فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقد بين لنا الحق سبحانه أن الجمادات لها أيضًا عواطف؛ بدليل قوله عن قوم فرعون: {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السماء والأرض...} [الدخان: 29]
فالسماء والأرض قد استراحتا لذهاب هؤلاء الأشرار عن الأرض، فالسماوات والأرض ملتزمتان مع الكون التزامًا لا تخرج به عن مُرادات الله، وحين يأتي كافر ليصنع بكفره نشازًا مع الكون؛ فهي تفرح عند اختفائه ولا تحزن عليه.
ومادامت السماء والأرض لا تبكيان على الكافر عند رحيله؛ فلابد أنها تفرحان عند هذا الرحيل؛ ولابد أنهما تبكيان عند رحيل المؤمن.
ولذلك نجد قَوْل الإمام علي كرم الله وجهه: إذا مات ابن آدم بكى عليه موضعان؛ موضع في السماء، وموضع في الأرض؛ وأما موضعه في الأرض فَموضِع مُصَلاَّه؛ وأما موضعه في السماء فَمصَعدُ عمله.
وهكذا نجد أن معنى قول الحق سبحانه: {وَيُسَبِّحُ الرعد بِحَمْدِهِ...} [الرعد: 13]
أي: يُنزِّه الرعد ويُمجِّد اسم الحق تبارك وتعالى تسبيحًا مصحوبًا بالحمد.
ونحن حين نُنزِّه ذات الله عن أن تكون مثل بقية الذوات، وحين ننزه فِعْل الله عن أن يكون كأفعال غيره سبحانه، وحين ننزه صفات الله عن أن تكون كالصفات، فلابد أن يكون ذلك مصحوبًا بالحمد له سبحانه؛ لأنه مُنزَّه عن كل تلك الأغيار، وعلينا أنْ نُسَرَّ من أنه مُنزَّه.
ويقول تعالى: {وَيُسَبِّحُ الرعد بِحَمْدِهِ والملائكة مِنْ خِيفَتِهِ...} [الرعد: 13]
ولقائل أنْ يتساءل: كيف تخاف الملائكة من الله؟ وهم الذين قال فيهم الحق سبحانه: {... لاَّ يَعْصُونَ الله مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6].
وأقول: إن الملائكة يخافون الله خِيفة المَهابة، وخيفة الجلال.
ونحن نرى في حياتنا مَنْ يحب رئيسه أو قائده؛ فيكون خوفه مَهَابة؛ فما بالنا بالحق سبحانه وتعالى الذي تُحبه ملائكته وتَهاب جلاله وكماله، صحيح أن الملائكة مقهورون، لكنهم يخافون ربَّهم من فوقهم.
وساعة تسمع الملائكةُ الرعدَ فهم لا يخافون على أنفسهم؛ ولكنهم يخافون على الناس؛ لأنهم حفظة عليهم؛ فالملائكة تعي مهمتها كحفظة على البشر؛ وتخشى أن يربكهم أيُّ أمر؛ وهم يستغفرون لِمَنْ في الأرض.
إذن: فقوله: {وَيُسَبِّحُ الرعد بِحَمْدِهِ والملائكة مِنْ خِيفَتِهِ...} [الرعد: 13]
يُبيِّن لنا أن الملائكة تخاف على البشر من الرعد؛ فَهُمْ مُكلَّفون بحمايتهم، مع خوفهم من الله مهابة وإجلالًا.
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف: «ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: الله أعط منفقًا خلفًا. ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكًا تلفًا».
وقد يظُنُّ ظَانٌّ أن هذه دعوة ضد المُمْسِك؛ ولكني أقول: لماذا لا تأخذها على أنها دعوة خَيْر؟ فالمُنفِق قد أخذ ثوابًا على ما أدَّى من حسنات؛ أما المُمْسِك فحين يبتليه الله بتلفِ بعضٍ من ماله؛ ويصبر على ذلك؛ فهو يأخذ جزاء الصبر.
ويتابع سبحانه في نفس الآية: {... وَيُرْسِلُ الصواعق فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي الله وَهُوَ شَدِيدُ المحال} [الرعد: 13]
ولابُدَّ من وجود حَدَثٍ أليم في الكون لينتبه هؤلاء الناس من غفلتهم؛ وها هو ذا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وقد جاءه اثنان من المعاندين الكبار أربد بن ربيعة؛ أخو لبيد بن ربيعة، وعامر بن الطُّفَيْل؛ لِيُجادلاه بهدف التلكُّؤ والبحث عن هَفْوة فيما يقوله أو عَجْزٍ في معرفته، والمثل ما قاله مجادلون مثلهم، وأورده القرآن الكريم: {... أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ} [المؤمنون: 82]
وكذلك استعجال بعض من المجادلين للعذاب.
وجاء هذان الاثنان وقالا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: هل ربنا مصنوع من الحديد أم من النحاس؟ وهما قد قالا ذلك لأنهما من عَبَدة الأصنام المصنوعة من الحجارة، والأقوى من الحجارة هو الحديد أو النحاس؛ فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فنزلت صاعقة؛ فأحرقتهما.
وإرسال الصواعق هنا آية قرآنية، ولابد وأن تأتي آية كونية تصدقها؛ وقد حدثت تلك الآية الكونية.
ويقول الحق سبحانه: {وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي الله...} [الرعد: 13]
والجدال في الله أنواع متعددة؛ جدال في ذاته؛ وجدال في صفاته، أو جدال في الحسنة والسيئة، وقد جادلوا أيضًا في إنزال آية مادية عليه؛ لأنهم لم يكتفوا بالقرآن كآية؛ على الرغم من أن القرآن آية معجزة ومن جنس ما برعوا فيه، وهو اللغة.
وقد جادلوا أيضًا في الرعد؛ وقالوا: إن الرعد ليس له عَقْل لِيُسبح؛ والملائكة لا تكليفَ لها؛ فكيف تُسبِّح؟
ولكن الحق سبحانه قال: إنه قادر على أن يُرسِل الصواعق ويصيب بها مَنْ يشاء؛ فيأتي بالخير لِمَنْ يشاء؛ ويصيب بالضر مَنْ يشاء.
فهل هُمْ يملكون كل الوقت لهذا الجدل؛ بعد أن خلق كل هذا الكون؟
هل لديكم الوقت لكل تلك المُمَاراة بقصد الجَدَل والعناد المذموم؟
فالجدل في حَدِّ ذاته قد يَحْسُن استخدامه وقد يُسَاء استخدامه؛ والحق سبحانه قال لنا: {وَلاَ تجادلوا أَهْلَ الكتاب إِلاَّ بالتي هِيَ أَحْسَنُ...} [العنكبوت: 46]
وقال أيضًا: {قَدْ سَمِعَ الله قَوْلَ التي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وتشتكي إِلَى الله...} [المجادلة: 1]
وهذا جَدَلٌ المراد منه الوصول إلى الحق.
ويُذيِّل الله آية سورة الرعد بقوله: {... وَهُوَ شَدِيدُ المحال} [الرعد: 13]
ويقال: محل فلان بفلان أي: كَادَ له كيدًا خفيًا ومكر به، والمحَال هو الكَيْد والتدبير الخفيّ، ومَنْ يلجأون إليه من البشر هُم الضِّعاف الذين يعجزون عن مواجهة الخَصْم علانية، فيبُيِّتون له بإخفاء وسائل الإيلام.
وهذا يحدث بين البشر وبعضهم البعض؛ لأن البشر لا يعلمون الغيب؛ لكن حين يكيد الله؛ فلا أحدَ بقادر على كَيْده، وهو القائل سبحانه: {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا وَأَكِيدُ كَيْدًا فَمَهِّلِ الكافرين أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا} [الطارق: 15-17].
لأن كيد الله لا غالب له؛ وهو كَيْد غير مفضوح لأحد، ولذلك قال تعالى: {... وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ الله والله خَيْرُ الماكرين} [الأنفال: 30].
هُمْ أرادوا أن يُبيِّتوا لرسوله صلى الله عليه وسلم؛ وأرادوا قَتْله؛ وجاءوا بشاب من كل قبيلة ليمسك سيفًا كي يتوزع دَمُه بين القبائل، وترصدوا له المرصاد؛ ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت تصاحبه العناية فخرج عليهم ملهمًا قوله تعالى: {فَأغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ} [يس: 9].
وبذلك أوضح لهم أنهم لن يستطيعوا دَفْع دعوة الإسلام؛ لا مُجَابهة ومُجَاهرة؛ ولا كَيْدًا وتبييتًا؛ حتى ولو استعنتُم بالجنِّ؛ فالإنسان قد يمكر ويواجه، وحين يفشل قد يحاول الاستعانة بقوة من جنس آخر له سلطان كسلطان الجن، وحتى ذلك لم يفلح معه صلى الله عليه وسلم؛ فقد حاولوا بالسحر؛ فكشف الله له بالرؤيا موقع وَضْع السحر.
وذهب بعض من صحابته ليستخرجوا السِّحر من الموقع الذي حدده رسول الله لهم.
وهكذا أوضح لهم الحق سبحانه أن كل ما يفعلونه لن يَحِيق برسوله صلى الله عليه وسلم؛ فسبحانه: {غَالِبٌ على أَمْرِهِ...} [يوسف: 21]
وهكذا كان الحق سبحانه ومازال وسيظل إلى أنْ يرِث الأرضَ ومَنْ عليها، وهو شديد المحال.
ويقول سبحانه من بعد ذلك: {لَهُ دَعْوَةُ الحق...} وسبحانه قد دعانا إلى أنْ تؤمن بإله واحد وهي دعوة حق، والذين من دونه يدعون لإله غير حق. والضمير هنا قد يعود إلى الله فكأن الله قد دعا خَلْقه إلى كلمة الحق وهي لا إله إلا الله، وهو سبحانه قد شهد بأنه لا إله إلا هو؛ وشهدتْ الملائكة شهادةَ المشْهد، وشَهِد بها أولو العلم شهادة الاستدلال؛ تلك هي دعوة الحق.
أو: {له} أي: للإنسان الذي يدعو إلى الحق، وحين يدعو الإنسان فهذا يدلُّ على أن أمرًا قد خرج عن نطاق أسبابه؛ لذلك يدعو مَنْ يعينه على هذا الأمر.
والدعاء لَوْنٌ من الطلب، إلا أن الطلب يختلف باختلاف الطالب والمطلوب منه؛ فإنْ كان الطالبُ أدنى من المطلوب منه لا يُقال له فعل أمر؛ كقولك اغفر لي يا رب وهذا لا يقال له فعل أمر؛ بل يقال له دعاء.
وهكذا نرى أنه إن كان فعل الأمر من الأدنى للأعلى؛ لا نسميه فِعْل أمر بل نسميه دعاءً، والطالب الذكيّ هو مَنْ يلحظ أثناء الإعراب إنْ كان المطلوب هو من الأدْنى إلى الأعلى؛ فهو لا يقول فِعْل أمر بل يقول فعل دعاء مثل قول العبد لله: يا رب اغفر لي، وإن كان المطلوب من مُسَاوٍ؛ فهو يقول التماس. وإنْ كان المطلوب قد صدر من الأعلى للأدنى فهو فعل أمر.
وحين يدعو الإنسان ربه؛ فهذا يعني أن أسبابَ العبد قد نفِدتْ؛ وهو يلجأ إلى مَنْ يعلو الكون ويملك كل الأسباب، ولذلك فكُلٌّ مِنّا يدعو الله؛ لأنه سبحانه القادر على إنفاذ مطلوب العباد؛ ولا يُعْجِزه شيء.
ولكنْ إنْ دعوتَ مَنْ لا يستطيع؛ فهو دعوةٌ لا تنفع العبد، وهم كانوا يدعُونَ الأصنام؛ والأصنام لا تضرُّ ولا تنفع؛ فالصنم مِنْ هؤلاء لا يقدر على نفسه أو لنفسه؛ فقد كان من الحجر.
وبطبيعة الحال فالدعاء لمثل تلك الأصنام لا تحقق شيئًا؛ لأنها لا تقدر على أي شيء.
وهكذا يتأكد لنا أن دعوة الحقِّ هي أن تدعوَ القادر؛ أما الذين يدعون المعبودات الباطلة فإنها تخيب من يدعوها في مقصده، ولذلك يقول الحق سبحانه هنا: {لَهُ دَعْوَةُ الحق والذين يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ...} [الرعد: 14]
لأنهم لا يملكون شيئًا فالصنم من هؤلاء لا يسمع فكيف يستجيب؟
ثم يضرب الحق سبحانه المَثَل بشيء مُحَسٍّ؛ نفعله كلنا؛ فيقول: {لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الماء لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ...} [الرعد: 14]
فالعطشان ما أنْ يرى ماءً حتى يَمُدَّ يده إليه ليغترف منه؛ لكن يده لا تصل إلى الماء؛ هذا هو الحال مَنْ يدعو غير الله؛ فقد سأل غير القادر على إنفاذ مطلبه، وهكذا يكون دعاء غير الله؛ وهو دعاء في ضلال وفي غير متاهة. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ (12)}
أخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {هو الذي يريكم البرق خوفًا وطمعًا} قال: خوفًا للمسافر، يخاف أذاه ومشقته: {وطمعًا} للمقيم، يطمع في رزق الله ويرجو بركة المطر ومنفعته.
وأخرج أبو الشيخ عن الحسن رضي الله عنه في قوله: {يريكم البرق خوفًا وطمعًا} قال: {خوفًا} لأهل البحر: {وطمعًا} لأهل البر.
وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك رضي الله عنه في قوله: {يريكم البرق خوفًا وطمعًا} قال: الخوف: ما يخاف من الصواعق، والطمع: الغيث.
وأخرج ابن جرير، عن أبي جهضم موسى بن سالم مولى ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: كتب ابن عباس إلى أبي الجلد يسأله عن البرق فقال: البرق: الماء.
وأخرج أبو الشيخ عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله: {يريكم البرق} قال: شعيب الجياني في كتاب الله: الملائكة، حملة العرش أسماؤهم في كتاب الله الحيات، لكل ملك وجه إنسان واسد ونسر، فإذا حركوا أجنحتهم فهو البرق. قال أمية بن أبي الصلت:
رجل وثور تحت رجل يمينه ** والنسر للأخرى وليث مرصد

وأخرج ابن المنذر، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {يريكم البرق} قال: ملائكة تمصع بأجنحتها، فذلك البرق. زعموا أنها تدعى الحيات.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن محمد بن مسلم رضي الله عنه قال: بلغنا أن البرق له أربعة وجوه: وجه إنسان، ووجه ثور، ووجه نسر، ووجه أسد، فإذا مصع بذنبه فذلك البرق.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ، عن مجاهد رضي الله عنه قال: البرق مصع ملك، يسوق السحاب.
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب المطر، وأبو الشيخ، عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: البرق ملك يترايا.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والخرائطي في مكارم الأخلاق، والبيهقي في سننه من طرق، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: البرق مخاريق من نار بأيدي ملائكة السحاب، يزجرون به السحاب.
وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه قال: البرق مخاريق يسوق به الرعد السحاب.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: البرق اصطفاق البرد.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ في كتاب العظمة، عن كعب رضي الله عنه قال: البرق تصفيق الملك البرد، ولو ظهر لأهل الأرض لصعقوا.
وأخرج الشافعي عن عروة بن الزبير رضي الله عنه قال: إذا رأى أحدكم البرق أو الودق، فلا يشر إليه وليصف ولينعت.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {وينشئ السحاب الثقال} قال: الذي فيه الماء.