فصل: من أقوال المفسرين في تفسير قوله تعالى: {...وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمي يدبر الأمر يفصل الآيات لعلكم بلقاء ربكم توقنون} (الرعد: 2)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين في تفسير قوله تعالى: {...وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمي يدبر الأمر يفصل الآيات لعلكم بلقاء ربكم توقنون} [الرعد: 2]

* ذكر ابن كثير رحمه الله ما نصه:... وقوله: {وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمي} قيل: المراد أنهما يجريان إلى انقطاعهما بقيام الساعة، كقوله تعالي: {والشمس تجري لمستقر لها}، وقيل: المراد إلى مستقرهما وهو تحت العرش...
* وجاء في تفسير الجلالين رحم الله كاتبيه مانصه:... {وسخر} ذلك {الشمس والقمر كل} منهما {يجري} في فلكه {لأجل مسمي} يوم القيامة {يدبر الأمر} يقضي أمر ملكه {يفصل} يبين {الآيات} دلالات قدرته {لعلكم} يا أهل مكة وغيرها {بلقاء ربكم} بالبعث {توقنون}...
* وذكر صاحب الظلال رحمه الله رحمة واسعة مانصه:... ومن الاستعلاء المطلق إلى التسخير تسخير الشمس والقمر، تسخير العلو المنظور للناس علي مافيه من عظمة أخاذة؛ أخذت بألبابهم في اللمسة الأولي، ثم إذا هي مسخرة بعد ذلك لله الكبير المتعال،،،!، ثم نمضي مع السياق... فمع الاستعلاء والتسخير الحكمة والتدبير: {كل يجري لأجل مسمي}... وإلي حدود مرسومة، ووفق ناموس مقدر سواء في جريانهما في فلكيهما،،،، لا يتعديانه ولا ينحرفان عنه. أو جريانهما إلى الأبد المقدر لهما قبل ان يحول هذا الكون المنظور. {يدبر الأمر}.. الأمر كله، علي هذا النحو من التدبير الذي يسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمي.. والذي يمسك بالأفلاك الهائلة والأجرام السابحة في الفضاء فيجريها لأجل لاتتعداه، لا شك عظيم التدبير جليل التقدير. ومن تدبيره الأمر أنه: {يفصل الآيات} وينظمها وينسقها، ويعرض كلا منها في حينه، ولعلته، ولغايته {لعلكم بلقاء ربكم توقنون} حين ترون الآيات مفصلة منسقة، ومن ورائها آيات الكون، تلك التي أبدعتها يد الخالق أول مرة، وصورت لكم آيات القرآن ما وراء إبداعها من تدبير وتقدير وإحكام... ذلك كله يوحي بأن لابد من عودة إلى الخالق بعد الحياة الدنيا، لتقدير أعمال البشر، ومجازاتهم عليها. فذلك من كمال التقدير الذي توحي به حكمة الخلق الأول عن حكمة وتدبير.
* وجاء في صفوة البيان لمعاني القرآن رحم الله كاتبه برحمته الواسعة مانصه:... بين الله تعالي في هذه الآية والآيتين بعدها عشرة أدلة من العالم العلوي والسفلي علي كمال قدرته وعظيم حكمته: خلقه السماوات مرتفعة بغير عمد. وتسخيره الشمس والقمر لمنافع الخلق. وخلقه الأرض صالحة للاستقرار عليها. وخلقه الجبال فيها لتثبيتها، والأنهار لتسقي الزرع. وخلقه زوجين اثنين من كل نوع من الثمرات. ومعاقبته بين الليل والنهار. وخلقه بقاعا في الأرض متلاصقة مع اختلافها في الطبيعة والخواص. وخلقه جنات من الأعناب للتفكه. وخلقه أنواع الحبوب المختلفة للغذاء. وخلقه النخيل صنوانا وغير صنوان. وجميعها تسقي بماء واحد لاتفاوت فيه، مع اختلاف الثمار والحبوب في اللون والطعم والرائحة والشكل والخواص.....
* وذكر اصحاب المنتخب في تفسير القرآن الكريم جزاهم الله خيرا مانصه: إن الذي أنزل هذا الكتاب هو الله الذي رفع ماترون من سماوات تجري فيها النجوم بغير أعمدة تري ولايعلمها إلا الله، وإن كان قد ربط بينها وبين الأرض بروابط لاتنقطع إلا أن يشاء الله، وذلل الشمس والقمر بسلطانه ولمنفعتكم، وهما يدوران بانتظام لزمن قدره الله سبحانه وتعالي، وهو سبحانه يدبر كل شيء في السماوات والأرض، ويبين لكم آياته الكونية رجاء أن توقنوا بالوحدانية.
* وجاء في صفوة التفاسير جزي الله كاتبه خيرا ما نصه: {وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمي} أي ذلل الشمس والقمر لمصالح العباد، كل يسير بقدرته تعالي إلى زمن معين هو زمن فناء الدنيا {يدبر الأمر} أي يصرف بحكمته وقدرته أمور الخلق وشئون الملكوت من إيجاد وإعدام، وإحياء وإماتة وغير ذلك {يفصل الآيات} أي يبينها ويوضحها {لعلكم بلقاء ربكم توقنون} أي لتصدقوا بلقاء الله، وتوقنوا بالمعاد إليه، لأن من قدر علي ذلك كله فهو قادر علي إحياء الإنسان بعد موته.

.الدلالة العلمية للنص الكريم:

من معاني تسخير كل من الشمس والقمر ضبط حركة كل منهما لما فيه صلاح الكون واستقامة الحياة علي الأرض.
ومن معاني أن كلا منهما يجري إلى أجل مسمي: أن الكون ليس بأزلي ولا بأبدي، بل كانت له في الأصل بداية تحاول العلوم المكتسبة تحديدها، وكل ماله بداية لابد وأن ستكون له في يوم من الأيام نهاية لها من الشواهد الحسية في كل من الشمس والقمر ما يؤكد علي حتميتها.
أولا: من جوانب تسخير الشمس: ان الحقائق القاطعة بتسخير الشمس عديدة جدا نوجز منها مايلي:
(1) الاتزان الدقيق بين تجاذب مكونات الشمس وتمددها:
الشمس هي أقرب نجوم السماء إلى الأرض التي تبعد عنها بمسافة مائة وخمسين مليون كيلو متر في المتوسط؛ والشمس نجم عادي، متوسط الحجم علي هيئة كرة من الغاز الملتهب يبلغ قطرها 1،400،000 كيلو متر، وحجمها 142 ألف مليون مليون كيلو متر مكعب، ومتوسط كثافتها 1،4 جرام للسنتيمتر المكعب، ولذلك تقدر كتلتها بنحو ألفي تريليون تريليون طن. ويمثل ذلك حوالي 99% من كتلة المجموعة الشمسية كلها.
والشمس عبارة عن فرن نووي كوني عملاق عمره أكثر من عشرة بلايين من السنين، يرتفع الضغط في داخله إلى مايساوي أربعمائة مليار ضغط جوي وبذلك تبدأ عملية الاندماج النووي بين نوي ذرات الإيدروجين منتجة نوي ذرات الهيليوم وتنطلق الطاقة التي ترفع درجة حرارة لب الشمس إلى أكثر من 15 مليون درجة مطلقة تتناقص بالتدريج إلى حوالي ستة آلاف درجة مطلقة عند سطحها، وإن تجاوزت المليون درجة في ألسنة اللهب المندفعة من داخلها.
والشمس تتكون أساسا من غازي الإيدروجين (81،76%) والهيليوم (18،17%) بالاضافة إلى آثار يسيره (لا تتعدى 0،07%) من عدد من العناصر الأخري، وعلي ذلك فإن الشمس عبارة عن خليط ملتهب من غازي الإيدروجين والهيليوم بنسبة حجمية تقدر بحوالي 4:1 وهي نفس النسبة المطلوبة لاتحاد أربع من نوي ذرات الإيدروجين مع بعضها البعض لتكوين نواة ذرة هيليوم واحدة، وتنطلق الطاقة؛ والشمس تحول في كل ثانية من عمرها الحالي حوالي 655 مليون طن من الإيدروجين إلى حوالي 650 مليون طن من الهيليوم، ويتحول الفرق بين الكتلتين والمقدر بحوالي الخمسة ملايين طن إلى طاقة تمثل الطاقة المنبعثة من الشمس في كل ثانية من وجودها.
ونظرا للجاذبية الرهيبة التي تحدثها كتلة الشمس الهائلة علي مكوناتها فإنها تتجاذب كلها في اتجاه المركز تجاذبا تنتج عنه ضغوط هائلة ترفع درجة حرارة لب الشمس إلى المستوي الذي يسمح ببدء واستمرار عملية الاندماج النووي فيه.
ونظرا للتوازن الدقيق بين جاذبية الشمس لمكوناتها في اتجاه مركزها، ودفع تلك المكونات بعيدا عن المركز بواسطة القوي الناتجة عن تمدد الغازات المكونة لها بفعل الحرارة الفائقة في مركزها، فقد بقيت الشمس مستمرة في الوجود تحت هذا التوازن العجيب علي مدي عشرة بلايين من السنين علي أقل تقدير وإلي أن يرث الله تعالى الكون ومن فيه؛ ولولا هذا التوازن الدقيق لانفجرت الشمس كقنبلة نووية عملاقة، أو لانهارت علي ذاتها تحت ضغط جاذبيتها خاصة أنها مجرد كرة ضخمة من الغازات.
وعلي ذلك فإن تقدير حجم وكتلة الشمس بهذه الدقة البالغة هو الذي مكنها من تحقيق هذا التوازن الدقيق بين قوي الدفع إلى الخارج، وقوي التجاذب إلى الداخل، ومن البقاء في حالة غازية أو شبه غازية، ملتهبة، متوهجة بذاتها، ولو تغير حجم وكتلة الشمس ولو قليلا لتغير سلوك مادتها تماما، أو انفجرت أو انهارت علي ذاتها، وذلك لأن السبب في اندلاع عملية الاندماج النووي في قلب النجم وانطلاق الطاقة منه هو تكونه من كتلة وحجم معينين يحافظان علي الاتزان الدقيق بين التمدد والتجاذب، وهل هناك من التسخير صورة ابلغ من ذلك؟.
(2) تسخير طاقة الشمس من أجل ضبط حركة الحياة علي الأرض:
تطلق الشمس من مختلف صور الطاقة مايقدر بحوالي خمسمائة ألف مليون مليون مليون حصان في كل ثانية من ثواني عمرها، ويصل إلى الأرض من هذا الكم الهائل من الطاقة حوالي الواحد في الألف، ومجموع ميزانيات دول العالم لاتكفي ثمنا لهذا الكم من الطاقة الشمسية التي تصل إلينا فتمثل كل مصادر الطاقة المباشرة وغير المباشرة علي الأرض باستثناء الطاقة النووية، وبدون هذه الطاقة الشمسية تستحيل الحياة علي كوكبنا، لأن كلا من النبات، والحيوان، والإنسان يعتمد في وجوده- بعد إرادة الله الخالق سبحانه وتعالي- علي قدر الطاقة الذي يصله من أشعة الشمس، كذلك فإن كل الظواهر الفطرية التي تحدث علي الأرض ومن حولها تعتمد علي الطاقة القادمة إلينا من الشمس: فتصريف الرياح، وإرسال السحاب، وإنزال المطر وبقية دورة الماء حول الأرض، وما يصاحب ذلك من تسوية وتمهيد لسطح الأرض، وشق للفجاج والسبل فيها، وتفجير للأنهار والجداول من حجارتها، وخزن للماء تحت سطح الأرض، وتكوين للتربة والصخور الرسوبية، وتركيز للعديد من الركائز المعدنية، وحركات الأمواج في البحار والمحيطات وعمليات المد والجزر وغير ذلك من عمليات وظواهر تحركها طاقة الشمس بإرادة الله تعالي.
كذلك فإن الله تعالى قد أعطي الشجر الأخضر القدرة علي خزن جزء من طاقة الشمس علي هيئة عدد من الروابط الكيميائية التي تمثل المصدر الرئيسي لكل انواع الطاقة الحرارية والضوئية والكهربائية والكيميائية من مثل الحطب والقش والخشب، وكلا من الفحم النباتي والحجري، والنفط والغاز الطبيعي، والزيوت والدهون النباتية والحيوانية وكلها ترجع إلى الطاقة الشمسية.
3- تكوين نطق الحماية المختلفة للأرض بفعل طاقة الشمس:
شاءت إرادة الله تعالى أن يحمي الحياة علي سطح الأرض بعدد من نطق الحماية التي لعبت أشعة الشمس ولا تزال تلعب الدور الأول في تكوينها بعد إرادة الله وأولها من الخارج إلى الداخل: النطاق المغناطيسي للأرض:
TheMagnetosphere،
وأحزمة الإشعاع:
TheRadiationBelts،
والنطاق المتأين:
TheIonosphere،
ونطاق الأوزون:
TheOzonosphere،
وهذه النطق تتعاون في حماية الأرض من كل من الأشعة فوق البنفسجية والكونية ومن العديد من الجسيمات الكونية الدقيقة والكبيرة والتي منها النيازك والشهب؛ ولو لم تكن هذه النطق موجودة لاستحالت الحياة علي الأرض، ولو لم تكن الشمس موجودة ما تكونت تلك النطق علي الإطلاق ووجودها صورة من صور التسخير التي لم تكن معروفة في زمن الوحي بالقرآن الكريم، ولا بعد قرون متطاولة بعد نزوله حتي نهايات القرن العشرين.
(4) تحديد الزمن:
يتحدد كل من الليل والنهار ويوم الأرض وشهورها وفصولها وسنينها بدورة الأرض حول محورها، وبسبحها في مدارها حول الشمس وبذلك يستطيع الأنسان إدراك الزمن وتحديد الأوقات والتاريخ للأحداث، فبدورة الأرض حول محورها أمام الشمس يتبادل الليل والنهار، ويتحدد يوم الأرض.
وبسبح الأرض في مدارها حول الشمس بمحور مائل علي الأفق تتحدد الفصول المناخية من الربيع والصيف والخريف والشتاء كما تتحدد سنة الأرض التي يتقاسمها اثنا عشر شهرا شمسيا تحددها بروج السماء الاثنا عشر المتتابعة.