فصل: من لطائف القشيري في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



أما قوله في سورة الحجر: {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ} [الحجر: 1] معطوف على الكتاب المضاف إلى الخبر عن اسم الإشارة وهو آيات وداخل تحت اسم الإِراة، وهو من عطف المفردات وما عطف المفردات وما عطف عليه وشرك معه بخلاف آية الرعد إذا العطف فها من عطف الجمل.
وأما الوارد في سورة النمل فمثل ما في سورة الحجر، وحكم اسم الإشارة منسحب على ما أضيف إليه خبر اسم الإشارة وما عطف عليه، وهو من عطف المفرادت أيضًا كآية الحجر، وكلا الآيتين مخالف لما ورد في سورة الرعد، فلما وقعت الإشارة في سورتي الحجر والنمل إلأى الضربين معًا تضمنت كل واحدة من السورتين مما به الاعتبار ذكر الضربين معًا، ولما اختصت الإشارة في سورة الرعد بالضرب الأول لم يقع إخبار بغير ذلك الضرب، وهذا يرفع كل إشكال فيما تقدم، ومما يزيد وضوحًا فيما تقدم أن سورة الحجر لما قدم فيها ذكر الكتاب قدم فيها من الضربين الضرب المعتبر من آيات اللوح المحفوظ، فقال تعالى: {وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ} [الحجر: 16] إلى قوله: {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ} [الحجر: 22] الآية، ثم بعد ذلك ذكر مما به الاعتبار من الضرب الثاني في قوله تعالى: {وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ} [الحجر: 51] إلى قوله: {فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الحجر: 84]، فتأخر ما ورد في هذه السورة من هذا الضرب ليطابق تأخر ذكره في قوله: {وَقُرْآنٍ مُبِينٍ}. ولما تقدم في سورة النمل من الاسمين المضاف إليهما خبر اسم الإشارة القرآن وتأخر الكتاب فقال تعالى: {تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ} [النمل: 1] قوبل بتقديم الضرب المشار إليه أولًا، فقال تعالى: {وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (6) إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ} [النمل: 6-7]. وذكر من القصة مجملا ما إذا اعتبر وفي بأتم ما يحصل المعتبر به على أعلى مقصود موف بخلاصة وذلك إلى قوله: {فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} [النمل: 14]، ثم أتبع بقصة داود وسليمان وما استجر ذلك من قصة بلقيس وما تلاها، ثم أعقب بعد بالضرب الآخر، فقال تعالى: {أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} [النمل: 60] إلى قوله: {بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ} [النمل: 66]. ولما لم يقع في سورة الرعد الضرب الأول- كما تقدم- لم يرد فيها من آي الاعتبار إلا ما هو منه، ولم يقع في السورة غير ذلك، فقد بان بحول الله ما اعتمد جوابًا عن السؤال الثاني، ووضح التناسب وجلالة النظم، ومع وضوحه لم أقف على من استقرأه من هذه السورة منا بينته، ولا توقف فيه والحمد لله على ما ألهم إليه من ذلك.
ثم أعلم بعد أن ما اعتمدناه من هذا المأخذ لم ينفرد فيه إذا حقق بغير التمهيد وإيراد النظائر وبيان ما أجمله غير واحد ممن تقدم من المفسرين على اختلاف ترجمتهم عما تضمنه، فمنها القريب ومنها البعيد، وكل منها: إذا أمعن فيه النظر ربما أدى إلى ما تقرر، ولم أنفرد عنهم إلآ بتوجيه النظر على ما اعتمدته، وإظهار المناسبة، وإبداء شواهد ونظائر لما اعتمد. فمن ذلك ما تردد للمفسرين من قوله تعالى في سورة البقرة: {ذَلِكَ الْكِتَابُ} [البقرة: 2] {من} مأثور ما حكوه عن من تقدمهم من أن الإشارة إلى اللوح المحفوظ، وذكر ذلك ابن عطية وغيره من غير تعرض لزيادة، ونسبوا ذلك إلى ابن جبير، وقال بعضهم في قوله تعالى في سورة النمل: {تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ} [النمل: 1]، قال: المراد بقوله: {وَكِتَابٍ مُبِينٍ} [النمل: 1] اللوح المحفوظ وذكره الزمخشري، ولا شك أن هنا إيماء إلى ما تقدم بسطه، وزاد الزمخشري على هذا ما ذكره في سورة الرعد من أن المراد بآيات الكتاب العزيز آيات السورة، {والذي أنزل إليك} سائر القرآن، وهو نحو ما قلناه، ألا ترى أن آيات السورة لم تخرج عن الضرب الاعتباري المدرك لكل ذي عقل سليم على ما تقدم وما نبنية بعد، وتلك آيات اللوح وأم الكتاب، فهذا ما قلناه وقد أطنبنا فيه من الوارد في سورتي الحجر والنمل ما شهد بأنه المقصود قطعًا. وقال بعضهم في قوله تعالى في سورة البقرة: {ذَلِكَ الْكِتَابُ} أنه واقع على القرآن وعلى الكتاب الذي هو اللوح المحفوظ، ثم قال بعد مستدلا: ذلك إشارة إلى غائب، يعني أن ذلك إنما يشار به إلى البعيد الغائب، ولو ضوح إدراكه صحت الإشارة إليه، ثم قال بعد واسم الكتاب غيب ولذلك حسن فيه ذلك، ثم استدل على أن الإشارة إلى اسم الكتاب الذي هو اللوح المحفوظ في القرآن الحاضر المتلو على ألسنتنا قد ارتاب فيه من لم يرد الله هدايته فقالوا سحر وشعر وأساطير الأولين، وذهبوا به كل مذهب. واسم الكتاب يعني بما بدا منصوبًا وظهر ليس كذلك، فهذا الذي لا ريب فيه إذ هو مشاهد للأبصار ومدرك للعيان لمن هدي واستبصر، قال الله جل جلاله: {المر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ} [الرعد: 1]، ثم قال: {وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ} [الرعد: 1]، قال: ثم جعل جل جلاله يسرد آيات الكتاب المبين فقال: {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ} [الرعد: 2] إلى قوله: {لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [الرعد: 4]، قلت: على هذا استمرت وتوالت آيات هذه السور لم يتخللها من غير ما هو آية منصوبة للاعتبار إلا ما استدعاه مقصود آي منها أو معناها، من غير أن يتخللها مما يدرك بالخبر كبير شيء، على هذا دار كلام من أشرنا إليه وهو ما اعتمدته وبسطته واستشهدت عليه ونظرته بما ظهر لي مماليس في كلامه. قلت ومما استشهد به من ذكرت كلامه على ما اختاره من كون الإشارة بقوله في مطلع سورة البقرة: {ذَلِكَ الْكِتَابُ} إلى اللوح المحفوظ، استحكام تنزيل ما بعده عليه، ووضوح النظم وبيانه على ذلك، ألا ترى قوله تعالى: {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} [البقرة: 2-3] أي بما غاب عنهم من مضمون اسم الكتاب استدلالًا بما يدل من آيته على ما غاب، فقبلوا ما أخبر الله به على ألسنة رسله مما لا يدرك مشاهدًا استدلالًا بما أدركوه وشهادته لما أخبروا به فآمنوا بالله ورسله، واعتقدوا من صفاته سبحانه ما هو عليه، ونزهوه هما لا يليق به تعالى، وصدقوا ما أخبرت به الرسل من كل غائب عنهم متلقى من إخباره سبحانه، فبنوا ذلك على اهتدائهم الأول ومعتبرهم المشاهد المرئي حين وفقوا للاعتبار فآمنوا بالغيب كما أخبر تعالى عنهم، ثم قال تعالى: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} [البقرة: 4]، والمراد بهذا {المنزل} القرآن، وقوله: {وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ} [البقرة: 4] أي من الكتب المنزلة كاتوراة والإنجيل، وقال في الجميع: {أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [البقرة: 5]. فتأمل بيان النظم على هذا فإنه أوضح شيء.
قلت: ومن البين أن مدار هذا الجواب بجملته إنما بناؤه على أن اسم الكتاب في سروة البقرة أو حيق وقع من فواتح هذه السور وأشير إلأه بذلك أو تلك أو وقع في غير الفواتح فيصح أن يراد به فيها أو في بعضها اللوح المحفوظ، وأن تكون الإشارة إلأيه إذا شهد له السياق ووضح عليه النظم، فإذا سلم هذا فما بنيناه عليه أوضح شيء، ولا يمكن إلا تسليمه إذ لا معارض يمنع من عقل ولا نقل، وإن اعترض معترض بالمنع فقد خالف جميع المفسرين ممن تقدم أو تأخر، وخالف ما يعترف كل ذي عقل سليم بإمكانه، وقد تبين تنزيل النظم عليه على أكمل تلاؤم، والله أعلم بما أراد. اهـ.

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
بسم الله الرحمن الرحيم.
بسم الله كلمة سماعها يورث لقوم طلبا ثم طربا ولقوم حزنا ثم هربا، فمن سمع بشاهد الرجاء طلب وجود رحمته فأذنه لها طرب، ومن سمع بشاهد الرهبة حزن من خوف عقوبته ثم إليه هرب.
قوله جلّ ذكره: {المر تِلْكَ آيَاتُ الكتاب والذي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الحق}.
أقسم بما تدل عليه هذه الحروف من أسمائه إِنَّ هذه آيات الكتاب الذي أخبرتُ أَنِّي أُنَزِّلُ عليك.
فالألف تشير إلى اسم الله، واللام تشير إلى اسم اللطيف، والميم تشير إلى المجيد، والراء تشير إلى اسم الرحيم قال بسم الله اللطيف المجيد الرحيم إن هذه آياتُ الكتاب الذي أخبرتُ إني أنزله على محمد- صلى الله عليه وسلم. ثم عَطَفَ عليه بالواو قوله تعالى: {وَالَّذِى أُنِزلَ إلَيك مِن رَّبِّكَ الحَقُّ} هو حق وصدق، لأنه أنزله على نَبيِّه- صلى الله عليه وسلم.
قوله جلّ ذكره: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ}.
أي ولكن الأكثر من الناس من أصناف الكفار لا يؤمنون به، فَهُمْ الأكثرون عددًا، والأقلون قَدْرًا وخَطَرًا.
قوله جلّ ذكره: {اللَّهُ الذي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْشِ}.
دلَّ على صفاته وذاته بما أخبر به من آياته، ومن جملتها رفعُ السمواتِ وليس تحتها عمادٌ يَشُدُّها، ولا أوتادٌ تُمْسِكها. وأخبر في غير هذه المواضع أنه زَيَّنَ السماءَ بكواكبها، وخصَّ الأرض بجوانبها ومناكبها.
و{اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}: أي أحتوى على مُلْكِه احتواءَ قُدْرَةٍ وتدبير. والعرشُ هو المُلْكُ حيث يقال: أندكَّ عرشُ فلان إذا زال مُلْكُه.
قوله جلّ ذكره: {وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ كُلٌ يَجْرِى لِأَجَلٍ مُّسَمّىً....}.
كلٌّ يجري في فَلَكٍ. ويدلُّ كل جزء من ذلك على أنه فِعلُ في مُلْكِه غير مشترك. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{المر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (1)}
قوله تعالى: {تِلْكَ آيَاتُ}: يجوز في: {تلك} أن تكونَ مبتدأً والخبرُ: {آيَاتُ الكتاب}، والمشارُ إليه آياتُ السورة. والمرادُ بالكتابِ السورةُ. وقيل: إشارةٌ إلى ما قَصَّ عليه مِنْ أنباء الرسل.
وهذه الجملةُ لا محلَّ لها إن قيل: إنَّ: {المر} كلامٌ مستقلٌ، أو قُصِد به مُجَرَّدُ التنبيهِ، وفي محلِّ رفعٍ على الخبرِ إنْ قيل: إنَّ: {المر} مبتدأٌ، ويجوز أن تكونَ: {تلك} خبرًا ل: {المر}، و: {آيَاتُ الكتاب} بدلٌ أو بيانٌ. وقد تقدَّم تقريرُ هذا بإيضاحٍ أولَ الكتاب، وأَعَدْتُه.
قوله: {والذي أُنزِلَ} يجوز فيه أوجهٌ، أحدُها: أن يكونَ مبتدأً، و: {الحقُّ} خبرُه. الثاني: أن يكون مبتدأً، و: {مِن رَّبِّكَ} خبرُه، وعلى هذا ف: {الحقُّ} خبرُ مبتدأ مضمر، أي: هو الحق. الثالث: أنَّ: {الحقُّ} خبرٌ بعد خبر. الرابع: أن يكونَ: {مِن رَّبِّكَ الحق} كلاهما خبرٌ واحدٌ. قاله أبو البقاءُ والحوفيُّ. وفيه بُعْدٌ؛ إذ ليس هو مثلَ هذا حلوٌ حامِضٌ.
الخامس: أن يكون: {الذي} صفةً ل: {الكتاب}. قاله أبو البقاء: وأُدْخِلَت الواوُ في لفظه، كما أُدْخِلت في النازِلين والطيبين. قلت: يعني أن الواوَ تكونُ داخلةً على الوصف. وفي المسألة كلامٌ يحتاج إلى تحقيقٍ، والزمخشريُّ يُجيز مثلَ ذلك، ويجعلُ أنَّ في ذلك تأكيدًا، وسيأتي هذا أيضًا إن شاء اللهُ تعالى في الحجر، في قوله: {مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ} [الحجر: 4]. وقوله: في النازلين والطيبين يشير إلى بيت الخِرْنِقِ بنت هَفَّان في قولها حين مَدَحَتْ قومَها:
لا يَبْعَدَنْ قوميْ الذين هُمُ ** سُمُّ العُداةِ وآفَةُ الجُزْرِ

النازِلينَ بكلِّ مُعْتَرَكٍ ** والطيِّبين مَعاقِدَ الأُزْرِ

فعطَفَ الطيبين على النازِلين، وهما صفتان لقومٍ معينين، إلاَّ أنَّ الفرقَ بين الآيةِ والبيتِ واضحٌ: من حيث إن البيتَ فيه عطفُ صفةٍ على مثلِها، والآيةُ ليست كذلك.
وقال الشيخ شيئًا يقتضي أن تكونَ ممَّا عُطِفَ فيها وَصْفٌ على مثلِه فقال: وأجاز الحوفي أيضًا أن يكونَ {والذي} في موضعِ رفعٍ عطفًا على {آيات}، وأجاز هو وابنُ عطية أن يكونَ {والذي} في موضعِ خفضٍ، وعلى هذين الإِعرابين يكون {الحقُّ} خبرَ مبتدأ محذوفٍ، أي: هو الحق، ويكون {والذي} ممَّا عُطِفَ فيه الوصفُ على الوصفُ وهما لشيءٍ واحد، كما تقول جاءني الظريفُ والعاقلُ وأنت تريد شخصًا واحدًا، ومن ذلك قولُ الشاعر:
إلى المَلِكِ القَرْمِ وابنِ الهُمامِ ** وليثِ الكَتِيبةِ في المُزْدَحَمْ

قلت: وأين الوصفُ المعطوفُ عليه حتى يجعلَه مثلَ البيتِ الذي أنشده؟
السادس: أن يكونَ {الذي} مرفوعًا نسقًا على {آيات} كما تقدَّمَتْ حكايتُه عن الحوفي. وجَوَّز الحوفيُّ أيضًا أن يكونَ {الحقُّ} نعتًا لــ: {الذي} حالَ عطفِه على: {آيَاتُ الكتاب}.
وتَلَخَّص في {الحقِّ} خمسةُ أوجه، أحدها: أنه خبرٌ أولُ أو ثانٍ أو هو مع ما قبله، أو خبرٌ لمبتدأ مضمر، أو صفةٌ ل {الذي} إذا جَعَلْناه معطوفًا على {آيات}.
{اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (2)}
قوله تعالى: {بِغَيْرِ عَمَدٍ}: هذا الجارُّ في محل نصبٍ على الحال من {السماوات}، أي: رَفَعَهَا خاليةً مِنْ عَمَد. ثم في هذا الكلامِ وجهان، أحدُهما: انتفاءُ العَمَدِ والرؤيةِ جميعًا، أي: لا عَمَدَ فلا رؤيةَ، يعني لا عَمَدَ لها فلا تُرَى. وإليه ذهب الجمهورُ. والثاني: أن لها عَمَدًا ولكن غيرُ مرئيَّةٍ. وعن ابنِ عباس: ما يُدْريكَ أنهما بِعَمَدْ لا تُرى؟، وإليه ذهب مجاهدٌ، وهذا قريبٌ مِنْ قولهم: ما رأيت رجلًا صالحًا، ونحوُه: {لاَ يَسْأَلُونَ الناس إِلْحَافًا} [البقرة: 273] وقوله:
على لاحِبٍ لا يُهتدى بِمَنارِه