فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (78)}.
أخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: الأميون قوم لم يصدقوا رسولًا أرسله الله، ولا كتابًا أنزله، فكتبوا كتابًا بأيديهم، ثم قالوا لقوم سفلة جهال: هذا من عند الله. وقال: قد أخبرهم أنهم يكتبون بأيديهم، ثم سماهم أميين لجحودهم كتب الله ورسله.
وأخرج ابن جرير عن إبراهيم النخعي في قوله: {ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب} قال: منهم من لا يحسن أن يكتب.
وأخرج ابن إسحاق وابن جرير عن ابن عباس في قوله: {ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب} قال: لا يدرون ما فيه {وإن هم إلا يظنون} وهم يجحدون نبوّتك بالظن.
وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله: {ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب} قال: ناس من يهود لم يكونوا يعلمون من الكتاب شيئًا، وكانوا يتكلمون بالظن بغير ما في كتاب الله، ويقولون هو من الكتاب أماني تمنونها.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {إلا أماني} قال: إلا أحاديث.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {إلا أماني} قال: إلا قولًا يقولون بأفواههم كذبًا.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله: {إلا أماني} قال: إلا كذبًا {وإن هم إلا يظنون} قال: الا يكذبون. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {مِنْهُمْ} خبر مقدم، فتعلّق بمحذوف.
و{أمّيون} مبتدأ مؤخر، ويجوز على رأي الأخفش أن يكون فاعلًا بالظرف قبله، وإن لم يعتمد.
وقد بنيت على ماذا يعتمد فيما تقدم.
و{أُمِّيُّونَ} جمع أمّي وهو من لا يَكْتب ولا يَقْرأ.
واختلف في نسبته فقيل: إلى الأمّ وفيه معنيان:
أحدهما: أنه بحال أُمّه التي ولدته من عدم معرفة الكتابة، وليس مثل أبيه؛ لأن النساء ليس من شُغْلهن الكتابة.
والثاني: أنه بحاله التي ولدته أمه عليها لم يتغير عنها، ولم ينتقل.
وقيل: نسب إلى الأُمَّة وهي القَامَة والخِلْقَة، بمعنى أنه ليس له من النَّاس إلا ذلك.
وقيل: نسب إلى الأُمَّة على سَذَاجتها قبل أن يَعْرِف الأشياء، كقولهم: عامي أي: على عادة العامة.
وعن ابن عَبَّاس: قيل لهم: أميون؛ لأنهم لم يصدقوا بأم الكتاب.
وقال أبو عبيدة: قيل لهم: أُميون، لإنْزَال الكتاب عليهم، كأنهم نسبوا لأم الكتاب.
وقرأ ابن أبي عَبْلة: {أُمِّيُون} بتخفيف الياء كأنه استثقل توالي تضعيفين.
وقيل: الأمي: من لا يُقِرّ بكتاب ولا رسول.
قوله: {لاَ يَعْلَمُونَ} جملة فعلية في محلّ رفع صفة ب {أميون}، كأنه قيل: أميون غير عالمين.
قوله: {إلاَّ أَمَانِيَّ} هذا استثناء منقطع؛ لأن الأماني ليست من جنس {الكتاب}، ولا مندرجة تحت مدلوله، وهذا هو المُنْقطع، ولكن شرطه أن يتوهّم دخوله بوجه ما، كقوله: {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتباع الظن} [النساء: 157] وقوله النَّابغة: الطويل:
حَلَفْتُ يَمِينًا غَيْرَ ذِي مَثْنَوِيَّةِ ** وَلاَ عِلْمَ إِلاَّ حُسْنَ ظَنٍّ بِصَاحِبِ

لأن بذكر العلم اسْتُحضِر الظن، ولهذا لا يجوز: صَهَلَتِ الخيل إلاَّ حمارًا.
واعلم أن المنقطع على ضربيين: ضرب يصحّ توجه العامل عليه، نحو: جاء القوم إلاّ حمارًا.
وضرب لا يتوجه نحو ما مثل به النحاة: ما زاد إلا ما نقص، وما نفع إلا ما ضر فالأول فيه لُغتَان: لغة الحجاز وجوب نصبه، ولغة تميم أنه كالمتّصل، فيجوز فيه بعد النفي وشبهه النصب والإتباع.
والآية الكريمة من الضرب الأولن فيحتمل في نصبها وَجْهَان:
أحدهما: على الاستثناء المنقطع.
والثاني: أنه بدل من {الكتاب}.
و{إلاّ} في المنقطع تقدر عند البصريين بلَكِنَّ، وعند الكوفيين ببل، وظاهر كلام أبي البقاء أن نصبه على المصدر بفعل مَحْذُوف، فإنه قال: {إلا أماني} اسثناء منقطع؛ لأن الأماني ليس من جنس العلم، وتقدير {إلاّ} في مثل هذا بلكن أي: لكن يتمنونه أماني، فيكون عنده من باب الاستثناء المفرّغ المنقطع، فيصير نظير: ماعلمت إلا ظنًّا. وفيه نظر.
الأَمَاني جمع أُمْنِيَّة بتشديد الياء فيها.
وقال أبو البَقَاءِ: يجوز تخفيفها فيها.
وقرأ أبو جعفر بتخفيفها، حَذَفَ إحدى الياءين تخفيفًا.
قال الأخفش: هذا كما يقال في جمع مفتاح: مفتاح ومفاتيح.
قال النَّحَّاس: الحذف في المعتلّ اكثر؛ وأنشد قول النابغة: الطويل:
وَهَلْ يُرْجِعُ التَّسْلِيمَ أو يَكْشِفُ العَمَى ** ثَلاثُ الأَثافِي والرُّسُومُ البَلاَقِعُ

وقال أبو حَاتِمٍ: كلّ ما جاء واحده مشددًا من هذا النوع فلك في الجمع الوجهان.
وأصله يرجع إلى ما قال الأخفش.
ووزن أمنية: أُفْعُولَة من تَمَنَّى يَتَمَنَّى: إذا تلا وقرأ؛ قال: الطويل:
تَمَنَّى كِتَابَ اللهِ آخِرَ لَيْلِهِ ** تَمَنِّيَ دَاوُدَ الزَّبُورَ عَلَى رِسْلِ

وقال كعب بن مالك: الطويل:
تَمَنَّى كِتَابَ اللهِ أَوَّلَ لَيْلِهِ ** وآخِرَهُ لاَقى حِمَامَ المقَادِرِ

وقال تعالى: {إِلاَّ إِذَا تمنى أَلْقَى الشيطان في أُمْنِيَّتِهِ} [الحج: 52] أي: قرأ وتلا.
والأصل على هذا: أُمْنُويَة فأعلت إعلال ميت وسيد وقد تقدم.
وقيل: الأمنية: الكذب والاختلاق.
قال أعرابي لابن دَأْب في شيء يحدث به: أهذا الشيء رويته أم تمنيته أي: اختلقته.
وقيل: ما يتمّناه الإنسان ويشتهيه.
وقيل: ما يقدره ويحزره من مَتَّى: إذا كذب، أو تمنى، أو قدر؛ كقوله: البسيط:
لاَ تَأْمَنَنَّ وَإِنْ أَمْسَيْتَ في حَرَمٍ ** حَتَّى تُلاَقِيَ مَا يَمْنِي لَكَ المَانِي

أي: يقدر لك المقدر.
قال الراغب: والمني: التقدير، ومنه المَنَا الذي يُوزَن به، ومنه المنية وهو الأجل المقدر للحيوان، والتَّمَنِّي: تقدير شيء في النفس وتصويره فيها، وذلك قد يكون عن ظنّ وتخمين، وقد يكون بناء على رَوِيَّةٍ وأصل، لكن لما كان أكثره عن تخمين كان الكذب أملك له، فأكثر التمني تصوّر ما لاحقيقة له والأمنية: الصورة الحاصلة في النفس من تمني الشيء.
ولما كان الكذب تصوّر ما لا حقيقة له وإيراده باللفظ الدَّال صار التمني كالمبدأ للكذب فعبر عنه.
ومنه قوله عثمان: ما تغنيت ولا تمنيت منذ أسلمت.
وقال الزمخشري: والاشتقاق من منَّى: إذا قدَّر؛ لأن المتمني يُقَدِّرُ في نفسه، ويَحْزر ما يتمناه، وكذلك المختلق، والقارئ يقدر أن كلمة كذا بعد كذا، فجعل بين هذه المعاني قدرًا مشتركًا وهو واضح.
وقال أبو مسلم: حَمْله على تمني القلب أولى بقوله تعالى: {وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الجنة إِلاَّ مَن كَانَ هُودًا أَوْ نصارى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ} [البقرة: 111].
وقال الأكثرون: حمله على القراءة أليق؛ لأنا إذا حَمَلْنَاه على ذلك كان له به تعلّق، فكأنه قال: لا يعلمون الكتاب إلاَّ بقدر ما يتلى عليهم فيسمعونه، وبقدر ما يذكر لهم فيقبلونه، ثم إنَّهُمْ لا يتمكّنون من التدبُّر والتأمل، وإذا حمل على أن المراد الأحاديث والأكاذيب أو الظن والتقدير وحديث النفس كان الاستثناء فيه نادرًا.
قوله: {وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ} {إن} نافية بمعنى ما وإذا كانت نافية المشهور أنها لا تعمل عمل ما الحِجَازية.
وأجاز بعضهم ذلك ونسبه لسيبويه، وأنشد: المنسرح:
إنْ هُوَ مُسْتَوْلِيًا عَلَى أَحَدٍ ** إلاَّ عَلَى أَضْعَفِ المَجَانِينِ

هو اسمها، ومستوليًا خبرها.
فقوله: {هم} في محل رفع الابتداء لاسم {إن} لأنها لم تعمل على المشهور، و{إلا} للأستثناء المفرغ، ويظنون في محلّ الرفع خبرًا لقوله: {هم}.
وحذف مفعولي الظَّن للعمل بهما واقتصارًا، وهي مسألة خلاف. اهـ.

.تفسير الآية رقم (79):

قوله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (79)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما أثبت لهذا الفريق القطع على الله بما لا علم لهم به وكان هذا معلوم الذم محتوم الإثم سبب عنه الذم والإثم بطريق الأولى لفريق هو أردؤهم وأضرهم لعباد الله وأعداهم فقال: {فويل} والويل جماع الشر كله- قاله الحرالي.
{للذين يكتبون} أي منهم ومن غيرهم {الكتاب} أي الذي يعلمون أنه من عندهم لا من عند الله {بأيديهم} وأشار إلى قبح هذا الكذب وبعّدَ رتبته في الخبث بأداة التراخي فقال: {ثم يقولون} لما كتبوه كذبًا وبهتانًا {وهذا من عند الله} الملك الأعظم ثم بين بالعلة الحاملة لهم على ذلك خساستهم وتراميهم إلى النجاسة ودناءتهم فقال: {ليشتروا به} أي بهذا الكذب الذي صنعوه {ثمنًا قليلًا} ثم سبب عنه قوله: {فويل لهم مما كتبت أيديهم} من ذلك الكذب على الله {وويل لهم مما يكسبون} أي يجدون كسبه مما اشتروه به، وجرد الفعل لوضوح دلالته على الخبث بقرينة ما تقدم وإذا كان المجرد كذلك كان غيره أولى قال الحرالي: والكسب ما يجري من الفعل والقول والعمل والآثار على إحساس بمنة فيه وقوة عليه. انتهى.
وفي هذه الآية بيان لما شرف به كتابنا من أنه لإعجازه لا يقدر أحد أن يأتي من عنده بما يدسه فيه فيلبس به- فللّه المنّة علينا والفضل. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

أما قوله تعالى: {فَوَيْلٌ} فقالوا: الويل كلمة يقولها كل مكروب، وقال ابن عباس: إنه العذاب الأليم.
وعن سفيان الثوري: إنه مسيل صديد أهل جهنم، وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنه واد في جهنم يهوي فيه الكافر أربعين خريفًا قبل أن يبلغ قعره» قال القاضي: ويل يتضمن نهاية الوعيد والتهديد فهذا القدر لا شبهة فيه سواء كان الويل عبارة عن وادٍ في جهنم أو عن العذاب العظيم.
أما قوله تعالى: {يَكْتُبُونَ الكتاب بِأَيْدِيهِمْ} ففيه وجهان.
الأول: أن الرجل قد يقول كتبت إذا أمر بذلك ففائدة قوله: {بِأَيْدِيهِمْ} أنه لم يقع منهم إلا على هذا الوجه.
الثاني: أنه تأكيد وهذا الموضع مما يحسن فيه التأكيد كما تقول لمن ينكر معرفة ما كتبه: يا هذا كتبته بيمينك.
أما قوله تعالى: {ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِندِ الله} فالمراد أن من يكتب هذه الكتابة ويكسب هذا الكسب في غاية الرداءة لأنهم ضلوا عن الدين وأضلوا وباعوا آخرتهم بدنياهم، فذنبهم أعظم من ذنب غيرهم، فإن المعلوم أن الكذب على الغير بما يضر يعظم إثمه فكيف بمن يكذب على الله ويضم إلى الكذب الإضلال ويضم إليهما حب الدنيا والاحتيال في تحصيلها ويضم إليها أنه مهد طريقًا في الإضلال باقيًا على وجه الدهر، فلذلك عظم تعالى ما فعلوه.
فإن قيل: إنه تعالى حكى عنهم أمرين.
أحدهما: كتبة الكتاب والآخر: إسناده إلى الله تعالى على سبيل الكذب، فهذا الوعيد مرتب على الكتبة أو على إسناد المكتوب إلى الله أو عليهما معًا؟ قلنا: لا شك أن كتبة الأشياء الباطلة لقصد الإضلال من المنكرات والكذب على الله تعالى أيضًا كذلك والجمع بينهما منكر عظيم جدًا. اهـ.

.قال أبو حيان:

{فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم} الآية.
قيل: نزلت في الذين غيروا صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبدّلوا نعته، فجعلوه آدم سبطًا طويلًا، وكان في كتابهم على الصفة التي هو بها، فقالوا لأصحابهم وأتباعهم: انظروا إلى صفة هذا النبي الذي يبعث في آخر الزمان، ليس يشبه نعت هذا، وكانت الأحبار من اليهود يخافون أن يذهب مأكلتهم بإبقاء صفة النبي صلى الله عليه وسلم على حالها، فلذلك غيروها.
وقيل: خاف ملوكهم على ملكهم، إذا آمن الناس كلهم، فجاءوا إلى أحبار اليهود فجعلوا لهم عليهم وضائع ومآكل، وكشطوها من التوراة، وكتبوا بأيديهم كتابًا، وحللوا فيه ما اختاروا، وحرموا ما اختاروا.
وقيل: نزلت في الذين لم يؤمنوا بنبي، ولم يتبعوا كتابًا، بل كتبوا بأيديهم كتابًا، وحللوا فيه ما اختاروا، وحرموا ما اختاروا، وقالوا: هذا من عند الله.
وقال أبو مالك: نزلت في عبد الله بن سعد بن سرح، كاتب النبي صلى الله عليه وسلم، كان يغيره فارتد.
وقد تقدم شرح ويل عند الكلام على المفردات، وذكر عن عثمان، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه جبل من نار جهنم، وذكر أن أبا سعيد روى: أنه واد في جهنم بين جبلين، يهوي فيه الهاوي، وذكر أن سفيان وعطاء بن يسار رويا أنه واد يجري بفناء جهنم من صديد أهل النار.
وحكى الزهراوي وجماعة: أنه باب من أبواب جهنم.
وقيل: هو صهريج في جهنم.
وقيل، عن سعيد بن جبير، إنه واد في جهنم، لو سجرت فيه جبال الدنيا لانماعت من حره، ولو صح في تفسير الويل شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لوجب المصير إليه.
وقد تكلمت العرب في نظمها ونثرها بلفظة الويل قبل أن يجيء القرآن، ولم تطلقه على شيء من هذه التفاسير، وإنما مدلوله ما فسره أهل اللغة، وهو نكرة فيها معنى الدعاء، فلذلك جاز الابتداء بها، إذ الدعاء أحد المسوّغات لجواز الابتداء بالنكرة، وهي تقارب ثلاثين مسوّغًا، وذكرناها في كتاب منهج المسالك من تأليفنا.
والكتابة معروفة، ويقال أول من كتب بالقلم إدريس، وقيل: آدم.
والكتاب هنا قيل: كتبوا أشياء اختلقوها، وأحكامًا بدلوها من التوراة حتى استقر حكمًا بينهم.
وقيل: كتبوا في التوراة ما يدل على خلاف صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبنوها في سفهائهم، وفي العرب، وأخفوا تلك النسخ التي كانت عندهم بغير تبديل، وصار سفهاؤهم، ومن يأتيهم من مشركي العرب، إذا سألوهم عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقولون: ما هو هذا الموصوف عندنا في التوراة المبدلة المغيرة، ويقرأُوها عليهم ويقولون لهم: هذه التوراة التي أنزلت من عند الله ليشتروا به ثمنًا قليلًا.
بأيديهم: تأكيد يرفع توهم المجاز، لأن قولك: زيد يكتب، ظاهره أنه يباشر الكتابة، ويحتمل أن ينسب إليه على طريقة المجاز، ويكون آمرًا بذلك، كما جاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب، وإنما المعنى: أمر بالكتابة، لأن الله تعالى قد أخبر أنه النبي الأمي، وهو الذي لا يكتب ولا يقرأ في كتاب.
وقد قال تعالى: {وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمنك إذًا لارتاب المبطلون} ونظير هذا التأكيد {يطير بجناحيه}، {ويقولون بأفواههم}، وقوله:
نظرت فلم تنظر بعينيك منظرًا

فهذه كلها أتى بها لتأكيد ما يقتضيه ظاهر اللفظ، ولرفع المجاز الذي كان يحتمله.
وفي هذا التأكيد أيضًا تقبيح لفعلهم، إذ لم يكتفوا بأن يأمروا بالاختلاق والتغيير، حتى كانوا هم الذين تعاطوا ذلك بأنفسهم، واجترحوه بأيديهم.
وقال ابن السرّاح: ذكر الأيدي كناية عن أنهم اختلقوا ذلك من تلقائهم، ومن عند أنفسهم، من غير أن ينزل عليهم. انتهى كلامه.
ولا يدل على ما ذكر، لأن مباشرة الشيء باليد لا تقتضي الاختلاق، ولابد من تقدير حال محذوفة يدل عليها ما بعدها، التقدير: يكتبون الكتاب بأيديهم محرّفًا، أو نحوه مما يدل على هذا المعنى لقوله بعد ثم: {يقولون هذا من عند الله}، إذ لا إنكار على من يباشر الكتاب بيده إلا إذا وضعه غير موضعه، فلذلك قدرنا هذه الحال.
{ثم يقولون}: أي لأتباعهم الأميين الذين لا يعلمون إلا ما قرئ لهم، ومعمول القول هذه الجملة التي هي: {هذا من عند الله ليشتروا}. اهـ.