فصل: قال أبو حيان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقيل: المراد بهم جميع الملائكة وحمله على العموم أولى: {ويرسل الصواعق} جمع صاعقة، وهي العذاب النازل من البرق فيحترق من تصيبه وقيل: هي الصوت الشديد النازل من الجو ثم يكون فيه نار أو عذاب أو موت وهي في ذاتها شيء واحد، وهذه الأشياء الثلاثة تنشأ منها: {فيصيب بها} يعني بالصواعق: {من يشاء} يعني فيهلك بها كما أصاب أربد بن ربيعة.
قال محمد الباقر: الصاعقة تصيب المسلم وغير المسلم ولا تصيب الذاكر: {وهم يجادلون في الله} يعني يخاصمون في الله.
وقيل: المجادلة المفاوضة على سبيل المنازعة والمغالبة، وأصله من جدلت الحبل إذا أحكمت فتله نزلت في شأن أربد بن ربيعة حين قال للنبي-صلى الله عليه وسلم-: مم ربك أمن درأم من ياقوت أم من ذهب فنزلت صاعفة من السماء فأحرقته.
وسئل الحسن عن قوله: {ويرسل الصواعق} الآية فقال: كان رجل من طواغيت العرب بعث إليه النبي صلى الله عليه وسلم نفرًا من أصحابه يدعونه إلى الله، وإلى رسوله فقال لهم: أخبروني عن رب محمد هذا الذي تدعونني إليه، هل هو من ذهب أو فضة أو حديد أو نحاس؟ فاستعظم القوم كلامه فانصرفوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله ما رأينا رجلًا أكفر قلبًا ولا أعتى على الله منه.
فقال: ارجعوا إليه فرجعوا فلم يزدهم على مقالته الأولى شيئًا بل قال: أأجيب محمدًا إلى رب لا أراه ولا أعرفه فانصرفوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله ما زادنا على مقالته شيئًا بل أخبث.
فقال: ارجعوا إليه فرجعوا إليه فبينما هم عنده يدعونه وينازعونه، وهو لا يزيدهم على مقالته شيئًا إذ ارتفعت سحابة فكانت فوق رؤوسهم، فرعدت وبرقت ورمت بصاعقة فأحرقت الكافر، وهم جلوس عنده فرجعوا ليخبروا النبي صلى الله عليه وسلم فلما رجعوا استقبلهم نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا لهم: احترق صاحبكم قالوا: من أين علمتم ذلك؟ قالوا قد أوحى الله إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويرسل الصواعق فيصب بها من يشاء وهم يجادلون في الله.
واختلفوا في هذه الواو، فقيل: واو الحال فيكون المعنى فيصيب بها من يشاء في حال جداله في الله وذلك أن أربد لما جادل في الله، أهلكه الله بالصاعقة، وقيل: إنها واو الاستئناف فيكون المعنى أنه تعالى لما تمم ذكر الدلائل قال: بعد ذلك وهم يجادلون في الله: {وهو شديد المحال} أي شديد الأخذ بالعقوبة، من قولهم يمحل به محلًا إذا أراد به سوءًا، وقيل: هو من قولهم يمحل به إذا سعى به إلى السلطان وعرضه للهلاك وتمحل إذا تكلف استعمال الحيلة، واجتهد فيه فيكون المعنى أنه سبحانه وتعالى شديد المحال بأعدائه حتى يهلكهم بطريق لا يعرفونه ولا يتوقعونه.
وقيل: المحل من المحول وهو الحيلة، والميم زائدة في اختلفت عبارات المفسرين في معنى قوله شديد المحال فقال الحسن: معناه شديد النقمة.
وقال مجاهد وقتادة: شديد القوة.
وقال ابن عباس: شديد الحول.
وقيل شديد العقوبة وقيل معناه شديد الجدال.
وذلك أنه لما أخبر عنهم أنهم يجادلون في الله أخبر أنه أشد جدالًا منهم.
قوله تعالى: {له دعوة الحق} يعني لله دعوة الصدق، قال على دعوة الحق التوحيد، وقال ابن عباس: شهادة أن لا إله إلا الله.
قال صاحب الكشاف دعوة الحق فيها وجهان أحدهما أن تضاف الدعوة إلى الحق الذي هو نقيض الباطل كما تضاف الكلمة إليه في قولك كلمة الحق.
للدلالة على أن الدعوة ملابسة للحق مختصة به، وأنها بمعزل من الباطل؛ والمعنى أن الله تعالى يدعى فيستجيب الدعوة ويعطي الداعي سؤله إن كان مصلحة له فكانت دعوة ملابسة للحق لكونه حقيقًا بأن يوجه إليه الدعاء لما في دعوته من الجدوى والنفع بخلاف ما لا نفع فيه ولا جدوى فيرد دعاءه.
الثاني أن تضاف إلى الحق الذي هو الله على معنى دعوة المدعو الحق الذي يسمع فيجيب، وعن الحسن: الله هو الحق وكل دعاء إليه دعوة الحق.
فإن قلت: ما وجه اتصال هذين الوصفين بما قبلهما.
قلت: أما على قصة أربد فظاهر لأن إصابته بالصاعقة كانت بدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه دعا عليه وعلى صاحبه عامر بن الطفيل فأجيب فيهما فكانت الدعوة دعوة حق، وأما على قوله وهم يجادلون في الله فوعيد للكفار على مجادلتهم رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، وإجابة دعائه إن دعا عليهم.
وقيل في معنى الآية: الدعاء بالإخلاص، والدعاء الخالص لا يكون إلا لله تعالى: {والذين يدعون من ودنه} يعني والذين يدعونهم آلهة من دون الله، وهي الأصنام التي يعبدونها: {لا يستجيبون لهم بشيء} يعني لا يجيبونهم بشيء يريدونه من نفع أو دفع ضرر إن دعوهم: {إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه} يعني إلا استجابة كاستجابة الماء لمن بسط كفيه إليه، يطلب منه أن يبلغ فاه والماء جماد لا يشعر ببسط كفيه، ولا بعطشه ولا يقدر أن يجيب دعاءه أو يبلغ فاه، وكذلك ما يدعونه جماد لا يحس بدعائهم ولا يستطيع إجابتهم، ولا يقدر على نفعهم.
وقيل: شبههم في قلة جدوى دعائهم لآلهتهم بمن أراد أن يغرف الماء بيديه ليشربه فيبسطهما ناشرًا أصابعه فلم تلق كفاه منه شيئًا، ولم يبلغ طلبته من شربه وقيل إن القابض على الماء ناشرًا أصابعه لا يكون في يده منه شيء، ولا يبلغ إلى فيه منه شيء كذلك الذي يدعو الأصنام لأنها لا تضر ولا تنفع ولا يفيده منها شيء.
وقيل شبه: بالرجل العطشان الذي يرى الماء من بعيد بعينيه، فهو يشير بكفيه إلى الماء ويدعوه بلسانه فلا يأتيه أبدًا هذا معنى قول مجاهد، وعن عطاء كالعطشان الجالس على شفير البئر وهو يمد يديه إلى البئر فلا هو يبلغ إلى قعر البئر ليخرج الماء، ولا الماء يرتفع إليه فلا ينفعه بسطه الكف إلى الماء ودعاؤه له، ولا هو يبلغ فاه كذلك الي يدعون الأصنام لا ينفعهم ذلك.
وقال ابن عباس: كالعطشان إذا بسط كفيه في الماء لا ينفعه ذلك ما لم يغرف بهما من الماء ولا يبلغ الماء فاه ما دام باسط كفيه، وهذا مثل ضربه الله تعالى للكفار ودعائهم الأصنام حين لا ينفعهم البتة ثم ختم هذه بقوله: {وما دعاء الكافرين} يعني أصنامهم: {إلا في ضلال} يعني يضل عنهم إذا احتاجوا إليه، قال ابن عباس في هذه الآية أصواتهم محجوبة عن الله تعالى. اهـ.

.قال أبو حيان:

{هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ (12)}
لما خوف تعالى العباد بقوله تعالى: {وإذا أراد الله بقوم سوءًا فلا مرد له} أتبعه بما يشتمل على أمور دالة على قدرة الله تعالى، وحكمته تشبه النعم من وجه، والنقم من وجه.
وتقدم الكلام في البرق والرعد والصواعق والسحاب في البقرة.
قال ابن عباس والحسن: خوفًا من الصواعق، وطمعًا في الغيث.
وقال قتادة: خوفًا للمسافرين من أذى المطر، وطمعًا للمقيم في نفعه.
وقريب منه ما ذكره الزجاج وهو: خوفًا للبلد الذي يخاف ضرر المطر له، وطمعًا لمن يرجو الانتفاع به.
وذكر الماوردي: خوفًا من العقاب، وطمعًا في الثواب.
وعن ابن عباس وغيره: أنه كنى بالبرق عن الماء، لما كان المطر يقاربه غالبًا وذلك من باب إطلاق الشيء مجازًا على ما يقاربه غالبًا.
قال الحوفي: خوفًا وطمعًا مصدران في موضع الحال من ضمير الخطاب، وجوزه الزمخشري أي: خائفين وطامعين، قال: ومعنى الخوف والطمع، أن وقوع الصواعق يخوف عند لمع البرق، ويطمع في الغيث.
قال أبو الطيب:
فتى كالسحاب الجون يخشى ويرتجى ** يرجى الحيا منه وتخشى الصواعق

وقيل: يخاف البرق المطر من له منه ضرر كالمسافر، ومن في جرينته التمر والزبيب، ومن له بيت يكف، ومن البلاد ما لا ينتفع أهله بالمطر كأهل مصر انتهى.
وقوله الأول في تفسير الخوف والطمع، هو قول ابن عباس والحسن الذي تقدم، وقوله: كأهل مصر، ليس كما ذكر، بل ينتفعون بالمطر في كثير من أوقات نمو الزرع، وأنه به ينمو ويجود، بل تمر على الزرع أوقات يتضرر وينقص نموه بامتناع المطر.
وأجاز الزمخشري أن يكونا منصوبين على الحال من البرق، كأنه في نفسه خوف وطمع، أو على ذا خوف وطمع.
وقال أبو البقاء: خوفًا وطمعًا مفعول من أجله.
وقال الزمخشري: لا يصح أن يكون مفعولًا لهما، لأنهما ليسا بفعل الفاعل الفعل المعلل إلا على تقدير حذف المضاف أي: إرادة خوف وطمع، أو على معنى إخافة وإطماعًا انتهى.
وإنما لم يكونا على ظاهرهما بفعل الفاعل الفعل المعلل لأن الإرادة فعل الله، والخوف والطمع فعل للمخاطبين، فلم يتحد الفاعل في الفعل في المصدر.
وهذا الذي ذكره الزمخشري من شرط اتحاد الفاعل فيهما ليس مجمعًا عليه، بل من النحويين من لا يشترط ذلك، وهو مذهب ابن خروف.
والسحاب اسم جنس يذكر ويؤنث، ويفرد ويجمع، قال: {والنخل باسقات} ولذلك جمع في قوله: {الثقال}، ويعني بالماء، وهو جمع ثقيلة.
قال مجاهد وقتادة: معناه تحمل الماء، والعرب تصفها بذلك.
قال قيس بن أخطم:
فما روضة من رياض القطا ** كأن المصابيح جودانها

بأحسن منها ولا مزنة ** ولوح يكشف أوجانها

والدلوج المثقلة، والظاهر إسناد التسبيح إلى الرعد.
فإن كان مما يصح منه التسبيح فهو إسناد حقيقي، وإن كان مما لا يصح منه فهو إسناد مجازي.
وتنكيره في قوله: {فيه ظلمات ورعد وبرق} ينفي أن يكون علمًا لملك.
وقال ابن الأنباري: الإخبار بالصوت عن التسبيح مجاز كما يقول القائل: قد غمني كلامك.
وقال الزمخشري: ويسبح سامعو الرعد من العباد الراجين للمطر حامدين له، أي: يضجون بسبحان الله والحمد لله.
وفي الحديث: «سبحان من يسبح الرعد بحمده» وعن علي: «سبحان من سبحت له إذا اشتد الرعد» قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: «اللهم لا تقتلنا بغضبك، ولا تهلكنا بعذابك، وعافنا قبل ذلك» ومن بدع المتصوفة: الرعد صعقات الملائكة، والبرق زفرات أفئدتهم، والمطر بكاؤهم. انتهى.
وقال ابن عطية: وقيل في الرعد أنه ريح يختنق بين السحاب، روى ذلك عن ابن عباس.
وهذا عندي لا يصح لأنّ هذا نزغات الطبيعيين وغيرهم من الملاحدة.
وقال أبو عبد الله الرازي: إعلم أن المحققين من الحكماء يذكرون أن هذه الآثار العلوية إنما تتم بقوى روحانية فلكية، وللسحاب روح معين من الأرواح الفلكية يدبره، وكذا القول في الرياح، وفي سائر الآثار العلوية.
وهذا عين ما قلناه أن الرعد اسم لملك من الملائكة يسبح الله تعالى، فهذا الذي قاله المفسرون بهذه العبارة هو عين ما ذكره المحققون من الحكماء، فكيف بالعاقل الإنكار؟ انتهى.
وهذا الرجل غرضه جريان ما تنتحله الفلاسفة على مناهج الشريعة، وذلك لا يكون أبدًا، وقد تقدمت أقوال المفسرين في الرعد في البقرة، فلم يجمعوا على أنّ الرعد اسم لملك.
وعلى تقدير أن يكون اسمًا لملك، لا يلزم أن يكون ذلك الملك يدبر لا السحاب ولا غيره، إذ لا يستفاد مثل هذا إلا من النبي صلى الله عليه وسلم المشهود له بالعصمة، لا من الفلاسفة الضلال.
والظاهر عود الضمير في قوله: {من خيفته}، على الله تعالى كما عاد عليه في قوله: {بحمده}.
ومعنى خيفته: من هيبته وإجلاله.
وقيل: يعود على الرعد.
والملائكة أعوانه جعل الله له ذلك فهم خائفون خاضعون طائعون له.
والرعد وإن كان مندرجًا تحت لفظ الملائكة، فهو تعميم بعد تخصيص انتهى.
وهو قول ضعيف.
ومن مفعول فيصيب، وهو من باب الإعمال، أعمل فيه الثاني إذ يرسل يطلب من وفيصيب يطلبه، ولو أعمل الأول لكان التركيب: ويرسل الصواعق فيصيب بها على من يشاء، لكن جاء على الكثير في لسان العرب المختار عند البصريين وهو إعمال الثاني.
ومفعول يشاء محذوف تقديره: من يشاء إصابته.
وفي الخبر أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم بعث إلى جبار من العرب ليسلم فقال: أخبرني عن إله محمد؟ أمن لؤلؤ هو أم من ذهب؟ فنزلت عليه صاعقة ونزلت الآية فيه.