فصل: تفسير الآية رقم (18):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآية رقم (18):

قوله تعالى: {لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (18)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما تم ما للحق والباطل في أنفسهم من الثبات والاضطراب، ذكر ما لأهلهما من الثواب والعقاب جوابًا لمن كأنه قال: ما لمن تدبر هذه الأمثال، وأبعد عما أشارت إليه من الضلال، أو حاد عما دعت إليه ومال؟ فأجيب بقوله: {للذين استجابوا} أي طلبوا من أنفسهم الإجابة وأوجدوها: {لربهم} أي المحسن إليهم شكرًا له، الحالة: {الحسنى} أي العظيمة في الحسن، وهي القرار في الجنة فهو جزاءهم؛ قال أبو حيان: وذلك هو النصر في الدنيا وما اختصوا به من نعمه تعالى ودخول الجنة في الآخرة- انتهى.
وقد تقدم في سورة يونس عليه الصلاة والسلام أنهم يزادون ما لا يعلم قدره إلا الذي فعلوا ذلك خوف عقابه ورجاء ثوابه.
ولما ذكر ما للطائعين، أتبعه جزاء العاصين، فقال مبتدئًا: {والذين لم يستجيبوا} أي يرغبوا في إيجاد الإجابة: {له} وأخبر عن هذا الابتداء قوله معلمًا بأن استعجالهم بالعذاب باستعجالهم بالسيئة قبل الحسنة جراءة منهم ناشئة عن جهل صرف تزول عند رؤيتهم عذابه سبحانه، فيبلغون حينئذ بالافتداء غاية الذل فلا يقبل منهم-: {لو أن لهم} أي في ملكهم وتحت قدرتهم: {ما في الأرض} وأكد بقوله: {جميعًا ومثله} وأوضح بقوله: {معه لافتدوا به} أي جعلوا فكاك أنفسهم بغاية جهدهم، وأكده لادعاء الكفرة أنهم لا يذلون لشيء ولا يوهن قواهم شيء، والافتداء: جعل أحد الشيئين بدلًا من الآخر على جهة الاتقاء به، فكأنه قيل: ما الذي دهاهم حتى كان هذا حالهم؟ فقيل- دلالة على أنه لا يقبل منهم الفداء ولو عظم-: {أولئك} أي البعداء البغضاء: {لهم سوء الحساب} والحساب: إحصاء ما على العبد وله، وسوء المؤاخذة، وعدم العفو عن شيء: {ومأواهم} أي مستقرهم: {جهنم} أي الطبقة التي تلقى داخلها بالتجهم والعبوسة.
ولما كان المأوى إنما يأوى إليه صاحبه للراحة فيه بالاتكاء على فرش ونحوه، قال معبرًا بمجمع المذام: {وبئس المهاد}.اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى}
ثم استأنف الكلام بقوله: {لِلَّذِينَ استجابوا لِرَبّهِمُ الحسنى} ومحله الرفع بالابتداء وللذين خبره وتقديره لهم الخصلة الحسنى والحالة الحسنى.
الثاني: أنه متصل بما قبله والتقدير: كأنه قال الذي يبقى هو مثل المستجيب والذي يذهب جفاء مثل من لا يستجيب ثم بين الوجه في كونه مثلًا وهو أنه لمن يستجيب الحسنى وهو الجنة، ولمن لا يستجيب أنواع الحسرة والعقوبة، وفيه وجه آخر وهو أن يكون التقدير: كذلك يضرب الله الأمثال للذين استجابوا لربهم الاستجابة الحسنى، فيكون الحسنى صفة لمصدر محذوف.
واعلم أنه تعالى ذكر هاهنا أحوال السعداء وأحوال الأشقياء، أما أحوال السعداء فهي قوله: {لِلَّذِينَ استجابوا لِرَبّهِمُ الحسنى} والمعنى أن الذين أجابوه إلى ما دعاهم إليه من التوحيد والعدل والنبوة وبعث الرسل والتزام الشرائع الواردة على لسان رسوله فلهم الحسنى.
قال ابن عباس: الجنة، وقال أهل المعاني: الحسنى هي المنفعة العظمى في الحسن، وهي المنفعة الخالصة عن شوائب المضرة الدائمة الخالية عن الانقطاع المقرونة بالتعظيم والإجلال.
ولم يذكر الزيادة هاهنا لأنه تعالى قد ذكرها في سورة أخرى، وهو قوله: {لّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الحسنى وَزِيَادَةٌ} [يونس: 26] وأما أحوال الأشقياء، فهي قوله: {والذين لَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُ} فلهم أنواع أربعة من العذاب والعقوبة.
فالنوع الأول؛ قوله: {لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَّا في الأرض جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْاْ بِهِ} والافتداء جعل أحد الشيئين بدلًا من الآخر، ومفعول لافتدوا به محذوف تقديره: لافتدوا به أنفسهم أي جعلوه فداء أنفسهم من العذاب، والكناية في: {به} عائدة إلى: {ما} في قوله: {مَّا في الأرض}.
واعلم أن هذا المعنى حق، لأن المحبوب بالذات لكل إنسان هو ذاته، وكل ما سواه فإنما يحبه لكونه وسيله إلى مصالح ذاته، فإذا كانت النفس في الضرر والألم والتعب وكان مالكًا لما يساوي عالم الأجساد والأرواح فإنه يرضى بأن يجعله فداء لنفسه، لأن المحبوب بالعرض لابد وأن يكون فداء لما يكون محبوبًا بالذات.
والنوع الثاني: من أنواع العذاب الذي أعده الله لهم هو قوله: {أُوْلَئِكَ لَهُمْ سُوء الحساب} قال الزجاج: ذاك لأن كفرهم أحبط أعمالهم.
وأقول هاهنا حالتان: فكل ما شغلك بالله وعبوديته ومحبته فهي الحالة السعيدة الشريفة العلوية القدسية، وكل ما شغلك بغير الله فهي الحالة الضارة المؤذية الخسيسة، ولا شك أن هاتين الحالتين يقبلان الأشد والأضعف والأقل والأزيد، ولا شك أن المواظبة على الأعمال المناسبة لهذه الأحوال توجب قوتها ورسوخها لما ثبت في المعقولات أن كثرة الأفعال توجب حصول الملكات الراسخة، ولا شك أنه لما كانت كثرة الأفعال توجب حصول تلك الملكات الراسخة وكل واحدة من تلك الأفعال حتى اللمحة واللحظة والخطور بالبال والالتفات الضعيف فإنه يوجب أثرًا ما في حصول تلك الحالة في النفس فهذا هو الحساب، وعند التأمل في هذه الفصول يتبين للإنسان صدق قوله: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7، 8].
إذا ثبت هذا فالسعداء هم الذين استجابوا لربهم في الإعراض عما سوى الله وفي الإقبال بالكلية على عبودية الله تعالى ولا جرم حصل لهم الحسنى.
وأما الأشقياء فهم الذين لم يستجيبوا لربهم، فلهذا السبب وجب أن يحصل لهم سوء الحساب، والمراد بسوء الحساب أنهم أحبوا الدنيا وأعرضوا عن المولى فلما ماتوا بقوا محرومين عن معشوقهم الذي هو الدنيا وبقوا محرومين عن الفوز بخدمة حضرة المولى.
والنوع الثالث: قوله تعالى: {وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ} وذلك لأنهم كانوا غافلين عن الاستسعاد بخدمة حضرة المولى عاكفين على لذات الدنيا، فإذا ماتوا فارقوا معشوقهم فيحترقون على مفارقتها وليس عندهم شيء آخر يجبر هذه المصيبة، فلذلك قال: {مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ} ثم إنه تعالى وصف هذا المأوى فقال: {وَبِئْسَ المهاد} ولا شك أن الأمر كذلك. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {للذين استجابوا لربهم الحسنى}
فيها تأويلان:
أحدهما: الجنة، رواه أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم.
الثاني: أنها الحياة والرزق، قاله مجاهد.
ويحتمل تأويلًا ثالثًا: أن تكون مضاعفة الحسنات.
{والذين لم يستجيبوا له لو أن لهم ما في الأرض جميعًا ومثلَهُ معه لافتدوا به أولئك لهم سوء الحساب}.
في: {سوء الحساب} أربعة تأويلات:
أحدها: أن يؤاخذوا بجميع ذنوبهم فلا يعفى لهم عن شيء منها، قاله إبراهيم النخعي. وقالت عائشة رضي الله عنها: من نوقش الحساب هلك.
الثاني: أنه المناقشة في الأعمال، قاله أبو الجوزاء.
الثالث: أنه التقريع والتوبيخ، حكاه ابن عيسى.
الرابع: هو أن لا تقبل حسناتهم فلا تغفر سيئاتهم.
ويحتمل خامسًا: أن يكون سوء الحساب ما أفضى إليه حسابهم من السوء وهو العقاب. اهـ.

.قال ابن عطية:

{لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى}
{الذين استجابوا}: هم المؤمنون الذين دعاهم الله عز وجل على لسان رسوله فأجابوه إلى ما دعاهم إليه من اتباع دينه، و: {الحسنى}: هي الجنة وكل ما يختص به المؤمنون من نعم الله عز وجل،: {والذين لم يستجيبوا} هم: الكفرة، و: {سوء الحساب} هو: التقصي على المحاسب وأن لا يقع في حسابه من التجاوز شيء- قاله شهر بن حوشب وإبراهيم النخعي، وقاله فرقد السبخي وغيره- و: {المأوى}: حيث يأوي الإنسان ويسكن و: {المهاد}: ما يفترش ويلبس بالجلوس والرقاد. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {للذين استجابوا لربهم}
يعني: المؤمنين،: {والذين لم يستجيبوا له} يعني: الكفار.
قال أبو عبيدة: استجبت لك واستجبتك سواء، وهو بمعنى: أجبت.
وفي الحُسنى ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها الجنة، قاله ابن عباس، والجمهور.
والثاني: أنها الحياة والرزق، قاله مجاهد.
والثالث: كل خير من الجنة فما دونها، قاله أبو عبيدة.
قوله تعالى: {لا فتدَوْا به} اي: لجعلوه فداء أنفسهم من العذاب، ولا يُقبل منهم.
وفي سوء الحساب ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها المناقشة بالأعمال، رواه أبو الجوزاء عن ابن عباس.
وقال النخعي: هو أن يحاسَب بذنبه كله، فلا يُغفر له منه شيء.
والثاني: أن لا تُقبل منهم حسنة، ولا يُتجاوز لهم عن سيئة.
والثالث: أنه التوبيخ والتقريع عند الحساب. اهـ.

.قال القرطبي:

{لِلَّذِينَ استجابوا لِرَبِّهِمُ}.
أي أجابوا؛ واستجاب بمعنى أجاب؛ قال:
فلَمْ يَسْتجِبْه عند ذاكَ مُجِيب

وقد تقدم؛ أي أجاب إلى ما دعاه الله من التوحيد والنبوات.
{الحسنى} لأنها في نهاية الحسن.
وقيل: من الحسنى النصر في الدنيا، والنعيم المقيم غدًا.
{والذين لَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُ} أي لم يجيبوا إلى الإيمان به.
{لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَّا فِي الأرض جَمِيعًا} أي من الأموال.
{وَمِثْلَهُ مَعَهُ} ملك لهم.
{لاَفْتَدَوْاْ بِهِ} من عذاب يوم القيامة؛ نظيره في آل عمران: {إِنَّ الذين كَفَرُواْ لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُم مِّنَ الله شَيْئًا} [آل عمران: 10]،: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الأرض ذَهَبًا وَلَوِ افتدى بِهِ} [آل عمران: 91] حسب ما تقدم بيانه هناك.
{أولئك لَهُمْ سواء الحساب} أي لا يقبل لهم حسنة، ولا يتجاوز لهم عن سيئة.
وقال فَرْقَدْ السَّبَخِيّ قال لي إبراهيم النَّخعيّ: يا فَرْقَد! أتدري ما سوء الحساب؟ قلت لا قال أن يحاسَب الرجل بذنبه كلّه لا يفقد منه شيء.
{وَمَأْوَاهُمْ} أي مسكنهم ومقامهم.
{جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المهاد} أي الفراش الذي مهدوا لأنفسهم. اهـ.

.قال الخازن:

قوله تعالى: {للذين استجابوا لربهم الحسنى}
قيل: اللام في للذين متعلقة بيضرب والمعنى كذلك يضرب الله الأمثال للمؤمنين الذي استجابوا لربهم يعني أجابوه إلى ما دعاهم إليه من توحيده والإيمان به وبرسوله وللكافرين الذين لم يستجيبوا، فعلى هذا يكون قوله كذلك يضرب الله الأمثال ثم للفريقين من المؤمنين والكافرين وقيل تم الكلام عند قوله كذلك يضرب الله الأمثال ثم استأنف بقوله للذين استجابوا لربهم الحسنى.
قال ابن عباس وجمهور المفسرين: يعني الجنة.
وقيل: الحسنى هي المنفعة العظمى في الحسن وهي المنفعة الخالصة الخالية عن شوائب المضرة والانقطاع: {والذين لم يستجيبوا له} يعني الكبار الذين استمروا علىكفرهم وشركهم وما كانوا عليه: {لو أن لهم ما في الأرض جميعًا ومثله معه لافتدوا به} يعني لبذلوا ذلك كله فداء لأنفسهم من عذاب النار يوم القيامة: {أولئك} يعني الذين لم يستجيبوا لربهم: {لهم سوء الحساب} قال إبراهيم النخعي: سوء الحساب أن يحاسب الرجل بذنبه كله ولا يغفر له منه شيء: {ومأواهم} يعني في الآخرة: {جهنم وبئس المهاد} يعني وبئس ما مهد لهم في الآخرة، وقيل: المهاد الفراش يعني وبئس الفراش يفرش لهم في جهنم. اهـ.

.قال أبو حيان:

{لِلَّذِينَ استجابوا لِرَبّهِمُ}
والظاهر أنه لما ضرب هذا المثل للحق والباطل انتقل إلى ما لأهل الحق من الثواب، وأهل الباطل من العقاب، فقال: للذين استجابوا لربهم الحسنى، أي: الذين دعاهم الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم فأجابوا إلى ما دعاهم إليه من اتباع دينه الحالة الحسنى، وذلك هو النصر في الدنيا وما اختصوا به من نعمة الله، ودخول الجنة في الآخرة.