فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقيل: المراد بالمعقبات: الأعمال، ومعنى: {من بين يديه ومن خلفه}: ما تقدم منها وما تأخر.
{يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ الله} أي: من أجل أمر الله، وقيل: يحفظونه من بأس الله إذا أذنب بالاستمهال له والاستغفار حتى يتوب.
قال الفراء: في هذا قولان: أحدهما أنه على التقديم والتأخير.
تقديره: له معقبات من أمر الله يحفظونه من بين يديه ومن خلفه، والثاني أن كون الحفظة يحفظونه هو مما أمر الله به.
قال الزجاج: المعنى: حفظهم إياه من أمر الله أي: مما أمرهم به لا أنهم يقدرون أن يدفعوا أمرالله.
قال ابن الأنباري: وفي هذا قول آخر، وهو أن {من} بمعنى الباء، أي: يحفظونه بأمر الله.
وقيل: إن من بمعنى عن، أي: يحفظونه عن أمر الله، بمعنى من عند الله، لا من عند أنفسهم، كقوله: {أَطْعَمَهُم مّن جُوعٍ} [قريش: 4] أي: عن جوع.
وقيل: يحفظونه من ملائكة العذاب.
وقيل: يحفظونه من الجن.
واختار ابن جرير أن المعقبات المواكب بين أيدي الأمراء، على معنى أن ذلك لا يدفع عنه القضاء.
{إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيّرُ مَا بِقَوْمٍ} من النعمة والعافية: {حتى يُغَيّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ} من طاعة الله، والمعنى: أنه لا يسلب قومًا نعمة أنعم بها عليهم حتى يغيروا الذي بأنفسهم من الخير والأعمال الصالحة، أو يغيروا الفطرة التي فطرهم الله عليها.
قيل: وليس المراد، أنه لا ينزل بأحد من عباده عقوبة حتى يتقدم له ذنب، بل قد تنزل المصائب بذنوب الغير كما في الحديث: «أنه سأل رسول الله سائل فقال: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث»: {وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءا} أي: هلاكًا وعذابًا: {فَلاَ مَرَدَّ لَهُ} أي فلا ردّ له.
وقيل: المعنى إذا أراد الله بقوم سوءًا أعمى قلوبهم، حتى يختاروا ما فيه البلاء: {وَمَا لَهُمْ مّن دُونِهِ مِن وَالٍ} يلي أمرهم ويلتجئون إليه، فيدفع عنهم ما ينزل بهم من الله سبحانه من العقاب، أو من ناصر ينصرهم ويمنعهم من عذاب الله.
والمعنى: أنه لا رادّ لعذاب الله ولا ناقص لحكمه.
وقد أخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن الحسن في قوله: {وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ} قال: إن تعجب يا محمد من تكذيبهم إياك فعجب قولهم.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن ابن زيد في الآية قال: إن تعجب يا محمد من تكذيبهم، وهم رأوا من قدرة الله وأمره، وما ضرب لهم من الأمثال وأراهم من حياة الموتى والأرض الميتة: {فعجب قولهم أئذا كنا ترابا أئنا لفى خلق جديد} أو لا يرون أنه خلقهم من نطفة، فالخلق من نطفة أشد من الخلق من تراب وعظام.
وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ المثلات} قال: العقوبات.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن قتادة في: {المثلات} قال: وقائع الله في الأمم فيمن خلا قبلكم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: {المثلات} ما أصاب القرون الماضية من العذاب.
وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن سعيد بن المسيب قال: لما نزلت هذه الآية: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لّلنَّاسِ على ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ العقاب} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لولا عفو الله وتجاوزه ما هنأ لأحد العيش: ولولا وعيده وعقابه لاتكل، كل أحد» وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن ابن عباس: {وَلِكُلّ قَوْمٍ هَادٍ} نبيّ يدعوهم إلى الله.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن سعيد بن جبير قال: محمد المنذر، والهادي الله- عزّ وجلّ- وأخرج ابن جرير، وابن مردويه عن ابن عباس نحوه.
وأخرج ابن جرير عن مجاهد نحوه أيضًا.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المنذر وهو الهادي.
وأخرج ابن جرير عن عكرمة وأبي الضحى نحوه.
وأخرج ابن جرير، وابن مردويه، وأبو نعيم في المعرفة، والديلمي، وابن عساكر، وابن النجار عن ابن عباس قال: لما نزلت: {إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلّ قَوْمٍ هَادٍ}: وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على صدره فقال: «أنا المنذر»، وأومأ بيده إلى منكب عليّ فقال: «أنت الهادي يا علي، بك يهتدي المهتدون من بعدي» قال ابن كثير في تفسيره: وهذا الحديث فيه نكارة شديدة.
وأخرج ابن مردويه عن أبي برزة الأسلمي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر نحوه.
وأخرج ابن مردويه والضياء في المختارة عن ابن عباس مرفوعًا نحوه أيضًا.
وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد المسند، وابن أبي حاتم، والطبراني في الأوسط، والحاكم وصححه، وابن مردويه، وابن عساكر عن عليّ بن أبي طالب في الآية نحوه أيضًا.
وأخرج ابن جرير، عن الضحاك: {الله يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أنثى} قال: كل أنثى من خلق الله.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير في الآية قال: يعلم ذكرًا هو أو أنثى: {وَمَا تَغِيضُ الأرحام} قال: هي المرأة ترى الدم في حملها.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {وَمَا تَغِيضُ الأرحام} قال: خروج الدم: {وَمَا تَزْدَادُ} قال: استمساكه.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس: {وَمَا تَغِيضُ الأرحام} قال: أن ترى الدم في حملها: {وَمَا تَزْدَادُ} قال: في التسعة أشهر، وأخرج ابن أبي حاتم من طريق الضحاك عنه في الآية قال: ما تزداد على تسعة، وما تنقص من التسعة.
وأخرج ابن المنذر، وأبو الشيخ عنه أيضًا في الآية: {مَا تَغِيضُ الأرحام} قال: السقط: {وَمَا تَزْدَادُ} ما زادت في الحمل على ما غاضت حتى ولدته تمامًا، وذلك أن من النساء من تحمل عشرة أشهر، ومنهنّ من تحمل تسعة أشهر، ومنهنّ من تنقص، فذلك الغيض والزيادة التي ذكر الله، وكل ذلك بعلمه تعالى.
وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضًا في قوله: {عالم الغيب والشهادة} قال: السرّ والعلانية.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في قوله: {ومن هو مستخف بالليل} قال: راكب رأسه في المعاصي: {وَسَارِبٌ بالنهار} قال: ظاهر بالنهار بالمعاصي.
وأخرج أبو عبيد، وابن جرير، وابن المنذر، وأبو الشيخ عن ابن عباس: {وَسَارِبٌ بالنهار} قال: الظاهر.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عنه في الآية قال: هو صاحب ريبة مستخف بالليل، وإذا خرج بالنهار أرى الناس أنه بريء من الإثم.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني في الكبير، وابن مردويه، وأبو نعيم في الدلائل من طريق عطاء بن يسار عن ابن عباس: أن سبب نزول الآية قدوم عامر بن الطفيل، وأربد بن قيس على رسول الله صلى الله عليه وسلم في القصة المشهورة، وأنه لما أصيب عامر بن الطفيل بالغدّة نزل قوله تعالى: {الله يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أنثى} إلى قوله: {معقبات مّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ الله} قال: المعقبات من أمر الله يحفظون محمدًا صلى الله عليه وسلم، ثم ذكر أربد بن قيس وما قتله، فقال: {هُوَ الذي يُرِيكُمُ البرق} إلى قوله: {وَهُوَ شَدِيدُ المحال}.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، وأبو الشيخ، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {معقبات} الآية قال: هذه للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة.
وأخرج ابن أبي حاتم عنه: {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ الله} قال: ذلك الحفظ من أمر الله بأمر الله.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه أيضًا: {مِنْ أَمْرِ الله} قال: بإذن الله.
وأخرج ابن جرير عن قتادة مثله.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية قال: وليّ السلطان يكون عليه الحراس يحفظونه من بين يديه ومن خلفه، يقول: يحفظونه من أمري، فإني إذا أردت بقوم سوءًا فلا مردّ له.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عنه في الآية قال: الملوك يتخذون الحرس يحفظونه من أمامه، ومن خلفه، وعن يمينه، وعن شماله، يحفظونه من القتل، ألم تسمع أن الله يقول: {إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ} أي: إذا أراد سوءًا لم يغن الحرس عنه شيئًا.
وأخرج ابن جرير عن عكرمة في الآية قال: هؤلاء الأمراء.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: هم الملائكة تعقب بالليل تكتب على ابن آدم.
وأخرج عبد الرزاق، والفريابي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه في الآية قال: ملائكة يحفظونه من بين يديه ومن خلفه، فإذا جاء قدر الله خلوا عنه.
وأخرج ابن المنذر، وأبو الشيخ عن عليّ في الآية قال: ليس من عبد إلاّ ومعه ملائكة يحفظونه من أن تقع عليه حائط، أو ينزوي في بئر، أو يأكله سبع، أو غرق أو حرق، فإذا جاء القدر خلوا بينه وبين القدر.
وقد ورد في ذكر الحفظة الموكلين بالإنسان أحاديث كثيرة مذكورة في كتب الحديث. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ (10)}
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {سواء منكم من أسر القول ومن جهر به} قال: من أسره وأعلنه عنده سواء: {ومن هو مستخف بالليل} راكب رأسه في المعاصي: {وسارب بالنهار} قال: ظاهر بالنهار بالمعاصي.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، عن قتادة رضي الله عنه: {سواء منكم من أسر القول ومن جهر به} قال: كل ذلك عنده سواء، السر عنده علانية والظلمة عنده ضوء.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن رضي الله عنه في الآية قال: يعلم من السر ما يعلم من العلانية، ويعلم من العلانية ما يعلم من السر، ويعلم من الليل ما يعلم من النهار، ويعلم من النهار ما يعلم من الليل.
وأخرج أبو عبيد وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ، عن ابن عباس- رضي الله عنهما- في قوله: {وسارب بالنهار} قال: الظاهر.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم، عن ابن عباس- رضي الله عنهما- في قوله: {ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار} قال: هو صاحب ريبة: {مستخف بالليل} وإذا خرج بالنهار، أرى الناس أنه بريء من الإِثم.
{لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ (11)}
أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني في الكبير، وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل، من طريق عطاء بن يسار رضي الله عنه عن ابن عباس- رضي الله عنهما- «أن أربد بن قيس وعامر بن الطفيل، قدما المدينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانتهيا إليه وهو جالس، فجلسا بين يديه فقال عامر: ما تجعل لي إن أسلمت؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: لك ما للمسلمين وعليك ما عليهم. قال: أتجعل لي إن أسلمت، الأمر من بعدك؟ قال: ليس لك ولا لقومك، ولكن لك أعنة الخيل. قال: فاجعل لي الوبر ولك المدر. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا. فلما قفى من عنده قال لأمَلأَنَّها عليك خيلًا ورجالًا. قال النبي صلى الله عليه وسلم: يمنعك الله فلما خرج أربد وعامر، قال عامر: يا أربد، إني سألهي محمدًا عنك بالحديث، فاضربه بالسيف، فإن الناس إذا قتلت محمدًا لم يزيدوا على أن يرضوا بالدية ويكرهوا الحرب، فسنعطيهم الدية. فقال أربد: أفعل. فأقبلا راجعين فقال عامر: يا محمد، قم معي أكلمك. فقام معه فخليا إلى الجدار، ووقف معه عامر يكلمه وسل أربد السيف، فلما وضع يده على سيفه يبست على قائم السيف، فلا يستطيع سل سيفه. وأبطأ أربد على عامر بالضرب، فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى أربد وما يصنع فانصرف عنهما. وقال عامر لأربد: ما لك حشمت؟ قال وضعت يدي على قائم السيف فيبست، فلما خرج عامر واربد من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إذا كانا بحرة واقم، نزلا. فخرج إليهما سعد بن معاذ وأسيد بن حضير فقال: اشخصا يا عدوَّي الله، لعنكما الله، ووقع بهما. فقال عامر: من هذا يا سعد؟ فقال سعد: هذا أسيد بن حضير الكتائب، قال: اما والله ان كان حضير صديقًا لي، حتى إذا كانا بالرقم أرسل الله على أربد صاعقة فقتلته، وخرج عامر حتى إذا كان بالخريب أرسل الله عليه قرحة فأدركه الموت فيها: فأنزل الله: {الله يعلم ما تحمل كل أنثى....} إلى قوله: {... له معقبات من بين يديه}» قال: المعقبات من أمر الله، يحفظون محمدًا صلى الله عليه وسلم. ثم ذكر أربد وما قتله، فقال: {هو الذي يريكم البرق...} إلى قوله: {... وهو شديد المحال}.