فصل: قال الزمخشري:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وروى بن جبير عن الضحّاك عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية في تلبية مشركي العرب وكانوا يقولون في تلبيتهم: لبيّك لا شريك لك إلاّ شريك هو لك، تملكه وما ملك، وكان فيها يخزونك من تلبي: فأجب يا الله لولا أن بكرًا دونك بني غطفان وهم يلونك، ينزل الناس ويخزونك، ما زال منا غنجًا يأتونك، وكانت تلبية حرمهم: خرجنا عبادك الناس طرف وهم تلادك، وهم قديمًا عمّروا بلادك، وقد تعادوا فيك من يعادك، وكانت تلبية قريش: (اللهمّ لبيّك، لا شريك لك إلاّ شريكًا هو لك تملكه وما ملك)، وكانت تلبية حمدان وغسان وقضاعة وجذام وتلقين وبهرا: نحن عبادك اليماني إنّا نحجّ ثاني على الطريق الناجي نحن نعادي جئنا إليك حادي. فأنزل الله: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بالله إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ} يعني في التلبية.
وقال: لمّا سمع المشركون ما قبل هذه الآية من الآيات قالوا: فإنّا نؤمن بالله الذي خلق هذه الأشياء ولكنّا نزعم أنّ له شريكًا، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
عطاء: هذا في الدعاء وذلك أنّ الكفّار أشركوا بربّهم في الرخاء، فإذا أصابهم البلاء أخلصوا في الدعاء، بيانه قوله تعالى: {وظنوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين} [يونس: 22] وقوله تعالى: {وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَّوْجٌ كالظلل دَعَوُاْ الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين} [لقمان: 32] وقوله: {وَإِذَا مَسَّ الإنسان الضر دَعَانَا لِجَنبِهِ} [يونس: 12] وقوله: {وَإِذَا مَسَّهُ الشر فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ} [فصلت: 51].
وقال بعض أهل المعاني: معناه وما يؤمن أكثرهم باللهِ إلاّ وهم مشركون قبل إيمانهم، نظيره قوله تعالى: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشًا} [ق: 36] يعني كانوا هم أشدّ منهم بطشًا. وقال وهب: هذه في وقعة الدُخَان وذلك أنّ أهل مكّة لمّا غشيهم الدخان في سنيّ القحط قالوا: ربّنا اكشف عنّا العذاب إنّا مؤمنون، وذلك إيمانهم وشكرهم عودهم إلى الكفر بعد كشف العذاب بيانه قوله: {إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} والعود لا يكون، إلاّ بعد ابتداء والله أعلم: {أفأمنوا أَن تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِّنْ عَذَابِ الله} قال ابن عباس: مُجللة، مجاهد: عذاب يغشاهم، نظيره قوله: {يَوْمَ يَغْشَاهُمُ العذاب مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ} [العنكبوت: 55]: قتادة: وقيعة، الضحّاك: يعني الصواعق والقوارع: {أَوْ تَأْتِيَهُمُ الساعة} القيامة: {بَغْتَةً} فجأة،: {وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} بقيامها، ابن عباس: تصيح الصيحة بالناس وهم في أسواقهم.
{قُلْ} لهُم يا محمّد: {هذه} الدعوة التي أدعو إليها والطريقة التي أنا عليها: {سبيلي} سُنّتي ومنهاجي، قاله ابن زيد، وقال الربيع: دعوتي، الضحّاك: دعائي، مقاتل: ديني، نظيره قوله تعالى: {ادع إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بالحكمة والموعظة الحسنة} [النحل: 125] أي دينه،: {أَدْعُو إلى الله على بَصِيرَةٍ} على يقين، يقال: فلان مستبصر في كذا أي مستيقن: {أَنَاْ وَمَنِ اتبعني} آمن بي وصدّقني فهو أيضًا يدعو إلى الله، هذا قول الكلبي، وابن زيد قال: أحقّ والله على من اتّبعه أن يدعو إليّ بما دعا إليه، ويذكر بالقرآن والموعظة، وينهى عن معاصي الله.
وقيل: معناه أنا ومن اتّبعني على بصيرة، يقول: كما أنّي على بصيرة، فكذلك من آمن بي واتّبعني فهو على بصيرة أيضًا، قال ابن عباس: يعني أصحاب محمّد صلى الله عليه وسلم كانوا على أحسن طريقة وأقصد هداية، معدن العلم، وكنز الإيمان وجند الرحمن. {وَسُبْحَانَ الله} أي وقل: سبحان الله تنزيهًا له عمّا أشركوا: {وَمَا أَنَاْ مِنَ المشركين وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ}: يا محمّد: {إِلاَّ رِجَالًا} لا ملائكة،: {نوحي إِلَيْهِمْ مِّنْ أَهْلِ القرى} يعني من أهل الأمصار دون أهل البوادي لأنّ أهل الأمصار أعقل وأفضل وأعلم وأحلم.
{أَفَلَمْ يَسِيرُواْ} يعني هؤلاء المشركين المنكرين لنبوّتك: {فِي الأرض فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الذين مِن قَبْلِهِمْ} أخبر بأمر الأُمم المكذّبة من قبلهم، فيعتبروا: {وَلَدَارُ الآخرة خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتقوا} يقول جلّ ثناؤه: هذا فعلنا في الدنيا بأهل ولايتنا وطاعتنا أن نُنْجيهم عند نزول العذاب، وما في دار الآخرة لهم خيرٌ، فترك ما ذكرنا، آنفًا لدلالة الكلام عليه، وأُضيف الدار إلى الآخرة ولا خلاف لتعظيمها كقوله تعالى: {إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ اليقين} [الواقعة: 95] وقولهم: عامٌ الأوّل، وبارحة الأولى ويوم الخميس وربيع الآخر: وقال الشاعر:
ولو أقوتُ عليك ديارعبس ** عرفت الذلّ عرفان اليقين

يعني عرفانًا.
{أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} يؤمنون: {حتى إِذَا استيأس الرسل وظنوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءَهُمْ نَصْرُنَا} اختلف القُرّاء في قوله: {كُذِبُواْ} فقرأها قوم بالتخفيف وهي قراءة علي بن أبي طالب عليه السلام وابن عباس وابن مسعود وأُبي بن كعب وأبي عبدالرحمن السلمي وعكرمة الضحاك وعلقمة ومسروق والنخعي وأبي جعفر المدني ومحمّد بن كعب والأعمش وعيسى بن عمر الهمداني وأبي اسحاق السبيعي وابن أبي ليلى وعاصم وحمزة وعلي بن الحسين وابنه محمّد بن علي وابنه جعفر بن محمّد، وعبدالله بن مسلم وابن يسار، واختارها الكسائي وأبي عبيدة.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قرأ: {وظنوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ} مخفّفة وهي قراءة عائشة وهرقل الأعرج ونافع والزهري وعطاء بن أبي رياح وعبدالله بن كثير وعبدالله بن الحارث وأبي رجاء والحسن.
وقتادة وأبي عمرو وعيسى وسلام وعمرو بن ميمون ويعقوب، ورويتْ أيضًا عن النبي صلى الله عليه وسلم فمن قرأ بالتخفيف، فمعناه: حتى إذا استيأس الرسل من إيمان قومهم وظنّ قومهم أنّ الرسل قد كذبتهم في وجود العذاب.
وروى الخبر عن شعيب بن الحجاج عن إبراهيم عن أبي حمزة الجزري: قال صنعت طعامًا فدعوتُ ناسًا من أصحابنا منهم: سعيد بن جبير وأرسلتُ إلى الضحّاك بن مزاحم فأبى أن يجيئني فأتيته فلم أدعه حتى جاء، قال: فسأل فتىً من قريش سعيد بن جبير فقال: يا أبا عبدالله كيف تقرأ هذا الحرف فإنّي إذا أتيت عليه تمنّيت إنّي لا أقرأ هذه السورة: {حتى إِذَا استيأس الرسل وظنوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا} قال: نعم حتى إذا استيأس الرسل من قومهم أن يصدّقوهم، وظنّ المُرسل إليهم أنّ الرُسل كذّبوهم.
قال: فقال الضحّاك: ما رأيتُ كاليوم قط رجلا يدعى إلى علم فيتلكّأ، لو رحلت في هذه إلى اليمن لكان قليلا.
وقال بعضهم: معنى الآية على هذه القراءة حتى إذا استيأس الرسل من إيمان قومهم وظنَّت الرُسُل أنّهم قد كُذِبوا فيما وجدوا من النُصرة. وهذه رواية ابن أبي مليكة عن ابن عباس قال: كانوا دعوا فضعفوا ويئسوا وظنوا أنّهم أخلفوا ثمّ قوله تعالى: {حتى يَقُولَ الرسول والذين آمَنُواْ مَعَهُ متى نَصْرُ الله} [البقرة: 214] الآية، ومن قرأ بالتشديد فمعناها، حتى إذا استيأس الرسل من قومهم أن يؤمنوا بهم وظنّت الرُسُل أي استيقنت أنّ أممهم قد كذبوهم جاءهم نصرُنا، وعلى هذا التأويل يكون الظنّ بمعنى العلم واليقين كقول الشاعر:
فقلت لهم ظنوا بألفي متلبب ** سراتهم في الفارسيّ المسُردِ

أي أيقّنوا.
وهذا معنى قول قتادة، وقال بعضهم: معنى الآية على هذه القراءة حتى إذا استيأس الرُسُل ممّن كذّبهم من قومهم أن يصدّقونهم، وظنّت الرسل أنّ من قد آمن بهم وصدّقوهم قد كذّبوهم فارتدوا عن دينهم لاستبطائهم النصر: {جَاءَهُمْ نَصْرُنَا} وهذا معنى قول عائشة.
وقرأ مجاهد: {كُذِبُوا} بفتح الكاف والذال مخفّفة ولها تأويلان: أحدهما: حتى إذا استيأس الرسل أن يُعذَب قومهم، وظنّ قومهم أنّ الرُسُل قد كذبوا جاء الرُسل نصرنا، والثاني: حتى إذا استيأس الرسل من إيمان قومهم وظنّت الرسل أنّ قومهم قد كذبوا على الله بكفرهم، ويكون معنى الظنّ اليقين على هذا التأويل، والله أعلم.
{فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ} عند نزول العذاب وهم المطيعون والمؤمنون: {وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا} عذابنا: {عَنِ القوم المجرمين} يعني المشركين، واختلف القرّاء في قوله {فنُجّي} فقرأها عامّة القراء فننجّي بنونين على معنى فنحن نفعل بهم ذلك، فأدغم الكسائي أحد النونين في الأُخرى فقرأ: {فنجّي} بنون واحدة وتشديد الجيم، وقرأ عاصم بضمّ النون وتشديد الجيم وفتح الياء على مذهب ما لم يُسمَّ فاعله، واختار أبو عبيد هذه القراءة لأنّها في مصحف عثمان، وسائر مصاحف البلدان بنون واحدة وقرأ ابن مُحيصن {فنجا من نشاء} بفتح النون والتخفيف على أنّه فعل ماض ويكون محلّه على قراءة عاصم وابن محيصن رفعًا، وعلى قراءة الباقين نصبًا.
{لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ} أي في خبر يوسف وأخوته: {عِبْرَةٌ} عِظة: {لأُوْلِي الألباب مَا كَانَ} يعني القرآن: {حَدِيثًا يفترى} يُختلق: {ولكن تَصْدِيقَ} يعني ولكن كان تصديق: {الذي بَيْنَ يَدَيْهِ} أي ما قبله من الكتب: {وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ} ممّا يحتاج إليه العباد: {وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}. اهـ.

.قال الزمخشري:

.[سورة يوسف: آية 102]

{ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ}
{ذلِكَ} إشارة إلى ما سبق من نبأ يوسف، والخطاب لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ومحله الابتداء. وقوله: {مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ} خبر إنّ. ويجوز أن يكون اسمًا موصولا بمعنى الذي، و{مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ} صلته ونُوحِيهِ الخبر. والمعنى: أن هذا النبأ غيب لم يحصل لك إلا من جهة الوحى، لأنك لم تحضر بنى يعقوب حين أجمعوا أمرهم وهو إلقاؤهم أخاهم في البئر، كقوله: {وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ}، وهذا تهكم بقريش وبمن كذبه، لأنه لم يخف على أحد من المكذبين أنه لم يكن من حملة هذا الحديث وأشباهه، ولا لقى فيها أحدًا ولا سمع منه. ولم يكن من علم قومه. فإذا أخبر به وقصّ هذا القصص العجيب الذي أعجز حملته ورواته، لم تقع شبهة في أنه ليس منه وأنه من جهة الوحى، فإذا أنكروه تهكم بهم. وقيل لهم: قد علمتم يا مكابرة أنه لم يكن مشاهدًا لمن مضى من القرون الخالية: ونحوه: {وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ}، {وَهُمْ يَمْكُرُونَ} بيوسف ويبغون له الغوائل.

.[سورة يوسف: الآيات 103- 104]

{وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103) وَما تَسْئَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (104)}
{وَما أَكْثَرُ النَّاسِ} يريد العموم، كقوله: {وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ} وعن ابن عباس رضي اللّه عنه. أراد أهل مكة، أي وما هم بمؤمنين {وَلَوْ حَرَصْتَ} وتهالكت على إيمانهم لتصميمهم على الكفر وعنادهم {وَما تَسْئَلُهُمْ} على ما تحدثهم به وتذكرهم أن ينيلوك منفعة وجدوى، كما يعطى حملة الأحاديث والأخبار {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ} عظة من اللّه {لِلْعالَمِينَ} عامة، وحث على طلب النجاة على لسان رسول من رسله.

.[سورة يوسف: آية 105]

{وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ (105)}
{مِنْ آيَةٍ} من علامة ودلالة على الخالق وعلى صفاته وتوحيده {يَمُرُّونَ عَلَيْها} ويشاهدونها وهم معرضون عنها لا يعتبرون بها. وقرئ: {والأرض} بالرفع على الابتداء، ويمرون عليها: خبره. وقرأ السدّى: {والأرض} بالنصب على: ويطؤن الأرض يمرّون عليها.
وفي مصحف عبد اللّه: {والأرض يمشون عليها}، برفع الأرض، والمراد ما يرون من آثار الأمم الهالكة وغير ذلك من العبر.

.[سورة يوسف: آية 106]

{وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106)}
{وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ} في إقراره باللّه وبأنه خلقه وخلق السموات والأرض، إلا وهو مشرك بعبادته الوثن، وعن الحسن: هم أهل الكتاب معهم شرك وإيمان. وعن ابن عباس رضي اللّه عنهما: هم الذين يشبهون اللّه بخلقه.

.[سورة يوسف: آية 107]

{أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غاشِيَةٌ مِنْ عَذابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (107)}
{غاشِيَةٌ} نقمة تغشاهم. وقيل: ما يغمرهم من العذاب ويجللهم. وقيل: الصواعق.

.[سورة يوسف: آية 108]

{قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحانَ اللَّهِ وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108)}
{هذِهِ سَبِيلِي} هذه السبيل التي هي الدعوة إلى الإيمان والتوحيد سبيلي. والسبيل والطريق: يذكران ويؤنثان، ثم فسر سبيله بقوله: {أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ} أي أدعو إلى دينه مع حجة واضحة غير عمياء. وأَنَا تأكيد للمستتر في {أَدْعُو}. {وَمَنِ اتَّبَعَنِي} عطف عليه. يريد: أدعو إليها أنا، ويدعو إليها من اتبعنى. ويجوز أن يكون {أَنَا} مبتدأ، و{عَلى بَصِيرَةٍ} خبرا مقدّما، {ومَنِ اتَّبَعَنِي} عطفًا على {أَنَا} إخبارًا مبتدأ بأنه ومن اتبعه على حجة وبرهان، لا على هوى. ويجوز أن يكون {عَلى بَصِيرَةٍ} حالا من {أَدْعُو} عاملة الرفع في {أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي}، {وَسُبْحانَ اللَّهِ} وأنزهه من الشركاء.

.[سورة يوسف: آية 109]

{وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلا تَعْقِلُونَ (109)}
{إِلَّا رِجالًا} لا ملائكة، لأنهم كانوا يقولون {لَوْ شاءَ رَبُّنا لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً} وعن ابن عباس رضي اللّه عنهما: يريد ليست فيهم امرأة. وقيل في سجاح المتنبئة:
وَلَمْ تَزَلْ أَنْبِيَاءُ اللَّهِ ذُكْرَانَا

وقرئ: {نوحي إليهم}، بالنون. {مِنْ أَهْلِ الْقُرى} لأنهم أعلم وأحلم، وأهل البوادي فيهم الجهل والجفاء والقسوة {وَلَدارُ الْآخِرَةِ} ولدار الساعة، أو الحال الآخرة {خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا} للذين خافوا اللّه فلم يشركوا به ولم يعصوه. وقرئ: {أفلا تعقلون}، بالتاء والياء.

.[سورة يوسف: آية 110]

{حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110)}
{حَتَّى} متعلقة بمحذوف دلّ عليه الكلام، كأنه قيل: {وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا} فتراخى نصرهم حتى استيأسوا عن النصر {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا} أي كذبتهم أنفسهم حين حدّثتهم بأنهم ينصرون، أو رجاؤهم لقولهم: رجاء صادق، ورجاء كاذب. والمعنى أنّ مدّة التكذيب والعداوة من الكفار وانتظار النصر من اللّه وتأميله قد تطاولت عليهم وتمادت، حتى استشعروا القنوط وتوهموا أن لا نصر لهم في الدنيا، فجاءهم نصرنا فجأة من غير احتساب.
وعن ابن عباس رضي اللّه عنهما: وظنوا حين ضعفوا وغلبوا أنهم قد أخلفوا ما وعدهم اللّه من النصر وقال: كانوا بشرا، وتلا قوله: {وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللَّهِ} فإن صح هذا عن ابن عباس، فقد أراد بالظنّ: ما يخطر بالبال ويهجس في القلب من شبه الوسوسة وحديث النفس على ما عليه البشرية. وأمّا الظن الذي هو ترجح أحد الجائزين على الآخر، فغير جائز على رجل من المسلمين، فما بال رسل اللّه الذين هم أعرف الناس بربهم، وأنه متعال عن خلف الميعاد، منزه عن كل قبيح؟ وقيل: وظن المرسل إليهم أنّ الرسل قد كذبوا، أي: أخلفوا. أو: وظنّ المرسل إليهم أنهم كذبوا من جهة الرسل، أي: كذبتهم الرسل في أنهم ينصرون عليهم ولم يصدّقوهم فيه. وقرئ: {كذبوا}، بالتشديد على: وظن الرسل أنهم قد كذبتهم قومهم فيما وعدوهم من العذاب والنصرة عليهم. وقرأ مجاهد: {كذبوا}، بالتخفيف، على البناء للفاعل، على: وظن الرسل أنهم قد كذبوا فيما حدثوا به قومهم من النصرة، إمّا على تأويل ابن عباس، وإمّا على أنّ قومهم إذا لم يروا لموعدهم أثرًا قالوا لهم: إنكم قد كذبتمونا فيكونون كاذبين عند قومهم. أو وظنّ المرسل إليهم أنّ الرسل قد كذبوا.
ولو قرئ بهذا مشدّدًا، لكان معناه، وظنّ الرسل أن قومهم كذبوهم في موعدهم. قرئ: {فننجي}، بالتخفيف والتشديد، من أنجاه ونجاه. وفنجى، على لفظ الماضي المبنى للمفعول.
وقرأ ابن محيصن: {فنجا}. والمراد ب {مَنْ نَشاءُ} المؤمنون، لأنهم الذين يستأهلون أن يشاء نجاتهم. وقد بين ذلك بقوله: {وَلا يُرَدُّ بَأْسُنا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ}.