فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا}
قوله تعالى: {حتى}: ليس في الكلامِ شيءٌ تكون: {حتى} غايةً له، فمِنْ ثَمَّ اختلف الناسُ في تقدير شيءٍ يَصِحُّ تَغْيِيَتُه ب: {حتى}: فقدَّره الزمخشري: وما أَرْسَلْنا مِنْ قبلك إلا رجالًا فتراخى نَصْرُهُمْ حتى. وقَدَّره القرطبي: وما أَرْسَلْنا من قبلك يا محمدُ إلا رجالًا لم نعاقِب أُمَمَهم بالعقاب حتى إذا. وقدَّره ابن الجوزي: وما أَرْسَلْنا مِنْ قبلك إلا رجالًا فَدَعَوا قومهم فكذَّبوهم وطال دعاؤُهم وتكذيبُ قومِهم حتى إذا. وأَحْسَنُها ما قدَّمْتُه.
وتَصَيَّد ابن عطية شيئًا من معنى قوله: {أفلم يسيروا} فقال: ويتضمَّن قولُه: {أفلم يسيروا} إلى: {مِنْ قبلِهم} أنَّ الرسلَ الذين بعثهم اللَّه من أهل القرى دَعَوْهم فلم يُؤْمنوا بهم حتى نَزَلَتْ بهم المَثُلاتُ فصبروا في حَيِّز مَنْ يُعْتبر بعاقبته، فلهذا المُضَمَّنِ حَسُن أن تَدْخُل: {حتى} في قوله: {حتى إذا}. قال الشيخ: ولم يتلخَّصْ لنا من كلامِه شيءٌ يكون ما بعد: {حتى} غايةً له، لأنه عَلَّق الغايةَ بما ادَّعَى أنه فَهِمَ ذلك مِنْ قوله: {أفلم يَسيروا} الآية. قلت: دَعَوْهم فلم يؤمنوا هو المغيى.
قوله: {كُذِبُواْ} قرأ الكوفيون: {كُذِبوا} بالتخفيف والباقون بالتثقيل. فأمَّا قراءةُ التخفيف فاضطربت أقوالُ الناسِ فيها، ورُوي إنكارها عن عائشة رضي الله عنها قالت: معاذَ اللَّه لم يكنِ الرسلُ لِتَظُنُّ ذلك بربها وهذا ينبغي أن لا يَصِحَّ عنها لتواتُرِ هذه القراءة.
وقد وَجَّهها الناسُ بأربعة أوجه، أجودُها: أن الضميرَ في: {وظنُّوا} عائدٌ على المُرْسَل إليهم لتقدُّمهم في قوله: {كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الذين مِن قَبْلِهِمْ} [يوسف: 109]، ولأن الرسلَ تَسْتدعي مُرْسَلًا إليه. والضمير في: {أنهم} و: {كُذِبوا} عائد على الرسل، أي: وظنَّ المُرْسَل إليهم أنَّ الرسَلَ قد كُذِبوا، أي: كذَّبهم مَنْ أُرْسِلوا إليه بالوحي وبنصرهم عليهم.
الثاني: أنَّ الضمائرَ الثلاثةَ عائدة على الرسل. قال الزمخشري في تقرير هذا الوجه: {حتى إذا اسْتَيْئَسوا من النصر وظنُّوا أنهم قد كُذِبوا}، أي: كَذَّبَهم أنفسُهم حين حَدَّثَتْهم أنهم يُنْصَرون أو رجاؤُهم لقولهم رجاءٌ صادق ورجاءٌ كاذب، والمعنى: أن مدَّة التكذيب والعداوةِ من الكفار، وانتظارَ النصر من اللَّه وتأميلَه قد تطاولت عليهم وتمادَتْ، حتى استشعروا القُنوط، وتَوَهَّموا ألاَّ نَصْرَ لهم في الدنيا فجاءهم نَصْرُنا انتهى فقد جعل الفاعلَ المقدر: إمَّا أنفسُهم، وإمَّا رجاؤُهم، وجعل الظنَّ بمعنى التوهم فأخرجه عن معناه الأصلي وهو تَرَجُّحُ أحدِ الطرفين، وعن مجازه وهو استعمالُه في المُتَيَقَّن.
الثالث: أنَّ الضمائرَ كلَّها أيضًا عائدة على الرسل، والظنُّ على بابه من الترجيح، وإلى هذا نحا ابن عباس وابن مسعود وابن جبير، قالوا: والرسل بَشَرٌ فَضَعُفوا وساءَ ظَنُّهم، وهذا ينبغي ألاَّ يَصِحَّ عن هؤلاء فإنها عبارة غليظة على الأنبياء عليهم السلام، وحاشى الأنبياء من ذلك، ولذلك رَدَّتْ عائشة وجماعةُ كثيرة هذا التأويلَ، وأعظموا أن تُنْسَبَ الأنبياء إلى شيء مِن ذلك.
قال الزمخشري: إن صَحَّ هذا عن ابن عباس فقد أراد بالظنِّ ما يَخْطِر بالبال ويَهْجِس في القلب مِنْ شبه الوسوسة وحديث النفس على ما عليه البشرية، وأمَّا الظنُّ الذي هو ترجيحُ أحدِ الجائزين على الآخر فغير جائز على رجلٍ من المسلمين، فما بالُ رسلِ اللَّه الذين هم أعرفُ بربهم؟ قلت: ولا يجوز أيضًا أن يقال: خَطَر ببالهم شبهُ الوسوسة؛ فإنَّ الوسوسة من الشيطان وهم مَعْصومون منه.
وقال الفارسي أيضا: إنْ ذهب ذاهب إلى أن المعنى: ظنَّ الرسلُ الذين وعد اللَّه أمَمَهم على لسانهم قد كُذِبوا فيه فقد أتى عظيمًا لا يجوزُ أَنْ يُنْسَبُ مثلُه إلى الأنبياء ولا إلى صالحي عبادِ اللَّه، وكذلك مَنْ زعم أنَّ ابنَ عباس ذهب إلى أن الرسل قد ضَعُفوا فظنوا أنهم قد أُخْلفوا؛ لأن اللَّه تعالى لا يُخْلف الميعاد ولا مُبَدِّل لكلماته. وقد روي عن ابن عباس أيضًا أنه قال: معناه وظنُّوا حين ضَعُفوا وغُلبوا أنهم قد أُخْلفوا ما وعدهم اللَّه به من النصر وقال: كانوا بشرًا وتلا قوله تعالى: {وَزُلْزِلُواْ حتى يَقُولَ الرسول} [البقرة: 214].
الرابع: أن الضمائر كلَّها تَرْجِعُ إلى المرسَل إليهم، أي: وظَنَّ المُرْسَلُ إليهم أنَّ الرسلَ قد كَذبوهم فيما ادَّعوه من النبوَّة وفيما يُوْعِدون به مَنْ لم يؤمنْ بهم من العقاب قبلُ، وهذا هو المشهور من تأويل ابن عباس وابن مسعود وابن جبير ومجاهد قالوا: ولا يجوز عَوْدُ الضمائر على الرسل لأنهم مَعْصومون. ويُحكى أن ابن جبير حين سُئِل عنها قال: نعم إذا استيئسَ الرسل من قومهم أن يُصَدِّقوهم، وظنَّ المُرْسَلُ إليهم أنَّ الرسلَ قد كَذَبوهم فقال الضحاك بن مزاحم وكان حاضِرًا: لو رَحَلْتُ في هذه إلى اليمن كان قليلًا.
وأمَّا قراءةُ التشديدِ فواضحة وهو أن تعودَ الضمائرُ كلها على الرسل، أي: وظنَّ الرسلُ أنهم قد كَذَّبهم أممُهم فيما جاؤوا به لطول البلاءِ عليهم، وفي صحيح البخاري عن عائشة: أنها قالت: هم أتباعُ الأنبياءِ الذي آمنوا بهم وصَدَّقوا طال عليهم البلاءُ واستأخر عنهم النصرُ حتى إذا استيئس الرسلُ ممَّن كذَّبهم مِنْ قومهم، وظنَّتْ الرسلُ أن قومَهم قد كَذَّبوهم جاءهم نَصْرُ اللَّهِ عند ذلك. قلت: وبهذا يَتَّحد معنى القراءتين، والظنُّ هنا يجوز أن يكون على بابه، وأن يكونَ بمعنى اليقين وأن يكونَ بمعنى التوهُّم حسبما تقدَّم.
وقرأ ابن عباس والضحاك ومجاهد: {كَذَبوا} بالتخفيف مبنيًا للفاعل، والضمير على هذه القراءة في: {ظنُّوا} عائد على الأمم وفي: {أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ} عائدٌ على الرسل، أي: ظنَّ المُرْسَلُ إليهم أنَّ الرسلَ قد كَذَبوهم فيما وعدوهم به من النصر أو من العقاب، ويجوز أن يعودَ الضميرُ في: {ظنُّوا} على الرسل وفي: {أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ} على المُرْسَل إليهم، أي: وظنَّ الرسلُ أن الأممَ كَذَبَتْهم فيما وعدوهم به مِنْ أنَّهم يؤمنون به، والظنُّ هنا بمعنى اليقين واضح.
ونقل أبو البقاء أنه قرئ مشدَّدًا مبنيًا للفاعل، وأوَّلَه بأنَّ الرسل ظنُّوا أن الأمم قد كذَّبوهم. وقال الزمخشري: بعد ما حكى قراءة المبني للفاعل ولو قرئ بهذا مشدَّدًا لكان معناه: وظنَّ الرسلُ أنَّ قومَهم كذَّبوهم في موعدهم فلم يحفظها قراءةً وهي غريبة، وكان قد جَوَّز في القراءة المتقدمة أنَّ الضمائر كلَّها تعود على الرسل، وأن يعودَ الأولُ على المُرْسَل إليهم وما بعده على الرسل فقال: وقرأ مجاهد: {كَذَبوا} بالتخفيف على البناء للفاعل على: وظنَّ الرسلُ أنهم قد كَذَبوا فيما حَدَّثوا به قومهم من النُّصْرة: إمَّا على تأويل ابن عباس، وإمَّا على أنَّ قومهم إذا لم يَرَوا لموعدهم أثرًا قالوا لهم: قد كَذَبْتُمونا فيكونون كاذبين عند قومهم أو: وظنَّ المُرْسَلُ إليهم أن الرسلَ قد كَذَبوا.
قوله: {جَاءَهُمْ} جوابُ الشرط وتقدَّم الكلامُ في حتى هذه: ما هي؟
قوله: {فَنُجِّيَ} قرأ ابن عامر وعاصم بنونٍ واحدة وجيم مشددة وياء مفتوحة على أنَّه فعلٌ ماضٍ مبني للمفعول، و: {مَنْ} قائمة مقام الفاعل. والباقون بنونين ثانيتهما ساكنةٌ، والجيم خفيفة، والياء ساكنة على أنه مضارع أنجى و: {مَنْ} مفعولةٌ، والفاعل ضمير المتكلم نفسِه. وقرأ الحسنُ والجحدري ومجاهد في آخرين كقراءة عاصم، إلا أنهم سَكَّنوا الياء. والأجودُ في تخريجها كما تقدَّم، وسُكِّنَتْ الياءُ تخفيفًا كقراءة: {تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المائدة: 89] وقد سُكِّن الماضي الصحيح فكيف بالمعتل؟ كقوله:
..................... ** قد خُلِطْ بجُلْجُلان

وتقدَّم معه أمثالُه. وقيل: الأصل: ننجي بنونين فأدغم النون في الجيم وليس بشيء، إذ النونُ لا تُدْغم في الجيم. على أنه قد قيل بذلك في قوله: {نُنجِي المؤمنين} [الأنبياء: 88] كما سيأتي بيانه.
وقرأ جماعة كقراءة الباقين إلا أنهم فتحوا الياء. قال ابن عطية: رواها ابنُ هبيرة عن حفص عن عاصم، وهي غلطٌ من ابن هبيرة قلت: توهَّمَ ابن عطية أنه مضارع باقٍ على رفعه فأنكر فتحَ لامِه وغلَّط راويَها، وليس بغلط؛ وذلك أنه إذا وقع بعد الشرط والجزاء معًا مضارعٌ مقرونٌ بالفاء جاز فيه أوجهٌ أحدها: نصبُه بإضمار أنْ بعد الفاء وقد تقدَّم عند قولِه: {وَإِن تُبْدُواْ مَا في أَنْفُسِكُمْ} [البقرة: 284] إلى أنْ قال: {فيغفر} قرئ بنصبه، وتقدم توجيهه، ولا فرق بين أن تكون أداةُ الشرط جازمة كآية البقرة أو غيرَ جازمة كهذه الآية. وقرأ الحسن أيضًا: {فَنُنَجِّي} بنونين والجيم مشددة والياء ساكنة، مضارع نجى مشددًا للتكثير. وقرأ هو أيضًا ونصر بن عاصم وأبو حيوة: {فنجا} فعلًا ماضيًا مخففًا و: {مَنْ} فاعله.
ونقل الداني أنه قرأ لابن محيصن كذلك، إلا أنه شَدَّ الجيم والفاعل ضمير النصر، و: {مَنْ} مفعوله، ورجَّح بعضُهم قراءة عاصم بأن المصاحف اتفقت على كَتْبها: {فنجي} بنونٍ واحدة نقله الداني. وقد نقل مكي أنَّ أكثرَ المصاحفِ عليها، فأشعر هذا بوقوع خلافٍ في الرسل، ورُجِّح أيضًا بأنَّ فيها مناسبةً لِما قبلها من الأفعال الماضية وهي جاريةٌ على طريقةِ كلامِ الملوك والعظماء من حيث بناءُ الفعلِ للمفعول.
وقرأ أبو حيوة: {يشاء} بالياء، وقد تقدَّم أنه يقرأ: {فنجا} أي فنجا مَنْ يشاء اللَّه نجاته. وقرأ الحسن: {بأسَه}، والضمير للَّه، وفيها مخالفة يسيرةٌ للسواد. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110)} حتى إذا استيأس الرسلُ مِنْ إيمانِ قومهم، وتَيَقَّنُوا أنهم كذبوهم- والظن هاهنا بمعنى اليقين- فعند ذلك جاءهم نصرُنا؛ للرسل بالنجاةِ ولأقوامهم بالهلاك، ولا مَرَدَّ لبأسنا.
ويقال حكم الله بأنه لا يفتح للمريدين شيئًا من الأحوال إلا بعد يأسهم منها، قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُنّزِّلُ الغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ} [الشورى: 28]، فكما أنّه يُنَزِّلُ المَطر بعد اليأسِ فكذلك يفتح الأحوالَ بعد اليأس منها والرضا بالإفلاس عنها. اهـ.

.تفسير الآية رقم (111):

قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما ذكر سبحانه هذه القصص كما كانت، وحث على الاعتبار بها بقوله: {أفلم يسيروا} وأشار إلى أنه بذلك أجرى سنته وإن طال المدى، أتبعه الجزم بأن في أحاديثهم أعظم عبرة، فقال حثًا على تأملها والاستبصار بها: {لقد كان} أي كونًا هو في غاية المكنة: {في قصصهم} أي الخبر العظيم الذي تلي عليك تتبعًا لأخبار الرسل الذين طال بهم البلاء حتى استيأسوا من نوح إلى يوسف ومن بعده- على جميعهم أفضل الصلاة والسلام والتحية والإكرام: {عبرة} أي عظة عظيمة وذكرى شريفة: {لأولي الألباب} أي لأهل العقول الخالصة من شوائب الكدر يعبرون بها إلى ما يسعدهم بعلم أن من قدر على ما قص من أمر يوسف عليه السلام وغيره قادر على أن يعز محمدًا صلى الله عليه وعلى آله وسلم ويعلي كلمته وينصره على من عاداه كائنًا من كان كما فعل بيوسف وغيره- إلى غير مما ترشد إليه قصصهم من الحكم وتعود إليه من نفائس العبر؛ والقصص: الخبر بما يتلو بعضه بعضًا، من قص الأثر، والألباب: العقول، لأن العقل أنفس ما في الإنسان وأشرف.
ولما كان من أجل العبرة في ذلك القطع بحقية القرآن لما بينه من حقائق أحوالهم وخفايا أمورهم ودقائق أخبارهم على هذه الأساليب الباهرة والتفاصيل الظاهرة والمناهيج المعجزة القاهرة، نبه على ذلك بتقدير سؤال فقال: {ما كان} أي هذا القرآن العربي المشتمل على قصصهم وغيره: {حديثًا يفترى} كما قال المعاندون- على ما أشير إليه بقوله: {أم يقولون افتراه}، والافتراء: القطع بالمعنى على خلاف ما هو به في الإخبار عنه، من: فريت الأديم: {ولكن} كان: {تصديق الذي} كان من الكتب وغيرها: {بين يديه} أي قبله الذي هو كاف في الشهادة بصدقه وحقيته في نفسه: {و} زاد على ذلك بكونه: {تفصيل كل شيء} أي يحتاج إليه من أمور الدين والدنيا والآخرة؛ والتفصيل: تفريق الجملة بإعطاء كل قسم حقه: {وهدى ورحمة} وبيانًا وإكرامًا.
ولما كان الذي لا ينتفع بالشيء لا يتعلق بشيء منه، قال: {لقوم يؤمنون} أي يقع الإيمان منهم وإن كان بمعنى: يمكن إيمانهم، فهو عام، وما جمع هذه الخلال فهو أبين البيان، فقد انطبق هذا الآخر على أول السورة في أنه الكتاب المبين، وانطبق ما تبع هذه القصص- من الشهادة بحقية القرآن، وأن الرسل ليسوا ملائكة ولا معهم ملائكة للتصديق يظهرون للناس، وأنهم لم يسألوا على الإبلاغ أجرًا- على سبب ما تبعته هذه القصص، وهو مضمون قوله تعالى: {فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك} [هود: 12] الآية من قولهم: {لولا ألقي عليه كنز أو جاء معه ملك} [هود: 12] وقولهم: إنه افتراه، على ترتيب ذلك، مع اعتناق هذا الآخر لأول التي تليه، فسبحان من أنزله معجزًا باهرًا، وقاضيًا بالحق لا يزال ظاهرًا، وكيف لا وهو العليم الحكيم- والله سبحانه وتعالى أعلم. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ}
اعلم أن الاعتبار عبارة عن العبور من الطرف المعلوم إلى الطرف المجهول، والمراد منه التأمل والتفكر، ووجه الاعتبار بقصصهم أمور: الأول: أن الذي قدر على إعزاز يوسف بعد إلقائه في الجب، وإعلائه بعد حبسه في السجن وتمليكه مصر بعد أن كانوا يظنون به أنه عبد لهم، وجمعه مع والديه وإخوته على ما أحب بعد المدة الطويلة، لقادر على إعزاز محمد صلى الله عليه وسلم وإعلاء كلمته.