإشراك بعدها.
ومعنى: {يمرون عليها} يرونها، والمرور مجاز مكنّى به عن التحقق والمشاهدة إذ لا يصح حمل المرور على المعنى الحقيقي بالنسبة لآيات السماوات، فالمرور هنا كالذي في قوله تعالى: {وإذا مروا باللغو مروُّا كرامًا} [الفرقان: 72].
وضمير {يمرون} عائد إلى الناس من قوله تعالى: {وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين}.
وجملة: {وما يؤمن أكثرهم بالله} في موضع الحال من ضمير: {يمرون} أي وما يؤمن أكثر الناس إلا وهم مشركون، والمراد بـ: {أكثر الناس} أهل الشرك من العرب.
وهذا إبطال لما يزعمونه من الاعتراف بأن الله خالقهم كما في قوله تعالى: {ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله}، وبأن إيمانهم بالله كالعدم لأنهم لا يؤمنون بوجود الله إلا في تشريكهم معه غيره في الإلهية.
والاستثناء من عموم الأحوال، فجملة: {وهم مشركون} حال من: {أكثرهم}.
والمقصود من هذا تشنيع حالهم.
والأظهر أن يكون هذا من قبيل تأكيد الشيء بما يشبه ضده على وجه التهكم.
وإسناد هذا الحكم إلى: {أكثرهم} باعتبار أكثر أحْوالهم وأقوالهم لأنهم قد تصدر عنهم أقوال خلية عن ذكر الشريك.
وليس المراد أن بعضًا منهم يؤمن بالله غير مشرك معه إلها آخر.
{أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ}
اعتراض بالتفريع على ما دلت عليه الجملتان قبله من تفظيع حالهم وجرأتهم على خالقهم والاستمرار على ذلك دون إقلاع، فكأنهم في إعراضهم عن توقع حصول غضب الله بهم آمنون أن تأتيهم غاشية من عذابه في الدنيا أو تأتيهم الساعة بغتة فتحول بينهم وبين التوبة ويصيرون إلى العذاب الخالد.
والاستفهام مستعمل في التوبيخ.
والغشْي والغشيان: الإحاطة من كل جانب: {وإذا غشيهم موج كالظلل} [سورة لقمان: 32].
وتقدم في قوله تعالى: {يغشي الليل النهار} في سورة الأعراف [54].
والغاشية الحادثة التي تحيط بالناس.
والعرب يؤنثون هذه الحوادث مثل الطّامة والصاخة والداهية والمصيبة والكارثة والحادثة والواقعة والحاقة.
والبغتة: الفجأة.
وتقدمت عند قوله تعالى: {حتى إذا جاءتهم الساعة بغتة} في آخر سورة الأنعام [31]. اهـ.

.قال الشعراوي:

{وَكَأَيِّنْ مِنْ آَيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ}
وإذا سمعتَ: {كأين} افهم أن معناها كثير كثير كثير؛ بما يفوق الحَصْر، ومثل: {كأين} كلمة كم، والعَدُّ هو مظنة الحصر، والشيء الذي فوق الحصر؛ تنصرف عن عَدِّه، ولا أحد يحصر رمال الصحراء مثلًا، لكن كلًا منا يعُدُّ النقود التي يردُّها لنا البائع، بعد أن يأخذ ثمن ما اشتريناه.
إذن: فالانصراف عن العَدِّ معناه أن الأمر الذي نريد أن نتوجه لِعَّده فوق الحصر، ولا أحد يعُدُّ النجوم أو يحصيها.
ولذلك نجد الحق سبحانه يُنبِّهنا إلى هذه القضية، لإسباغ نعمه على خلقه، ويقول: {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ الله لاَ تُحْصُوهَا...} [إبراهيم: 34] وإنْ هي للأمر المشوك فيه، وأنتم لن تعدُّوا نعمة الله؛ لأنها فوق الحصر، والمعدود دائمًا يكون مُكَررًا، وذَكَر الحق هنا نعمة واحدة، ولم يحددها؛ لأن أيَّ نعمة تستقبلها من الله لو استقصيتها لوجدتَ فيها نِعَمًا لا تُحصَر ولا تُعَدُّ.
إذن: فكلمة: {كأين} تعني كم، وأنت تقول للولد الذي لم يستذكر دروسه: كم نصحتك؟ وأنت لا تقولها إلا بعد أن يفيض بك الكيل.
وتأتي كم ويُراد بها تضخيم العدد، لا منك أنت المتكلم، ولكن ممَّنْ تُوجِّه إليه الكلام، وكأنك تستأمنه على أنه لن ينطق إلا صِدْقًا، أو كأنك استحضرتَ النصائح، فوجدتها كثيرة جدًا.
والسؤال عن الكمية إما أنْ يُلْقَى من المتكلم، وإما أن يُطلب من المخاطب؛ وطلبُه من المخاطب دليل على أنه سَيِقُرّ على نفسه، والإقرار سيد الأدلة.
وحين يقول سبحانه: {وَكَأَيِّن...} [يوسف: 105]
فمعناها أن ما يأتي بعدها كثير.
وسبحان القائل: {وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ الله وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا استكانوا والله يُحِبُّ الصابرين} [آل عمران: 146]
وهكذا نفهم أن: {كأين} تعني الكثير جدًا؛ الذي بلغ من الكثرة مبلغًا يُبرر لنا العذر أمام الغير إنْ لم نُحْصِه.
والآيات هي جمع آية؛ وهي الشيء العجيب، المُلْفِت للنظر ويُقال: فلان آية في الذكاء. أي: أن ذكاءه مضرب المثل، كأمر عجيب يفوق ذكاء الآخرين.
ويُقال: فلان آية في الشجاعة؛ وهكذا.
ومعنى الشيء العجيب أنه هو الخارج عن المألوف، ولا يُنسَى.
وقد نثر الحق سبحانه في الكون آياتٍ عجيبة، ولكل منثور في الكون حكمة. وتنقسم معنى الآيات إلى ثلاث:
الأول: هو الآيات الكونية التي تحدثنا عنها، وهي عجائب؛ وهي حُجَّة للمتأمل أن يؤمن بالله الذي أوجدها؛ وهي تلفِتُك إلى أن مَنْ خلقها لابُدَّ أن تكون له منتهى الحكمة ومنتهى الدِّقة، وهذه الآيات تلفتنا إلى صدق توحيد الله والعقيدة فيه. وقد نثر الحق سبحانه هذه الآيات في الكون.
وحينما أعلن الله بواسطة رسله أنه سبحانه الذي خلقها، ولم يَقُلْ أحد غيره: أنا الذي خلقت فهذه المسألة مسألة الخلق تثبُت له سبحانه، فهو الخالق وما سواه مخلوق، وهذه الآيات قد خُلِقت من أجل هدف وغاية.
وفي سورة الروم نجد آيات تجمع أغلب آيات الكون؛ فيقول الحق سبحانه: {فَسُبْحَانَ الله حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ وَلَهُ الحمد فِي السماوات والأرض وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ يُخْرِجُ الحي مِنَ الميت وَيُخْرِجُ الميت مِنَ الحي وَيُحْي الأرض بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنتُمْ بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لتسكنوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السماوات والأرض واختلاف أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذلك لآيَاتٍ لِّلْعَالَمِينَ وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم باليل والنهار وابتغاؤكم مِّن فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ البرق خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السماء مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الأرض بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ السماء والأرض بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ الأرض إِذَا أَنتُمْ تَخْرُجُونَ} [الروم: 17-25]