فصل: أقوال الرسول عند سماع الرعد ورؤية البرق:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقد بسط الإمام الآلوسي في تفسيره كما هي عادته الأقوال في الآية، وذكر أن للعلماء في إسناد التسبيح إلى الرعد قولين: أن في الكلام حذفا؛ أي: سامعوا الرعد، أو أن الإسناد مجازي من قبيل الإسناد إلى السبب والحامل عليه، والباء في {بحمده} للملابسة أي يسبح السامعون لذلك الصوت متلبسين بحمد الله، فيقولون: سبحان الله، والحمد لله.
ومن العلماء من قال: إن تسبيح الرعد بلسان الحال لا بلسان المقال حيث شبه دلالة الرعد على قدرة الله وعظمته، وإحكام صنعته، وتنزيهه عن الشريك والعجز، بالتسبيح والتنزيه والتحميد اللفظي، ثم استعار لفظ {يسبح} لهذا المعنى، وقالوا: إن هذا المعنى أنسب وأقعد من الآخر.
وكل هذا من العلماء في الحقيقة تخلص من حمل الآية على ظاهرها، وأن المراد بالرعد، الملك الموكل بالسحاب، ثم قال الآلوسي: والذي اختاره أكثر المحدثين أن الإسناد حقيقي، بناء على أن الرعد اسم للملك الذي يسوق السحاب، فقد رأى أحمد، والترمذي وصححه، والنسائي، وآخرون عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن اليهود سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: أخبرنا ما هذا الرعد؟ فقال عليه الصلاة والسلام: «ملك من ملائكة الله موكل بالسحاب، بيديه مخراق من نار، يزجر به السحاب، يسوقه حيث أمره الله تعالى»، قالوا: فما ذلك الصوت الذي نسمعه؟ قال: «صوته» قالوا: صدقت.
وهذا الحديث إن صح: يمكن حمله على التمثيل، ولكني لا يطمئن قلبي إليه، ولا أكاد أصدق وروده عن المعصوم صلى الله عليه وسلم وإنما هو من إسرائيليات بني إسرائيل ألصقت بالنبي صلى الله عليه وسلم زورا، ثم كيف يتلاءم ما روي مع قوله قبل: {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ} وقوله تعالى: {وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ}، فالآية في بيان قدرة الله وعظمته في إحداث هذه الآيات الكونية على حسب ما خلقه الله في الكون من نواميس، وأسباب عادية! وإنما المناسب أن نفسر تسبيح الرعد بلسان الحال، وعطف الملائكة على الرعد يقتضي أن يكون الرعد غيرها لما ذكرنا، وكأن السر في الجمع بينهما: بيان أنه تواطأ على تعظيم الله وتنزيهه الجمادات والعقلاء، وأن ما لا يعقل منقاد لله وخاضع لانقياد العقلاء سواء بسواء، ولاسيما الملائكة الذين هم مفطورون على الطاعة والانقياد، ومن الحق أن نذكر أن بعض المفسرين كانت لهم محاولات؛ بناء على ما كان من العلم بهذه الظواهر الكونية في عصرهم جادة، في تفسير الرعد والبرق، كابن عطية رحمه الله فقد قال: وقيل: إن الرعد ريح تخفق بين السحاب، وروي ذلك عن ابن عباس، واعترض عليه أبو حيان، واعتبر ذلك من نزغات الطبيعيين، مع أن قول ابن عطية أقرب إلى الصواب من تفسير الرعد بصوت الملك الذي يسوق السحاب، والبرق بضوء مخراقه، وقد حاول الإمام الرازي التوفيق بين ما قاله المحققون من الحكماء، وما ورد في هذه الأحاديث والآثار، وقد أنكر عليه أبو حيان هذا أيضا.
ثم ذكر الإمام الآلوسي آراء الفلاسفة في حدوث الرعد، وتكوُّن السحاب وأنه عبارة عن أبخرة متصاعدة قد بلغت في صعودها إلى الطبقة الباردة من الهواء، ثم تكثفت بسبب البرد، ولم يقدر الهواء على حملها، فاجتمعت وتقاطرت، ويقال لها: مطر.
أقول: وقد أصابوا في تكون السحاب ونزول المطر، فآخر ما وصل إليه العلم اليوم هو.
هذا، وأما في تكوُّن الرعد، والبرق فقد حاولوا، وقاربوا، وإن لم يصلوا إلى الحقيقة العلمية المعروفة اليوم، وبحسبهم فضلا هذا.
وبعد أن ذكر الآلوسي الردود، والاعتراضات على ما قاله الفلاسفة، وهي-والحق يقال- لا تنهض أن تكون أدلة في رد كلامهم، قال: وقال بعض المحققين: لا يبعد أن يكون في تكون ما ذكر أسباب عادية، كما في الكثير من أفعاله تعالى، وذلك لا ينافي نسبته إلى المحدث الحكيم جل شأنه، ومن أنصف لم يسعه إنكار الأسباب بالكلية، فإن بعضها كالمعلوم بالضرورة، قال: وبهذا أنا أقول. وأنا بهذا أيضا أقول، وكون الظواهر الكونية جعل الله نواميس خاصة لحدوثها، لا ينافي قط أنه سبحانه الخالق للكون، والمدبر له سبحانه، فهو سبحانه هو الموجد لهذه النواميس، وهو الموجد لهذه السنن التي يسير عليها الكون، فإن بعض هذه النواميس والسنن أصبحت معلومة فإنكارها باسم الدين، أو التشكيك فيها-ومنها تكون السحب، وحدوث الرعد، والبرق، والصواعق- إنما يعود على الدين بالضعف، ويضره أكثر من طعن أعدائه فيه، ولعلك على ذكر مما ذكرته عن حجة الإسلام الغزالي رحمه الله في هذا المقام.

.أقوال الرسول عند سماع الرعد ورؤية البرق:

وقد وردت أحاديث أخرى صحاح وحسان، تبين ما كان يقوله صلى الله عليه وسلم عند حدوث هذه الظواهر الكونية، وهي تدل على كمال المعرفة بالله، وأنه سبحانه هو المحدث لها، وأنها تدل على تنزيه الله، وتعظيمه، وحمده؛ فقد أخرج أحمد والبخاري في الأدب المفرد، والترمذي، والنسائي، وغيرهم، عن ابن عمر قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سمع صوت الرعد، والصواعق قال: اللهم لا تقتلنا بغضبك، ولا تهلكنا بعذابك، وعافنا قبل ذلك»؛ لأن احتمال الإهلاك والتعذيب بهذه الآيات الكونية أمر قريب ممكن.
وأخرج أبو داود في مراسيله عن عبد الله بن أبي جعفر: أن قومًا سمعوا الرعد فكبروا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا سمعتم الرعد فسبحوا، ولا تكبروا»،.
وذلك لما فيه من التأدب بأدب القرآن وأسلوبه في قوله تعالى: {وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِه}، ولأن دلالته على تنزيه الله من النقص والشريك أولى من دلالته على التعظيم، وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس أنه عليه الصلاة والسلام كان يقول إذا سمع الرعد: «سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم».
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير عن أبي هريرة قال: كان صلى الله عليه وسلم إذا سمع الرعد قال: «سبحان من يسبح الرعد بحمده».
فهذا هو اللائق برسول الله صلى الله عليه وسلم وبعصمته لا ما روي من أن الرعد ملك أو صوت زجره للسحاب، وأن البرق أثر سوطه الذي يزجر به السحاب.
رأي العلم في حدوث الرعد، والبرق، والصواعق:
وإكمالا للفائدة سأذكر ما وصل إليه العلم في حدوث هذه الظواهر الكونية، فأقول-وبالله التوفيق: يقول الدكتور محمد أحمد الغمراوي رحمه الله وأثابه في كتابه سنن الله الكونية:
الرياح والكهربائية الجوية:
إن الكهربائية التي تتولَّد في الهواء والتي ذكرنا لك بعض مصادرها يكتسبها السحاب عند تكونه على الأيونات التي تحملها تلك الكهربائية في الطبقات العليا الجوية، ولا يُدرَى الآن كيف يفصل الله الأيونات السالبة، من الأيونات الموجبة، قبل تكاثف البخار عليها إن كان هناك فصل لها؟ أم كيف يكون السحاب عظيم التكهرب؛ إما بنوع من الكهرباء، وإما بالنوع الآخر إذا حدث التكاثف على الأيونات وهي مختلطة، ومهما يكن من سر ذلك؛ فإن السحاب مكهرب من غير شك، كما أثبت ذلك فرانكلن لأول مرة في عام 1752م وكما أثبت غيره، عظم تكهربه بشتى الطرق بعده، وأنت تعرف أن نوعي الكهربائية يتجاذبان، وأن الموجب والموجب، أو السالب والسالب يتدافعان، أو يتنافران، كما تشاء أن تقول هذا التدافع أو التنافر من شأنه تفريق الكهربائية، ثم إذا شاء الله ساق السحاب. بالريح، حتى يقترب السحاب الموجب، من السحاب السالب قربا كافيا، في اتجاه أفقي، أو في اتجاه رأسي أو فيما شاء الله من الاتجاهات، فإذا اقتربا تجاذبا، ومن شأن اقترابهما هذا أن يزيد في كهربائية مجموع السحاب بالتأثير، ولا يزالان يتجاذبان، ويتقاربان، حتى لا يكون محيص من اختلاطهما واتحاد كهربائيتهما أو من اتحاد كهربائيتهما من بعد، وعندئذٍ تحدث شبه شرارة عظمى كهربائية، هي البرق الذي كثيرا ما يُرى في البلاد الكثيرة الأمطار.
والمطر نتيجة لازمة لحدوث ذلك الاتحاد الكهربائي، سواء حدث في هدوء أو بالإبراق، فإذا حدث بهدوء حدث بين القطيرات المختلفة في السحابتين، فتجذب كل منهما قرينتها أو قريناتها، حتى تتحد، وتكون قطرة فيها ثقل، فتنزل، وتكبر أثناء نزولنا بما تكتسب من كهربائية، وما تجتذب من قطيرات، أثناء اختراقها السحاب المكهرب، الذي يكون بعضه فوق بعض في السحاب الركام، أما إذا حدث الاتحاد الكهربائي، في شدة البرق، وعنقه، فإنه يحدث لا بين القطيرات، ولكن بين الكتل من السحل، ويسهل حدوثه تخلخل الهواء، أي قلة ضغطه في تلك الطبقات.
والبرق: يمثل قوة كهربائية هائلة، تستطيع أن تكوِّن فكرة عنها إذا عرفت أن شرارته قد تبلغ ثلاثة أميال، في طولها أو تزيد، وأن أكبر شرارة كهربائية أحدثها الإنسان لا تزيد عن بضعة أمتار.
فالحرارة الناشئة عن البرق لا شك هائلة، فهي تمدد الهواء بشدة، وتحدث مناطق جوية عظيمة مخلخلة، الضغط داخلها يعادل الضغط خارجها، ما دام الهواء داخل المنطقة ساخنا، حتى إذا تشععت حرارته وبردت تلك المناطق برودة كافية، وما أسرع ما تبرد، خف منها الضغط، وصار أقل كثيرا من ضغط الطبقات الهوائية السحابية المحيطة بها، فهجمت عليها فجأة بحكم الفرق العظيم بين الضغطين وتمددت فيها، وحدث لذلك صوت شديد هو صوت الرعد وهزيمه، هذا الصوت قد يكون له صدى بين كتل السحاب، يتردد، فنسميه قعقعة الرعد، أما صوت الشرارة الكهربائية البرقية، فهو: بدء الرعد، ويكون ضعيفا بالنسبة لهزيمه وقعقعته، لذلك: تسمع الرعد ضعيفا في الأول ثم يزداد، كأنما أوله إيذان بتضخمه، كما قد تؤذن الطلقة الفردة بانطلاق بطاريات.
برمَّتها، من المدافع الضخمة في الحروب، فالرعد يحدث لا عند اتحاد الكهربائيتين حين يحدث البرق فقط، ولكن يحدث أكثره بعد ذلك عند تمدد الكتل الهوائية الهاجمة في المنطقة المفرغة، وهي إذا تمددت بردت برودة شديدة، فيتكاثف ما فيها من البخار، ومن كتل السحاب، فينزل على الأرض إما مطرا، وإما بردا، حسب مقدار البرودة الحادثة في تلك المناطق، وهذا هو السبب في أن الرعد والبرق يعقبهما في الغالب مطرات شديدة، سواء أكانت المطرة مائية، أم بردية، وقطرات الماء أو حبات البرد تنمو بعد ذلك باختراقها كتل السحاب المتراكم تحت المنطقة التي حدث فيها التفريغ.
الصواعق: وقد يحدث التفريغ الكهربائي بين السحاب والأرض، بدلا من بين السحاب والسحاب، وهذا يكون عادة إذا كان السحاب عظيم الكهربائية، قريبا من الأرض، فإذا حدث التفريغ ظهر له كالعادة ضوء وصوت، نسمي مجموعهما بالصاعقة، أي أن الصاعقة تفريغ كهربائي بين السحاب والأرض، إذا أصاب حيوانا أو نباتا أحرقه، وهو يحدث أكثر ما يحدث بين الأجسام المدببة على سطح الأرض من شجر أو نحوه، وبين السحاب، ولذا كان من الخطأ الاستظلال بالشجر، أو المظلات في العواصف ذات البرق، على أن الإنسان قد استخدم سهولة حدوث التفريغ بين الأجسام المدببة، والسحاب؛ لوقاية الأبنية من الصواعق، وذلك بإقامته على سطوحها قضبانا حديدية أو نحاسية، مدببة الأطراف، بحيث يكون طرف القضيب المدبب أعلى قليلا من أعلى نقطة في البناء، والطرف الآخر متصلا بلوح فلزي مدفون في أرض رطبة، ومن شأن الأطراف المدببة، أن يكون كل منها بابًا تخرج منه الكهربائية المتجمعة على السطح تدريجًا إلى السحاب الذي يظله، فيحدث التفريغ، أي الاتحاد كهربائية الأرض، وكهربائية السحاب تدريجا، فيمتنع ذلك التفريغ الفجائي المعروف بالصاعقة، على أنه إذا نزلت الصاعقة بالبناء رغم ذلك فالأرجح جدًّا أنها تصيب القضيب المدبب أول ما تصيب، وتنصرف الكهربائية إلى الأرض، بدلا من أن تدك البناء، ولذا يسمى مثل هذا القضيب المدبب الواصل إلى الأرض: بصارفة الصواعق، وقد وجدوا أن السطح الخارجي للقضيب هو الطريق الذي تمر به الكهربائية إلى الأرض، لذلك: كلما كان هذا السطح أكبر كان الصرف أعظم، والبناء أحصن، ولذا كانت الصفائح أفعل في حفظ الأبنية، من مثل كتلتها من الأسلاك. اهـ.

.قال الفخر:

{هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ (12) وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ (13)}
اعلم أنه تعالى لما خوف العباد بإنزال ما لا مرد له أتبعه بذكر هذه الآيات وهي مشتملة على أمور ثلاثة، وذلك لأنها دلائل على قدرة الله تعالى وحكمته، وأنها تشبه النعم والإحسان من بعض الوجوه، وتشبه العذاب والقهر من بعض الوجوه.
واعلم أنه تعالى ذكر هاهنا أمورًا أربعة.
الأول: البرق وهو قوله تعالى: {يُرِيكُمُ البرق خَوْفًا وَطَمَعًا} وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
قال صاحب الكشاف في انتصاب قوله: {خَوْفًا وَطَمَعًا} وجوه.
الأول: لا يصح أن يكونا مفعولًا لهما لأنهما ليسا بفعل فاعل الفعل المعلل إلا على تقدير حذف المضاف أي إرادة خوف وطمع أو على معنى إخافة وإطماعًا.
الثاني: يجوز أن يكونا منتصبين على الحال من البرق كأنه في نفسه خوف وطمع والتقدير: ذا خوف وذا طمع أو على معنى إيخافًا وإطماعًا.