فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال: أفتجعلني على الوَبَر وأنت على المَدَر؟ قال: «لا».
قال: فما تجعل لي؟ قال: «أجعل لك أَعِنّة الخيل تغزو عليها في سبيل الله».
قال: أو ليس لي أعنّة الخيل اليوم؟ قم معي أكلمك؛ فقام معه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان عامر أومأ إلى أَرْبَد: إذا رأيتني أكلمه فدُرْ من خلفه واضربه بالسيف؛ فجعل يخاصم النبي صلى الله عليه وسلم ويراجعه؛ فاخترط أَرْبَدْ من سيفه شبرًا ثم حبسه الله، فلم يقدر على سَلّه، ويَبست يده على سيفه، وأرسل الله عليه صاعقة في يوم صائفٍ صاحٍ فأحرقته، وولّى عامر هاربًا وقال: يا محمدا دعوت ربك على أربد حتى قتلته؛ والله لأملأنها عليك خيلًا جُرْدًا، وفتيانًا مُرْدًا؛ فقال عليه السلام: «يمنعك الله من ذلك وأبناء قَيْلة» يعني الأوْس والخَزْرَج؛ فنزل عامر بيت امرأة سَلولية؛ وأصبح وهو يقول: والله لئن أَصْحَرَ لي محمدٌ وصاحبه يريد مَلَك الموت لأنفذتهما برمحي؛ فأرسل الله مَلَكًا فلطمه بجناحه فأذراه في التراب؛ وخرجت على ركبته غُدَّة عظيمة في الوقت؛ فعاد إلى بيت السَّلولية وهو يقول: غُدّة كغدة البعير، وموت في بيت سَلُولية؛ ثم ركب على فرسه فمات على ظهره. ورَثَى لَبيد بن ربيعة أخاه أَرْبَد فقال:
يا عينُ هلاّ بَكَيتِ أَرْبَدَ إِذْ قُمْ ** نَا وقَامَ الخُصُوم في كَبَد

أَخْشَى على أَرْبَدَ الحُتُوفَ وَلاَ ** أَرْهَبُ نَوْءَ السِّمَاك وَالأَسَد

فَجَّعنِي الرَّعْدُ والصَّوَاعِقُ بالفا ** رِسِ يَوْمَ الْكَرِيهَةِ النَّجِدِ

وفيه قال:
إن الرّزيَّة لاَ رَزِيَّةَ مِثْلُهَا ** فِقْدَان كُلِّ أخٍ كضوء الْكَوْكَبِ

يا أَرْبَدَ الخيرِ الكرِيمَ جُدُودُهُ ** أفردَتنِي أَمشِي بقَرْنٍ أعْضَب

وأسلم لبِيد بعد ذلك رضي الله عنه.
مسألة:
روى أَبَان عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تأخذ الصاعقة ذاكرًا لله عزّ وجلّ».
وقال أبو هريرة رضي الله عنه: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سمع صوت الرعد يقول: «سبحان من يسبح الرعد بحمده والملائكة من خِيفته وهو على كل شيء قدير فإن أصابته صاعقة فعليّ ديته» وذكر الخطيب من حديث سليمان بن عليّ بن عبد الله بن عباس عن أبيه عن جده قال: كنا مع عمر في سفر فأصابنا رعد وبرد، فقال لنا كعب: من قال حين يسمع الرعد: سبحان من يسبح الرّعد بحمده والملائكة من خِيفته ثلاثًا عوفي مما يكون في ذلك الرعد؛ ففعلنا فعوفينا؛ ثم لقيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه فإذا بَرَدَة قد أصابت أنفه فأثّرت به، فقلت: يا أمير المؤمنين ما هذا؟ قال بَرَدَة أصابت أنفي فأثرت، فقلت: إن كعبًا حين سمع الرعد قال لنا: من قال حين يسمع الرعد سبحان من يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ثلاثًا عُوفي مما يكون في ذلك الرعد؛ فقلنا فعوفِينا؛ فقال عمر: أفلا قلتم لنا حتى نقولها؟ وقد تقدّم هذا المعنى في البقرة.
قوله تعالى: {وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي الله} يعني جدال اليهوديّ حين سأل عن الله تعالى: من أيّ شيء هو؟ قاله مجاهد.
وقال ابن جُرَيج: جدال أَرْبَدَ فيما همّ به من قتل النبي صلى الله عليه وسلم.
ويجوز أن يكون، {وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ} حالًا، ويجوز أن يكون منقطعًا.
وروى أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى عظيم من المشركين يدعوه إلى الله عز وجل، فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أخبرني عن إلهك هذا! أهو من فضة أم من ذهب أم من نحاس؟ فاستعظم ذلك؛ فرجع إليه فأعلمه؛ فقال: «ارجع إليه فادعه» فرجع إليه وقد أصابته صاعقة، وعاد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد نزل: {وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ المحال} قال ابن الأعرابي: {المِحال} المكر، والمكر من الله عزّ وجلّ التدبير بالحق.
النحاس: المكر من الله إيصال المكروه إلى من يستحقه من حيث لا يشعر.
وروى ابن اليزيدي عن أبي زيد {وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} أي النقمة.
وقال الأزهريّ: {المحال} أي القوّة والشدّة.
والْمَحْل: الشدّة؛ الميم أصلية، وماحَلْتُ فلانًا مِحَالًا أي قاويته حتى يتبيّن أينا أشدّ.
وقال أبو عبيد: {المحال} العقوبة والمكروه.
وقال ابن عَرَفة: {المِحال} الجدال؛ يقال: ماحَلَ عن أمره أي جادل.
وقال القُتَيبِيّ: أي شديد الكيد؛ وأصله من الحيلة، جعل ميمه كميم المكان؛ وأصله من الكون، ثم يقال: تمكنت.
وقال الأزهري: غلط ابن قتيبة أن الميم فيه زائدة؛ بل هي أصلية، وإذا رأيت الحرف على مثال فِعال أوّله ميم مكسورة فهي أصلية؛ مثل: مِهاد ومِلاك ومِرَاس، وغير ذلك من الحروف.
ومِفْعَل إذا كانت من بنات الثلاثة فإنه يجيء بإظهار الواو مثل: مِزْوَد ومِحْوَل ومِحْوَر، وغيرها من الحروف؛ وقال: وقرأ الأعرج {وَهُوَ شَدِيدُ الْمَحَال} بفتح الميم؛ وجاء تفسيره على هذه القراءة عن ابن عباس أنه الحول؛ ذكر هذا كله أبو عبيد الْهَرَويّ، إلا ما ذكرناه أوّلًا عن ابن الأعرابيّ؛ وأقاويل الصحابة والتابعين بمعناها، وهي ثمانية: أولها: شديد العداوة، قاله ابن عباس.
وثانيها: شديد الْحَوْل، قاله ابن عباس أيضًا.
وثالثها: شديد الأخذ، قاله عليّ بن أبي طالب.
ورابعها: شديد الحقد، قاله ابن عباس.
وخامسها: شديد القوة، قاله مجاهد.
وسادسها: شديد الغضب، قاله وهب بن مُنَبّه.
وسابعها: شديد الهلاك بالمحل، وهو القحط؛ قاله الحسن أيضًا.
وثامنها: شديد الحيلة؛ قاله قَتَادة.
وقال أبو عبيدة مَعْمَر: المِحال والمماحلة المماكرة والمغالبة؛ وأنشد للأعشى:
فرع نَبْعٍ يَهْتَزُّ في غُصُنِ الْمَجْ ** دِ كثير النَّدَى شديد المحال

وقال آخر:
ولَبَّسَ بَيْنَ أقوَامٍ فكُلٌّ ** أَعَدَّ له الشَّغَازِبَ والْمِحَالاَ

وقال عبد المطلب:
لا هُمَّ إنّ الْمَرْءَ يَمْ ** نَعُ رَحْلَهُ فامنع حِلاَلَكَ

لاَ يَغْلِبَنَّ صَلِيبُهُم وَمِحَا ** لُهُمْ عَدْوًا مِحَالك

قوله تعالى: {لَهُ دَعْوَةُ الحق} أي لله دعوة الصدق.
قال ابن عباس وقَتَادة وغيرهما: لا إله إلا الله.
وقال الحسن: إن الله هو الحق، فدعاؤه دعوة الحق.
وقيل: إن الإخلاص في الدعاء هو دعوة الحق؛ قاله بعض المتأخرين.
وقيل: دعوة الحق دعاؤه عند الخوف؛ فإنه لا يدعى فيه إلا إياه، كما قال: {ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ} [الإسراء: 67]؛ قال الْمَاوَرْدِيّ: وهو أشبه بسياق الآية؛ لأنه قال: {والذين يَدْعُونَ مِن دُونِهِ} يعني الأصنام والأوثان.
{لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ} أي لا يستجيبون لهم دعاء، ولا يسمعون لهم نداء.
{إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الماء لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ} ضرب الله عز وجل الماء مثلًا ليأسهم من الإجابة لدعائهم؛ لأن العرب تضرب لمن سعى فيما لا يدركه مَثَلا بالقابض الماء باليد؛ قال:
فأصبحتُ فيما كان بَيْني وبينها ** من الودّ مثلَ القابِض الماء باليدِ

وفي معنى هذا المثل ثلاثة أوجه: أحدها: أن الذي يدعو إلهًا من دون الله كالظمآن الذي يدعو الماء إلى فِيه من بعيد يريد تناوله ولا يقدر عليه بلسانه، ويشير إليه بيده فلا يأتيه أبدًا، لأن الماء لا يستجيب، وما الماء ببالغ إليه؛ قاله مجاهد.
الثاني: أنه كالظمآن الذي يرى خياله في الماء وقد بسط كفّه فيه ليبلغ فاه وما هو ببالغه، لكذب ظنه، وفساد توهمه؛ قاله ابن عباس.
الثالث: أنه كباسط كفه إلى الماء ليقبض عليه فلا يجمد في كفه شيء منه.
وزعم الفراء أن المراد بالماء هاهنا البئر؛ لأنها معدن للماء، وأن المثل كمن مدّ يده إلى البئر بغير رِشاء؛ وشاهده قول الشاعر:
فإن الماءَ ماءُ أَبِي وجَدّي ** وبِئري ذُو حَفَرْتُ وذُو طَوَيْتُ

قال علي رضي الله عنه: هو كالعطشان على شفة البئر، فلا يبلغ قعر البئر، ولا الماء يرتفع إليه؛ ومعنى {إِلاَّ كَبَاسِطِ} إلا كاستجابة باسط كفيه {إِلَى الْمَاءِ} فالمصدر مضاف إلى الباسط، ثم حذف المضاف؛ وفاعل المصدر المضاف مراد في المعنى وهو الماء؛ والمعنى: إلا كإجابة باسط كفيه إلى الماء؛ واللام في قوله: {لِيَبْلُغَ فَاهُ} متعلقة بالبسط؛ وقوله: {وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ} كناية عن الماء؛ أي وما الماء ببالغ فاه.
ويجوز أن يكون {هو} كناية عن الفم؛ أي ما الفم ببالغ الماء.
{وَمَا دُعَاءُ الكافرين إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ} أي ليست عبادة الكافرين الأصنام إلا في ضلال، لأنها شرك.
وقيل: إلا في ضلال أي يضلّ عنهم ذلك الدعاء، فلا يجدون منه سبيلًا؛ كما قال: {أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ الله قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا} [الأعراف: 37] وقال ابن عباس: أي أصوات الكافرين محجوبة عن الله فلا يسمع دعاءهم. اهـ.

.قال الخازن:

قوله: {هو الذي يريكم البرق خوفًا وطمعًا}
لما خوف الله عباده بقوله: {وإذا أراد الله بقوم سوءًا} ذكر في هذه الآية من عظيم قدرته ما يشبه النعم من وجه يشبه العذاب من وجه، فقال تعالى: هو الذي يعني هو الذي يريكم البرق والبرق معروف، وهو لمعان يظهر من خلال السحاب وفي كونه خوفًا وطمعًا وجوه: الأول إن عند لمعان البرق يخاف من الصواعق، ويطمع في نزول المطر.
الثاني: أنه يخاف من البرق من يتضرر بالمطر كالمسافر ومن في جرينه يعني بيدره التمر والزبيب والقمح ونحو ذلك، ويطمع فيه من له في نزول المطر نفع كالزارع ونحوه.
الثالث: أن المطر يخاف منه إذا كان في غير مكانه وزمانه، ويطمع فيه إذا كان في مكانه وزمانه فان من البلاد ما إذا أمطرت قحطت وإذا لم تمطر أخصبت: {وينشئ السحاب الثقال} يعني المطر.
يقال: أنشأ الله السحابة فنشأت أي أبداها فبدت والسحاب جمع سحابة، والسحاب غربال الماء، قاله علي بن أبي طالب.
وقيل: السحاب الغيم فيه ماء أو لم يكن فيه ماء.
ولهذا قيل: سحاب جهام وهو الخالي من الماء وأصل السحب الجر وسمي السحاب سحابًا إما لجر الريح له أو لجره الماء أو لانجراره في سيره: {ويسبح الرعد بحمده} أكثر المفسرين على أن الرعد اسم للملك الذي يسوق السحاب، والصوت المسموع منه تسبيحه.
وأورد على هذا القول ما عطف عليه.
وهو قوله: {والملائكة من خيفته} وإذا كان المعطوف مغايرًا للمعطوف عليه وجب أن يكون غيره.
وأجيب عنه أنه لا يبعد أن يكون الرعد اسمًا لملك من الملائكة وإنما أفرده بالذكر تشريفًا له على غيره من الملائكة، فهو كقوله: وملائكته وجبريل وميكال.
قال ابن عباس: أقبلت يهود إلى رسول الله صلى الله وسلم فقالوا أخبرنا عن الرعد ما هو قال: «ملك من الملائكة موكل بالسحاب معه مخاريق من نار يسوقه بها حيث يشاء الله» قالوا فما هذا الصوت الذي يسمع؟ قال: «زجره السحاب حتى تنتهي حيث أمرت» قالوا صدقت. أخرجه الترمذي مع زيادة فيه.
المخاريق: جمع مخراق، وهو في الأصل ثوب يلف ويضرب به الصبيان بعضهم بعضًا، وأراد به هنا آلة تزجر بها الملائكة السحاب.
وقد جاء تفسيره في حديث آخر وهو: «سوط من نور تزجر الملائكة به السحاب»، قال ابن عباس: من سمع صوت الرعد فقال: سبحان من يسبح الرعد بحمده، والملائكة من خيفته وهو على كل شيء قدير.
فإن أصابه صاعقة فعلي ديته، وكان عبد الله بن الزبير إذا سمع الرعد ترك الحديث، وقال: سبحان من يسبح الرعد بحمده، والملائكة من خيفته وكان يقول إن الوعيد لأهل الأرض شديد.
وفي بعض الأخبار أن الله تعالى يقول: «لو أن عبادي أطاعوني لسقيتهم المطر بالليل وأطلعت عليهم الشمس بالنهار، ولم أسمعهم صوت الرعد» وروى جويبر عن الضحاك عن ابن عباس أنه قال: الرعد ملك موكل بالسحاب يصرفه إلى حيث يؤمر، وإن بحور الماء في نقرة إبهامه، وإنه يسبح الله فإذا سبح لا يبقى ملك في السماء إلا رفع صوته بالتسبيح فعندها ينزل المطر، وقيل: إن الرعد اسم لصوت الملك الموكل بالسحاب، ومع ذلك فإن صوت الرعد يسبح الله لأن التسبيح والتقديس عبارة عن تنزيه لله عن جميع النقائص، ووجود هذا الصوت المسموع من الرعد وحدوثه دليل على وجود موجود خالق قادر متعال عن جميع النقائص، وإن لم يكن ذلك في الحقيقة تسبيحًا ومنه قوله: {وإن من شيء إلا يسبح بحمده} وقيل المراد من تسبيح الرعد أن من سمعه سبح الله فلهذا المعنى أضيف التسبح إليه، وقوله والملائكة من خيفته يعني ويسبح الملائكة من خيفة الله وهيبته وخشيته، وقيل: المراد بهذه الملائكة أعوان السحاب جعل الله مع الملك الموكل بالسحاب أعوانًا من الملائكة، وهم خائفون خاضعون طائعون.