فصل: قال القاسمي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ويفهم من كلام البعض على ما قيل أن الدعوة بمعنى الدعاء ومتعلقها محذوف أي للعبادة، والمعنى أنه الذي يحق أن يدعي إلى عبادته دون غيره، ولا يخفى ما بين المعنيين من التلازم فإنه إذا كانت الدعوة إلى عبادته سبحانه حقًا كانت عبادته جل شأنه حقًا وبالعكس، وعن الحسن أن المراد من الحق هو الله تعالى، وهو كما في البحر ثاني الوجهين اللذين ذكرهما الزمخشري، والمعنى عليه كما قال: له دعوة المدعو الحق الذي يسمع فيجيب، والأول ما أشرنا إليه أولًا وجعل الحق فيه مقابل الباطل.
وبين صاحب الكشف حاصل الوجهين بأن الكلام مسوق لاختصاصه سبحانه بأن يدعي ويعبد ردًا لمن يجادل في الله تعالى ويشرك به سبحانه الأنداد ولابد من أن يكون في الإضافة إشعار بهذا الاختصاص، فإن جعل الحق في مقابل الباطل فهو ظاهر، وإن جعل اسمًا من أسمائه تعالى كان الأصل لله دعوته تأكيدًا للاختصاص من اللام والإضافة ثم زيد ذلك بإقامة الظاهر مقام المضمر معادًا بوصف ينبئ عن اختصاصها به أشد الاختصاص فقيل: له دعوة المدعو الحق والحق من أسمائه سبحانه يدل على أنه الثابت بالحقيقة وما سواه باطل من حيث هو وحق بتحقيقه تعالى إياه فيتقيد بحسب كل مقام للدلالة على أن مقابله لا حقيقة له، وإذا كان المدعو من دونه بطلانه لعدم الاستجابة فهو الحق الذي يسمع فيجيب انتهى.
وبهذا سقط ما قاله أبو حيان في الاعتراض على الوجه الثاني من أن مآله إلى الله دعوة الله وهو نظير قولك: لزيد دعوة زيد ولا يصح ذلك، واستغنى عما قال العلامة الطيبي في تأويله: من أن المعنى ولله تعالى الدعوة التي تليق أن تنسب وتضاف إلى حضرته جل شأنه لكونه تعالى سميعًا بصيرًا كريمًا لا يخيب سائله فيجيب الدعاء فإن ذلك كما ترى قليل الجدوى.
ويعلم مما في الكشف وجه تعلق هذه الجملة بما تقدم، وقال بعضهم: وجه تعلق هذه الجملة التي قبلها أعني قوله تعالى: {وَهُوَ شَدِيدُ المحال} [الرعد: 13] إن كان سبب النزول قصة أربد وعامر أن إهلاكهما من حيث لم يشعرا به محال من الله تعالى وإجابة لدعوة رسوله صلى الله عليه وسلم فقد روي أنه عليه الصلاة والسلام قال: «اللهم احبسهما عني بما شئت» أو دلالة على رسوله صلى الله عليه وسلم على الحق، وإن لم يكن سبب النزول ذلك فالوجه أن ذلك وعيد للكفرة على مجادلتهم الرسول صلى الله عليه وسلم بحلول محاله بهم وتهديد بإجابة دعائه عليه الصلاة والسلام أن دعا عليهم أو بيان ضلالتهم وفساد رأيهم في عبادة غير الله تعالى، ويعلم مما ذكر وجه التعلق على بعض التفاسير إذا قلنا: إن سبب النزول قصة اليهودي أو الجبار فتأمل.
{والذين يَدْعُونَ} أي الأصنام الذين يدعونهم أي المشركون، وحذف عائد الموصول في مثل ذلك كثير، وجوز أن يكون الموصول عبارة عن المشركين وضمير الجمع المرفوع عائد إليه ومفعول: {يَدَّعُونَ} محذوف أي الأصنام وحذف لدلالة قوله تعالى: {مِن دُونِهِ} عليه لأن معناه متجاوزين له وتجاوزه إنما هو بعبادتها ويؤيد الوجه الأول قراءة البزدوي عن أبي عمرو: {تَدْعُونَ} بتاء الخطاب، وضمير: {لا} عليه عائد على: {يَتَذَكَّرُونَ الذين} وعلى الثاني عائد على مفعول: {يَدَّعُونَ} وعلى كل فالمراد لا يستجيب الأصنام: {لَهُمْ} أي للمشركين: {بِشَئ} من طلباتهم: {إِلاَّ كباسط كَفَّيْهِ إِلَى الماء} أي لا يستجيبون شيئًا من الاستجابة وطرفًا منها إلا استجابة كاستجابة الماء لمن بسط كفيه إليه من بعيد يطلبه ويدعوه: {لِيَبْلُغَ} أي الماء بنفسه من غير أن يؤخذ بشيء من إناء ونحوه: {فَاهُ وَمَا هُوَ} أي الماء: {بِبَالِغِهِ} أي ببالغ فيه أبدًا لكونه جمادًا لا يشعر بعطشه وبسط يديه إليه، وجوز أبو حيان كون: {هُوَ} ضمير الفم والهاء في: {بالغه} ضمير الماء أي وما فوه ببالغ الماء لأن كلًا منهما لا يبلغ الآخر على هذه الحال.
وجوز بعضهم كون الأول ضمير: {وَكَلْبُهُمْ باسط} والثاني ضمير: {الماء} قال أبو البقاء: ولا يجوز أن يكون الأول عائدًا على: {باسط} والثاني عائدًا على الفم لأن اسم الفاعل إذا جرى على غير من هو له لزم إبراز الفاعل فكان يجب على ذلك أن يقال: وما هو ببالغه الماء، والجمهور على ما سمعت أولًا، والغرض كما قال بعض المدققين نفي الاستجابة على البت بتصوير أنهم أحوج ما يكونون إليها لتحصيل مباغيهم أخيب ما يكون أحد في سعيه لما هو مظطر إليه، والحاصل أنه شبه آلهتهم حين استكفائهم إياهم ما أهمهم بلسان الاضطرار في عدم الشعور فضلًا عن الاستطاعة للاستجابة وبقائهم لذلك في الخسار بحال ماء بمرأى من عطشان باسط كفيه إليه يناديه عبارة وإشارة فهو لذلك في زيادة الكباد والبوار، والتشبيه على هذا من المركب التمثيلي في الأصل أبرز في معرض التهكم حيث أثبت أنهما استجابتان زيادة في التخسير والتحسير، فالاستثناء مفرغ من أعم عام المصدر كما أشرنا إليه، والظاهر أن الاستجابة هناك مصدر من المبنى للفاعل وهو الذي يقتضيه الفعل الظاهر، وجوز أن يكون من المبني للمفعول ويضاف إلى الباسط بناءًا على استلزام المصدر من المبني للفاعل للمصدر من المبني للمفعول وجودًا وعدمًا فكأنه قيل: لا يستجيبون لهم بشيء فلا يستجاب لهم استجابة كائنة كاستجابة من بسط كفيه إلى الماء كما في قول الفرزدق:
وعض زمان يا ابن مروان لم يدع ** من المال إلا مسحت أو مجلف

أي لم يدع فلم يبق إلا مسحت أو مجلف.
وأبو البقاء يجعل الاستجابة مصدر المبني للمفعول وإضافته إلى: {باسط} من باب إضافة المصدر إلى مفعوله كما في قوله تعالى: {لاَّ يَسْئَمُ الانسان مِن دُعَاء الخير} [فصلت: 49] والفاعل ضمير: {الماء} على الوجه الثاني في الموصول، وقد يراد من بسط الكفين إلى الماء بسطهما أي نشر أصابيعهما ومدها لشربه لا للدعاء، والإشارة إليه كما أشرنا إليه فيما تقدم، وعلى هذا قيل: شبه الداعون لغير الله تعالى بمن أراد أن يغرف الماء بيديه فبسطهما ناشرًا أصابعه في أنهما لا يحصلان على طائل، وجعل بعضهم وجه الشبه قلة الجدوى، ولعله أراد عدمها لكنه بالغ بذكر القلة وإرادة العدم دلالة على هضم الحق وإيثار الصدق ولإشمام طرف من التهكم، والتشبيه على هذا من تشبيه المفرد المقيد كقولك لمن لا يحصل من سعيه على شيء: هو كالراقم على الماء؛ فإن المشبه هو الساعي مقيدًا بكون سعيه كذلك والمشبه به هو الراقم مقيدًا بكونه على الماء كذلك فيما نحن فيه، وليس من المركب العقلي في شيء على ما توهم.
نعم وجه الشبه عقلي اعتباري والاستثناء مفرغ عن أعم عام الأحوال أي لا يستجيب الآلهة لهؤلاء الكفرة الداعين إلا مشبهين أعني الداعين بمن بسط كفيه ولم يقبضهما وأخرجهما كذلك فلم يحصل على شيء لأن الماء يحصل بالقبض لا بالبسط.
وروي عن علي كرم الله تعالى وجهه أن ذلك تشبيه بعطشان على شفير بئر بلا رشاء ولا يبلغ قعر البئر ولا الماء يرتفع إليه، وهو راجع إلى الوجه الأول وليس مغايرًا له كما قيل، وعن أبي عبيدة أن ذلك تشبيه بالقابض على الماء في أنه لا يحصل على شيء، ثم قال: والعرب تضرب المثل في الساعي فيما لا يدركه بذلك، وأنشد قول الشاعر:
فأصبحت فيما كان بيني وبينها ** من الود مثل القابض الماء باليد

وقوله:
وإني وإياكم وشوقًا إليكم ** كقابض ماء لم تسعه أنامله

وهو راجع إلى الوجه الثاني خلا أنه لا يظهر من: {باسط} معنى قابض فإن بسط الكف ظاهر في نشر الأصابيع ممدودة كما في قوله:
تعود بسط الكف حتى لو أنه ** أراد انقباضًا لم تطعه أنامله

وكيفما كان فالمراد بباسط شخص باسط أي شخص كان، وما يقتضيه ظاهر ما روي عن بكير بن معروف من أنه قابيل حيث أنه لما قتل أخاه جعل الله تعالى عذابه أن أخذ بناصيته في البحر ليس بينه وبين الماء إلا إصبع فهو يريده ولا يناله مما لا ينبغي أن يعول عليه.
وقرئ: {كباسط كَفَّيْهِ} بالتنوين أي كشخص يبسط كفيه: {وَمَا دُعَاء الكافرين إِلاَّ في ضلال} أي في ضياع وخسار وباطل، والمراد بهذا الدعاء إن كان دعاء آلهتهم فظاهر أنه كذلك لكنه فهم من السابق وحينئذٍ يكون مكررًا للتأكيد، وإن كان دعاءهم الله تعالى فقد استشكلوا ذلك بأن دعاء الكافرين قد يستجاب وهو المصرح به في الفتاوى، واستجابة دعاء إبليس وهو رأس الكافر نص في ذلك.
وأجيب بأن المراد دعاؤهم الله تعالى بما يتعلق بالآخرة، وعلى هذا يحمل ما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما من أن أصوات الكفار محجوبة عن الله تعالى فلا يسمع دعاؤهم، وقيل: يجوز أن يراد دعاؤهم مطلقًا ولا يقيد بما أجيبوا به. اهـ.

.قال القاسمي:

{هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا} أي: من الصواعق: {وَطَمَعًا} أي: المطر أن يحيي النبات: {وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ} أي: الماء.
{وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ} أي: يسبح سامعوه من العباد الراجين للمطر متلبسين بحمده، أي: يضجون بـ: سبحان الله والحمد لله فيكون على حذف مضاف أو إسنادًا مجازيًا للحامل والسبب، أو يسبح الرعد نفسه، بمعنى دلالته على وحدانيته تعالى وفضله، المستوجب لحمده. فيكون الإسناد على حقيقته والتجوز في التسبيح والتحميد. إذ شبه دلالته بنفسه على تنزيهه عن الشرك والعجز بالتسبيح والتنزيه اللفظي. ودلالته على فضله ورحمته، بحمد الحامد لما فيها من الدلالة على صفات الكمال.
قال الرازي: الرعد اسم لهذا الصوت المخصوص. والتسبيح والتقديس وما يجري مجراهما ليس إلا وجود لفظ يدل على حصول التنزيه والتقديس لله سبحانه وتعالى. فلما كان حدوث هذا الصوت دليلًا على وجود متعال عن النقص والإمكان؛ كان ذلك في الحقيقة تسبيحًا وهو معنى قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} [الإسراء: من الآية 44].
{وَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ} أي: وتسبح الملائكة من خوف الله تعالى وخشيته وإجلاله: {وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ} أي: فيهلك بها من يشاء. وقوله تعالى: {وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللّهِ} يعني الكفرة المخاطبين في قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ} وقد التفت إلى الغيبة؛ إيذانًا بإسقاطهم عن درجة الخطاب وإعراضًا عنهم، وتعديدًا لجناياتهم لدى كل من يستحق الخطاب. كأنه قيل: هو الذي يفعل أمثال هذه الأفاعيل العجيبة، من إراءة البرق، وإنشاء السحاب الثقال، وإرسال الصواعق الدالة على كمال علمه وقدرته، ويعقلها من يعقلها من المؤمنين، أو الرعد نفسه، والملائكة. ويعملون بموجب ذلك من التسبيح والحمد والخوف من هيبته تعالى و{هم} أي: الكفرة الذين حكيت هناتهم مع ذلهم وهوانهم وحقارة شأنهم، يجادلون في شأنه تعالى، بإنكار البعث واستعجال العذاب، استهزاء واقتراح الآيات. قالوا: ولعطف الجملة على ما قبلها من قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ}. أفاده أبو السعود.
أي: يريكم ما ذكر من الآيات الباهرة الدالة على القدرة والوحدانية. وأنتم تجادلون فيه، والجدال أشد الخصومة، من الجدال بالسكون، وهو فتل الحبل ونحوه؛ لأنه يقوى به وتشتد طاقته: {وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} أي: والحال أنه شديد المماحلة والمماكرة والمكايدة لأعدائه، يأتيهم بالهلكة من حيث لا يحتسبون من محله إذا كاده وعرَّضه للهلاك، ومنه تمحّل لكذا إذا تكلف استعمال الحيلة واجتهد فيه.
تنبيه:
ذكر في العلم الطبيعي: أن الصواعق شرارات تنطلق دفعة واحدة من تموجات السحب ومصادمتها لبعضها؛ فيحصل في الهواء اهتزاز قوي. وأما الرعد فهو الصوت الذي يحصل من ذلك الانطلاق ويصل إلينا ببطء على حسب بعد السحب الحاملة للصواعق عنا. وعلى حسب اتساع السحب يطول سماعنا لصوت الرعد. وإذا لمع البرق من السحابة، فقد تمت نتائج الصاعقة، فمتى مضت برهة لطيفة بين لمعان البرق وسماع الرعد، فقد أُمن ضررها. فإن لم يمض بينهما شيء، بأن كان الإنسان قريبًا من محل الصاعقة وسمع الرعد مع مشاهدة البرق في آن واحد؛ أمكن أن يصاب بالصاعقة في مرورها. وأما سبب انفجار الصاعقة فقالوا: من المعلوم أن انطلاق الكهربائية إنما يحصل باتحاد كهربائية الأجسام مع بعضها، فإذا قرب السحاب من الأجسام الأرضية طلبت الكهربائية السحابية أن تتحد بالكهربائية الأرضية فتنبجس بينهما شرارة كهربائية هي البرق. وحينئذ يقال: إن الأجسام الأرضية صعقت. هذا مجمل ما قالوه.
وقد حاول الرازي الجمع بين ما روي عن بعض السلف: أن الرعد ملك، وبين ما ثبت في العلم الطبيعي بما يدفع المنافاة فقال: اعلم أن المحققين من الحكماء يذكرون أن هذه الآثار العلوية إنما تتم بقوى روحانية فلكية، فللسحاب روح معين من الأرواح الفلكية يدبره. وكذا القول في الرياح وفي سائر الآثار العلوية. قال: وهذا عين ما نقلناه من أن الرعد اسم ملك من الملائكة يسبح الله، فهذا الذي قاله المفسرون بهذه العبارة هو عين ما ذكره المحققون من الحكماء. فكيف يليق بالعاقل الإنكار؟! انتهى.
وقوله تعالى: {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ} أي: الدعاء الحق بالعبادة والتضرع والإنابة. وتوجيه الوجه ثابت له تعالى لا لغيره؛ لأنه الذي يجيب المضطر ويكشف السوء فهو الحقيق بأن يعبد وحده بالدعاء والالتجاء. فإضافة الدعوة للحق من إضافة الموصوف للصفة.
وفيها إيذان بملابستها للحق، واختصاصها به، وكونها بمعزل من شائبة البطلان والضياع والضلال، كما يقال: كلمة الحق.
ثم بيَّن تعالى مثال من يعبد من الأصنام ويدعي في عدم النفع والجدوى بقوله: {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ} أي: الأصنام الذين يدعوهم المشركون من دونه تعالى: {لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ} أي: من مطلوباتهم: {إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاء لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ} أي: إلا استجابة كاستجابة باسط كفيه، أي: كاستجابة الماء لمن مد يديه إليه يطلب منه أن يبلغ فاه، والماء جماد لا يشعر ببسط كفه ولا بظمأه وحاجته إليه، فلا يقدر أن يجيب دعاءه ويبلغ فاه، وكذلك ما يدعونه، جماد لا يحس بدعائهم ولا يستطيع إجابتهم ولا يقدر على نفعهم!. والغرض نفي الاستجابة على القطع بتصوير أنهم أحوج ما يكونون إليها لتحصيل مباغيهم؛ أخيب ما يكون أحد في سعيه لما هو مضطر إليه فضلًا عن مجرد الحاجة. وحاصله: أنه شبه آلهتهم حين استكفائهم إياهم ما أهمهم بلسان الاضطرار في عدم الشعور فضلًا عن الاستطاعة للاستجابة، وبقائهم لذلك في الخسران؛ بحال ماء بمرأى من عطشان باسط كفيه إليه يناديه عبارة وإشارة. فهو لذلك في زيادة ظمأ وشدة خسران! والتشبيه على هذا من المركب التمثيلي في الأصل، أبرز في معرض التهكم، حيث أثبت للماء استجابة زيادة في التخسير والتحسير. فالاستثناء مفرغ من أعم عام المصدر، أي: لا يستجيبون شيئًا من الاستجابة، والضمير في {هو} للماء و{بالغه} للفم، وقيل: الأول للباسط والثاني للماء. وبسط الكف: نشر الأصابع ممدودة كما في قوله:
تعود بسط الكف حتى لو أنه ** أراد انقباضًا لم تُطعه أنامله

{وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ} أي: عبادتهم والتجاؤهم لآلهتهم: {إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ} أي: في ضياع لا منفعة فيه؛ لعدم إمكان إجابتهم. اهـ.