فصل: قال أبو حيان في الآيات:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



كل هذه آيات تنبه الإنسان الموجود في الكون أنه يتمتع فيه طبقًا لنواميس عليا؛ فيها سِرُّ بقاء حياته؛ فيجب أن ينتبه إلى مَنْ أوجدها.
وبعد أن ينتبه إلى وجود واحد أعلى؛ كان عليه أن يسأل: ماذا يريد منه هذا الخالق الأعلى؟
هذه الآيات تفرض علينا عقليًا أن يوجد مَنْ يبلغنا مطلوبَ الواجد الأعلى، وحينما يأتي رسول يقول لنا: إن مَنْ تبحثون عنه اسمه الله؛ وهو قد بعثني لأبلغكم بمطلوبه منكم أن تعبدوه؛ فتتبعوا أوامره وتتجنبوا نواهيه.
والنوع الثاني من الآيات هي آيات إعجازية، والمراد منها تثبيت دعوة الرسل، فكان ولابُدَّ أن يأتي كل رسول ومعه آية؛ لتثبت صِدْق بلاغه عن الله؛ لأن كل رسول هو من البشر، ولابد له من آية تخرق النواميس، وهي المعجزات التي جاءت مع الرسل.
وهناك آيات حُكْمية، وهي النوع الثالث، وهي الفواصل التي تحمل جُملًا، فيها أحكام القرآن الكريم؛ وهو المنهج الخاتم.
وهي آياتٌ عجيبة أيضًا؛ لأنك لا تجد حُكْمًا من أحكام الدين إلا ويمسُّ منطقيًا حاجة من حاجات النفس الإنسانية، والبشر وإنْ كفروا سيُضطرون إلى كثير من القضايا التي كانوا ينكرونها، ولكن لا حَلَّ للمشكلات التي يواجهونها، ولا تُحَلّ إلا بها.
والمثل الواضح هو الطلاق، وهم قد عَابُوا مجيء الإسلام به؛ وقالوا: إن مثل هذا الحل للعلاقة بين الرجل والمرأة قد يحمل الكثير من القسوة على الأسرة، لكنهم لجأوا إليه بعد أن عضَّتهم أحداث الحياة، وهكذا اهتدى العقل البشري إلى حكم كان يناقضه.
وكذلك أمر الربا الذي يحاولون الآن وَضْع نظام ليتحللوا من الربا كله، ويقولون: لا شيء يمنع العقل البشري من التوصُّل إلى ما يفيد.
وهكذا نجد الآيات الكونية هي عجائب بكل المقاييس، والآيات المصاحبة للرسل هي معجزات خَرَقتْ النواميس، وآياتُ القرآن بما فيها من أحكام تَقِي الإنسان من الداء قبل أن يقع، وتُجبرهم معضلات الحياة أن يعودوا إلى أحكام القرآن ليأخذوا بها.
وهم يُعرضون عن كل الآيات، يُعرضون عن آيات الكون التي إنْ دَقَّقوا فيها لَثبتَ لهم وجود إله خالق؛ ولأخذوا عطاءً من عطاءات الله ليسري تربية وتنمية، وكل الاكتشافات الحديثة إنما جاءت نتيجةً لملاحظاتِ ظاهرةٍ ما في الكون.
وسبق أن ضربتُ المثل بالرجل الذي جلس ليطهو في قِدرْ؛ ثم رأى غطاء القِدْر يعلو؛ ففكَّر وتساءل: لماذا يعلو غطاء القدر؟ ولم يُعرِض الرجل عن تأمُّل ذلك، واستنباط حقيقة تحوُّل الماء إلى بخار؛ واستطاع عن طريق ذلك أن يكتشف أن الماء حين يتبخر يتمدد؛ ويحتاج إلى حَيِّزٍ اكبر من الحَيِّز الذي كان فيه قبل التمدد.
وكان هذا التأمُّل وراء اكتشاف طاقة البخار التي عملتْ بها البواخر والقطارات، وبدأ عصر سُمِّى عصر البخار. وهذا الذي رأى طَفْوَ طبقٍ على سطح الماء وتأمّل تلك الظاهرة، ووضع قاعدة باسمه، وهي قاعدة أرشميدس.
وهكذا نجد أن أي إنسان يتأمل الكون بِدِقَّة سيجد في ظواهره ما يفيد في الدنيا؛ كما استفاد العالم من تأملات أرشميدس وغيره؛ ممَّنْ قدَّموا تأملاتهم كملاحظات، تتبعها العلماء ليصلوا إلى اختراعات تفيد البشرية.
وهكذا نرى أن الحق سبحانه لا يضِنُّ على الكافر بما يفيد العالم مادام يتأمل ظواهر الكون، ويستنبط منها ما يفيد البشرية.
إذن فقوله تعالى: {وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السماوات والأرض يَمُرُّونَ عَلَيْهَا...} [يوسف: 105]
إنْ أردتها وسيلة للإيمان بإله؛ فهي تقودك إلى الإيمان؛ وإنْ أردتها لفائدة الدنيا فالحقُّ لم يبخل على كافر بأن يُعطَيه نتيجة ما يبذل من جهد.
فكل المطلوب ألاّ تمُرَّ على آيات الله وأنت مُعرِض عنها؛ بل على الإنسان أن يُقبِل إقبال الدارس، إما لتنتهي إلى قضية إيمانية تُثرِي حياتك؛ وتعطيك حياة لا نهايةَ لها، وهي حياة الآخرة، أو تُسعِد حياتك وحياة غيرك، بأن تبتكر أشياء تفيدك، وتفيد البشرية.
ويقول الحق سبحانه بعد ذلك: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بالله...} وهكذا نرى المصافي التي يمر بها البشر ليصلوا إلى الإيمان.
المصفى الأول: قوله تعالى: {وَمَا أَكْثَرُ الناس وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف: 103]
أي: أن الكثير من الناس لن يَصِلوا إلى الإيمان، حتى ولو حرص الرسول صلى الله عليه وسلم أن يكونوا مؤمنين.
وقلنا: إن مقابل كثير قد يكون قليل، وقد يكون كثير، وبعض المؤمنين قد يشوب إيمانهم شبهةٌ من الشرك، صحيح أنهم مؤمنون بالإله الواحد، ولكن إيمانهم ليس يقينيًا، بل إيمان متذبذب، ويُشرِكون به غيره.
والمصفى الثاني: قوله تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بالله إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ} [يوسف: 106]
ومثال هذا: كفار قريش الذين قال فيهم الحق سبحانه: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ الله...} [الزخرف: 87]
ويقول فيهم أيضًا: {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السماوات والأرض لَيَقُولُنَّ الله...} [لقمان: 25]
ورغم قولهم هذا إلا أنهم جعلوا شفعاء لهم عند الله، وقالوا: إن الملائكة بنات الله، وهكذا جعلوا لله شركاء. ومعهم كل مَنْ ادعى أن لله ابنًا من أهل الكتاب.
وأيضًا مع هؤلاء يوجد بعض من المسلمين الذي يخصُّون قومًا أقوياء بالخضوع لهم خضوعًا لا يمكن أن يُسمَّى في العرف مودة؛ لأنه تَقرُّب ممتلئ بالذلة؛ لأنهم يعتقدون أن لهم تأثيرًا في النفع والضر؛ وفي هذا لون من الشرك.
ويأتي الواحد من هؤلاء ليقول لِمَنْ يتقرب منه: أرجو أن تقضي لي الأمر الفلاني. ويرد صاحب النفوذ: اعتمد على الله، وإن شاء الله سيقضي الله لك حاجتك.
لكن صاحب الطلب يتمادى في الذِّلة، ليقول: وأنا اعتمد عليك أيضًا، لتقضي لي هذه الحاجة.
أو يرد صاحب النفوذ ويقول: أنا سوف افعل لك الشيء الفلاني؛ والباقي على الله.
وحين أسمع ذلك فأنا أتساءل: وماذا عن الذي ليس باقيًا، أليس على الله أيضًا؟
وينثر الله حِكَمًا في أشياء تمنَّاها أصحابها؛ فَقُضِيتْ؛ ثم تبين أن فيها شرًا، وهناك أشياء تمناها أصحابها؛ فلم تُقْضَ؛ ثم تبين أن عدم قضائها كان فيه الخير كل الخير.
نجد الأثر يقول:
وَاطلبُوا الأشياءَ بِعزَّةِ الأنفُسِ ** فَإِنَّ الأُمورَ تَجْرِي بِمقَادِير

وربما منعك هذا فكرهته، وكان المنع لك خيرًا من قضائه لك، فإن المنع عَيْن العطاء، ولذلك فعلى الإنسان أن يعرف دائمًا أن الله هو الفاعل، وهو المسبب، وأن السبب شيء آخر.
ودائمًا أذكِّر بأننا حين نحجُّ أو نعتمر نسعى بين الصفا والمروة لنتذكر ما فعلتْه سيدتنا هاجر التي سَعَتْ بين الصفا والمروة؛ لتطلب الماء لوليدها بعد استنفدت أسبابها؛ ثم وجدت الماء تحت رِجْل وليدها إسماعيل.
فقد أخذتْ هي بالأسباب، فجاء لها رب الأسباب بما سألت عنه. ولم يأت لها الحق سبحانه بالماء في جهة الصفا أو المروة؛ ليثبت لها القضية الأولى التي سألت عنها إبراهيم عليه السلام حين أنزلها في هذا المكان.
فقد قالت له: ءأنزلتنا هنا برأيك؟ أم أن الله أمرك بهذا؟ قال: نعم أمرني رَبِّي. قالت: إذن لا يضيعنا.
وقد سَعَتْ هي بحثًا عن الماء أخذًا بالأسباب، وعثرتْ على الماء بقدرة المسبِّب الأعلى.
وقول الحق سبحانه: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بالله إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ} [يوسف: 106]
يتطلب منا أن نعرف كيف يتسرَّب الشرك إلى الإيمان، ولنا أن نتساءل: مادام يوجد الإيمان؛ فمن أين تأتي لحظة الشرك؟
ويشرح الحق سبحانه لنا ذلك حين يقول: {فَإِذَا رَكِبُواْ فِي الفلك دَعَوُاْ الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى البر إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ لِيَكْفُرُواْ بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ يَعلَمُونَ} [العنكبوت: 65-66]
هم إذن قد آمنوا وهم في الفُلْك، وأخذوا يدعُون الله حين واجهتهم أزمة في البحر؛ لكنهم ما أن وصلوا إلى الشاطئ حتى ظهر بينهم الشرك.
حين يسألهم السائل: ماذا حدث؟
فيجيبون: أنهم كانوا قد أخذوا حذرهم، واستعدوا بقوارب النجاة. ونَسَوْا أن الله هو الذي أنقذهم فانطبق عليهم قول الحق سبحانه: {وَجَعَلُواْ للَّهِ أَندَادًا لِّيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُواْ فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النار} [إبراهيم: 30]
وفي حياتنا اليومية قد تذهب لتقضي حاجة لإنسان؛ وبعد أن يُسَهِّل لك الله قضاء تلك الحاجة؛ تلتفت فلا تجده، ولا يفكر في أن يُوجِّه لك كلمة الشكر.
وحين تلقاه يقول لك: كل ما طلبته منك وجدته مقضيًا، لقد كلَّمْتُ فلانًا فقضاها.
وهو يقول لك ذلك ليُبعد عنك ما أسبغه الله عليك من فضل قضائك لحاجته؛ وذلك لأنه لحظة أن طلب منك مساعدته في قضاء تلك الحاجة تذلَّل وخضع، وبعد أن تنقضي يتصرف كفرعون ويتناسى.
ولا ينزعه من فرعنته إلا رؤياك؛ لأنه يعلم أنك صاحب جميل عليه، بل قد يريد بك الشر؛ رغم أنك أنت مَنْ أحسنتَ إليه، لماذا؟ لأن هذه هي طبيعة الإنسان.
يقول تعالى: {كَلاَّ إِنَّ الإنسان ليطغى أَن رَّآهُ استغنى} [العلق: 6-7]
ولذلك يقول في المثل: اتَّقِ شَرَّ من أحسنت إليه. وأنت تتقي شره، بأن تحذر أن تمُنَّ عليه بالإحسان؛ كي لا تنمي فيه غريزة الكره لك.
والناصح يحتسب أيَّ مساعدة منه لغيره عند الله؛ فيأخذ جزاءه من خالقه لحظة أداء فعل الخير، ولا ينتظر شيئًا ممَّنْ فعل الخير له؛ لأنك لا تعلم ماذا فكَّر لحظة أن أدَّيْتَ له الخدمة، فحين يجد ترحيبَ الناس بك في الجهة التي تُؤدِّي له الخدمة فيها؛ قد يتساءل: لماذا يحترمونك أكثر منه؟
وهو يسأل هذا السؤال لنفسه على الرغم من أنك مُتواجِد معه في هذا المكان لتخدمه.
ولذلك يقول العامة هذا المثل: اعمل الخير وارْمه في البحر؛ لأن الله هو الذي يجازيك وليس البشر؛ فاجعل كل عملك مُوجَّهًا لله، وانْسَ أنك فعلْتَ معروفًا لأحد. والمعروف المنكُور هو أجْدى أنواع المعروف عليك؛ لأن الذي يُجازِي عليه هو الله؛ وهو سبحانه مَنْ سيناولك أجره وثوابه بيده؛ ولذلك عليك أن تنسى مَنْ أحسنتَ إليه؛ كي يُعوِّضك الله بالخير على ما فعلت.
ويُقال في الأثر: إن موسى عليه السلام قال: يا ربِّ، إني أسألك ألاّ يُقال فيّ ما ليس فيّ. فأوضح له الله: يا موسى لم أصنعها لنفسي؛ فكيف أصنعها لك. ويعرض الحق سبحانه هذه المسألة في القرآن بشكل آخر فيقول سبحانه: {وَإِذَا مَسَّ الإنسان ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يدعوا إِلَيْهِ مِن قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَادًا لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النار} [الزمر: 8]
والإنسان لحظةَ أن يمسَّه الضُّر؛ فهو يدعو الربوبية المتكفِّلة بمصالحه: يا ربّ أنت الذي خلقتني، وأنت المتكفِّل بتربيتي؛ وأنا أتوكل عليك في مصالحي، فأنقذني ممَّا أنا فيه. ومثل هذا الإنسان كمثل الرُّبان الذي ينقذه الله بأعجوبة من العاصفة؛ لكنه بعد النجاة يحاول أن ينسب نجاة السفينة من الغرق لنفسه.
ولذلك أقول دائمًا: احذروا أيها المؤمنون أن تنسَوْا المُنعِم المُسبِّب في كل شيء، وإياكم أن تُفْتنوا بالأسباب؛ فتغفلوا عن المُسبِّب؛ وهو سبحانه مُعْطي الأسباب. وأقول ذلك حتى لا تقعوا في ظلم أنفسكم بالشرك بالله؛ فسبحانه القائل: {الذين آمَنُواْ وَلَمْ يلبسوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أولئك لَهُمُ الأمن وَهُمْ مُّهْتَدُونَ} [الأنعام: 82]
والظلم كما نعلم هو أن تُعطِي الحق لغيره صاحبه؛ فكيف يَجْرؤ أحد على أن يتجاهل فَضْل الله عليه؟ فيقع في الشرك الخفي، والظلم الأكبر هو الشرك.
وسبحانه القائل: {... إِنَّ الشرك لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13]
ويقول الحق سبحانه بعد ذلك: {أفأمنوا أَن تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ...} ألم يحسب هؤلاء حساب انتقام الله منهم بعذاب الدنيا الذي يَعُمُّ؛ لأن الغاشية هي العقاب الذي يَعُمُّ ويُغطِّي الجميع؛ أم أنهم استبطئوا الموت، واستبطئوا القيامة وعذابها؛ رغم أن الموت مُعلَّق على رقاب الجميع، ولا أحد يعلم ميعاد موته.
فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «من مات قامت قيامته».
فما الذي يُبطئهم عن الإيمان بالله والإخلاص التوحيدي لله، بدون أنْ يمسَّهم شرك؛ قبل أن تقوم قيامتهم بغتةً؛ أي: بدون جرس تمهيدي.
ونعلم أن مَنْ سبقونا إلى الموت لا يطول عليهم الإحساس بالزمن إلى أن تقومَ قيامة كُلِّ الخَلْق؛ لأن الزمن لا يطول إلا على مُتتبع أحداثه.
والنائم مثلًا لا يعرف كَمْ ساعةً قد نام؛ لأن وَعْيَه مفقود فلا يعرف الزمن، والذي يوضح لنا أن الذين سبقونا لا يشعرون بمرور الزمن هو قول الحق: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يلبثوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا} [النازعات: 46]. اهـ.

.قال أبو حيان في الآيات:

{ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ}
قال ابن الأنباري: سألت قريش واليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قصة يوسف فنزلت مشروحة شرحًا وافيًا، وأمل أن يكون ذلك سببًا لإسلامهم، فخالفوا تأميله، فعزاه الله تعالى بقوله: وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين الآيات.
وقيل: في المنافقين، وقيل: الثنوبة، وقيل: في النصارى.
وقال ابن عباس: في تلبية المشركين.
وقيل: في أهل الكتاب آمنوا ببعض وكفروا ببعض، فجمعوا بين الإيمان والشرك.
والإشارة بذلك إلى ما قصه الله من قصة يوسف وإخوته.
وما كنت لديهم أي: عند بني يعقوب حين أجمعوا أمرهم على أن يجعلوه في الجب، ولا حين ألقوه فيه، ولا حين التقطته السيارة، ولا حين بيع.
وهم يمكرون أي يبغون الغوائل ليوسف، ويتشاورون فيما يفعلون به.
أو يمكرون بيعقوب حين أتوا بالقميص ملطخًا بالدم، وفي هذا تصريح لقريش بصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذا النوع من علم البيان يسمى بالاحتجاج النظري، وبعضهم يسميه المذهب الكلامي، وهو أن يلزم الخصم ما هو لازم لهذا الاحتجاج، وتقدم نظير ذلك في آل عمران، وفي هود.
وهذا تهكم بقريش وبمن كذبه، لأنه لا يخفى على أحد أنه لم يكن من حملة هذا الحديث وأشباهه، ولا لقي فيها أحدًا ولا سمع منه، ولم يكن من علم قومه، فإذا أخبر به وقصه هذا القصص الذي أعجز حملته ورواته لم تقع شبهة في أنه ليس منه، وإنما هو من جهة القرون الخالية ونحوه: {وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر} فقوله: وما كنت، هنا تهكم بهم، لأنه قد علم كل أحد أن محمدًا صلى الله عليه وسلم ما كان معهم.