فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الخازن:

قوله تعالى: {ويقول الذين كفروا} يعني من أهل مكة: {لولا} أي هلاّ: {أنزل عليه} يعني على محمد-صلى الله عليه وسلم-: {آية من ربه} يعني مثل عصى موسى وناقة صالح ذلك لأنهم لم يقنعوا بما رأوا من الآيات التي جاء بها النبي-صلى الله عليه وسلم-: {إنما أنت منذر} أي ليس عليك يا محمد غير الإنذار والتخويف، وليس لك من الآيات شيء: {ولكل قوم هاد} قال ابن عباس: الهادي هو الله، وهذا قول سعيد ابن جبير وعكرمة ومجاهد والضحاك والنخعي، والمعنى إنما عليك الإنذار يا محمد والهادي هو الله يهدي من يشاء.
وقال عكرمة في رواية عنه وأبو الضحى: الهادي هو رسول الله صلى الله عليه وسلم المعنى: إنما أنت منذر وأنت هاد، وقال الحسن وقتادة وابن زيد: يعني ولكل قوم نبي يهديهم وقال أبو العالية: الهادي هو العمل الصالح.
وقال أبو صالح: الهادي هو القائد إلى الخير لا إلى الشر.
قوله: {الله يعلم ما تحمل كل أنثى}
لما سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم الآيات أخبرهم الله عن عظيم قدرته، وكمال علمه وأنه عالم بما تحمل كل أنثى يعني من ذكر أو أنثى سويّ الخلق أو ناقص الخلق واحدًا أو اثنين أو كثر: {وما تغيض} يعني وما تنقص: {الأرحام وما تزداد} قال أهل التفسير: غيض الأرحام الحيض على الحمل فإذا حاضت الحامل كان ذلك نقصانًا في الولد لأن دم الحيض هو غذاء الولد في الرحم، فإذا خرج الدم نقص الغذاء فينقص الولد، واذا لم تحض يزداد الولد ويتم فالنقصان نقصان خلقة الولد بخروج الدم، والزيادة تمام خلقه باستمساك الدم، وقيل: إذا حاضت المرأة في وقت حملها ينقص الغذاء وتزداد مدة الحمل حتى تستكمل تسعة أشهر طاهرة فإن رأت خمسة أيام دمًا، وضعت لتسعة أشهر وخمسة أيام فالنقصان في الغذاء زيادة في مدة الحمل.
وقيل: النقصان السقط والزيادة تمام الخلق.
وقال الحسن: غيضها نقصانها من تسعة اشهر والزيادة زيادتها على تسعة اشهر فأقل مدة الحمل ستة أشهر وقد يولد لهذه المدة ويعيش.
واختلفوا في أكثره فقال قوم: أكثر مدة الحمل سنتان، وهو قول عائشة، وبه قال أبو حنيفة وقيل: إن الضحاك ملد لسنتين.
وقال جماعة: أكثرها أربع سنين وإليه ذهب الشافعي.
وقال حماد بن أبي سلمة: إنما سمي هرم بن حيان هرمًا لأنه بقي في بطن أمه أربع سنين، وعند مالك أن أكثر مدة الحمل خمس سنين: {وكل شيء عنده بمقدار} يعني بتقدير واحد لا يجاوزه، ولا ينقص منه.
وقيل: إنه تعالى يعلم كمية كل شيء وكيفيته على أكمل الوجوه.
وقيل: معناه إنه تعالى خصص كل حادثة من الحوادث بوقت معين وحالة معينة وذلك بمشيئته الأزلية وإرادته وتقديره الذي لا يقدر عليه غيره: {عالم الغيب والشهادة} يعني أنه تعالى يعلم ما غاب عن خلقه، وما يشاهدونه.
وقيل: الغيب هو المعدوم والشاهد هو الموجود.
وقيل: الغيب ما غاب عن الحس والشاهد ما حضر في الحس: {الكبير} أي العظيم الذي يصغر كل كبير بالإضافة إلى عظمته وكبريائه فهو يعود إلى معنى كبر قدرته، وأنه تعالى المستحق لصفات الكمال: {المتعال} يعني المنزه عن صفات النقص المتعالي عن الخلق، وفيه دليل على أنه تعالى موصوف بالعلم الكامل والقدرة التامة وتنزيهه عن جميع النقائص. اهـ.

.قال أبو حيان:

{وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ (7)}
عن ابن عباس: لما نزلت وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على صدره فقال: «أنا منذر» وأومأ بيده إلى منكب عليّ وقال: «أنت الهادي يا عليّ، بك يهتدى من بعدي»، وقال القشيري: نزلت في النبي صلى الله عليه وسلم وعليّ بن أبي طالب، والذين كفروا مشركو العرب، أو من أنكر نبوته من مشركيهم والكفار، ولم يعتدوا بالآيات الخارقة المنزلة كانشقاق القمر، وانقياد الشجر، وانقلاب العصا سيفًا، ونبع الماء من بين الأصابع، وأمثال هذه.
فاقترحوا عنادًا آيات كالمذكورة في سبحان، وفي الفرقان كالتفجير للينبوع، والرقي في السماء، والملك، والكنز، فقال تعالى لنبيه-صلى الله عليه وسلم-: {إنما أنت منذر} تخوفهم من سوء العاقبة، وناصح كغيرك من الرسل، ليس لك الإتيان بما اقترحوا.
إذ قد أتى بآيات عدد الحصا، والآيات كلها متماثلة في صحة الدعوى، لا تفاوت فيها.
فالاقتراح إنما هو عناد، ولم يجر الله العادة بإظهار الآيات المقترحة إلا للآية التي حتم بعذابها واستئصالها.
وهاد: يحتمل أن يكون قد عطف على منذر، وفصل بينهما بقوله لكل قوم، وبه قال: عكرمة، وأبو الضحى.
فإن أخذت: ولكل قوم هاد، على العموم فمعناه: وداع إلى الهدى، كما قال: {بعثت إلى الأسود والأحمر} فإن أخذت هاد على حقيقته فلكل قوم مخصوص أي: ولكل قوم قائلين هاد.
وقيل: ولكل أمة سلفت هاد أي: نبي يدعوهم، والقصد: فليس أمرك ببدع ولا منكر، وبه قال: مجاهد، وابن زيد، والزجاج قال: نبي يدعوهم بما يعطي من الآيات، لا بما يتحكمون فيه من الاقتراحات.
وتبعهم الزمخشري.
فقال: هاد من الأنبياء يهديهم إلى الدين، ويدعوهم إلى الله بوجه من الهداية، وبآية خص بها، ولم يجعل الأشياء شرعًا واحدًا في آيات مخصوصة.
وقالت فرقة: الهادي في هذه الآية هو الله تعالى، روي أن ذلك عن ابن عباس، ومجاهد، وابن جبير، وهاد: على هذا مخترع للإرشاد.
قال ابن عطية: وألفاظ تتعلق بهذا المعنى، وتعرف أن الله تعالى هو الهادي من غير هذا الموضع.
وقال الزمخشري: في هذا القول وجه آخر: وهو أن يكون المعنى: إنهم يجحدون كون ما أنزل عليك آيات ويعاندون، فلا يهمنك ذلك، إنما أنت منذر، فما عليك إلا أن تنذر، لا أنْ تثبت الإيمان بالإلجاء، والذي يثبته بالإلجاء هو الله تعالى انتهى.
ودلّ كلامه على الاعتزال.
وقال في معنى القول الذي تبع فيه مجاهد، وابن زيد ما نصه: ولقد دل بما أردفه من ذكر آيات علمه وتقديره الأشياء على قضايا حكمته، أن أعطاء كل منذر آيات أمر مدبر بالعلم النافذ، مقدر بالحكمة الربانية.
ولو علم في إجابتهم إلى مقترحهم خيرًا أو مصلحة لأجابهم إليه.
وقال الزمخشري أيضًا في معنى أن الهادي هو الله تعالى أي: بالإلجاء على زعمه ما نصه: وأما هذا الوجه الثاني فقد دل به على أنّ من هذه القدرة قدرته وهذا علمه، هو القادر وحده على هدايتهم العالم بأي طريق يهديهم، ولا سبيل إلى ذلك لغيره انتهى.
وقالت فرقة: الهادي علي بن أبي طالب، وإن صح ما روي عن ابن عباس مما ذكرناه في صدر هذه الآية، فإنما جعل الرسول صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب مثالًا من علماء الأمّة وهداتها إلى الدين، فكأنه قال: أنت يا علي هذا وصفك، ليدخل في ذلك أبو بكر وعمر وعثمان وسائر علماء الصحابة رضي الله تعالى عنهم، ثم كذلك علماء كل عصر، فيكون المعنى على هذا: إنما أنت يا محمد منذر، ولكل قوم في القديم والحديث دعاة هداة إلى الخير.
وقال أبو العالية: الهادي العمل.
وقال علي بن عيسى: ولكل قوم سابق سبقهم إلى الهدى إلى نبي أولئك القوم.
وقيل: هاد قائد إلى الخير أو إلى الشر قال تعالى في الخير: {وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد} وقال في الشر: {فاهدوهم إلى صراط الحجيم} قاله أبو صالح.
ووقف ابن كثير على هاد وواق حيث واقعا، وعلى وال هنا وباق في النخل بإثبات الياء، وباقي السبعة بحذفها.
وفي الإقناع لأبي جعفر بن الباذش عن ابن مجاهد: الوقف على جميع الباب لابن كثير بالياء، وهذا لا يعرفه المكيون.
وفيه عن أبي يعقوب الأزرق عن ورش أنه خيره في الوقف في جميع الباب، بين أن يقف بالياء، وبين أن يقف بحذفها.
والباب هو كل منقوص منون غير منصرف.
{اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ (8) عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ (9)}
مناسبة هذه الآية لما قبلها هو ما نبه عليه الزمخشري من أنه تعالى لما طلب الكفار أن ينزل على الرسول صلى الله عليه وسلم آية وكم آية نزلت، أردف ذلك بذكر آيات علمه الباهر، وقدرته النافذة، وحكمته البليغة، وأن ما نزل عليه من الآيات كافية لمن تبصر، فلا يقترحون غيرها، وأنّ نزول الآيات إنما هو على ما يقدره الله تعالى.
وقيل: مناسبة ذلك أنه لما تقدم إنكارهم البعث لتفرق الأجزاء واختلاط بعضها ببعض، بحيث لا يتهيأ الامتياز بينها، نبه على إحاط علمه، وأن من كان عالمًا بجميع المعلومات هو قادر على إعادة ما أنشأ.
وقيل: مناسبة ذلك أنهم لما استعجلوا بالسيئة نبه على علمه بجميع المعلومات، وأنه إنما نزل العذاب بحسب ما يعلم كونه مصلحة.
قال ابن عطية: قص في هذا المثل المنبه عل قدرة الله القاضية بتجويز البعث، فمن ذلك الواحدة من الجنس التي هي مفاتيح الغيب يعني: التي لا يعلمها إلا هو، وما تحمله الإناث من النطفة من كل نوع من الحيوان.
وهذا البدء يبين أنه لا يتعذر على القادر عليها الإعادة.
والله يعلم: كلام مستأنف مبتدأ وخبر، ومن فسر الهادي بالله جاز أن يكون الله خبر مبتدأ محذوف أي: هو الله تعالى، ثم ابتدأ إخبارًا عنه فقال: يعلم.
ويعلم هنا متعدية إلى واحد، لأنه لا يراد هنا النسبة، إنما المراد تعلق العلم بالمفردات.
وما جوزوا أن تكون بمعنى الذي، والعائد عليها في صلاتها محذوف، ويكون تغيض متعديًا.
وأن تكون مصدرية، فيكون تغيض وتزداد لا زمان.
وسماع تعديتهما ولزومهما ثابت من كلام العرب.
وأن تكون استفهامًا مبتدأ، وتحمل خبره ويعلم متعلقه، والجملة في موضع المفعول.
وتحمل هنا من حمل البطن، لا من الحمل على الظهر.
وفي مصحف أبي: ما تحمل كل أنثى، وما تضع وتحمل على التفسير، لأنها زيادة لم تثبت في سواد المصحف.
قال ابن عباس: تغيض تنقص من الخلقة، وتزداد تتم.
وقال مجاهد: غيض الرحم أن ينهرق دمًا على الحمل، فيضعف الولد في البطن ويسحب، فإذا بقي الولد في بطنها بعد تسعة أشهر مدة كمل فيها من خمسة وصحبه ما نقص من هراقة الدم، انتهى كلام ابن عباس.
وقال عكرمة: تغيض بطهور الحيض في الحبل، وتزداد بدم النفاس بعد الوضع.
وقال قتادة: الغيض السقط، والزيادة البقاء فوق تسعة أشهر.
وقال الضحاك: غيض الرحم أن تسقط المرأة الولد، والزيادة إن تضعه لمدة كاملة تامة.
وعن الضحاك أيضًا: الغيض النقص من تسعة أشهر، والزيادة إلى سنتين.
وقيل: من عدد الأولاد، فقد تحمل واحدًا، وقد تحمل أكثر.
وقال الجمهور: غيض الرحم الدم على الحمل.
قال الزمخشري: إن كانت ما موصولة فالمعنى: أن يعلم ما تحمل من الولد على أي حال هو من ذكورة وأنوثة، وتمام وخدج، وحسن وقبح، وطول وقصر، وغير ذلك من الأحوال الحاضرة المترقبة.
ويعلم ما تغيضه الأرحام تنقصه، وما تزداد أي تأخذه زائدًا تقول: أخذت منه حقي وازددت منه كذا، ومنه: {وازدادوا تسعًا} ويقال: زدته فزاد بنفسه وازداد.
وما تنقصه الرحم وتزداد عدد الولد، فإنها تشتمل على واحد، وقد تشتمل على اثنين وثلاثة وأربعة.
ويروى أن شريكًا كان رابع أربعة في بطن أمه.
ومنه جسد الولد، فإنه يكون تامًا ومخدجًا، ومنه مدة ولادته فإنها تكون أقل من تسعة أشهر، فما زاد عليها إلى سنة عند أبي حنيفة، وإلى أربع عند الشافعي، وإلى خمس عند مالك.
وقيل: إن الضحاك ولد لسنتين، وهرم بن حبان بقي في بطن أمه أربع سنين ولذلك سمي هرمًا ومنه الدم فإنه يقل ويكثر.
وإن كانت مصدرية فالمعنى: أنه يعلم حمل كل أنثى، ويعلم غيض الأرحام وازديادها، فلا يخفى عليه شيء من ذلك من أوقاته وأحواله.
ويجوز أن يراد غيوض ما في الأرحام وزيادته، فأسند الفعل إلى الأرحام وهو لما فيها، على أنّ الفعل غير متعد ويعضده قول الحسن: الغيضوضة أن يقع لثمانية أشهر أو أقل من ذلك، والازدياد أن يزيد على تسعة أشهر.
وعنه: الغيض الذي يكون سقطًا لغير تمام، والازدياد ولد التمام انتهى.
وهو جمع ما قاله المفسرون مفرقًا.
وبمقدار يقدر، ويطلق المقدار على القدر، وعلى ما يقدر به الشيء.
والظاهر عموم قوله: {وكل شيء عنده بمقدار}، أي: بحد لا يتجاوزه ولا يقتصر عنه.
وقال ابن عباس: وكل شيء من الثواب والعقاب عنده بمقدار أي: بقدر الطاعة والمعصية.
وقال الضحاك: من الغيض والازدياد.
وقال قتادة: من الرزق والأجل.
وقيل: صحة الجنين ومرضه، وموته، وحياته، ورزقه، وأجله.
والأحسن حمل هذه الأقوال على التمثيل لا على التخصيص، لأنه لا دليل عليه.
والمراد من العندية العلم أي: هو تعالى عالم بكمية كل شيء، وكيفيته على الوجه المفصل المبين، فامتنع وقوع اللبس في تلك المعلومات.
وقيل المراد بالعندية أنه تعالى خصص كل حادث بوقته بعينه، وحالة معينة بمشيئته الأزلية وإرادته السرمدية.
ولما ذكر أنه عالم بأشياء خفية لا يعلمها إلا هو، وكانت أشياء جزئية من خفايا علمه، ذكر أن علمه محيط بجميع الأشياء، فعلمه تعالى متعلق بما يشاهده العالم تعلقه بما يغيب عنهم.
وقيل: الغائب المعدوم، والشاهد الموجود.
وقيل: الغائب ما غاب عن الحس، والشاهد ما حضر للحس.
وقرأ زيد بن علي: عالم الغيب بالنصب، الكبير العظيم الشأن الذي كل شيء دونه، المتعال المستعلي على كل شيء بقدرته، أو الذي كبر عن صفات المحدثين وتعالى عنها.
وأثبت ابن كثير وأبو عمرو في رواية: ياء المتعال وقفًا ووصلًا، وهو الكثير في لسان العرب، وحذفها الباقون وصلًا ووقفًا، لأنها كذلك رسمت في الخط.
واستشهد سيبويه بحذفها في الفواصل ومن القوافي، وأجاز غيره حذفها مطلقًا.
ووجه حذفها مع أنها تحذف مع التنوين، وإن تعاقب التنوين، فحذفت مع المعاقب إجراء له مجرى المعاقب. اهـ.