فصل: مطلب في قوله تعالى: {بغير عمد}:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.مطلب في قوله تعالى: {بغير عمد}:

وفي قارات الأرض الخمس ومعجزات القرآن والمعقبات: والآية تحتمل الوجهين فيجوز أن تقول بلا عمد البتة، أو بعمد ولكنها لم واللّه على كلّ شيء قدير {ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ} استواء يليق بذاته لا يعرفه خلقه راجع الآية 4 من سورة طه، والآية 41 من سورة يونس والآية 4 من سورة الحديد المارة {وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ} لمنافع خلقه {كلّ} منها {يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى} هو انقضاء الدّنيا وخراب هذا يكون، وقد جعل جل شأنه لكل من الشّموس والأقمار والكواكب سيرا خاصا لجهة خاصة بمقدار خاص من السّرعة ومقياس خاص في البطء والحركة، راجع الآية 77 من سورة يس والآية 13 من سورة الإسراء {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ} ملكوته ناسوته ولاهوته بمقتضى حكمته لا يشغله شأن عن شأن {يُفَصِّلُ الْآياتِ} الدالة على وحدانيته وكمال قدرته {لَعَلَّكُمْ} أيها النّاس {بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ 2} إيقانا لا شبهة ولا ريب فيه.
واعلم أن اليقين صفة من صفات العلم فوق المعرفة والدّراية وهو سكوت الفهم مع ثبات الحكم وزوال الشّك لما ذكر اللّه تعالى الدّلائل السّماوية أردفها بالدلائل الأرضية فقال: {وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ} بسطها بعد أن كانت مجتمعة ولا يعني بالبسط أنها كالكف بل بالنسبة لما نراه منها، فالنملة ترى البيضة حينما تمشى عليها منبسطة ونحن نرى ما تحتنا ما يلينا من الأرض منبسطا، وهذا لا ينافي القول بكرويتها إن كانت كروية وجعل فيها رواسي جبالا عظاما ثوابت تثقلها لئلا تبطش فتميد راجع الآية 9 من سورة لقمان ففيها ما يتعلق بهذا وما يتعلق بالآية الثانية المارة من جود العمد وعدمه {وَأَنْهارًا} عذبة لمنافع خلقه {وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ} ذكرا وأنثى أسود وأبيض مالح وباهت حلو حامض جليل وحقير كبير وصغير وما بينهما {يُغْشِي اللَّيْلَ} بضوء النّهار يغشي {النَّهارَ} بظلمة اللّيل {إِنَّ فِي ذلِكَ} الصنع البديع {لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ 3} بها ويفقهون المغزى فيها وما ترمي إليه فيستدلون بها على عظمة خالقها ويعرفون ماهية أنفسهم، والفكر مقلوب الفرك، لأنه يستعمل في طلب المعاني وهو فرك الأمور وبحثها طلبا الوصول إلى حقيقتها والوقوف على ماهيتها.
قال تعالى: {وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ} متقابلات متقاربات في الصّفة مختلفات في اللّون والإنبات طيبة وسبخة رخوة وصلبة محجرة ومتربة حصية ورملية فمنها صالح للزرع ومنها للشجر، ومنها ما ينبت نوعا خاصا من الأشجار والخضر، وما ينبت ويثمر شيئا منها ولا ينبت في الأخرى وما يعيش، ويوجد من الحيوانات في قطعة ولا يعيش ويوجد في الأخرى، فقد يوجد في آسيا مالا يوجد في استراليا، ويوجد في إفريقيا مالا يوجد بأمريكا وبالعكس، وهكذا أوربا من حيث الجمع لا الانفراد، لأن هذه القارات الخمس وهي في الحقيقة سبع لأن آسيا تقسم إلى قسمين وأمريكا كذلك، وقد يختلف نباتها وثمارها وحيواناتها ومخلوقاتها في اللّغة واللّون والأخلاق تختلف أيضا، فسبحان من أودع في كل ما هو صالح له، وفي كلّ قلب ما أشغله {جَنَّاتٌ} فيها مختلفة الصّفات بحسب طبايع أرضها وكلّ أرض ذات شجر يجنّها أي يسترها تسمى جنة، ولكن شتان بين هذه وجنّات الآخرة على حد قوله:
ولن يتساوى سادة وعبيدهم ** على أن أسماء الجميع موالي

ثم بين أشجار هذه الجنان بأنها {مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ} كل منها مختلفة في النّوع والشّكل والهيئة، وكلّ منها {صِنْوانٌ} الصنوان الشّجرات المتعددة من أصل واحد واحده صنو {وَغَيْرُ صِنْوانٍ} شجرة منفردة بأصلها، فالأشجار المجتمعة بأصلها أو برأسها كالنخل لأنه قد يتفرع له في رأسه فروع تصير كالنخلة المتفرعة من الأصل وتحمل ثمرا أيضا، وهذا كثير مشاهد ويسمى صنوان وقد بينا في الآية 99 من سورة الأنعام الكلمات التي هي على وزن صنوان فراجعها تقف على أصلها وجمعها، وانظر أيها الإنسان إلى عظيم قدرة ربك أن تلك الأشجار كلها {يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ} أي الطّعم فمنها الحلو والحامض والمز والمر وغير ذلك، وكذلك في الرّائحة واللّون والشّكل كالإنسان، منه الخبيث والصّالح والأحمر والأسود والحسن والقبيح وما بينهما وهم من أب واحد {إِنَّ فِي ذلِكَ} الخلق العجيب والاختلاف الغريب الذي يبهر العقول ويكل عن فهمه المعقول والمنقول ويعجز عن إدراكه الفحول {لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ 4} تلك المعاني ويتدبرون مغزاها ومرماها ويتفكرون في تلك القدرة العظيمة {وَإِنْ تَعْجَبْ} أيها الإنسان الكامل من هذه المكونات البديعة النّاشئة عن قدرة اللّه البالغة، فحق لك أن تعجب لأنه مما يوجب العجب، ولكن إنكار الكفرة للبعث مع اعترافهم بأن اللّه خلقهم على غير مثال سابق أكثر عجبا من هذا لأنه كله دون قدرة القادر، ولأن إعادة الشّيء أهون وأيسر من إبداعه، ولهذا {فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذا كُنَّا تُرابًا أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ 5} فقولهم هذا هو الذي يجب أن تتعجب منه لا ذلك.
واعلم أن العجب في حقّه تعالى محال لأنه حالة تغوي الإنسان، وتعرض له عند الجهل بالسبب، للشيء المتعجب منه، لأن النّفس تستبعد رؤية مالا تعرف سببه، وتتنزه ذات اللّه تعالى عن تلك {أُولئِكَ} الّذين ينكرون لبعث هم {الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ} لإنكارهم قدرته {وَأُولئِكَ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ} يقادون فيها كالأسرى إلى النّار يوم القيامة هوانا بهم، ولكن بين إهانة الأسرى المنقطعة وإهانتهم الدّائمة في الوصف والكيفية فرق عظيم {وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ 5} وفي تكرار كلمة أولئك دلالة على عظم الأمر والهول والتعجيب.
قال تعالى: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ} وذلك أنه صلّى اللّه عليه وسلم كان حينما يخوفهم عذاب اللّه يستهزئون به يقولون هات ما تنذرنا به إن كنت صادقا، وحينما يبشرهم بما عند اللّه للمؤمن كانوا لا يلتفتون إليه، وقد قص اللّه تعالى عنهم قولهم قبلا: {اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً} الآية 32 من سورة الأنفال المارة، ولم يقولوا لكثافة جهلهم اللّهم اهدنا إليه {وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ} النقم التي أوقعناها بالأمم الماضية جمع مثلة بفتح الميم وضم الثاء أو بفتحها جمع مثل هو ما ضربه اللّه لأمثالهم من الكفرة الأقدمين ليتعظوا فلم ينجع بهم ولم يرتدعوا {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ} أنفسهم وغيرهم.
قال السدي هذه أرجى آية في القرآن لذكر المغفرة مع الظّلم بدون التوبة راجع الآية 85 من سورة الإسراء تجد ما يتعلق في هذا البحث {وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ 6} لمن يموت على كفره {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا} هلا {لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ} على الرّسول محمد صلّى اللّه عليه وسلم الذي يدعونا إلى دينه {آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ} يقنعنا بها كآية صالح أو موسى وغيرهما يريدون شيئا محسوسا فقال تعالى لرسوله لا ترد عليهم: {إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ} لهم سوء عاقبة الكفر ومبشر بحسن نتيجة الإيمان {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ} يهديهم بما أرسل إليه من ربه إلى دينه القويم بالطرق التي أمره بها ربه لا بما يريدون ويتحكمون، لأن اللّه تعالى لم تجر عادته أن ينزل الآيات على حسب اقتراح الكفرة، وإنما ينزلها بإرادته ومشيئته على من يريد من عباده، أما ناقة صالح عليه السّلام فكانت بمراد اللّه وتقديره في أزله أنهم يطلبونها من نبيهم فيعطونها، وما عموم إلّا وخص منه البعض مثل رفع العذاب عن قوم يونس.
...................
{وَما تَزْدادُ} عن الواحد ومن نقص الأرحام والحيض زمن الحمل فإنه ينقص غذاء الجنين فيخرج ضعيفا، قال أبو حنيفة رحمه اللّه لا تحيض المرأة حال حملها لأن اللّه تعالى أجرى عادته بانسداد فم الرّحم بالحمل وما تراه الحامل من الدّم فهو استحاضة ودم الاستحاضة يكون من مرض وشبهه فيسبب ضعفا بالحامل فينشأ عنه ضعف الجنين، وقد تسقطه، وقد يخرج ناقص الخلقة ويولد لأقل من تسعة أشهر، والزيادة عكس هذه الأشياء، ومن الزيادة زيادة الأصبع وشبهه، وقد يكون اثنان برأس واحد، ورأسان بجثة واحدة، يخلق ما يشاء: {وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ} [8] لا يتجاوزه، فالقادر على هذه الأشياء وتمحيصها هو: {عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ (9)} على مخلوقاته تشير هذه الآية الكريمة إلى الأوزان الكيماوية التي لم تكشف إلّا بعد وقوف علماء أوريا الدّنيويين على أصول تحليل العناصر وتركيبها، واطلاعهم على أن لكل عنصر موجود في هذا الكون مقدارا محدودا، وأنه يستحيل أن يتركب جسم من الأجسام إلّا على مقادير معينة منها الماء، فإن تركيبه الكيموي؟؟ لتركبه على نسبة ثمانية أو كسجين إلى واحد هدروجين وهذه النّسبة لا تزيد ولا تنقص، فلو نقص من أحدهما عشر معشار الدّرهم لا يتولد الماء، وإن زدنا على أحدهما يحصل التركيب على القدر الذي قدره لهما والزائد يبقى معلقا والتولد سر خفي يسمى الألفة الكيمياوية، ولما كان أمرها غامضا لم يقف ولن يقف على كنهها واقف للاشارة إليها بقوله: {عالِمُ الْغَيْبِ} بعد قوله: {اللَّهُ يَعْلَمُ} لأن استحالة تكون الجنين ومعرفة كنه تولد الأرحام سواء.
ولكبير أهمية مقادير العناصر ذكرها اللّه سبحانه في قوله الجليل: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ} الآيتين 21 و22 من سورة الحجر إذ لو زاد أو كسجين أهواء لهاجت النّفوس واضطربت أو زاد نتروجينه لاعتراها الموت، فالحكمة الإلهية جعلته مزيجا منها على قدر معين محدود بحيث تلطفت حرارة الأوّل ببرودة الثاني، فتأمل معجزات القرآن العظيم وانظر هل كان إبان نزوله من يعرف هذا غير منزله؟ وهناك معجزات أخرى لم تختمر بعد في العقول لتظهر للملأ وصدق اللّه في قوله العزيز: {ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ} الآية 38 من الأنعام وفي كلّ ما جاء عنه في كتبه وعلى لسان رسله ورحم اللّه الأبوصيري حيث يقول:
آيات حق من الرّحمن محدثة ** قديمة صفة الموصوف بالقدم

فلا تعد ولا تحصى عجائبها ** ولا تسام على الإكثار بالسام

وإذا أردت أن تقف على الموزونات راجع الآيتين المذكورتين آنفا في سورة الحجر قال تعالى: {سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ} عند اللّه لا فرق بينهما لديه: {وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ} [10] ذاهب على وجه الأرض، والسّرب بفتح السّين وسكون الرّاء هو الماشية كلها والطّريق وبالكسر لقطيع من النّساء والظّباء وبفتحتين الحفرة تحت الأرض والقناة وجاء في الحديث: «آمنا في سربك» أي أهلك، والمعنى أن كلّ ذلك عند اللّه سواء لا يختلف عنده حال عن حال فالسر والعلانية والخفاء والظّهور عنده سواسية.
{لَهُ}: لذلك الإله العظيم: {مُعَقِّباتٌ} ملائكة يتعاقبون ليل نهار: {مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ} من أمام كلّ عبد من عبيده: {وَمِنْ خَلْفِهِ} ورائه: {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} قدره وقضائه بأمر اللّه وإذنه، ومعقبات جمع معقبة، ومعقبة جمع عاقب، ولا يستدل بهذا أن الملائكة إناث كما زعم البعض، لأن جمع الجمع مثل رجالات جمع رجال ورجال جمع رجل، والملائكة لا يوصفون بذكورة ولا بأنوثة.
روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال يتعاقبون فيكم ملائكة.
وعلى هذا الحديث.
وقوله تعالى: {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} الآية الثالثة من سورة الأنبياء، جاءت لغة أكلوني البراغيث على أن يكون الواو في الفعل ضمير جمع فقط والفاعل البراغيث، كما أن الملائكة في الحديث والّذين في الآية هما الفاعل، والواو في الفعلين ضمير جمع فقط أي يحرسونه بالليل والنّهار ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثم يعرج الّذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعلم كيف تركتم عبادي، فيقولون تركناهم وهم يصلون، وآتيناهم وهم يصلون، وهذه الآية عامة، لأن اللّه تعالى وكلّ بكل نفس من من يحفظها من ملائكته.
وروي عن ابن عباس وغيره لما جاء عامر بن الطّفيل وزيد بن ربيعة من بني عامر بن زيد قال عامر يا محمد مالي إن أسلمت؟ قال لك ما للمسلمين وعليك ما عليهم ومن هنا يعلم أن ليس لأحد أن يشترط على إمام المسلمين شرطا يتميز به عن بقية المسلمين قال تجعل الأمر لي من بعدك؟ قال ليس ذلك لي إنما هو للّه تعالى يجعله حيث يشاء، قال فتجعلني على الدّبر أي البادية؟
أنت على المدر أي المدن؟ قال لا، قال فما تجعل لي؟ قال أجعل لك أعنة الخيل تغزو عليها، قال أو ليس ذلك لي اليوم، قم معي أكلمك، فقام معه صلّى اللّه عليه وسلم لانه كبير قومه وأوعز إلى رفيقه زيد أو أريد أخي لبيد إني إذا كلمته قدر خلفه واضربه بالسّيف، فجعل عامر يخاصم الرّسول ويراجعه، فجاء زيد أو أربد واخترط السّيف ليضربه فلم ينسل، فالتفت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم فرآه ماسكا قبضة السيف ومسلول منه قدر شبر، فقال اللّهم اكفتيهما بما شئت، فأرسل اللّه صاعقة على زيد في يوم صحر فأحرقته، وهرب عامر وهو يقول واللّه لأملأنها عليك خيلا ورجالا لأنك دعوت ربك فقتل صاحبي زيدا، فقال اللّه يمنعني فخرج خراج أصل أذن عامر وهو في بيت امرأة سلولية وصارت له غدة كغدة البعير، ركب جواده وجعل يركض في الصّحراء، ومات على ظهره.
وهذه معجزتان صلّى اللّه عليه وسلم وأنزل اللّه: {سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ} إلى السّجدة الآتية قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ} من النّعم والعافية التي أنعم بها على هذين الخبيثين وغيرهم لأن المعنى عام وخصوص السّبب لا يقيده ولا يخصصه: {حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ} من النية والعمل الحسن إلى النّية السّيئة والعمل القبيح فيبدل اللّه نعمهم نقما وصحتهم سقما وخيرهم شرا وتوفيقهم خذلانا وكثرتهم قلة وخصبهم جدبا وعزهم ورياستهم ذلا ومهانة كما فعل بعامر ورفيقه زيد الّذين أرادا أن يمكرا بحضرة الرسول ويغدرا به فحنظه اللّه وأهلكهما أي أن اللّه تعالى لا يزال مديما نعمه عباده حتى يتسببوا لانقطاعها: {وَإِذا أَرادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوْءًا} من الأسواء فَلا مَرَدَّ لَهُ: {وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ} [11] بلي أمرهم غيره.