فصل: ثانيا: بين القسوة المادية للحجارة والقسوة المعنوية لقلوب اليهود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.ثانيا: بين القسوة المادية للحجارة والقسوة المعنوية لقلوب اليهود:

في هذه الآية الكريمة يعقد ربنا تبارك وتعالى- وهو العليم الخبير- مقارنة بين القسوة المادية للحجارة، والقسوة المعنوية لقلوب الفسقة العصاة من يهود بني إسرائيل مؤكدا أن قلوبهم المليئة بالكراهية لجميع من غايرهم من البشر، وبالحقد عليهم، والغل لهم، والرغبة الدفينة في خيانتهم، وإيذائهم والغدر بهم هي أشد قسوة من الحجارة لأنها لا تلين أبدا، بينما من الحجارة ما يلين فتتفجر منه الأنهار، أو يتشقق فيخرج منه الماء، أو يهبط من خشية الله...!!
وبقدر دقة هذا الوصف الإلهي للنفسية اليهودية المريضة، والخارجة علي منهج الله وهدايته، والمليئة بالأسقام والعلل، جاء هذا الوصف العلمي الدقيق للحجارة، وتفاوتها في درجات القساوة علي قدر كبير من الدقة العلمية والشمول والاحاطة علي الرغم من ورود ذلك في مقام التشبيه.

.ثالثا: قسوة الحجارة:

تعتبر قسوة الحجارة StiffnessofStones من أهم خصائصها الميكانيكية، وتعتمد علي نشأة الحجر، وتركيبه الكيميائي والمعدني، وبنيته ونسيجه، كما تعتمد علي تاريخه في الأرض، والتغيرات البعدية التي تعرض لها، ويؤثر ذلك كله في شدة تماسك مكوناته، وقدرته علي مقاومة العديد من العمليات الارضية من مثل الانضغاط CompressibilityorCompaction، والإجهاد القصي TenacityorResistancetoShearStressorStressStain، وهي أبعاد لابد من قياسها عند تقويم درجة متانة الحجر، وقدرته علي تحمل المنشآت عليه، أو الحفر فيه للتعدين أو شق الترع والخنادق وغيرها.
وانضغاطية الحجر أو قابليته للانضغاط Compaction تعني قابليته للهبوط تحت تأثير الأحمال الواقعة عليه، ويعتمد ذلك فيما يعتمد من عوامل عديدة علي مسامية الحجر، وقدرته علي إنفاذ الموائع نفاذيته، وتركيبه البنيوي، ووزن الأحمال المسلطة عليه. وفي ذلك تقسم الأحجار إلي قليلة، ومتوسطة، وشديدة الانضغاط.
وبالنسبة لمتانة الأحجار أو قدرتها علي مقاومة الإجهاد القصي أو الاستجابة له مما يؤدي إلي إعادة توزيع القوي الداخلية للحجارة فإنها تقاس بمعاملي القدرة علي مقاومة الاحتكاك، وشدة تلاصق المكونات، وكلاهما يعتمد كذلك علي نشأة الحجر، وتركيبه المعدني والحبيبي الميكانيكي، والروابط بين مكوناته، ودرجة الرطوبة فيه.
وتتعرض الحجارة في الأرض لأنواع مختلفة من الإجهاد الخارجي والداخلي، ويتم ذلك في الحالة الأولي نتيجة للضغط الخارجي عليها بواسطة وزن كتلة الصخور التي تعلوها أو بواسطة الضغوط الجانبية الناتجة عن تحرك ألواح الغلاف الصخري للأرض في اتجاه التصادم والتضاغط، أو في اتجاه الشد والتباعد، مما ينتج عنه العديد من البنيات الأرضية من مثل خطوط التصدع، والفواصل والتشققات الأرضية التي تؤدي إلي تفجر الماء المخزون تحت سطح الأرض.
وفي حالة الضغوط الداخلية فإن ذلك يتم بواسطة الموائع المختزنة في الحجارة من مثل الماء، أو النفط، أو الغاز.
وكل نوع من هذين النوعين من إجهاد الأحجار قد يكون قويا أو ضعيفا، وقد يكون سريعا أو بطيئا، وقد يكون في اتجاه واحد أو في أكثر من اتجاه، والنتيجة النهائية تعتمد علي شدة ذلك الإجهاد، وعلي نوع الحجارة، وعلي الظروف المحيطة بها من الضغط ودرجة الحرارة، وتتمثل في استجابة الحجارة للإجهاد بتغيرات ملحوظة في الحجم والهيئة قد تنتهي بتقليل قسوتها وتكييفها بتصدعها، أو بتشققها وتكسرها، وحيئنذ يفيض الماء منها.
وكل من الجبال والمرتفعات الناتجة عن العمليات الأرضية المختلفة يتم بريها بواسطة عمليات التعرية المختلفة ومنها النحر الرأسي للمجاري المائية، وتكوين المساقط والشرف النهرية والقنوات العميقة التي تعين علي تفجير الماء المخزون تحت سطح الأرض.

.رابعا: الخصائص المائية للحجارة ودورها في تليين قسوتها:

ينزل علي الأرض سنويا ما مجموعه 380.000 كيلو متر مكعب من ماء المطر، الذي يتبخر أصلا من بحارها ومحيطاتها، ومن المسطحات والمجاري المائية علي اليابسة، ومن الأنشطة الحياتية المختلفة كنتح النباتات وتنفس وإخراج كل من الإنسان والحيوان.
ويتسرب جزء من ماء المطر إلي ما تحت سطح الأرض عن طريق كل من التربة، والطبقات المسامية، والحجارة والصخور الممزقة المنفذة للماء.
ويتحرك الماء المتجه إلي ما تحت سطح الأرض أولا في الاتجاه الرأسي بفعل الجاذبية حتي يصل إلي المخزون المائي، ثم يتبع ميل الطبقات المنفذة الحاملة للماء إذا كانت مائلة حتي يظهر الماء علي سطح الأرض مرة أخري علي هيئة تدفق مائي بشكل من الأشكال التي منها العيون والينابيع، والمجاري المائية المختلفة، والبرك، والبحيرات، والرطوبة الأرضية.
ويعتمد ذلك أساسا علي معدل سقوط الأمطار أو انصهار الجليد في المناطق المكسوة بالجليد، وعلي نوعية كل من التربة والصخور السطحية، وعلي حجم الكساء الخضري في المنطقة، وعلي معدلات البخر، وعلي غير ذلك من عوامل.
وذلك لأن أكثر من ثلث ماء المطر النازل علي مناطق الكساء الخضري يقع علي أوراق الأشجار فيتعرض للبخر قبل أن يصل إلي سطح الأرض، ويصل نحو الربع إلي سطح الأرض ولكنه إما يتبخر، أو يحتبس علي هيئة بحيرة داخلية أو سمك من الجليد، أو يتحرك علي هيئة مجري مائي يفيض في النهاية إلي البحار والمحيطات، وباقي ماء المطر يتسرب إلي ما تحت سطح الأرض إذا كانت نوعية كل من التربة والحجارة المكونة لسطح الأرض تسمح بذلك، وتلعب جذور النباتات دورا مهما في المساعدة علي تشقق كل من التربة والحجارة السطحية، وبالتالي تزيد من قدرتها علي خزن الماء.
كذلك تلعب تضاريس سطح الأرض دورا مهما في خزن الماء تحته، فكلما كانت التضاريس لطيفة الانحدار سمح ذلك ببقاء ماء المطر لفترة أطول فوق سطح أرض المنطقة مما يساعد علي تشبع كل من التربة وأحجار سطح الأرض بماء المطر، وعلي العكس من ذلك فإنه كلما زاد انحدار سطح الأرض قلت الفرص لتحقيق ذلك.
ويتحرك الماء المخزون تحت سطح الأرض بفعل الجاذبية من المناطق المرتفعة إلي المنخفضات من الأرض تماما كما يجري الماء في مختلف مجاريه السطحية، إلا أن الماء المخزون تحت سطح الأرض يتأثر بفروق الضغط الداخلي عليه من وزن كم الماء الذي يعلوه، ومن ضغوط الصخور المحيطة به، وبزيادة تلك الضغوط قد يتحرك هذا الماء ضد الجاذبية فيفيض مكونا عددا من العيون أو الينابيع أو البحيرات في مستويات عليا من الأرض، أو يتحرك ليغذي الأنهار. وعلي ذلك فإن تحرك الماء تحت سطح الأرض تحكمه قوانين الجاذبية بين نقطتين مختلفتين في المنسوب، وقوانين الأواني المستطرقة بين نقطتين بينهما فارق كبير في الضغط.
وفي صخور متوسطة النفاذية يتحرك الماء المخزون تحت سطح الأرض ببطء شديد يتراوح بين نصف السنتيمتر والسنتيمتر ونصف في اليوم الكامل، ويرتفع ذلك إلي مائة متر في اليوم وسط صخور عالية المسامية والنفاذية من مثل الحصي والبازلت الممزق بالشروخ والشقوق، وقد تتدني حركة الماء وسط الصخور المتبلورة إلي عشرات قليلة من السنتيمترات في السنة، بينما تبلغ سرعة تحرك الماء الجاري علي سطح الأرض إلي مترين في الثانية الواحدة، وذلك في أبطأ المجاري المائية المعروفة.
وبطء حركة الماء المخزون تحت سطح الأرض يمثل صورة من صور الحكمة الإلهية في إبداع الخلق، وذلك لكي يبقي هذا الماء المخزون لأطول مدة ممكنة في المنطقة التي خزن فيها تصل إلي عشرات الآلاف من السنين لأنه خزن في وقت كان المطر فيه غزيرا، وكانت المجاري المائية السطحية كافية لسد حاجات السكان، وبعد تغير المناخ، وندرة المطر، يبقي المخزون من الماء تحت سطح الأرض هو مصدر الماء الرئيسي لساكني المنطقة، وبتغير المناطق المناخية يبقي المخزون المائي تحت سطح الأرض شاهدا لله تعالى بتدبير أمر الكون بعلمه وحكمته وقدرته أبلغ تدبير، وبأعظم تقدير، فسبحان الذي خزنه حتي آن الأوان لاستخدامه...!!

.خامسا: تباين الصفات المائية لتربة الأرض ولحجارتها وصخورها:

تتباين الصفات المائية لتربة الأرض ولحجارتها بتباين صفاتها الطبيعية، والكيميائية، والميكانيكية، ومنها المسامية والنفاذية، والصفات الشعرية، وقدرة حبيباتها علي الاحتفاظ بالماء حول كل حبة منها علي هيئة أغشية تحيط بها، وقدرة كل منها علي التوصيل الحراري، والكهربي، وعلي توصيل الموجات الصوتية، والاهتزازية، وعلي احتواء نسب معينة من الأملاح القابلة للذوبان في الماء أو التفاعل معه، ومنها درجة اللدونة أو المرونة Plasticity، والقدرة علي الانتفاخ InfiationCapacity، وعلي التشرب بالماء SoakingCapacity، وعلي الانكماش Shrinkagecapacity، وعلي الهبوط SutbsidenceCapacity.
فالحجارة الصلصالية علي سبيل المثال يتغير شكلها بتغير كمية الماء المقيد فيها، لأنها تتحول من صخور صلبة أو شبه صلبة إلي الحالة المائعة تماما بزيادة كمية الماء فيها، وبذلك يمكن الحكم علي إمكان مقاومتها للأحمال الخارجية، وعلي قدرتها علي الثبات فوق المنحدرات أو هبوطها منها.
وبتمدد المسام الدقيقة للحجر بعد تشربه بالماء يمكن أن ينتفخ حجمه وأن يتغير شكله، فإذا سحب منه الماء انكمش، وتصاحب عملية الانكماش في الحجم عادة بتشقق الحجارة وانفلاقها فيخرج منها الماء إذا كانت خازنة له بكميات كبيرة.
وتتباين تربة الأرض وحجارتها كذلك في قدرتها علي الانتفاخ بالماء والانكماش بفقده تباينا كبيرا؛ كما تتباين في قابليتها للهبوط بتأثير وزنها الذاتي، ويزيد ذلك بصورة ملحوظة كلما دقت حبيبات الحجر أو التربة، وزادت فيها نسب تجانسها، ومساميتها، وخاصيتها الشعرية، والأملاح القابلة للذوبان في الماء.
ويشاهد هبوط كل من التربة والحجارة المكونة لسطح الأرض بصفة خاصة في المناطق التي يضخ من مخزونها المائي تحت سطح الأرض بكميات مبالغ فيها، كما هو الحال في حوض لندن الذي يهبط بمعدل يتراوح بين ربع ونصف المتر في السنة، وأرض المكسيك التي وصل الهبوط فيها إلي أكثر من عشرة أمتار خلال السنوات القليلة الماضية.

.سادسا: تباين زاوية الانحدار للتربة أو للحجارة:

تعتبر قيمة زاوية الانحدار الطبيعي للتربة أو للحجارة المكونة لسطح الأرض عاملا أساسيا لثباتها فوق المنحدرات، ولكل نوع منها زاوية انحدار قصوي إذا تعدتها فإنها تنهار فورا، وتعتمد قيمة هذه الزاوية علي نوع التربة أو الحجارة، وعلي تركيبها الكيميائي والمعدني والميكانيكي، وعلي درجة تشبعها بالماء. وتقل قيمة هذه الزاوية بزيادة كل من الرطوبة، وكمية الماء المخزون. وإذا وصل أي جزء من التربة أو الحجر إلي زاوية انحداره فإنه ينهار في الحال هابطا من أعلي مناسيب سفوح الجبال إلي أخفض مستوياتها.
ويلعب الماء المخزون في تربة وحجارة وصخور الأرض دورا مهما في انهيارها وهبوطها بالكامل.

.سابعا: أنواع الماء المخزون تحت سطح الأرض:

يقسم الماء المخزون تحت سطح الأرض من أعلي إلي أسفل إلي النطق التالية:
(1) نطاق الارتشاح VadoseWaterZone: وهو نطاق سطحي رقيق يتراوح سمكه بين نصف متر وعشرة أمتار، ويتسرب عبره كل من الماء السطحي وماء المطر إلي المخزون المائي تحت سطح الأرض، والماء فيه طليق، ولكنه غير ثابت فيظهر في مواسم الأمطار والفيضانات والرشح الشديد، ويختفي في مواسم الجفاف، والجزء الأكبر من مسام هذا النطاق مشغول بالهواء، ولذا يعرف باسم نطاق التهوية AeriationZone.
(2) نطاق الماء الشعري CapillaryWaterZone: ويوجد بين نطاق الارتشاح إلي أعلي، ونطاق التشبع إلي أسفل، وتمتلئ مسامه الشعرية الدقيقة بالماء، والكبيرة بالهواء.
(3) نطاق التشبع SaturationZone: ويتكون عادة من الحجارة، عالية المسامية والنفاذية أو عالية التشقق، وفيها يكون الماء حرا غير حبيس، ولكنه قد يكون محصورا حصرا محليا أي في أجزاء من الخزان، ويمتاز النظام المائي هنا بأنه مرتبط ارتباطا وثيقا بمستويات الأحواض والمجاري المائية المفتوحة، من مثل الأنهار، والبحيرات والمستنقعات، وموصول بالعوامل الجوية المحيطة به، وتوجد أسفل نطاق التشبع عادة صخور غير منفذة أو ضعيفة النفاذية للماء تعرف باسم الصخور الصادة للماء، وهي حجارة تقل نفاذيتها مئات إلي آلاف المرات عن نفاذية الحجارة الحاملة للماء، وذلك لأنه لا يوجد في حجارة الأرض وصخورها وتربتها ما تنعدم فيه النفاذية انعداما تاما.
وتتم تغذية مخزون الماء في نطاق التشبع من كل من الأمطار، والأنهار، وغيرها من المجاري والمسطحات المائية العذبة علي سطح اليابسة، وقد يتكون النهر ابتداء من تفجر الماء من نطاق التشبع، وفي هذه الحالة يقع الخزان المائي في مسار مجري النهر قريبا من منابعه، وكما يعطي نطاق التشبع الماء للنهر، فإنه قد يتغذي من مائه، فيصل معدل التغير في مستوي الماء المخزون بين ثلاثة وأربعة أمتار في فترة فيضان الأنهار الكبيرة الجارية بالقرب من الخزان المائي والماء في نطاق التشبع يتغير تركيبه الكيميائي، وكمياته، ومعدلات تدفقه مع الزمن.
(4) الماء الارتوازي ArtesianWater: وهو ماء حبيس، محصور، يوجد علي أعماق كبيرة نسبيا في صخور ذات أعمار متباينة، عالية المسامية والنفاذية، أو شديدة التشقق، ومحفوظة بين نطاقين من الصخور الصادة للماء، وهذه إما يحفر عليها، أو تظهرها الحركات الأرضية علي هيئة أعداد من العيون والينابيع، وقد تتفجر منها الأنهار كذلك، وكلها حقائق لم تصل إليها العلوم المكتسبة إلا في نهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، ولم تكتمل معرفة الإنسان بها إلا في العقود المتأخرة من القرن العشرين.